يتحدث الكثير من العسكريين عن آخر فترة «جيدة» للجيش السوري (1967-1973) حين كان الجيش محافظاً على عقيدته بالدفاع عن حدود الجمهورية وكان التدريب العسكري جدياً ومعنويات العسكريين عالية (كان يقال أنه في الجيش العريان ينكسى والجوعان يشبع). كان الرداء العسكري رمزاً له هيبته وكان يكفي دخول أي ضابط إلى أي مؤسسة مدنية كي يحصل على الاحترام الواجب تجاهه دون معرفة اسمه أو منصبه. كان الضابط قائد القطعة العسكرية على سبيل المثال يتعفف عن أكل الوجبة اليومية التي يحضرونها له من المطبخ (تقليد متبع كي يتعرف القائد على الطعام الذي سيأكله جميع مرؤوسيه حيث يتذوق الطعام فقط ويعيد وجبة التذوق، ثم تأتيه بعد ذلك وجبة أخرى في موعد الطعام). صار القائد يحصل على الوجبتين وفيما بعد صار قسم من مؤونة الطعام يصل إلى ثلاجته ثم صارت مؤونة الطعام تسرق وتباع بعلمه وربما بمشاركته. كانت بعض البروتوكولات العسكرية مطبقة مثل سلوك الضابط وجنوده عند مرور جنازة مدنية بجانبهم (إذا كان الضابط وجنوده مثلاً في رتل عسكري مشياً على الأقدام يفسحون المجال للجنازة ويقفون في نسق معين ويؤدون التحية العسكرية للجنازة) وهذه أشياء قد نسيها الكثيرون مدنيين وعسكريين وهناك من لا يعرفها ولم يسمع عنها قط.
بعد حرب تشرين التي اعتبرت خاتمة الحروب مع اسرائيل، وتدشين متحف «بانوراما» لها لتصبح ذكرى من التاريخ فقط بدأ الفساد والاستبداد في المؤسسة العسكرية يعمل على قدم وساق، وأول مؤشر له كان منع الصحافة العسكرية التي كانت ناشطة يوماً حيث يكتب العسكريون في مجلاتهم آراءهم المختلفة مثلما يجري في أي مؤسسة مدنية أخرى (مثل مجلة جيش الشعب)، وقد ظل بعض الأثر لها حتى أحداث الثمانينات (مثل مجلة بالمرصاد) ثم اختفت مثل هذه الكتابات نهائياً، كما ترافق ذلك مع منع أي وسيلة إعلامية مكتوبة أو مقروءة أو مرئية من تناول المؤسسة العسكرية بأي شكل من الأشكال.
ولكن الناس كانت ترى بأم عينها التغيّرات الحادثة في هذه المؤسسة، والخدمة العسكرية التي كانت إجبارية، والتي قلّ من تمكن من تفاديها من الشباب السوريين، هي أهمّ مناسبة لمعاينة كل ذلك. كل من أدى الخدمة العسكرية الإجبارية في سوريا يتذكر كيف كان يبرد ويجوع لأن أكل ولباس الجيش منهوبان، ويعرف حجم الدين الذي ترتب عليه نتيجة صرفه من ماله الخاص على لباسه وطعامه وتنقلاته، مقابل انقطاعه عن عمله، عدا راتبه الشحيح الرمزي الذي يتقاضاه في الجيش. كان التدريب العسكري نفسه ضحلاً، ومعظم الوقت كان يمر بالتفقدات وتمارين الانضباط العسكري السقيمة. كان الأمر الجوهري في كل ذلك هو تدجين الإنسان المدني مثلما يتم ترويض الخيول البرية (ولعل الإهانات اليومية اللفظية والفعلية بالعقوبات البدنية المبتدعة والمتروكة لخيال الضابط المناوب أكثر ما يدل على محاولات التدجين)، وهذا النوع من التدجين امتدّ للفتوّة (إناث وذكور) في المدارس الإعدادية والثانوية، وكذلك في الجامعات (التدريب العسكري الجامعي للذكور)، أي في عمر المراهقة وأول الشباب وهي فترة تكوين نفسي وأخلاقي مهمة في حياة البشر. في الفتوّة كانت حلاقة الشعر للذكور ونزع زينة الإناث البسيطة شائعتين وكانت العقوبة الفردية أو الجماعية الهازئة «مشية البطة» شائعة عند الجنسين. في التدريب الجامعي العسكري أضيف لما سبق كل ما يتفتق عنه خيال ضابط في الجيش النظامي أحيل إلى التدريب العسكري الجامعي كعقوبة لسوء سلوكه وانضباطه وغالباً ما يكون لدى هذا الضابط اضطرابات في الشخصية أو اضطرابات نفسية خفيفة. في الخدمة العسكرية الإجبارية من الممكن أن يعاقب دكتور في الجامعة مثلاً باتخاذ وضعية الانبطاح في الحمامات القذرة وجعله يتقلب على جانبيه. الإهانات اللفظية في كل المراحل تلخصها عبارة «اعتز بنفسك يا حيوان». هذه ليست نكتة أبداً.
بدأت بعض التكوينات العسكرية الخاصة تتميز في الجيش مثل سرايا الدفاع وسرايا الصراع والوحدات الخاصة والحرس الجمهوري، وكان لكل منها امتيازات خاصة وصارت تحتكر السلاح الحديث والتدريب العسكري الجاد والعوائد المادية الجيدة ولكن عقيدتها القتالية لم تكن موجهة للدفاع عن الوطن بل للدفاع عن النظام (الحرس الجمهوري لديه ما يشبه مناورة سنوية لاحتلال دمشق بافتراض حدوث انقلاب عسكري أو ثورة شعبية حيث يعرف كل عنصر مهمته حسب إحداثيات المكان وحسب نوع سلاحه واختصاصه). وقد ظهر ذلك جلياً في أحداث الثمانينات المشهورة في حماه وحلب وإدلب خصوصاً. مارست هذه القوات أعمال القتل والتنكيل والإذلال تجاه المدنيين من الشعب كما مارست السرقة (غنائم الحروب) من بيوت الناس وبيوت الله وبعض مؤسسات الدولة.
كثرة كبار الضباط من القادة العسكريين (والأمنيين أيضاً) العلويين في مختلف القطع العسكرية كانت سمة ثابتة لجيش النظام، وبعض التشكيلات العسكرية مثل سرايا الدفاع وبعض القطع العسكرية الصغيرة في الوحدات الخاصة والحرس الجمهوري كانت من تركيب علوي غالب أيضاً. وهذا انعكس في الخيال الشعبي بصورة طائفية للجيش والأمن كله.
في الجيش النظامي، ومع الرواتب القليلة بعد سن قانون «العمل الموحد» في منتصف الثمانينات–القانون الذي دمج قانون الموظفين المدنيين وقانون العمال وقانون العسكريين في قانون واحد جمع أسوأ ما في هذه القوانين الثلاث–بدأت مظاهر الفساد تبدو للعيان بشكل فاقع، ومنها على سبيل المثال راتب شهري للضابط أو مبلغ من المال عن كل إجازة مقابل أن لا يداوم العسكري المجند في قطعته–«التفييش». دخول رعاة مع قطعانهم في معسكرات الجيش للمرعى حيث يستثمر الضباط بعض الأغنام في القطيع لتسمينها وبيعها، أو دخول بعض القطعان حرم مطار عسكري للرعي مقابل مبلغ سنوي متفق عليه مع الرعاة. عمل المجندون في منازل الضباط بأعمال مختلفة مقابل حصولهم على إجازات طويلة. وكان يحدث أحياناً العكس بأن يُشاهد ضابط شريف يقود سيارة تكسي أو سوزوكي صغيرة بلباسه المدني بعد دوامه للحصول على معاشه. شيئاً فشيئاً فُقدت كل مظاهر الانضباط العسكري أمام فوضى وانقلاب القيم الأخلاقية في الجيش. فمن الممكن للمجندين المدللين من مرافقة أو حجاب ضابط معين أن لا يؤدوا التحية العسكرية لضابط آخر غير مهم في القطعة العسكرية حين يمر أمامهم. كان من الممكن أحياناً رؤية بعض ألوية الجيش المساكين–كثروا في وقت معين في نهاية السبعينات–مستلقين على جنوبهم ببزاتهم العسكرية يتشمسون على الحشيش أمام مبنى الأركان نتيجة الملل من وفرة الوقت في العمل المكتبي التافه، أو رؤية ضابط بكامل زيه العسكري ورتبه يقف طويلاً يوم الجمعة أمام محل الفوال المزدحم، ولا أحد يكترث به ولا حتى صاحب المحل نفسه. كانت تتسرب أخبار متداولة سراً كل حين عن القبض على جواسيس للموساد في الجيش، وأحياناً من رتب صغيرة من ضباط وصف ضباط، ولكن أكثر ما كان يثير الاهتمام في هذه الأخبار الرواتب القليلة التي كانوا يتقاضونها تجاه تسريب المعلومات العسكرية.
تحكّم الأمن العسكري بالجيش بقوة الردع والخوف، ومن المعلوم أنه في بلد اشتهر بالانقلابات العسكرية كان عقاب العسكري أشد من عقاب المدني، وكانت محاسبة العسكري تتم بعتبة منخفضة جداً تصل إلى حد السجن الطويل الأمد لمجرد التفوه بمشاعر أو أفكار شخصية مختلفة عن الأوامر العسكرية، أو عن التوجهات السياسية للقيادة السياسية التي هي في نفس الوقت القيادة العسكرية أيضاً. وكان من الملفت للانتباه اعتقال الكثير من المعارضين السياسيين في صفوف الجيش دون حدوث أي اشتباك عسكري فردي أو جماعي كدفاع عن النفس أو الغير (لم نسمع عن هكذا حوادث متوقعة في بلدان أخرى).
جاء دخول الجيش السوري إلى لبنان وبقاؤه هناك ثلاثين عاماً ليكمل ويفتح أبواباً جديدة من الفساد والانحطاط الأخلاقي مثل التهريب (كان باص المبيت العسكري في رحلاته الأسبوعية إلى سورية يعتبر «شركة مساهمة مغفلة»لكبار الضباط في القطعة العسكرية حيث البضاعة المهمة توضع في أماكن الحقائب تحت المقاعد أسفل الباص، أما بقية الضباط المساكين فيضعون بضائعهم معهم في مقاعد الركاب والفسحات والممرات الصغيرة بينها حيث لا يجدون مكاناً لجلوسهم هم أنفسهم إلا على بضائعهم نفسها)، وكذلك جرى نهب البيوت والمحلات وبعض المؤسسات الحكومية (وحتى القصر الجمهوري نفسه لميشال عون) في المعارك الصغيرة المتعددة مع مختلف الفرقاء في لبنان. وكانت تنهب حتى مقرات الجيش السوري نفسه التي كانت في معظم الوقت فيلات سكنية جرى الاستيلاء عليها فيتم نهب أثاثها وكسوتها المعمارية و«بياضها». وتَكرس في لبنان مفهوم «غنائم الحروب». كما اشتهرت قصص تهريب المخدرات من قبل كبار الضباط. كان أداء الجيش السيء عموماً في لبنان في حرب 1982 مثاراً للشعور بالعار، وكانت تروى في الجيش نفسه قصص كثيرة تدل على انحطاط أخلاقي مثل قصة صف ضابط أقدم على سرقة جيوب ضابط مصاب أثناء القصف الإسرائيلي (بدلاً من محاولة إنقاذه)، وكيف تم أسر الضابط المصاب الذي لم يمت وعودته من الأسر ليشكو صف الضابط الذي يحال إلى محكمة عسكرية. كانت تروى قصص كثيرة عن أسرى الجيش السوري العائدين من الأسر، قصص خرجت من الأسرى أنفسهم. قصص عن المهانة التي عوملوا بها من قبل الجيش الإسرائيلي، حين كان المحقق الإسرائيلي يواجههم بواقعهم المعاشي والتدريبي والانضباطي السيء المعروف بتفاصيله من قبل المحقق الإسرائيلي. كان منظر المجند السوري في شوارع لبنان يمشي بشحاطته البلاستيكية كافياً لإطلاق لقب «جيش أبو شحاطة»عليه. وكان يمكن مشاهدة ضابط برتبة عقيد مثلاً بكامل لباسه العسكري في السوق على الجانب اللبناني من الحدود السورية اللبنانية، وهو يحمل بيديه مهرباته ويحاول بمذلة إيقاف أي سيارة عسكرية سورية جيب أو غيرها يقودها مجند أو ضابط صغير الرتبة لتوصله إلى سورية، ولا أحد يقف له مدة طويلة. (كان من المهم دراسة أثر خروج الجيش السوري من لبنان وعودته إلى سورية على سلوك العسكريين في أماكن تمركزهم الجديدة).
في كل حروب الجيش السوري الداخلية والخارجية كان العنصر البشري هو الأرخص (ولذلك جرى إعلاء قيمة «الشهداء»من كل صنف ولون)، فأمام تخلف التدريب العسكري ورداءة المعدات العسكرية وضحالة الخطط العسكرية كان لا بد من الاعتماد على الكثرة العددية، ولذلك كان تعداد الجيش في تزايد دائم، وكان الحرص على التجنيد الإجباري وتعبئة الاحتياط مرتفعاً دائماً. لم يشتهر الجيش السوري مرة بالعمليات «النوعية»أو «الجراحات الدقيقة»، بل إن أغلب شهرته هي في القوة الغاشمة التي توقع أعلى الخسائر في الطرفين دوماً.
حرب الخليج أيضاً كانت مناسبة لتحصيل المجندين والمتطوعين بكل الرتب مبلغاً لا بأس به من المال من الرواتب والبدلات المرتفعة دون الاشتراك عملياً في عمليات قتالية في مقابل تغطية النظام سياسياً للتحالف الدولي ضد نظام صدام حسين ومن أجل تحرير الكويت. كان الأمر أشبه ما يكون مع ما يحدث مع مرتزقة الحروب.
لعب التوجيه السياسي في الجيش دور الماكينة الإعلامية للنظام تجاه المدنيين في تكريس عبادة الشخصية وترويج المواقف السياسية للنظام والتي لم تخضع يوماً لأي ناظم أيديولوجي متّسق أو أي قواعد أخلاقية مؤسسة. كان يحدث أحياناً أن يستغل الضباط البعثيون المسؤولون وجود بعض المجندين غير البعثيين في قطعاتهم للضغط عليهم بشكل غير مباشر لتنسيبهم لحزب البعث بصيغة الأوامر العسكرية أحياناً. كان الحديث في السياسة ممنوعاً، ولكن كان يتم انتخاب الرئيس في كل استفتاء رئاسي بشكل منظم عسكرياً.
وكانت النميمة الطائفية والقومية والعشائرية والدينية متفشية مثلها مثل تلك الموجودة في الأوساط المدنية، وكانت تحدث أحياناً مشكلات شخصية بين اثنين أو أكثر لها خلفيات مركبة، وكان القائد العسكري أو الأمن العسكري يحلها على طريقته كما يحدث في فروع الأمن الأخرى، ولكن كان التراتب العسكري والحساسية الفائقة لبعض خلفيات هذه الحوادث (حسب كل زمن) مما يؤخذ بعين الاعتبار هنا.
اندلعت الثورة في سوريا واتُّخذ القرار بزجّ الجيش في معارك احتلال القرى والبلدات والمدن المنتفضة وتقطيع الطرق (لمنع اجتماع الناس) بين التجمعات السكانية بالحواجز المختلفة، فظهرت للعيان مرة واحدة وبطريقة درامية كل المساوئ التي راكمتها هذه المؤسسة العسكرية منذ عام 1974 (مثلها مثل كل المؤسسات المدنية من نقابات واتحادات ومؤسسات حكومية). أصر الإعلام الرسمي على تصوير جنازات العسكريين حصرياً بشكل شبه يومي وهي تخرج من المشافي المختلفة بالبروتوكول العسكري المعروف، دون تصوير جنازات المدنيين المقتولين في المناطق المنتفضة. ومع انقسام المناطق السورية المقطعة بجواجز عسكرية إلى مناطق منتفضة ومناطق غير منتفضة، وتصوير استقبال الجنازات العسكرية أحياناً في المناطق غير المنتفضة (أحياناً بدلالات دينية وطائفية واضحة من صورة كنيسة أو صليب، أو من لهجة الناس أو من اسم الشهيد العسكري، أو اسم محلته) تكرس الانقسام المدني والعسكري ليشبه حرباً أهلية بين طرفين في المجتمع، طرف مؤيد للنظام وطرف معادي للنظام، وجاءت الانشقاقات وتشكيل الجيش الحر والمتطوعين المدنيين المسلحين لتكمل مشهد الحرب الأهلية، فلكل شهداؤه ولكل أبطاله ولكل أعداؤه.
أصبح من الممكن رؤية مشاهد متعاكسة تماماً في سورية: مشهد دخول الجيش إلى منطقة مثل داريا أو دوما وبكاء الأطفال وخوفهم لدى رؤيتهم اللباس العسكري، ومنظر استقبال الجيش في المناطق غير المنتفضة كجيش مظفر يدعو للطمأنينة كحام للمدنيين، ولعل مشهد قافلة عسكرية طويلة على الأوتوستراد الدولي في المنطقة الساحلية تسير باتجاه إدلب لقمع المناطق المنتفضة هناك وتحية الناس لها على جانبي الطريق في مفارق القرى والبلدات والمدن (الكثير منهم يعرف أن أولادهم المجندين أو المتطوعين موجودون في هذه القافلة)، وحماس الأطفال الذين يكادون يقذفون أنفسهم تحت الدبابات دون أي خوف. لعل هذا المشهد أكثر من موحٍ على عمق الانقسام في الجيش والشعب بعد أن بلغ الدم المسفوح من الجانبين مبلغاً لا يمكن القفز فوقه وتجاهله.
هذا الجيش الذي تكرست عقيدته القتالية خلال أكثر من عام من الثورة في احتلال بلده نفسها والحرب داخل مدنه نفسها. الجيش الذي يقتل شعبه وينهب شعبه ويذل شعبه. الجيش الذي يكرس انقسام شعبه ويدفع بأبنائه إلى الموت بيد شعبه نفسه. لم يعد حامي سياج الوطن، ولم يعد حامي الوحدة الوطنية. لقد انهارت كل القيم العسكرية من «شرف وتضحية وإخلاص» للوطن في مخيلة الشعب. ولم يتبقّ منها سوى صورة الجيش حامي نظام الدولة الفاشلة في كل وظائفها المدنية. والضامن لعدم الدخول في الفوضى والاقتتال الطائفي والأهلي كما يصوره النظام في إعلامه.
الملفت للانتباه في المزاج الشعبي الثوري السوري هو تخصيص جمعة لحماه الديار في رهان على حدوث انشقاقات كبيرة وصولاً لانقلاب عسكري لا يمكن التأكد من ماهيته، وكذلك التمسك بالنشيد الوطني السوري (مقابل السهولة التي جرى فيها التخلي عن العلم الوطني لصالح علم الاستقلال) مع أن هذا النشيد أقرب ما يكون إلى نشيد عسكري للجيش (ومن العجيب أيضاً أنه تم تبنيه أصلاً أثناء الحكم المدني، وليس في فترات الانقلابات العسكرية المتعاقبة في سورية)، ويُقال أحياناً أن حلم الدمشقي اليومي الآن هو حصول انقلاب عسكري، ولو من ضابط علوي!
الملفت للانتباه أيضاً هو موقف المعارضة السطحي غير المُفكر به من المؤسسة العسكرية (موقف مشابه للموقف من المؤسسات المدنية الحكومية) فمن داعٍ إلى بناء الدولة أو إصلاح مؤسسات الدولة ومنها الجيش، إلى من يرى أملاً في وجود ضباط شرفاء يمكن الركون لهم والاعتماد عليهم ممن لم تتلوث أياديهم بالدماء، إلى متخوف على مؤسسات الدولة ومنها الجيش إذا انهار النظام فجأة ومرة واحدة. ولكن ماذا لو حدث انقلاب عسكري وبقي النظام العسكري الأمني على ما هو عليه؟ وماذا إذا حصل تدخل عسكري أجنبي: هل سينادي البعض بحل الجيش مثلما حدث في العراق؟ وهل يمكن فعلاً إصلاح المؤسسة العسكرية من داخلها؟ أسئلة كثيرة من هذا القبيل تحتاج لإجابات عملية واقعية ومبنية على معرفة وليس على مجرد شعارات وآمال.