هزت تفجيرات ضخمة دمشق وحلب منذ العام الماضي وخلال هذا العام، فاتهم النظام السوري المعارضة المرتبطة بالقاعدة بتدبير هذه الهجمات الانتحارية واتهمت المعارضة النظام بفبركة تفجيراتٍ كهذه لتسوق روايته عن الثورة الشعبية. تبنى فصيلٌ غير معروف من قبل اسمه “جبهة النصرة” يدعي صلته بالقاعدة هذه الانفجارات من خلال مقاطع على اليوتيوب، لكن أيمكن أن تكون القاعدة مسؤولةً عن هذه الهجمات؟ قبل الإجابة على السؤال، يجب استكشاف أي علاقة، إن كان هناك علاقة، بين القاعدة والنظام السوري.

لم يجر النظام السوري أي تحقيقاتٍ مناسبةٍ لاكتشاف الجهة المسؤولة فاتهم القاعدة بعد 5 دقائق فقط من انفجار 23 كانون الأول/ديسمبر 2011. إلا أنه عقب نصيحة من حسين مرتضى المستشار الإعلامي للسفير الإيراني، حوّر روايته ليتهم المعارضة والغرب بالإضافة إلى القاعدة. فتظهر واحدة من الرسائل المُسربة من بريد الأسد الالكتروني، المنشورة في الغاريان، الرسالة التالية من مرتضى: “ليس من مصلحتنا ان نقول ان تنظيم القاعدة هو من يقف وراء العملية لان ذلك يبرأ الإدارة الاميركية والمعارضة السورية…علينا ان نقول ان الادارة الاميركية والمعارضة والدول التي ادخلت السلاح هي من تقف وراء العملية حتى نبدأ بالهجوم” يذهب مرتضى أبعد من هذا عندما يكشف أنه تلقى اتصالاتٍ من إيران وحزب الله كي لا يذكر أي شيءٍ عن مسؤولية القاعدة، “حتى أنني تلقيت اتصالات من إيران وحزب الله كوني مدير عدة قنوات ايرانية ولبنانية وجهوني فيها إلى عدم ذكر القاعدة كمن يقف وراء الحادث فهو خطأ اعلامي وتكتيكي فادح ولا يخدم مصلحة” http://www.guardian.co.uk/world/2012/mar/14/bashar-al-assad-syria11.

اتبعت الوكالة الرسمية سانا لاحقاً هذه النصيحة عندما أجرت مقابلةً من البرلماني اللبناني وليد سكرية وهو عضو ائتلاف حزب الله.. حافظ سكرية على رواية النظام السوري وأضاف إليها الرواية الإيرانية عندما “أكد …أن العمليتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا مقرات أمنية في دمشق تندرجان في خدمة المشروع الصهيوأمريكي… [وأن] هذا الإجرام الذي بدأ بعمليات ارهابية استهدفت المدنيين والعسكريين تطور الآن إلى عمليات انتحارية إرهابية من النوع القاعدي” http://sana.sy/ara/2/2011/12/24/390176.htm. ظهرت مفاجئةٌ غير متوقعةٍ عندما أعلنت “سانا” أسماء القتلى؛ فقد أعلنتهم قتلى مرة جديدة بعد أربعة أيام وأضافت لبعض الأسماء اسم الأب كما يظهر في المقالة التي نشرتها لجان التنسيق المحلية عندما قدمت روابط الموتة الأولى والثانية www.lccsyria.org/4764.

نشرت ويكيليس برقية مهمةً لاجتماعٍ بين وفد أمريكي برئاسة دانيل بنجامين ونائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد. حصلت مفاجئة في ذلك الاجتماع فقد ظهر مدير المخابرات العامة علي مملوك بشكل غير متوقعٍ، فتنص البرقية على “وقال مدير إدارة الاستخبارات السورية إن بلاده كانت أنجح من الولايات المتحدة والدول الأخرى في المنطقة في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية ’لأننا كنا عمليين لا نظريين‘. وأرجع نجاح سوريا في ذلك لقدرتها على التغلغل داخل تلك الجماعات، وقال “من حيث المبدأ نحن لم نهاجمهم أو نقم بقتلهم على الفور، نحن نقوم باختراقهم ونقوم بالتحرك في الوقت المناسب”. ووصف المملوك عملية اختراق الجماعات “الإرهابية” وزرع عملاء داخلها بأنها معقدة مضيفا أن تلك العملية أدت إلى اعتقال عدد من الإرهابيين وتفكيك خلايا ومنع المئات منهم من التسلل إلى العراق http://aljazeera.net/news/pages/4910b832-4dd9-4cb6-a151-e645db1c769c. وبعض من هذه الاختراقات التي تحدث عنها مملوك هي: فتح الاسلام وكتائب عبدالله عزام وغرباء الشام.

أسس عميل فلسطيني لدى المخابرات السورية اسمه شاكر العبسي تنظيم فتح الإسلام، وكان الغرض منها اختراق المخيمات الفلسطينية في لبنان. استخدم النظام السوري هذه المنظمة ليزعزع استقرار لبنان بعد أن أجبر المجتمع الدولي الأسد أن ينهي احتلاله للبنان. ويقول البرفيسور باري روبن في مقالته” الحقيقة حول فتح الإسلام : “كان يُقصد منها أن تسيطر على اللبنانيين وتهددهم من مغبة دعم المحكمة الدولية للتحقيق ومعاقبة المسؤولين عن قتل أكثر السياسيين اللبنانيين شعبيةً ألا وهو رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري و 22 آخرين في 15 من شباط/فبراير 2005. وبما أن كل الأدلة تشير إلى قادة سوريا على أنهم القتلة فأصبح قتل التحقيق أولويتهم القصوى.” ويشير البروفيسور إلى النقطة المتكررة المتمثلة باستباق أي حدث دولي كبير بانفجارٍ أو حادثٍ فيقول، “أتى توقيت هذا الانفجار في اللحظة التي كان مجلس الأمن يصوت على عقد المحكمة…وهذه أذكى أجزاء الخطة: أن تلقي بلوم ارتكاب الإرهاب على ضحيتك، وهي الحكومة اللبنانية وعلى عدوك، وهي الولايات المتحدة الأمريكية” http://www.globalpolitician.com/print.asp?id=2982.

بعد أن اقتحم الجيش اللبناني مخيم نهر البارد، اختفى بعضٌ من أفراد تنظيم فتح الإسلام وقادته الرفيعين ليظهروا في سوريا خلال الثورة. قبل هذا التاريخ بشهرٍ واحدٍ نشر موقع كلنا شركاء مقابلة مع شخصية فلسطينية قريبة جداً إلى مصادر القرار في حماس في دمشق الذي اشترط عدم ذكر اسمه خوفاً من الانتقام من عائلته. وقال هذا المصدر إن علاقة النظام السوري مع فتح الإسلام علاقة مصالح وليست علاقة خصومة وأنه هو بالذات كان شاهداً على حسن معاملة عناصر الأمن السوري لمن يعتقلونهم من فتح الإسلام وأنهم يعزلون في سجون خاصة. وأضاف المصدر أن آخر دفعة أطلقت من فتح الإسلام كان عددهم يتجاوز (800 عنصر) وكانوا مسجونين بفرع فلسطين وبعضهم مع عائلاتهم وأولادهم وقد تم إخلاء سبيلهم أول الأحداث وتم تدريب عدد كبير منهم من أجل استخدامهم لمصالح النظام السوري http://all4syria.info/web/archives/57392.

ونشر موقع الأنصار التابع للقاعدة في السادس عشر من آذار 2012 بياناً لكتائب عبدالله عزام انكرت فيه أي صلةٍ بخليةٍ اكتُشفت أواخر ذلك الشهر واتهمت الحكومة اللبنانية التي يقودها حزب الله بتأليف هذه الفبركات. وهدد البيان حزب الله بفضح العروض التي قدمها الحزب والمخابرات السورية كي تهاجم الكتائب أهدافاً في لبنان مقابل أموالاً وخدماتٍ. وذهب البيان أبعد من هذا ليكشف عن واحداً من هذه العروض عندما يذكر: “ونكتفي في هذا الموضوع بمثالٍ واحد عن هذه العروض: هو عرضكم علينا أن نغتال زعيم الدروز في لبنان النائب وليد جنبلاط مقابل اطلاق بعض قيادات المجاهدين من سجون النظام السوري” https://as-ansar.org/vb/showthread.php?t=57603. من الوضح أن الكتائب رفضت أن تقتل واحداً من أبرز مناوئي النظام السوري في لبنان مقابل إطلاق سراح بعضٍ من قياداتها المأسورين نتيجة “اختراقاتٍ” سابقة كما قال مملوك، إلا أنه من غير الواضح إن قبلت منظمة أخرى هكذا عروضٍ.

نفذ محمود غول أغاسي اختراقاً آخراً للمنظمات المتشددة من خلال منظمة غرباء الشام. فبعد الغزو الأمريكي للعراق، بدأ أغاسي الذي كان إماماً في حلب بتدريب وإرسال مقاتلين للجهاد في العراق. اعتُقل العديد من الرجال الذي أرسلهم هناك أو عندما عادوا إلى سوريا يبنما ظل هو حراً طليقاً. نشر مركز الإعلام الإسلامي العالمي في العراق على مجموعته الرسمية على موقع ياهو رسالةً يحذر فيها الجهاديين من التعامل مع آغاسي لأنه عميلٌ للمخابرات السورية. فينص البيان: “كان لهذا الخائن الدور في القبض على بعض المجاهدين العرب الذين قدموا لسوريا من أجل الذهاب للجهاد في العراق فقاموا بزيارته قبل التوجه للجهاد فلم يمهلهم عدو الله وعاجل بالإخبار عنهم والقبض عليهم.” وأصدر المركز أيضاً حكماً بالإعدام على آغاسي: “لذا فإننا نهيب بإخواننا المجاهدين المنتشرين في ربوع عراقنا العزيز خاصة وإخواننا السوريين بشكل عام إلى معالجة هذا الكافر وذبحه ذبح النعاج كي يكون أسوة لإخوانه المنافقين” http://groups.yahoo.com/group/Maalemaljihad/message/398. اغتيل أغاسي في 28 من سبتمبر/أيلول 2007. ألمحت وسائل الإعلام السورية أن القاعدة وراء الاغتيال إلا أن القاعدة لم تتبنى هذا الاغتيال والتحقيق السوري، إن جرى أي تحقيق، لا يمكن الاعتماد عليه بأي شكلٍ من الأشكال http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=62863.

إطلاق سراح جهاديين مقابل تأديتهم خدماتٍ، كما عُرض على كتائب عبدالله عزام، سياسةٌ يتبعها النظام السوري. فقد ألقت السي آي إيه (CIA) القبض على القائد في القاعدة مصطفى ست مريم نصار المعروف بأبو مصعب السوري. رُحل هذا القائد إلى بلد مولده سوريا وأبقي في السجن لمدة ست سنواتٍ. كان أبو مصعب قائد عمليات تنظيم القاعدة في أوربا واتهم بالتخطيط لتفجيرات لندن 2005، والمطلوب لتخطيطه تفجر قطارات مدريد 2004 ولصلاته بالاعتداء على مترو باريس 1995 ولاشتباهٍ بصلته مع محمد المراح في فرنسا 2012. فتقول صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها: “أطلق سراح السيد السوري مؤخراً من سجنه بدمشق في سوريا ومكانه الحالي غير معروف. سُلم السيد السوري لسوريا بعد أن أمسكت “السي آي آيه” به أواخر 2005 وأطلق نظام الأسد سراحه في كانون الأول/ديسمبر (حسب مصادر استخبارية ومواقع جهادية) والمقصود من وراء هذا كما يبدو تهديد الغرب من عواقب معارضة حكمه…يخدم اطلاق سراح السوري أيضاً في أن يكون مصدر تذكير أن استمرار إمساك السيد الأسد بالسلطة في سوريا تهديدٌ ليس على شعبه فحسب بل على السكان المدنيين في الغرب” http://online.wsj.com/article/SB10001424052702303299604577323750859163544.html.

وهكذا نرى أن للنظام السوري تاريخٌ حافلٌ بالاختراقات والخداع والكذب. ولغياب أي دليلٍ ملموسٌ وأي تحقيقٍ لائقٍ نجد أن جميع النظريات ممكنة إلا أن نظرية “الاختراق” أو عقد “صفقة” مع أبومصعب أو أي مجموعة جهادية أخرى لتنفيذ تفجيرات دمشق وحلب مقابلٍ خدماتٍ وأموالٍ مرجحة أكثر. رغم هذا يجب ألا نخلط بين الدمية ومن يحركها. فكيلهما معروفٌ لأن هذا المحرك تهديد ليس على شعبه فحسب بل على السكان المدنيين في الغرب المصدر السابق.