أُطلِق توصيف (المنحبكجية) على مجموعة المؤيدين للنظام أو المناهضين للثورة، بيد أنّ هذا التوصيف تجافيه الحقيقة ولا يدّل على طبائع الموصوفين بشكل دقيق. فخطاب هؤلاء لا ينطوي على حبٍّ للنظام بقدر ما ينطوي على بغض و كره للآخر. وتختلف ماهية الآخر هنا تبعاً لموقعه الطبقي والطائفي والمناطقي الذي يجعله حكماُ في منزلة أدنى في مخيّلة المنحبكجيّة، و غالباً ما تتجسّد العوامل الثلاث الآنفة الذكر ( الطبقة، الطائفة، المنطقة ) في صورة الثوار لتخلق حالة من العنصرية تجاههم لدى من يعتبرون انفسهم في مرتبة أعلى وتجعلهم يتوسّلون للنظام إبادتهم بأي ثمن.
يرى المنحبكجي في مرآته شخصاً تلقّى تعليماً و تربيةً أفضل من عامّة الشعب، إضافة الى ذلك يعتبر نفسه ذروة التحرر الإجتماعي. من هنا تأتي عبارة “ماذا يعرف هؤلاء المتظاهرون عن الحرية؟” لتتبعها عبارات مثل : “يجب على الشعب ان يكون واعياً لكي يقوم بثورة ” او “لا يمكن للأميّ ان يفهم معنى الحرية أصلاً”. هكذا تتوالى المفردات الفوقيّة ضد من يخرج من أجل الحريّة والكرامة ولا تخلو هذه التوصيفات العنصرية من إشاراتٍ ساخرة الى مظهر و ملابس المتظاهرين: “هلأ ابو شحاطة بدو يحكمنا بدلاً من الدكتور بشار؟!” إلى غيرها من العبارات التي تبرر قمع النظام للثوّار ما داموا ليسوا بالمستوى المطلوب.
ولا يخفي المنحبكجية تعالياً على الشعب بإلصاقه نعوتاً تبدو و كأنها أزلية: “شعب جاهل ,شعب ما بيجي غير بالعصاية,شعب همجي “.” فكلمة “شعب” تثير لديهم النفور و الاشمئزاز أكثر مما يفترض أن تثيره من شعور بالفخر والعزّ، لذا يلحقونها بشتيمة أو بصفة سيئة في أحسن الأحوال. ولئن كان هذا الشعب في القاموس المنحبكجي مصدراً للشر والجهل فكيف له أن يأتي بثورة عظيمة تقضي على التخلّف وتنهض بالبلاد؟! في منطق (أو لامنطق) المنحبكجية يستحيل صدور أي خير عن الشعب السوري ولا بدّ من وصاية و رقابة دائمة تضبط خطواته و تحمي مصالح الطبقات الإجتماعية العليا من همجيّته.
وفي كلام المنحبكجية إدانة – من حيث يدرون أو لايدرون- للنظام و رئيسه. فقولهم بأن “هيك شعب بدو هيك نظام وهيك رئيس” يظهر تواطؤاً ضمنياً مع نظام بشع، إلّا أنّ بشاعته بحسب هؤلاء ضرورية للجم “الغير شبعانين” و “الرعاع”. فحتى تنكسر شوكة ” الهمج” و”السفلة” لا بدّ من نظامٍ أكثر همجية و اكثر سفالة لا يتوّرع عن دوس كل من يتجرأ على تعكير صفو حياة المنحبكجية الهنيئة و الآمنة. و إذا اقتضت ضرورة الحسم بعض المجازر فلا بأس ما دامت العدّة الإيديولوجية جاهزة بتبرير كل الأعمال القذرة في الداخل بإلقاءها على أعداء مفتَرضين في الخارج.
هذا التواطؤ مع النظام بالرغم من الدرايّة ببشاعته ليس بالأمر الجديد و الطارئ، بل هو ثمرة عمل دؤوب منذ ثمانينيات القرن الماضي بعد شيطنة النظام لجماعة الأخوان المسلمين والعمل على إلغائهم جسدياً وسياسياً، ومن ثمّ إجهازه تباعاً على باقي المعارضين الجديّين له وسط صمت مطبق ممن تجدر تسميته بآباء المنحبكجية في حقبة عانى خلالها السوريون الوطنيّون وخصوصاً الإسلاميّون منهم أسوأ أنواع الاضطهاد لتختتم بشعار “إلى الأبد” الذي كان عنواناً لانتفاء السياسة بمعناها الحقيقي في تلك المرحلة.
فيصّح القول اذاً أنّ المنحبكجية هم أبناء ذلك الأبد الأسديّ. هم الّذين شيّدوا مصالحم ومشاريعهم و علاقاتهم على أساس الحكم الأزلي لآل الأسد، وإذ ببضعة أطفال من درعا يقلبون الطاولة عليهم. و من شدّة الخوف على امبراطورياتهم صمتوا على تعذيب الأطفال و اقتلاع أظافرهم واعترضوا فيما بعد على إيصال المساعدات الغذائية والحليب الى درعا. وبعد مشاهدتهم قتل الأطفال وتعذيبهم لاحقاً استنكروا على الأهالي إخراج اطفالهم الى الشارع تارةً واتهمّوا تارةّ اخرى الأطفال القتلى بمحاولات اغتصاب لنساء ضباط. هكذا كرّت سبحة الصمت حيناً والتبرير و التهليل أحياناً للجرائم التي ارتكبها جيش النظام وشبيحته بحق المدنيين لينالوا لقب المنحبكجية عن جدارة.