تطورت الثورة السورية من الثورة السلمية إلى الثورة المسلحة نتيجة العنف المفرط الذي واجهها النظام به وظهر “الجيش السوري الحر” إلى العلن، في البداية، للدفاع عن الثورة السلمية ثم أناط بنفسه مهمة تحرير التراب السوري من الاحتلال الأسدي. شاب “الجيش السوري الحر” لوثة عدم المركزية في اتخاذ القرارات التي أدت في النهاية للتشرذم والسماح للصوصٍ وقطاع الطرق أن يشكلوا كتائب وينهبوا الناس تحت اسم الثورة و “الجيش الحر”؛ فرأس مال القضية مقطع على اليوتيوب وصفحة فيسبوك وأن يتخذوا من اسم صحابي (ربما لا يعرفون شيئاً عنه) اسماً للكتيبة أو ربما تسلل أذناب الاحتلال الأسدي إلى صفوف “الجيش الحر” وارتكبوا الموبقات تحت اسمه.
دفع هذا الناس العاديين غير مرةٍ للمطالبة بتوحيد كتائب “الجيش الحر” لتفادي مثالب التفرقة ولكن برز هنا تنازع القيادات العسكرية على المناصب وبروز خلافات حول من الأحق بالمنصب القيادي: الأعلى رتبة أم الأسبق بالانشقاق أم المقاتلون الثوار ممن حملوا السلاح بعد اليأس من جدوى الثورة السلمية؟ ومع كل محاولة للتوحيد كان يبرز فصيل جديدٌ يدعي أنه يمثل ما لا يقل عن 80% من الكتائب الفاعلة على الأرض.
أما الآن، بعد تشكل الائتلاف الوطني ونيله اعتراف دولاً عُظمى كبريطانيا وفرنسا ودولاً إقليميةً ذات ثقلٍ كبيرٍ كتركيا ومجلس التعاون الخليجي، بدت الحاجة أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى لتوحيد العمل المسلح تحت مجلس عسكري موحد يرسم استراتيجية واضحة للخلاص من الاحتلال الأسدي وضبط السلاح لا سيما النوعي منه وحفظ الأمن والاستقرار ما بعد الأسد وأن يكون تابعاً لسلطةٍ سياسيةٍ موحدةٍ وهي هاهنا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
كانت تلك مراجعة موجزة للواقع المر الذي لا يمكن نكرانه وأعتقد أننا على وشك طي صفحته. ومع اقتراب إعلان الأفرقاء في “الجيش الحر” عن اتحادهم، نتيجة ضغط داخلي وخارجي كبيرين، نكون على أبواب مرحلةٍ جديدة وتبرز بعض الأمور التي من الممكن أن تساعد في تفادي ما شاب المرحلة السابقة من مثالب.
ينبغي تبديل اسم الجيش من “الجيش السوري الحر” إلى أي اسم آخر يقبل به الجميع، فقد أصبح اسم “الجيش السوري الحر” اسماً فضفاضاً ومترهلاً يتخذه كل من هب ودب ستاراً له لينفذ معتقده الأيديولوجي أو سعياً لإشباع شبقه للسلطة. ويجب على الكيان العسكري الجديد أن يتخذ لنفسه لباساً عسكرياً موحداً يميزه عن جيش النظام، وأن يكون مرفقاً بهويات عسكرية مميزة منعاً لاندساس أي لصٍ أو عميلٍ للنظام ضمن صفوفه.
وبما أن الكيان المقبل يتكون من بشر، فمن الطبيعي أن يرتكبوا مخالفات أو انتهاكات لحقوق الإنسان لا سيما أسرى الحرب، ما يستدعي وجود إرشاد حقوقي وديني، بما أن النفس الإسلامي موجود بوضوح عند المقاتلين، عن قوانين الحرب وحقوق الأسرى وكل ما يتصل بالقتال ويستدعي أيضاً وجود شرطة عسكرية تقوّم أي انحرافٍ وتضع حداً له قبل أن يتطور من حالة فردية إلى ظاهرة عامة. وللإرشاد الديني القويم أهمية خاصة فهو ضروي لحماية المقاتلين من تدليس وانحراف القاعدة وبناتها وتفرعاتها ولتحجيم نفوذها.
وينبغي الاقلاع عن ظاهرة اتخاذ من أسماء الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين وأرضاهم أسماءً للسرايا والكتائب منعاً للتشويش والاختلاط فهناك الكثير من الكتائب حالياً تتشارك بالاسم نفسه واعتماد الأرقام بديلاً عنها مع امكانية اعتماد أسماء ذات نفس اسلامي تاريخياَ (حطين، القادسية….) للوحدات الأكبر كالألوية والفيالق.
لا ينبغي أن تكون أقصى غاياتنا الاطاحة ببشار الأسد فحسب ثم الوقوع ببراثن الفوضى والاقتتال الداخلي، يجب علينا أن نبني جيشاً مستقبلياً وطنياً تكون مهمته الدفاع عن الأرض والعرض وحفظ البلاد وهذا لا يكون إلا على أسس سليمة ومهنية احترافية. مجرد اقتراحات عسى أن تجد أذناً مصغيةً في صفوف الكيان المقبل الجديد.