من الواضح أن وسائل الإعلام الروسية-السورية قد أطلقت حملة تضليلٍ إعلامي لتضرب أستاراً من الشكوك على مجزرة الحولة ومرتكبيها من أجل إخلاء ساحة بشار الأسد من أي مسؤولية. تستغل روسيا والأسد حقيقةً أن الحكومة السورية مستمرة بمنع الدخول الحر لوسائل الإعلام؛ وبهذا ستجد وسائل الإعلام المستقلة من الصعوبة بمكان أن تؤكد أي خبرٍ ما يترك الباب مفتوحاً لكافة الاحتماليات. تحتاج روسيا لأي ذريعةٍ لتبرر موقفها عقب إعاقة صدور جميع قرارات مجلس الأمن التي تدين الأسد. ولهذا نجد أن روسيا اليوم منذ السابع والعشرين من آذار تشكك باستمرارٍ حول من ارتكب الجريمة وتشير إلى المعارضة أنها الجانب المجرم الذي قتل مناصرين للأسد.[1]

يستفيد نظام الأسد وحليفه الروسي من حقيقة أن الغربيين على العموم لا يفهمون اللغة العربية ما يجعلهم عرضة للتلاعب. وهكذا استطاعوا تمرير روايتهم للحدث خلال وسائل الإعلام حتى وصل إلى Frankfurter Allgemeine Zeitung (FAZ)[2]  في السادس من حزيران. يردد تقرير FAZ بشكلٍ تامٍ تقريباً روايةروسيا اليوم.[3] إلا أن تقرير FAZ، الذي اقتبسته صحيفة National Review وترجمته إلى الإنكليزية كان أكثر تفصيلاً.[4] فكانت ترجمتها هي التالية: ““Those killed were almost exclusively from families belonging to Houla’s Alawi and Shia minorities… Members of the Shomaliya, an Alawi family, were also killed, as was the family of a Sunni member of the Syrian parliament who is regarded as a collaborator.” وبالعربية: “كان أولئك الذين قُتلوا على وجه الحصر تقريباً من عائلاتٍ شيعيةٍ وعلويةٍ في الحولة…وقتل أيضاً أفرادٌ من أسرة الشوملية، وهي أسرة علوية، وكذلك كان الأمر بالنسبة لأسرة عضو سني في البرلمان السوري الذي كان يُنظر إليه أنه عميل”. لا يوجد من ضمن القتلى في مجزرة الحولة أي عائلة اسمها الشوملية، كما نقلت المجلة الألمانية. وفي الواقع إن الشوملية اسم منطقة خارج منطقة الحولة التي تتكون من أربع قرى: تلدو، كفر لاها، تل دهب، والطيبة الغربية. أما المجزرة فقد ارتكبت في تلدو. إضافةً لهذا، سيكشف مطالعة أسماء الضحايا أنه لا يوجد أي شخص ينتمي إلى أسرة المشلب، وهي أسرة النائب السوري.[5]

يقول التقرير أن معظم الضحايا متحولون من المذهب السني إلى الشيعي. على الرغم من أنه من المستحيل التأكد من هذا، فإننا ما نزال قادرين على إيجاد بعض التلميحات التي تشير إلى خلافه. كانت أعمار معظم الضحايا تحت العاشرة ما يعني أنهم لم يُدخلوا بدينِ أول حتى يتحولوا لدينٍ آخر. علاوة على هذا، يوجد هناك صراعٌ تاريخي بين الإسلام الشيعي والسني، ويرتبط هذا الصراع ببعض الشخصيات التاريخية. وهكذا، من المستحيل أن نجد شيعي يُحمل اسم واحد من الشخصيات الأكثر كرهاً في دينهم مثل الضحية رقم 27 الذي يحمل اسم عمر محمود الكردي. فاسم عمر يعود إلى واحدٍ من الشخصيات الذي يكرهه الإسلام الشيعي أشد الكره وهو عمر بن الخطاب. وينطبق هذا أيضاً على اسمي ضحيتين آخرين يحملان اسمين سنيين حصرياً: وهما الضحية رقم 90، معاوية السيد، والضحية رقم 59، عائشة عبد الخالق عبد الرزاق.[6]

إن محاولة التلاعب بالجمهور سياسةٌ يتبعها النظام السوري. ففي كانون الأول/ديسمبر 2011، بثت قناة مقابلةٍ أجرتها باربرا والترز مع بشار الأسد. أقر بشار ارتكاب بعض الأخطاء وقال أنهم يعملون على اصلاحها. لاحقاً تسربت الإيميلات الرئاسية وظهر للعلن رسالةٌ مهمةٌ مرسلةٌ من شهرزاد الجعفري (المساعدة الإعلامية لبشار الأسد) إلى الأسد نفسه تنصحه فيها بما يقوله في المقابلة تقول فيها “لا تتحدث عن الإصلاح، فالأمريكيون لن يهتموا أو لن يفهموا هذا…يمكن التلاعب بالعقل الأمريكي بكل سهولةٍ عندما يسمعون أنه هناك ’أخطاءٌ‘ جرى ارتكابها وأننا الآن ’نصححها‘[7]

لم تكن تداعيات مجزرة الحولة متوقعةً ولهذا يحاول الأسد وحلفاؤوه جعل الحقائق غامضةً ليستغلوا هذا لإلقاء مسؤولية المجازر التي يرتكبوها على الضحايا؛ وبهذا يلقون يالشك على مجازرٍ أخرى تحصل لاحقاً من خلال تقويض مصداقية الأخبار المتسربة من سوريا.