المداهمة الأولى

ظننا أنهم انتهوا من المداهمات، والتفتيش، فقد خلت حماه من السكان في شهر رمضان سنة 2011 مدة 17 يوما. خلت خلوا تاما كاملا… والسبب هو ذكرى الثمانينات المرعبة. أم حسام على سبيل المثال يغمى عليها عند حضورهم إلى الحارة. تعتكف للدعاء، فذكرى الثمانيات (وهي من الحميدية) لا تفارقها مع أن بيتها ليس به أسلحة أو كومبيوترات أو متظاهرين هاربين. أبو ابراهيم يتجنب الحواجز تجنباً مطلقاً. دخل الجنود وفتشوا البيوت، ونهبوا وكسروا وحرقوا الدراجات النارية، أو صفحوها تصفيحا بعجلات الدبابات الحديدية و”مشطوا” المدينة تمشيطا وكووها كيا. لكننا سنكتشف أنّ المداهمات لن تتوقف وستصير دورية، ويمكن أن تحدث في أي وقت، من غير “أمر من النيابة” بعد إقرار الدستور “المسكين” الذي لا يفسح “دستورا” لأحد… كبسوا على الحي فجأة…  أهم ما يبحثون عنه هو حسب الاستطلاعات والتوقعات وخبرة الألم: المشافي الميدانية، أسماء مطلوبين، إلقاء الذعر في القلوب، الأسلحة، إدامة الذل… تقول شهادات عدة أنهم يصادرون الكومبيوترات المحمولة، وقد يصادرون صاحبها حسب المزاج ودرجة العدوانية. كنت انوي حذف المكتبات من ذاكرة الكومبيوتر، فمكتبتي بها كتب للقرضاوي وابن تيمية، كما أنّ بها كتب لماركس وعزيز العظمة، لكن ليس بها كتب لأحمد حسون فهو ليس مؤلفا، وإنما مفتي لجمهورية الشبيحة من غير مؤلفات أو شهادة شرعية “و.. بس”.  الكهرباء مقطوعة. هم عادة لا يقطعون الكهرباء عن الأحياء المداهمة، إما أن هناك عطلا أو أن ثمة سوء تنسيق بين دوائر الكهرباء ودوائر الدهم والتصفيح. اخذ ابن عمي عبد المجيد الكومبيوتر المحمول، قبل وصولهم بخمس دقائق، ودسّه في صندوق السيارة الأمامي -صندوق المحرك- أمام أعين أهل الحارة كلهم، ويمكن في حال وجود مخبر أن نضيع في شربة ماء. الثوار انتقموا من الكثير من المخبرين وقتلوهم بعد محاكمات سريعة -يؤكد الشهود أنها عادلة- ورموا جثثهم في الشوارع  والمزابل، فقل عددهم وتواروا عن الأنظار. حشرنا المحمول الثاني بين الألبسة في أسوأ مكان يمكن أن تخبأ فيه الأشياء: خزانة الثياب التي يهجمون عليها أولا. لو وضعناه في الحديقة؟ تحت أوراق شجرة التين العريضة، لو وضعناه في السقيفة، لو وضعناه بين أغصان شجرة الجهنمية الكثيفة… وصل حوالي مائة جندي وانتشروا في الشارع، فسكت صوت كشاش الحمام عيسى المزعج وعواءه في أسراب الحمام، التي تابعت الطيران غير آبهة بالجند والأسلحة وعمليات التصفيح البشري والمعدني. صدر الأمر بخروج الشباب مع الهويات، فخرجنا، في رتل، نزدرد ريقنا، ووقفنا أمام الضابط الطويل ذو العينين الحادتين، فنظر إلى هويتي وأستنكر وجودي في حماه: كردي؟

–        نعم

–        ماذا تفعل هنا؟

كان يجب أن أقول إنني في سوريا، وحماه لا تحتاج إلى جواز سفر، فوجودي شرعي، لكن ابن عمي بادره حاسما: صهرنا.

أمرنا أن نقف أمام الحائط وأرسل البطاقات الشخصية إلى امتحان اكسل في كومبيوتر محمول في المدرعة.

 سألني الضابط:

ما هي الفضائيات التي تتفرج عليها؟

–        قلت: أتفرج على حوالي مائة قناة ؟

–        قال: الجزيرة والعربية طبعا..

–         قلت:  وأتفرج على قناة الدنيا… وهمست في سري: دنيا كوميدي”.. (التي تعتبر أهم القنوات السورية الثلاث) والمنار والعالم… الضيق.

 ووقفنا أمام الباب، نتفرج على السلاحف البشرية المدرعة بالحديد وهي تدك باباً حديدياً. أعلمهم أحد الجيران أن أصحابه مسافرون في قطر. فاستفزهم الاسم ، قطر اسم مكروه ويثير اشمئزازهم أكثر من إسرائيل. هجم اثنان وقفزا على الباب. في الركلة الثانية كان الباب الحديدي قد انفتح فتحاً مبيناً، فاقتحموه  غازين… اجتمعنا في كتلة بجانب الحائط ننتظر أن  تخرج هوياتنا مخبوزة من فرن التدقيق والفرز… انهمكوا في تفتيش العمارة، شقة شقة، وتقدم الضابط منا بعد أن كلّ من التفتيش، وبدا أنه يريد أن يلقننا درسا في الأخلاق والوطنية. اقترب الضابط واتكأ على السيارة حيث نخبئ الكومبيوتر، فتوجسنا شراً، وأصبحنا كمن يجلس على لغم. توقفت حركتنا وتصلبنا. فسايره بعضنا وتغنى بأيام الأمان التي كان الواحد يتجول في ساعة من غير أن يحدث له شيء (سوى العيش الذليل فيمكن في أي لحظة أن يستدعى “الواحد” فيذهب ويصبح “صفرا” بعد عملية حسابية بسيطة  مثل الضرب أو الطرح أو القسمة إلى أشلاء من غير أن يعلم احد عنه شيئاً).

تحدث الضابط وقال أنه “منا”، وكانت تلك إشارة غير مستحبة وطنياً، ومذهبية صافية، لكنها حقيقة واقعة،  فالمفروض أنهم جميعا “منا”، لأنّ لهجته تقول عكس ذلك. بث لنا شكواه ولوعته قائلا انه لم ير زوجته وأولاده من شهرين ونصف، فعلمنا انه مدلل فثمة جند “منا” لم يروا أهلهم منذ سنة كاملة، فأشفقنا عليه، ولم نقل له أننا لم نر أنفسنا منذ أربعين سنة! وتبرع ابن عمي عبد المعطي ليقول إنه في لبنان بقي ستة أشهر من غير إجازة،  أثنى الضابط على حماه مقارنة بحمص، وقال أن الأزمة منتهية قريباً، وحذرنا من السكوت على الإرهابيين، وقال أن الفرص انتهت، ولن ترحم الدولة أحدا بعد الآن. ثم نظر إلي وأطلق علي قذيفة اتهامية مفاجأة جلطت الدم في عروقي: أنت تنظر إلي بازدراء!!

قلت بعفوية وصدق وهدوء من ريق صحراوي جاف: أنا متعجب من كلامك ولا ازدريه ويسرني ما أسمع.

وكان فعلا تغيراً  كبيراً. أن يتكلم رجل أمن محاضرا في “مواطنين” بغير المسدس، و أن يسمح “لمواطن” النظر إليه بازدراء، ففي أوائل الثمانينات كان يمكن لمثل هذه النظرة أن تنتهي بمأساة مثل مأساة يوليوس قيصر الذي طعن ستا وثلاثين طعنة من أجل نظرة ازدراء.

 ذهب الضابط لشأن من شؤون مكافحة الحرية، وجاء آخر طالباً مفتاح صندوق السيارة، فغصصنا جميعاً، وأيقنا بسوء المصير، وقيام الساعة. سيعتقلوننا جميعا وفي أفضل الأحوال سيصادرون الكومبيوتر مع الهوية. فتح الدكتور عبد الحكيم الصندوق فظهرت الأدوية، فصرخ الجندي: ما هذا؟ قال: أنا طبيب بيطري. طلب البطاقة المهنية فأخرجها، ثم طلب أوراق السيارة فاحضرها: السيارة  قانونية، وضرائبها مدفوعة، وهم يدققون في الأوراق كما لو أنهم شرطة مرور. اكتفى الضابط بصندوق السيارة الخلفي. جاءت الهويات ففرحنا بها، فنحن وهم ندرك أن مصادرة الهوية تعني حجراً في المنزل ومنعاً من التجول وحرماناً من الحياة وإقامة إجبارية… المفارقة أنه تم تفتيش جميع بيوت الحارة، إلا البيت الذي نقيم فيه!!

عاد صفير كشاش الحمام و عواؤه وهو يحث سرب حمامه على الجهاد والإغارة على حمامات الجيران وخطفها إناثها. استمر الحمام طائراً، حائماً، غير آبه بالدبابات والأحكام العرفية التي سيقف الدستور على بابها مثل المتسول.

المداهمة الثانية:

نجا المحمولان، في المرة السابقة. ها هي مداهمة للمرة الثانية في شهر واحد نحس مستمر. ليس عندنا مشفى ميداني، ولا أدوية، ولا أسلحة، حتى الاتصالات والكهرباء مقطوعة. الأغلب أنهم يبحثون عن جرحى هذه المرة، فقد هرب ثوار من حي الحميدية المحاصر، والقصف الذي تعرضت له، ومن الغريب أن عشرة آلاف من سكانه نساء وأطفال ورجال اعتقلوا من غير خبر أو تقرير إعلامي، فإعلام الثورة في منتهى الضعف في حماه.

 أين سنخبأ المحمولين هذه المرة؟

أفقنا باكراً ننتظر دور التفتيش، وفضلت أن اترك المحمولين (الذي يطلق المثقفون على واحدهما اسم “لاب توب” الذي أجده صعبا، بسبب حرف الباء المكرر) من غير إخفاء. ففي لحظات الخوف يضعف الخيال و تصاب المكيدة بالسكتة القلبية.

بدا الجنود ألطف من المرة السابقة. المرء بأصغريه: لسانه وقلبه. فمن خلال اللهجة يعرف المرء طائفة الجندي،  وتبعا لذلك يجري التقييم: معنا أم مع “التانيين”. “منا” أم من الأعداء.

طلب الجندي الذي يضع شريطة صفراء الدخول للتفتيش، طبعا لم يذكرهم أحد بالدستور الذي يحفظ الحرمة الشخصية، أو حرمة البيت، أو يطلب منهم أذناُ من النيابة. هل قلت نيابة؟؟  فالتطبيع يغلب الطبع… صدر الأمر:  الذكور مع الهويات في الخارج. طلبوا شاباً  لمرافقتهم كدرع بشري إلى الداخل… إلى الحرملك. في الوقت نفسه دخل الجنود الثلاثة بعد أن طلبوا ضوءاً، فأعطيناه أضعف المصابيح التي تعمل بالبطارية، وقد  تطورت صناعة المصابيح إبان الأزمة، وبادرت الصين إلى تصدير أنواع مختلفة من المصابيح و”فيتوين” كهدية… وفتشوا الغرف غرفة غرفة، لكن بسرعة مشكورة… فالبيوت كثيرة والنهار قصير، وهم يغادرون عند حلول الظلام خوفا من الثوار. طال بهم الأمر في غرفة النوم بعد أن فشلوا في فتح الخزانة فخلعوها، ثم اقتحموا الصالون وداسوا على السجاد، فزعقت فيهم زوجة عبد الحكيم، فارتبكوا. استطاعت امرأة أن ترعبهم!! استنتجت أن النساء -خاصة من الجيل الجديد- مثل زوجة عبد الحكيم التي لم تجاوز الخامسة والعشرين اقل خنوعاً منا نحن الذكور الذين تعودنا على الإهانة في الدوائر الحكومية والأمنية والشارع. هل خوفهم هو من وجود انتحاريين في الشقة أم من أن تشعل صيحتها دماء الشرف والعرض؟ استنتجت أن الجندي الذي ارتبك خوفا وتجمد هو “منا”  بسبب تشابه العادات وحرصه على الحرمات… صرخت عائشة: لا تدوس على السجاد. اضطر الجندي إلى المبادرة إلى خلع بوطه، فحلف عبد الحكيم أن يظل منتعلاً،  بل تطوع أن يحمله فوق ظهره… صحيح إننا نصلي على السجاد لكن نستطيع أن نغسله ، فالماء عاد إلى التدفق بعد انقطاع مدة ثلاثة أيام: تفضلوا، أقسمت أن تدوسوا السجاد، بل على راسي.

رفع احدهم السجاد عن الأرض و مشى على الحصير الموضوع أسفل السجاد، و عبر إلى الجنينية فوجد الأم الكبرى، “حماتي” على كرسي متحرك،  تفحص الجنينة فلم يجد شيئاً سوى الغسالة القديمة وبعض الكراسي… فسلم عليها، ثم خرجوا  سريعاً. في الجنينة العليا التي أمام باب الدار، حيث الضوء والقرب من الباب الخارجي،  انشرحوا وتبسطوا ففتحوا علب الكهرباء والماء ووجدوا أدوية بيطرية يدخرها الدكتور البيطري عبد الحكيم. ارتابوا في بوق سيارة وشك احدهم في أنه مكبر صوت يستخدم في المظاهرات، لكن عبد الحكيم أقنعهم أنه بوق سيارة خلفي عاطل. خجل الجندي من جهله وهز رأسه علامة الفهم الكاذب… انتبه جندي في الطابق الثاني إلى علم الاستقلال، بحجم صغير، مرسوما على الحائط فطلب مسحه هامساً… إذ أنه “منّا”. في الطابق الثالث وجد جندي ثالث ليس “منا” عبارة: سوريا الله حاميها، فسرّ بها كثيرا ووضع يده عليها ليتأكد ما إذا كانت العبارة رطبة، ورشوة. سرّ عندما تأكد أنها قديمة، وترك الطابق الثالث من غير تفتيش. كان الجنود قد كتبوها في المرة السابقة. صرخ الجندي بزملائه يشير إلى العبارة، وقرأها كالتالي: سورية الأسد حاميها! صححت له فاطمة: سوريا الله حامهيا! لكنهم على الأرجح لم ينتبهوا لكلامها. ينبزغ هنا السؤال العجيب الذي يلخص ثورة الحرية في سوريا : لم استبدل الجندي المدرع  لفظ الجلالة بالأسد؟

عندما وقفت أمام العبارة أدركت الأمر، فقد التبس عليه الأمر حتى ظن أن الله هو الأسد لأن كاتب العبارة، والذي كتبها مجاملة للمفتشين والمداهمين كتب لفظ الله مادام الخط بين حرف اللام والهاء حتى بدت كحرف السين، كما أنه كتب حرف الهاء مبسوطاً ومفتوحا فظهر مثل حرف الدال!

بلغ الوقت آذان الظهر، وبدأ صوت مؤذن الظهر هامساً، ليس كالمعتاد كما أن المؤذنين في حماه، وحدها يظلون يستنهضون الناس للصلاة بعبارة “الصلاة يا مؤمنين الصلاة كل ساعة”، وهو ما لم يفعلوه.. فمن سيذهب إلى الصلاة والشارع ملغوم بالدبابات والجند!

تحقق هذه المرة من سلامة هويتنا وبياض أسمائنا من القوائم السوداء. قوائم المطلوبين هذه المرة كانت ورقية وليس كومبيوترا مهددا بانتهاء البطارية. طلبوا كالعادة مفاتيح صندوق السيارة، في هذه الأثناء حضرت سيارة  أمن مستقلة وداهموا شقة مجاورة، وكان معهم رجل شيخ ظنناه مخبراً، ثم اكتشفنا أنه والد احد المطلوبين جاء ليدلهم على بيت ابنه ويفتح لهم الباب.

 سأل جندي الشاب الواقف بجانبي:

 من يتظاهر في هذه الحارة؟

 قال: كل الذين أمامك يتظاهرون، فصعقته الصراحة وسكت.

جمعنا أمام الحائط، همس الشاب الذي بجواري وأشار إلى حفر في الحائط طرزته الرشاشات وقال لي هامساً أن براغي النظام ترتخي… فيما بعد انتهاء التفتيش تابع الحكاية: الدم يفك براغي التاريخ الصدئة… في الهجمة الأولى على الدار في الشهر الثالث جمعونا بهذه الطريقة، وهجموا على الدار، التي أمامنا، وجدوا بئراً في ارض الجنينة فرموا قنبلة فيها، ثم جمعوا الذكور والشباب وتركوا النساء في البيوت عندما تأكدوا من خلو العمارة من الأسلحة. أخذوا البطاقات الشخصية، وصفوا شباب الحارة أمام الحائط في سطر بشري. كان المصفوفون ينتظرون إهانة ما، كأن يطلبوا منهم التعري ونكح الحائط، كما فعلوا بذكور البياضة. أمرونا بخلع البناطيل والجثو على الأرض وإدارة الوجوه إلى الحائط، ثم بدؤوا حفلة تعذيب بعقب البواريد وكعوب الجزمات العسكرية التي تصيب البطن أو الصدر أو الرأس أو الركبة. تلوى بعضهم على الأرض، وكبس الجميع جروحهم وآلامهم… ستكون ذلة كبيرة أمام الأولاد والزوجات اللواتي يتفرجون عليهم من خصاص النوافذ. صدر أمر بوقف الضرب وأمرونا بالوقوف والاستعداد للموت.

إذا هو القتل…: تشهدوا يا شباب… تشهد الجميع… أشهد ألا إله إلا الله… لم يكن وقت ليفكروا في الأولاد ولا في الأحلام التي لم تتحقق، ولا في الأراضي والدول والبلاد والأماكن التي لم نزرها، ولا في الإصلاحات الموعودة، فتشهدوا مرة واثنتين وثلاثة جميعا: أتقياء ومذنبين، مؤمنين وملحدين، ثم بدأ إطلاق النار. كانوا يخشون أن يموتوا منقوصي الشهادة، لكن الله عالم بالقلوب… تقبل شهادتنا يا رب واغفر لنا ذنوبنا… سقط علينا غبار ورمل وحجارة  من أثر الرصاص المصبوب من فوق الرؤوس، لم يفكر أحد في أن يدير وجهه كما يفعل الأبطال الكذابون في المسلسلات والأفلام خشية أن يموت مثقوب الوجه أو مفقوء العين بالنار والحديد، أو أن يطلب الرحمة، رغم الرشاش والرصاص. لم يسقط أحد وانتهى إطلاق الرصاص وبقينا أحياء..

خرجنا أحياء، لكن خصيان، بعد عملية “نكح” حائط الموت…

بقينا أحياء… ربما نصف أحياء… قضينا بقية اليوم ونحن نقبل أولادنا وأهلنا،  ونخرج إلى الشارع ونقرص أنفسنا كي نصدق أننا بقينا أحياء.

انتهوا من عمارتنا…

عدنا إلى الشقة. يبدو أنه لم يجدوا المحمولين، بعد أن انتهوا من الحارة…

أين خبأتم الجهازين؟ نهضت الأم الكبرى، أم الأولاد السبعة والبنات السبعة، والأربعين حفيداً، من فوق الكرسي المتحرك وهي تئن من التعب، والتصلب، وأخرج الأولاد المحمول من وراء ظهرها والثاني من تحتها. وقفت وأخرجت من جيبها محافظ  النقود وفلاشات تخزين أفلام المظاهرات والجثث والأشلاء والأقراص المدمجة، وأجهزة الجوال…

تنفست الأرض الصعداء…

 كان ذلك في ذكرى عيد الأم التي أهدتنا محمولين، وحلم حرية شبه مستحيل، وإخلاء سبيل مؤقت، في 21 آذار 2012.

 يجب أن نفكر في مهرب من الغزوة القادمة…