شغلت أنباء محاولات التوافق بين مختلف أركان المعارضة السوريّة حيّزاً إخبارياً هاماً منذ اللحظات الأولى للثورة السورية، وتحوّلت في فصول كثيرة إلى عامل قلق في أوساط الرأي العام الثائر، الذي عبّر في مناسباتٍ كثيرة عن أمله في أن تتوحّد المعارضة السوريّة وعن سخطه على عدم مقدرة الطبقة السياسيّة المعارضة على القيام بواجباتها تجاه الثورة والثائرين. وقد التقت مؤخراً مظاهر الغضب الشعبي على قصور المعارضة وتشتتها وخلافاتها مع ضغط دولي، لفظي على الأقل، متزايد باتجاه ضرورة توحيد جهود المعارضة السوريّة كخطوة أساسيّة في اتجاه ممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري، لكنّ هذه الضغوطات لم تفلح حتّى الآن في إيجاد توافقات وتسويات بالحد الأدنى بين أطياف المعارضة، بل أن اﻻجتماعات والمؤتمرات التي نُظّمت بقصد توحيد المعارضة كانت، للمفارقة، نقاطاً لمزيدٍ من الإضاءة على أزمة الثقة والتشققات الموجودة.

بقصد تكوين صورة واسعة عن واقع العلاقات ما بين أطياف المعارضة السوريّة وإمكانيات التوافق والتلاقي فيما بينها، سبرت مجموعة الجمهوريّة آراء كتّاب وناشطين في الحقل العام السوري المعارض حول أفق توحيد العمل المعارض السوري.

ضرورة وحدة المعارضة

ﻻ يعتبر الدكتور منذر خدّام، الكاتب الأكاديمي وعضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنيّة، أن وحدة المعارضة ضروريّة، أو حتّى ممكنة، فالمهم “هو وحدة رؤيتها السياسية للهدف ولكيفية الوصول إليه”، ويرى أن كلّ المعارضة متفقة فعلياً على الهدف، وهو إسقاط النظام الحالي وبناء نظام ديمقراطي، لكن هناك اختلافات كبيرة حول كيفيّة تحقيق هذا الهدف. “هناك في المعارضة من يقول بإمكانية إسقاط النظام عن طريق الحركات الاحتجاجية السلمية، لكن هذا الطريق طويل ويحتاج إلى مزيد من الصبر والتحمل ويتطلب أيضاً دعماً دولياً سياسياً ودبلوماسياً وقانونياً واقتصادياً وغيرها وهو ممكن واقعيا”. هذا هو خيار هيئة التنسيق الوطنيّة كما يشير الدكتور خدّام، ويكمل عن الرؤية الأخرى حول إسقاط النظام بالعنف واستدعاء التدخل العسكري الخارجي قائلا: “.ممكنات هذا النهج في الواقع معدومة على الأقل لجهة التدخل العسكري الخارجي، فلا يوجد دولة في العالم جاهزة للتدخل وتحمل تبعات ذلك. أما خيار العنف وعسكر الثورة وتسليح الجيش الحر فهو ممكن واقعيا لكن ليس بالقدر الذي يؤدي إلى إسقاط النظام بل بالقدر الذي يأخذ الحراك الشعبي إلى الساحة التي يريدها النظام حيث يمتلك تفوقاً نوعياً. إضافة إلى ذلك فإن تعميم العنف يعني ببساطة حرباً أهلية وتدمير الكيان السياسي السوري. لنلاحظ كيف اضطر المجلس الوطني للتراجع عن خطابه الحربي وقبول خطة عنان مع أنها أسوأ بكثير من خطة الجامعة العربية التي رفضها. في حين أنّ الهيئة لا تزال تصر على أن مبادرة الجامعة المؤرخة في 22/1/2012 هي أساس الحل وليس خطة عنان التي لا تعدوا أن تكون مدخلا إليها”.

رأت الكاتبة عفراء جلبي، العضوة في المجلس الوطني السوري، أن الواقع الذي تعيشه المعارضة اليوم طبيعي بالنظر الذي الظروف التي عانتها خلال العقود الأخيرة واضطرار جزء كبير منها للنزوح إلى الخارج، كما حمّلت انقسام العالم حول القضيّة السوريّة مسؤوليّة بدوره، حيث ” نجد كثيرا من الأصابع الدولية توجه نحو السوريين ومحاولة إيجاد أنواع من الشروط لمساعدة سوريا وكأن السوريين أيتام على جزيرة مهجورة. ولكن حتى هذا طبيعي، وعلينا أن نعرف أن النظام الدولي ليس مصمما على مساعدة الشعوب، وإنما على مصالح الدول والتي عملت لعقود طويلة على استثمار النماذج الدكتاتورية للحفاظ على ما يسمونه خطأ “استقرار” رغم أنه في النهاية يؤدي لأذية كل العلاقات بما فيها الدولية”. ورأت أن فكرة توحيد الوجهة والرؤية لعمل المعارضة السوريّة يجب أن تحل محل مفهوم وحدة المعارضة: “هناك طريق كثيرة لتوحيد الوجهة والرؤية وليس بالضرورة أن يقتنع الجميع بهذا التوجه كلياً، وإنما أن يشعروا بأهميته وفاعليته كنوع من السياسية لتفعيل وتمكين قوى المعارضة السورية. ربما شعور إمكانية الفشل أمام النظام سيخلق نوعا من حالة الطوارئ والشعور بحاجة الوحدة الظرفية حتى يتم إسقاط النظام. وكذلك مع تراكم الضحايا والدمار واستهتار النظام بحياة الناس والعباد والبلاد سيضع الناس في حالة خطر جمعي. وتوضيح هذه التحديات للشعب السوري ستخلق رؤية موضوعية، ولكن لا يكفي تحليل التحديات وخلق حالة قلق بدون إيجاد استراتيجية وطنية لدرء هذه المخاطر. من المهم إشعار الناس بأن هناك مخارج، وكل الذين سيقدمون حلولا وطنية عملية سيتمكنون من اجتذاب الناس نحو توحيد الوجهة وخلق شعور بالأمل والتفاؤل”.

ﻻ يرى سلام الكواكبي، الباحث في مبادرة الإصلاح العربي، أن وحدة المعارضة السوريّة ضرورة ﻻ في الظروف الحاليّة وﻻ في ظروف ﻻحقة، ويرى أن “تنسيق الموقف والتوافق على الهدف مطلوبان أكثر من توحيد التشكيلات المعارضة. السعي نحو توحيد المعارضة أو الدعوة الملحة إلى ذلك أضحت اسطوانة مشروخة يمكن أن تفسّر وكأنها حجة لعدم التقدم من الوضع السوري بأي موقف”.

بدوره، يرى أحمد أبو الخير، وهو أحد المدوّنين السياسييّن الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط حسب تصيف مجلّة فورين بوليسي، أن وحدة المعارضة، بمعنى وحدة الرؤية السياسيّة للانتقال إلى دولة مدنيّة ديمقراطيّة في سوريا “هي مطلب شعبي قبل كلّ شيء”، ولذلك، ومنذ أيلول 2011 “سميت جمعة باسم وحدة المعارضة لتحميل المعارضة السورية مسؤولياتها تجاه الثورة السورية التي لم يعد ممكناً لها الاستغناء عن ممثل يقدم القضية السورية بين يدي أطراف الدولية التي ابدت اهتماماً – ولو علنياً فقط – بالقضية السورية”.

ﻻ يرى الكاتب ياسين الحاج صالح أن مشكلة المعارضين تكمن في اختلافهم وتنوّع أطرهم السياسيّة، بل بالأحرى “انشغال كثير منهم بالخصومات والاتهامات والنيل من الغير وتسميم الأجواء العامة، وهو ما يستنزف المعارضة كقضية وتنظيمات وأشخاص، وما يجعل من انحطاط النظام أمراً نسبياً، ما دام المعارضون على هذه الدرجة من التنابذ والرثاثة!”. ويضيف: ”إذا كان الواقع مُحكّماً، وينبغي أن يكون، فأرى أن السؤال عن وحدة المعارضة متأخر كثيرا عن وقته، ولا ينبغي التوقف عنده. المعارضة السورية لن تتوحد، وليس هناك كثير معنى في تكرار الكلام حول الأمر. وإذا كان التاريخ محكماً، وينبغي كذلك أن يكون، فإن التيارات السياسية والفكرية السورية لم تتوحد يوماً، ولا حتى ضد الاستعمار الفرنسي، ولا في مواجهة دكتاتورية الشيشكلي، ولا في مواجهة الطغيان الأسدي أواخر سبعينات القرن الماضي. لذلك يجب أن نفكر في اتجاه آخر”.

كيف تتوحّد المعارضة؟

يشير منذر خدام إلى أن هيئة التنسيق عملت منذ البداية ” لتوحيد المعارضة على أساس رؤية سياسية وبرنامج سياسي لإسقاط النظام، حتى أن ولادة الهيئة ذاتها جاءت في سياق حوار كل القوى السياسية التي كانت متواجدة على الأرض. لقد توصلت إلى اتفاق ممتاز في الدوحة مع إعلان دمشق والإخوان المسلمين،وبرهان غليون لكن سرعان ما انسحب منه الاخوان بضغط من تركيا كما صرح بذلك في حينه برهان غليون. وفي القاهرة توصلت الهيئة والمجلس الوطني إلى اتفاق وقعه برهان غليون لكن سرعان ما انسحب منه المجلس. تعمل الهيئة اليوم على وحدة المعارضة في الداخل وقد تم تشكيل لجنة مشتركة تعمل على ذلك وقد قطعت شوطاً كبيراً وسوف تنجح بذلك لأن الرؤى السياسية لمعارضة الداخل واحدة. فهناك هيئة التنسيق بأحزابها الأربع عشر، وهناك ائتلاف وطن بحركاته الأربع عشر أيضاً وهناك المنبر الديمقراطي، وهناك الحزب الوطني الحر ونداء حلب وغيرها تبحث عن طريقة لتوحيد مواقفها السياسية واطر عملها، وهي تنفذ اعتصامات مشتركة.ورغم تركيز الهيئة على الداخل لتوحيد المعارضة فيه، فهي لا تهمل الخارج ولا تنفك تدعو المجلس الوطني إلى ضرورة تنسيق المواقف السياسية خصوصاً بعد أن وافق المجلس على خطة عنان، وعلى بياني أصدقاء سورية في تونس واسطنبول”. لكنّ ﻷحمد أبو الخير نظرة مغايرة لهيئة التنسيق، حيث يقول أن الشعب السوري “قال كلمته بخصوص من يمثله، ويسود شعور كبير في الداخل السوري الثائر بأن هيئة التنسيق لا تمثله وقد يتطور هذا الشعور ليصبح سوداوياً بالنسبة للهيئة. أعتقد أننا اليوم أمام أغلبية سياسية يعتبر الشارع أنها تمثله -على شعوره بتقصيرها – وهي المجلس الوطني، وهناك أقلية سياسية هي الهيئة” ويرى أن على الهيئة، التي يُنظر إليها شعبياً كتيّار ثالث على حدّ قوله “أن تحسم أمرها وأن تنضم إلى الأكثرية السياسية ليكف العالم عن التذرع بخلافها مع المجلس والتحدث عن وحدة المعارضة السورية”.

عن كيفيّة توحيد المعارضة السوريّة يرى سلام الكواكبي أن التآلف هو الممكن وليس التوحّد “فالمعارضة مختلفة أيديولوجياً وجيلياً وهناك أمراض الأنا الذاتية المتغلبة على الكثير من رموزها التقليدية وحتى أن الأمر وصل بهم إلى مقاربة الأمر الوطني بعدد سنوات السجن أو المنع من السفر وتعيير من حُرم من بلاده عقوداً بغربته عن الشأن الوطني. حوارات الطرشان التي لم ولن تفيد أية تشكيلة سياسية لبناء مستقبل ديمقراطي. لا ديمقراطية في الذهنية السائدة لدى كثير من المتنطحين للعب الدور السياسي القيادي، فأبسط ما يمكن أن تسمعه من حواراتهم : من أنت ؟ وأين كنت أنت؟ ومن أين تأتي أنت؟ وعندما تسمع كثيرا تعبير “أنت” يمكن أن تفكر بسيطرة “الأنا””.

ياسين الحاج صالح يرى أن الحاجة إلى قطب سياسي مركزي وديناميكي ﻻ يتمثّل في فكرة وحدة المعارضة، وعن هذا القطب يقول “لا يتحتم أن يندرج ضمنه الكل، لكنه يشكل مركز ثقل المعارضة ومصدر المبادرات العامة والقوة الأكثر إحاطة بالواقع السوري المركب. لو تحلى المجلس الوطني السوري بقدر أكبر من الديناميكية والمرونة لكان هو هذا القطب” ويكمل “السؤال المفيد بالتالي: كيف يتشكل قطب سياسي جاذب؟ قوة سياسية قارة على المبادرة، ولها وجهة سياسية واضحة، وقدرة على مخاطبة عموم السوريين، وتصورات محددة حول حال البلد ومستقبله؟” ثم يجيب “من أول مقتضيات ذلك عدم التلهي بأية معارك جانبية، ثم الانكباب الفوري على تطوير أدواتنا السياسية والتنظيمية والفكرية”.

عفراء الجلبي  ترى أن التحدي ” ليس وضع الجميع في منظمة واحدة، رغم أن المجلس الوطني إلى حد كبير حقق وضع كثير من فئات المعارضة السورية تحت مظلة واحدة. التحدي ليس بالضرورة التوافق الكلي والتجمع، وإنما توحيد الهدف والوجهة، وهذا بالتالي سيجذب أطرافا كثيرة نحو هذا الهدف وهي بالتالي ستصير بوصلة كل المعارضة في سوريا بغض النظر عن الخلفيات والتوجهات”.

بدائل:

ﻻ يرى أحمد أبو الخير أن الوضع الراهن للمعارضة كارثي، أو على الأقل ﻻ يزيد هذا الوضع الأمور سوءاً “فالمجلس الوطني يمثل الشارع السوري الذي ارتضاه” إﻻ أنه يتفق أيضاً على أن “توحيد الرؤية  سيزيد من زخم وقوة المعارضة”.

وعن نظرته للبدائل الممكنة يقول الحاج صالح:” البديل الأولي ربما هو نوع من ميثاق شرف يحدد القضية الإيجابية المشتركة للمعارضة، وهي فيما أقدر الثورة وإسقاط النظام وسورية الديمقراطية، ويضع مدونة سلوك سياسي وإعلامي تحظر على السياسيين والناطقين الإعلاميين باسم المجموعات السياسية مهاجمة السياسيين والمجموعات الأخرى. وتطلب دعم الرأي العام لهذا التفاهم والضغط على الجميع للالتزام به. قد يلزم عقد مؤتمر جامع للمعارضة السورية، يجري التحضير له جيدا كيلا يؤول إلى خصومات جديدة ويكون مصدر إحباط جديد، ويجري التوافق فيه على ميثاق الشرف (سياسي) ومدونة السلوك (إجرائية). لكن البديل الديناميكي هو القطب السياسي النشط، الذي يعمل على استمرار الثورة وتعزيز قواها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية. أي الذي يصنع واقعا جديدا بدل الانشغال بمعارك قديمة”.

يرى منذر خدّام أن ﻻ بديل عن تنسيق المعارضة مواقفها السياسيّة بالحد الأدنى “خصوصاً في حال فتح مسار سياسي للحل في سورية” ويرى كذلك أن هذا المسار السياسي هو ما تريده القوى الخارجيّة وستعمل عليه.

بالمقابل، تذهب عفراء الجلبي في اتجاه آخر في تصوّرها للبدائل الممكنة:”هناك مسؤولية علينا جميعا في إيجاد حلول عملية واقعية لتوسيع ما تقوم به مجموعات الحراك المدني والتي تتجمع معظمها حالياً في أيام الحرية. وعلينا أن نخلق شعور الحاجة إلى القيام بورشات عمل وتواصل في كل مكان. في الداخل والخارج. علينا جميعا إعطاء الشعب السوري بكل أطيافه الحاجة الماسة إلى الوعي والتخطيط والتفكير وتوسيع دائرة المعلومات وتحليل التحديات ليتم ابداع حلول من أرض الواقع. وهذا يتم بمعرفة نماذج تاريخية وسياسية عديدة استطاعت أن تنتقل من الاستبداد نحو الديمقراطية. علينا أيضا أن نبدأ بخلق رؤية مستقبلية تفاؤلية إيجابية كوضع بديل لما بعد النظام، لأن هذا يساعد في خلق الوجهة التي ذكرتها سابقاً. وهي ستساعد في إعطاء شعور المسؤولية الوطنية الجمعية للناس وبأنهم يبنون وطناً سوية وليس فقط يسقطون نظاماً استبدادياً. شخصيا أؤمن بأن التركيز على البديل الديمقراطي والنهضوي سيساعد في جعل النظام ساقطاً كفعل ماضي وشعوراً عميقاً عند الأغلبية بأن هذا العهد انتهى”.

بدوره، يرى سلام الكواكبي أن “التآلف والتوافق والتعاون والتنسيق، كلها عبارات تدخل في إطار الممارسة السياسية الصحيّة والتي يجب أن تسري في عروق جميع المعارضين التقليديين وغير التقليديين. والابتعاد عن الأنا والأنت والتفكير بأمور أكثر بعداً عن الأنف مهما كبرت هذه الأنف والتفكير بالآلاف أو بالأحرى بالملايين الذين ينتظرون من هذه النخب أن تمارس العمل السياسي وليس تصفية الحسابات أو القاء التهم أو استعمال الجمل الصغيرة حجما وقيمة”.

هل تستخدم وحدة المعارضة كمبرر لعدم تصعيد الضغوط على النظام السوري من قبل المجتمع الدولي؟

ﻻ يخلو بيان أو تصريح صحفي لأي جهة دوليّة فيما يخص الشأن السوري من إشارات إلى انقسام المعارضة السورية كأحد المشاكل الأساسيّة المانعة لإيجاد مخرج للوضع الحالي، بغض النظر عن نوعية المخرج. يعتقد سلام الكواكبي أن انقسام المعارضة يُستخدم كحجّة من قبل المجتمع الدولي، كما يرى أنها أيضاً حجّة “لدى البعض من المعارضة الذين يريدون فرض وجهة نظرهم على الأغلبية من المعارضة”.  بدوره، يرى أحمد أبو الخير أن انقسام المعارضة يسمح للجامعة العربيّة والمجتمع الدولي بمنح مزيد من الفرص للنظام، ولأجل ذلك “يستثمرون وجود هيئة التنسيق وتعنّتها”.

يختلف منذر خدّام مع هذه الفكرة، ويرى أن أغلب الدول، رغم كلّ التصريحات المتناقضة والمعلنة، ﻻ تريد إسقاط النظام فعلاً بل إصلاحه، ويضيف مؤكداً: “لقد سمعت هذا الكلام من أكثر من عشرين سفيراً بينهم سفراء الدول دائمة العضوية. وأكثر من ذلك بعض هذه الدول همها أن يستمر العنف في سورية حتى تخرج سورية من التاريخ و يتدمر كيانها السياسي لأسباب إستراتيجية، أو لأسباب تتعلق بإيران أو إسرائيل”، ويضيف “إن حرية الشعب السوري وبناء الديمقراطية في سورية هي آخر ما تفكر فيه بعض هذه الدول..لقد اعترف بعض قادة المجلس الوطني بهذه الحقائق مؤخراً. إن تمزق المعارضة وصراعاتها مع بعضها أفدات السلطة السورية كثيراً، إضافة إلى الخطاب الحربي والطائفي لبعض الذين يشتغلون معارضة في الخارج. هذه العوامل كلها صبت في مصلحة النظام للأسف. ينبغي العودة إلى الخطاب الوطني العقلاني، وإلى سلمية الحراك، فهي وحدها الكفيلة بإسقاط النظام”.

تتفق عفراء جلبي مع فكرة أن المجتمع الدولي قد استغل نقاط ضعف المعارضة لتبرير تقاعسه، وتؤكد عدم وجود غرابة في ذلك، فالنظام الدولي “ليس مصمماً على مساعدة الشعوب، وإنما على مصالح الدول والتي عملت لعقود طويلة على استثمار النماذج الدكتاتورية للحفاظ على ما يسمونه خطأ “استقرار” رغم أنه في النهاية يؤدي لأذية كل العلاقات بما فيها الدولية”.

يرى ياسين الحاج صالح أن انقسام المعارضة قد استخدم فعلاً من قبل أركان المجتمع الدولي لتبرير مواقفها، ويقول: ” لقد عاد تفرق المعارضة على القوى الدولية بهامش مناورة واسع، تخفي خلفها سلبيتها حيال إرهاب النظام، أو انحيازها التام له (روسيا وإيران). المعارضون السوريون منقسمون، فكيف لنا أن نساعدهم؟ وماذا نستطيع نحن أن نفعل إن كان ما يقوله بعضهم يعاكس ما يقوله آخرون؟” ويضيف “لكن أظن أيضاً أن للقوى الدولية أو لبعضها دور في تعميق وتثبيت الانقسام ضمن المعارضة السورية. بل إني أشتبه بأن هذا عامل أساسي من عوامل انقسم المعارضة. أكاد أقول، وأجري على الله، أن المعارضة السورية منقسمة اليوم إلى معارضة خارجية ومعارضة خارجية كذلك، ومعارضة خارجية أيضاً. وأن منبع الانقسام هو الخارجية، ليس فقط بمعنى الإقامة في الخارج، ولكن أيضا علاقات وروابط وأشياء أخرى، وانشغالا محدودا ومتراجعا بالداخل”.

عن استفادة النظام من هذا الوضع يقول الحاج صالح: “وفر الانقسام أيضا هامش مناورة طيباً للنظام، وهو “دولة خارجية”، تفكيرها يتمركز كثيرا حول الخارج، وروابطها الخارجية حاسمة في شأن استقرارها الداخلي، على نحو ظهر أثناء الثورة أكثر من أي وقت سبق. أظن النظام أسعد الجميع بتخاصم المعارضة، وبانشغال بعض المعارضين بإبطال توجهات وعمل معارضين آخرين أكثر بكثير من انشغالهم بخططه وممارساته. ماذا يريد أحسن من ذلك؟ وهو مستعد لتسهيل هذه المهمة بقدر ما يستطيع، وأظنه يفعل الآن.” وعن أثر الخلافات بين أقطاب المعارضة يقول:” وفر تخاصم المعارضة ورثاثتها العامة هامش مناورة لقطاعات مترددة من الجمهور السوري، تشعر بالنفور من نظام فاسد ووحشي، لكنها لا تجد ما يجذبها في معارضة متنابذة وغير مقنعة”.

يُفترض في المعارضة السوريّة، بمختلف أركانها وأحزابها وهيئاتها وشخصياتها، أن تفكّر ملياً في مفارقة أن تكون مصدر قلق وغضب للشارع السوري الثائر بدل أن تكون داعماً سياسياً قيادياً. أكان بالتوحّد أو بالتوافق أو بالتنسيق، أو حتى بهدنة توقف التراشق الإعلامي والعراك السياسي بين فرقائها. لكلّ رأيه، لكن يبدو أن الجميع متفق على أن على المعارضة السورية أن تقوم بأفعال جذرية تغيّر من الواقع الحالي السيء.