قد لا يختلف اثنان من السوريين على موقع سلطان الأطرش كقائد للثورة السورية الكبرى، أو على وطنيته وحجم تضحياته التي قدمها هو ومناصريه في سبيل حرية البلاد التي شاء المستعمر الفرنسي والبريطاني أن تكون سورية سايكس بيكو.

ليس هدف الكلام هنا سرد تاريخ الرجل من بطولات وملاحم سجلها التاريخ بحروف من ذهب، حيث كان للثورة التي قادها الأثر الرئيس في تاريخ تشكيل صورة الاستقلال نحو سورية الحديثة.

وليس أيضاً دراسة تاريخ الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي بقراءة نقدية لاستخلاص العبر.

بل هي محاولة لتتبع بعض المواقف التي قد تساعدنا على المقارنة بين مواقف سلطان الأطرش ومواقف السوريين الثائرين الآن و الذين يتم تخوينهم كل صباح ومساء، ويستباح دمهم ككل خائن لبلده وناسه.

علم الاستقلال..

لبى سلطان الأطرش نداء الشريف حسين لدحر المستعمر العثماني من البلاد، فشكّل مجموعة من أحرار العرب المجاهدين استظلّت بالعلم العربي وقامت باحتلال قلعة بصرى الشام . كما قاد معركة «تلال المانع» على مشارف دمشق ضد المحتلين الأتراك.  ودخل مدينة دمشق من جهة حي الميدان ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وكان ذلك العلم الذي نسجه أهل بيته هو أول علم عربي يرفرف في سماء دمشق بعد احتلال دام قرابة الأربعمائة عام.

بل كان أول رمز ودلالة على تغير نظم الحكم في الديار الشامية.

تهمة التعامل مع العدو و”وهن نفسية الأمة”…

لقد كان لموقف سلطان هذا ردود فعل سلبية من أقرب الناس إليه، فليس خافياً على أحد أن دعم سلطان الأطرش للشريف حسين وانخراطه في العمل العسكري ضد العثمانيين، أثار حفيظة عمه الأمير سليم الأطرش قائد الجيش التركي آنذاك. بل إن الخلاف بينهما انتقل إلى مراحل التهديد والوعيد. فسليم الأطرش هدد سلطان بكلام واضح بطرده من العائلة واتهمه بأنه يشق وحدة الدروز، وبأنه عميل لجيش “علبة العطار” «وهو لقب جيش الشريف». ولم يكن رد سلطان الأطرش بأقل منه حدة وتصميماً على المضي في خياره بالوقوف مع الثورة العربية، رغم ما استقرأه من خطورة هذا الخيار على وحدة المجتمع الدرزي آنذاك.

طلب التدخل العربي…

لم يكن سلطان الأطرش من المغشوشين أو الموهومين بالقوى الغربية، ولم يكن يرى فيهم إلا قوة دعم ضرورية لنيل الاستقلال عن الأتراك. بل نكاد نقول أنه لم يكن يأمن إلا لامتداده العربي.

فقد حافظ طيلة فترة نشاطه السياسي والثوري على علاقات طيبة الملوك والأمراء العرب كالشريف حسين وابنه الملك فيصل.

وعند حدوث موقعة ميسلون الشهيرة ضد الاحتلال الفرنسي، أرسل سلطان الأطرش رسولاً إلى الملك فيصل، يدعوه فيها إلى القدوم إلى السويداء وإقامة الدولة العربية فيها،ومتابعة المقاومة، لكن الملك فيصل رأى أن الفرصة قد فاتت بعد أن صعد إلى ظهر الطراد البريطاني في طريقه إلى منفاه.

اللجوء إلى “دولة مجاورة”، وعقد مؤتمرات للمعارضة…

عندما اشتد الخناق على سلطان الأطرش ومن معه من ثوار من قبل الفرنسيين اضطروا إلى النزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن. ولم يمكّنهم الإنكليز من المكوث طويلاً، فنزح سلطان الأطرش وجماعته من المجاهدين إلى وادي السرحان والنبك في شمال المملكة العربية السعودية، ثم في الكرك في الأردن، على أمل العودة إلى ساحات الوغى في وقت قريب. وقد رفض تسليم سلاحه إلى المستعمِر وحُكِم عليه بالإعدام.

و قد يكون المؤتمر الذي عقده سلطان الأطرش عام 1929 في وادي السرحان برئاسته حيث ضم عدداً كبيراً من الوطنيين السوريين واللبنانيين، أول مؤتمر سوري لمعارضي الاحتلال في الخارج.

الاختلاف مع الهيئة الروحية للدروز…

من مذكرات سلطان الأطرش عن حادثة أدهم خنجر وأثناء محاولته فك أسره من أيدي الفرنسيين،حيث قام بمحاصرة السويداء، يقول: “وفي هذه الأثناء حضر مشايخ العقل: أحمد الهجري، وحسن جربوع، وعلي الحناوي، ومحمود أبو فخر (قاضي المذهب)، وطلبوا منا أن نكف عن استعمال القوة في قضية أدهم خنجر، وأن نترك أمره للقضاء، فرفضت طلبهم وغادروا المكان غاضبين، مع العلم بأن تدخلهم في الموضوع لم يكن المقصود منه سوى الخير، وحقن الدماء، وعدم تعريض البلاد لخطر كارثة جديدة”.

بعد هذه المراجعة السريعة لبعض مراحل الحياة السياسية لسلطان الأطرش، أليس من المنطق أن نتساءل فيما إذا كان سلطان الأطرش خائنا!

وإن لم يكن كذلك، وهو حتماً ليس كذلك بل على العكس، أليس على أحفاد سلطان ومن يتشرفون بنسبه والانتساب إليه كجدٍّ و معلم ممن لا يزالون متمسكين بذيل النظام الأسدي، أن يتمثلوا فكر من سبقهم وسجل أسماءهم بحروف من ذهب، وأن يناصروا الحق ضد “أسقط وأوحش نظام في العالم”، كما كان يحلو لسلطان أن يصف الدولة العثمانية؟

اليوم، لمن لم ينتم للثورة من أبناء الجبل، ندعوه للتخلي عن “آثام سلطان”، والاستعاضة عنها بالاقتداء و التمجيد بمآثر ابن عم سلطان “الأمير سليم”، وليعلموا أولادهم فيما بعد: أن لا بأس فكلهم من “بيت الأطرش”!

 

_________

مراجع:

-ـ أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش 1925-1927.

ـ السويداء نت – سلطان باشا الأطرش.

ـ سلطان الأطرش السيرة الذاتية- ريم منصور الأطرش.