ظهر في دورية اسبري في عدد شهر شباط 2013.

شعور عارم بالحرية عمّ مصر بعد سقوط نظام مبارك. سقط جدار الخوف؛ لأول مرة في حياة معظم المصريين، ينتخبون، انتخبوا مع شعور فخر: نحن هنا أمام مكتسبات هائلة، لا تُقدّر حق قدرها حين ننظر إليها من بعيد وعندما لا نكون ممن خبروا ضغوط دولة الطوارئ (لمدة أربعين عاماً!)، الوجود الدائم لقوات الأمن وشططها وعنجهية النظام الساقط. هذه الثورة هي قبل كل شيء بحث لاستعادة الكرامة.

الآن، خبت نشوة البدايات، فقد دخلنا في زمن السياسة ولا يمكن للانتقال إلا أن يكون طويلاً. الانتخابات التشريعية الأولى كانت لصالح الإسلاميين كأغلبية (76% من الأصوات)، وهو أمر ٌ لا يشكل عنصر مفاجئة في بلدٍ تتشرب فيه الكثير من الذهنيات الشعبية الإسلام. في الانتخابات الرئاسية، كانت النسب الانتخابية قد بدأت بالاعتدال: فبالكاد نجح محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين (بنسبة 51%). الدستور الذي حاول أن يمرره مؤخراً وبالقسر لم يحرك سوى 32,9% من الكتلة الانتخابية وبالمحصلة، مصريٌ واحد من خمسة استفتى موافقاً على الدستور.

أينبغي أن نرى في ذلك خطوة أولى نحو وضع مسافة مع الأحزاب الإسلامية؟ هذا ما قد تقوله لنا نتائج الانتخابات التشريعية القادمة. المعارضة الليبرالية من جهتها تجد صعوبة في تنظيم نفسها وتشكيل جبهة موحدة ببرنامج متسق، ولكن هل ينبغي أن نعجب من هذا في بلد عاش قرابة النصف قرن دون وجود مكان للسجال السياسي، ودون حرية تعبير حقيقية، إلخ؟ من السهل في بلد تبلغ فيه نسبة الأمية40%، أن نحرك الجموع بالاستناد إلى دعاة المساجد (والكنائس). يجب أن يُعطى المصريون الوقت لينجزوا تعلمه للحرية وللسجال السياسي وللمواطنة.

حالياً، أكثر من العنف، المقتصر في النهاية على بعض المظاهرات، ما يعاني منه البلد هو تدهور حقيقي للوضع الاقتصادي والاجتماعي: انخفضت السياحة بمعدل 30% إلى 40%، الاستثمار الأجنبي لمتعددة الجنسيات (والمقدر ب 15 مليون دولار في السنة) شبه توقف، ونتج عن ذلك آثار درامية في مجال العمل وقيمة العملة والتي على الدولة أن تدعمها بكلف كبيرة؛ لقد فتحت الحرية المستعادة الطريق أمام مطالبات اجتماعية لا تُعدّ ولا تحصى وأمام الإضرابات، أمّا قوى الأمن، الملامة على شططها في الماضي وعلى الإفلات من المحاسبة الذي كانت تتمتع به، فقد اختفت من الفضاء العام لمدة عدة شهور، مما فتح الطريق لشيءٍ من المشاكل الأمنية. هو حتماً ليس الجحيم، لا شيء من هذا، ولكن الوضع أكثر تعقيداً من ذي قبل.

النبرة السائدة لكثير من المحللين الأجانب تشاؤمية: بالنسبة للكثيرين «الربيع العربي» قد يكون قد أضحى «شتاءً إسلامياً». هذه هي قناعة جزء مهم من المجتمع القبطي في مصر – 10% من السكان- الذي يخشى أن يرى وضعه أكثر هشاشة. أن نحسم بتلك القطعية يعني أننا ننسى أنها بداية عملية التحول والتي ستأخذ عقوداً انظر بيرتراند بادي، «الربيع العربي، بداية»، في دورية ايتود، تموز-آب 2011، ص.7-18.. سيرورة بدأها بشكل واسع شباب معولم أظهر للعلن التحديث الجاري في مجتمعات جنوب المتوسط.

يحلو للإخوان المسلمين بعد أن انتشوا بنصرهم الانتخابي الكاسح، أن يستأثروا بكل المناصب ليدعموا ويدفعوا بالدولة الإسلامية التي يحلمون بها بأقصى سرعة. منافسوهم من السلفيين يجرونهم طوعاً باتجاه المزاودات الدينية. إن إتباع هذه الطريق الشاقة هو خطر سياسي، لأن الشعب المصري ينتظر أجوبة على أرض الواقع فيما يتعلق بالعمل، بجودة المستشفيات والمدارس، بنوعية حياة نوعية جيدة، وسيحكمون على قادتهم الجدد وفق هذه المقاييس. ومن شأن عدم الاستماع للشعب أن يكون لعبة انظر جيل كيبيل «إن لم تلتفت النخب العربية إلى الاجتماع، فإن ظل 11 أيلول سيعمّ» في صحيفة اللوموند، 18 سبتمبر 2012..

الثورة القائمة اليوم ثورة ثقافية بقدر ما هي سياسية؛ إنها تحمل مطالبة عظيمة بالكرامة والمواطنة انظر كتاب أكرم بلقايد، أن تكون عربياً اليوم، ياريس كارنيه نور، 2011. لا يطلب المجتمع المدني الذي قُمع طويلاً وخُنق من نظام سلطوي قاتل للحريات، سوى أن يرى آماله تتحقق، الآمال التي وُلدت في ساحة التحرير. لدى الطبقة السياسية المصرية، على اختلاف اتجاهاتها، طريق طويل تسلكه لتسمع ذلك المطلب ولتعرف كيف ترد عليه.