محاولات تشكيل حكومة تسعى إلى تمثيل قوى الثورة والمعارضة وإدارة شؤون المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، سبقت صعود الائتلاف الوطني إلى المسرح السياسي السوري. عاد طرح تشكيل الحكومة إلى الواجهة مع الورقة التي قدمها رياض سيف للرأي العام، عارضاً فيها مبررات تشكيل الائتلاف وأهدافه. لاقت الورقة سجالاً واسعاً بين مؤيد لها ومعارض وحذر: المؤيدون انطلقوا من ضرورة وجود هيئة تمثيلية للثورة والمعارضة وخصوصاً بعد التصحر الذي وصل إليه المجلس الوطني؛ المعارضون، ذهب بعضهم إلى حد تخوين هذه المحاولة، بوصفها خطوة باتجاه الجلوس مع النظام والحوار معه؛ أما أهل الحذر، فقد قاموا ببناء موقفهم على الطابع المفاجئ الذي خرج فيه الائتلاف، وإلى سؤال مفاده: لماذا سينجح الائتلاف في الوقت الذي لم ينجح فيه المجلس الوطني؟ ما هو الأساس الذي تستند إليه هذه المقدمات الواثقة التي تنطلق منها الدعوات لتشكيل الائتلاف؟

في الواقع، لقد كان لمبادرات وضغوط دولية دور كبير في وجود كل من المجلس والائتلاف. لا نغفل بالطبع الضغط الشعبي آنذاك، ومطالباته لأجل تشكيل من يمثله سياسياً، وهو ما برز في القبول الذي لاقاه المجلس، إبان تشكله، من قبل أوساط شعبية واسعة في الثورة. وربما كان لهذا الأمر أثره في الأحادية التي ميزت حركة المجلس، وكانت نحو طلب الدعم من المجتمع الدولي، انطلاقاً من أن الداخل مضمون سلفاً. إلا أن هذه الحركة ستأخذ مضموناً آخر بعد فشل المجلس في تأكيد حضوره داخلياً، فأخذ يوازن غيابه الداخلي عبر علاقاته الخارجية.

لا يختلف الائتلاف كثيراً من حيث استنساخه لمسيرة المجلس، سوى أنه أتى ربما بلحظة كان الحساسية الداخلية اتجاه «الخارجيين» في مرحلة متقدمة، وكانت القوى العسكرية والمدنية على الأرض قد تنوعت كثيراً ورسخت حضورها. ومع ذلك لاقى الائتلاف دعماً في بعض أوساط الثورة، أخذ بالتراجع شيئاً فشيئاً نتيجة الانتكاسات التي مُنيَ بها بخصوص تحقيق تحول ما، دوليّ أو داخليّ، على صعيد الثورة؛ ومسيرته الخارجية على خطى المجلس الوطني. ربما المبادرة الوحيدة التي توجه بها الائتلاف نحو الداخل السوري كانت مبادرة معاذ الخطيب للتفاوض مع النظام. وربما من المهم ملاحظة أن استقالات الخطيب المتتالية كان الدافع إليها هو مواقف الدول التي وعدت بدعم مسيرة الائتلاف، والتي تقع في موقع الخصومة للنظام. حتى أن ما رشح عنه بعد استقالته الأخيرة، يُظهر أن الرجل يعتبر أن العبور إلى الداخل، الثورة، لا يكون إلا عبر التحرر من اشتراطات الخارج ونفوذه.

ما قيل عن المجلس والائتلاف يمكن أن يقال عن الحكومة التي تم الإعلان عن السير في تشكيلها مؤخراً، وانتُخب رئيساً لها غسان هيتو، سوري كان يعيش في الولايات المتحدة. بدايةً، لقيت هذه الحكومة بعض العثرات أمامها إثر الإعلان عن تشكيلها، كتقديم الخطيب استقالته التي تراجع عنها لاحقاً، واعتراض بعض كوادر الائتلاف وتجميدهم لعضويتهم فيه احتجاجاً على هيمنة البعض على الائتلاف وسعيهم إلى ترتيب أوراق الحكومة بما يتناسب مع هيمنتهم. إلا أن التحديات الأساسية التي ستواجه هذه الحكومة يبدو أنها من نوع آخر. بالبداية، مشكلة الشرعية من أهل «الداخل» الذي ستتنطح لإدارة شؤونه، خصوصاً أن هذه الحكومة صدت عن جهة (الائتلاف) لم تنجح في أن تتميز على صعيد «الداخل» السوري، أو أن تقدم له جزءاً مما وعد به على الأقل. بالإضافة إلى أن التعدد الواسع، الذي أخذ يميز الفاعلين على الأرض وبالتالي تعدد غاياتهم ومصالحهم، سيقف عائقاً أمام تحقيق بعض الإجماع على تولية هذه الحكومة شؤونهم. ناهيك بالطبع عن بعض القوى التي تعزف لحناً آخراً ولم تعترف بهذه الحكومة، ولا بالائتلاف قبلها (جبهة النصرة، جبهة تحرير سورية). بعض الصعوبات قد تأتي من بعض الجهات المعارضة، التي تخشى أن تقوم الحكومة بتهميشها وتهديد الامتيازات التي سعت إلى تكريسها خلال الثورة.

يبقى أن الدور الضاغط للدبلوماسية الدولية في تشكيل هذه الحكومة قد يفتح الباب من جديد لإعادة إنتاج جميع المشكلات التي ارتبطت بهذه الدبلوماسية واشتراطاتها، والتي سبق أن واجهت كلاً من المجلس الوطني والائتلاف، وهو ما يعرض هذه الحكومة لأن تبدو في نظر السوريين واقعة خارجية، مثلها في ذلك مثل معظم هذا «الخارج»، الذي أخذ سوريون كثر يتبرمون منه.