بعد أن نامت سوريا على مجزرة تعتبر من أفظع المجازر التي ارتكبها النظام وموالوه منذ بداية الحراك الشعبي في سوريا، استيقظت نشرات الأخبار على الخبر العاجل لقصف إسرائيل مخازن السلاح في دمشق. الخبر الذي أتى ليغطّي على كلّ الانتهاكات قبله (بما فيها المجزرة) لم يكن استثنائيّاً جدًّا، بالمقارنة مع انتهاكات إسرائيل الأخيرة (وعلى مدى أعوام) لنظام الأسد، هذا الذي لم يقم بالردّ على أيّ منها بالشكل الذي يمنع إسرائيل من القيام بغارة مثل الأخيرة، على العاصمة دمشق ومستودعات الأسلحة الأسديّة، بعد أن سمح لها بالذهاب بعيدًا بالقصف في دير الزور عام 2007 وأبعد من ذلك بالتحليق فوق قصره الجمهوري في اللاذقيّة دون رادع قبلها بسنوات. المفارقة هنا أنّ هذه الأسلحة التي قُصفت هذه المرّة هي أسلحة يستخدمها النظام الأسدي اليوم في وجه المواطنين السوريين، ويفظّع بهم في أفظع ما شهده تاريخ سوريا الحديث من جرائم. وهنا بالضبط تكمن البلبلة التي انتشرت بين أوساط المعارضين للنظام الأسدي، من جهة، وممانعي ممانعة الأسد من جهة أخرى.
ما استعصى على الفهم من قبل أوساط الممانعين كان، وببساطة، أنّ الفرحة التي انتشرت بين بعض فئات الشعب السوري لم تكن زغردةً لهجوم إسرائيل على دمشق، ولا فرحًا بوقوف إسرائيل المزعوم إلى جانب الثورة أو الثوار. بل كانت وببساطة فرحة لتخريب الأسلحة التي كانت مُعدّة للاستخدام في وجههم. يقول أحد الناشطين: «كيف لا أفرح لتدمير آلةٍ كانت مُعدّة لقتلي؟». المسألة منفصلة تمامًا عن مَن بالضبط الفاعل الذي قام بتدمير الأسلحة، ومتعلقة بفعل تدميرها وحسب. هذا ما بدا جليًّا في فرحة البعض لتدمير المخازن قبلَ أن تعلن أيّ من إسرائيل أو دمشق أنّ إسرائيل هي من قامت بالغارة.
من جانبٍ آخر فإنَ معرفة أنّ من قام بالتدمير هو إسرائيل يجلب الجدل الآخر من المسألة؛ الغصّة كبيرة والفكرة ليست سهلةً على المضغ، إسرائيل تقوم بغارةٍ مستهدفةً دمشق. إنها إسرائيل العدو الذي مهما كان عدوًّا لعدونا، لن يصبحً صديقًا. فإسرائيل وتاريخها الملطّخ بالدماء لن تصبحَ يومًا صديقةً للشعب السوري، وإسرائيل تعرف ذلك جيّدًا ولم تقم بغارتها تلك نصرةً للشعب السوري من كلّ بدّ.
مخطئ من يعتقدُ بأنّ إسرائيل يمكن أن تكون صديقةً للشعب السوري يومًا، فمسألة الصراع مع اسرائيل ليست قضيّة النظام الأسدي، إنها بالدرجة الأولى قضيّة الشعب السوري. والجولان، المحتلّ من قبل إسرائيل، هو جزء من الأرض السورية وليس جزءًا من المزرعة الأسدية، والدفاع عنهُ والتمسك به لا يرتبط بالأسد وحزبه.
انتشرت الكثير من التحليلات والشروحات التي تبرّر وتفسّر عن الأسباب التي يمكن أن تدفع إسرائيل للقيام بغارة على مخازن الأسلحة في دمشق. المشترك الوحيد بين كلّ هذه التحليلات كان أمرين، الأوّل أنّ روسيا لن تدافع عن الأسد دون استثناءات، والآخر هو أنّ إسرائيل تعرفُ تمامًا أن وقوع أسلحة كالتي بيد النظام اليوم بيد المعارضة غدًا سيشكل خطرًا عليها. لذلك، وبنفس الخبث المعتاد من قبلها، اختارت إسرائيل الوقت الأكثر حساسيّةً، والذي كان ليشكل بلبلةً بين أوساط المعارضة أنفسهم حول الأمر، وقامت بالقصف.
إستطاع النظام الأسدي وعلى مدى أعوامٍ ربط فكرة الممانعة ومقاومة إسرائيل به شخصيًّا، وعمد إلى إطلاق صفة «خائن» أو «عميل» على أيّ ممن يقف بوجهه في أيّ من الأمور الداخلية في البلاد، تحت نفس الذريعة. حَكم الأسد وحزبهُ سوريا أعوامًا تحت قانون الطوارئ، بحجّة أنّ البلاد في حالة حرب مستمرّة مع إسرائيل، وعمد إلى استخدام هذا الإسلوب بشكلٍ متواصل ودائم في جميع المحافل الإقليمية والدولية. وكطفلٍ بات يعرفُ نقطه ضعف والديه، عرف الأسد ونظامهُ نقطه ضعف سياسة المنطقة وحاجتها إلى الممانع المغوار، حتّى يكتمل مشهد الحكام العرب بين البائع والمتطبّع والخائن والممانع.
لكن، ومع بداية الحراك الشعبي في سوريا في آذار 2011، تحوّلت صفة «ممانع» إلى عبارة ساخرة يستخدمها الثوار بين بعضهم للسخرية من مواقف النظام ومن يقفُ خلفهُ بحجّة الممانعة، التي لم يبقَ منها حتّى شبح الوجود في أعين معظم الشعب السوري، مثلها كمثل «مندسين»، الصفة التي أطلقها النظام السوري على الثوار على أنهم مندسون من قبل إسرائيل وأميركا للعبث بتلك الممانعة الوهميّة. فلا وجود لممانعة حقيقيّة تقاتل مجرمًا من جهة وتقتلُ بشعبها بذات الإجرام من جهةٍ أخرى.