لا شك أن الثورة السورية تواجه، اليوم، وضعاً جديداً بالغ التعقيد، لم تعرفه من قبل.  وهذا الوضع التي توضحت معالمه بعد إعلان ما يسمى أبو محمد الجولاني البيعة لأيمن الظواهري، وهي البيعة التي أيدت إلى حد مزاعم النظام وأكاذيبه التي دأب على ترويجها خلال العامين المنصرمين من عمر الثورة، عن وجود إرهابيين ومقاتلين أجانب، ليدحض وجود وجه آخر ثائر من أجل حريته وكرامته سلمياً، ومازال النظام يدأب ذات الدأب.

وما تعيشه الثورة السورية من هذا الوضع الجديد والبالغ التعقيد، هو نتيجة طبيعية لمجموعة عوامل تكونت خلال سنتين من اندلاع الثورة السورية، وترك السوريين يتامى لنهب آلة حرب النظام والتنازع النفعي، المحلي والإقليمي والدولي.

أهم هذا العوامل:

سورياً، حاجة الثورة إلى تجديد برنامجها المحلي، وتجديد وتطوير ممارساتها السياسية، بعد المعارك الصعبة التي خاضتها وما تزال تخوضها دفاعاً عن النفس، وفي ضوء العزلة التي يفرضها عليها المجتمع الدولي، ودأب النظام على الفتك بالشعب السوري بكل الأسلحة المحرّمة وغير المحرّمة، الخفيفة منها والثقيلة، والبرية والجوية وحتى البحرية.

عربياً، تراجع التأييد للثورة السورية، والذي كان بحدوده الدنيا على كافة المستويات، في ظل يسار عربي متخلف لا يعرف يمينه من يساره على حد تعبير أحدهم، مخدوعاً بمقولات الممانعة والمقاومة الكاذبة والنفاجية، وفوبيا منظومة البترودولار من زحف الربيع العربي في حال نجاح معركته الجوهرية في سوريا نحو منظوماتها المترهّلة والمهيّأة لاستجابات ثورية، رداً على أي استفزاز تحرري.

ثورياً، ترك المكوّن السني وحيداً يواجه آلة حرب النظام، بينما بقية مكونات الشعب السوري متبعة سياسة النأي بالنفس، وتجزية الوقت بخلق ألوان متعددة الأشكال والأحجام من الفوبيات، وما يزيد الوضع تعقيداً مطالبة الأقليات بتطمينات من الأكثرية التي تقصف مناطقها وتخرب وتدك بكافة أنواع الأسلحة، ونزح نتيجة ذلك ما يقارب 6 ملايين من أبنائها في دول الجوار وما بعد الجوار، وقدمت وما تزال تقدم على مذبح الحرية ما يقارب 100 ألف شهيد، ويرزح تحت نير الاعتقالات والاختفاءات القسرية ما يقارب 225 ألف شخص، ليصل عدد الذين دخلوا المعتقلات وخرجوا منها ما يزيد على 750 ألف شخص. بينما مناطق الأقليات سليمة آمنة، ويُطلب من الأكثرية أن تنجز كل الاستحقاقات والتضحيات، والبقية، كل البقية، يتفرجون عليها، وهو مكون أثبت على أنه على قدر المسؤولية ويتحلى بقدر عالي من ثقافة الحياة والمدنية، وهو الضمانة للمحافظة على سوريا التاريخية وبناء مؤسساتها الديمقراطية.

دولياً، روسيا تصبو لإعادة قطبية ثنائية للعالم، وإيران يراودها حلم الهلال الشيعي، وأمريكا وإسرائيل تسعيان لاستكمال مشروعهما الشرق أوسطي، بينما الشعب السوري الخارج من أجل حريته ومصلحته، لا أحد يعبأ بمصالحه.

كل العوامل سالفة الذكر تجعل من قضية الثورة السورية موضوعاً مرشحاً للتضييق عليه أكثر، ودفعه للتضييق من أجل تهيئته للمساومات والمفاوضات بأثمان بخسة، والعمل على زيادة الهوّة بين مختلف الفصائل المعارضة السورية عبر المال السياسي والتدخل بالشأن السوري، لاستكمال هذا التضييق.

ولا جدال أن المسؤولية التي تتحملها المعارضة السورية، اليوم، تفوق أي مسؤولية. فالثورة لم تعد حركة عفوية، كما كانت في بدايتها. بل قد أصبحت، بفضل نضالاتها، وبالنظر للمكان الذي احتلته محلياً وعربياً ودولياً، حركة ذات وزن وتأثير، وأصبحت ذات دور في الأحداث لا يمكن تجاهله.

الأمر الذي أصبح يفرض عليها اختيار مواقفها بدقة ومسؤولية. وأي موقف سيتم اتخاذه اليوم، برغم صعوبة الاختيار، سيكون له تأثيره باتجاه سلبي أو إيجابي على التطور اللاحق للثورة السورية، وعلى تحقيق مصالح الثائرين.