بجسمه النحيل ونغمة صوته الساخرة دومًا، يبدو أبو خالد الغزلاني أصغر من عمره، 36 عامًا. المتزوّج ذو الخمسة أطفال، سلسل الغزلانية (جنوب دمشق) كان مرتاحًا ماديًا، يُدرّ عليه عمله كمقاول بناء، يملك معمل بلوك و«سأّالة» خشب، فوق 10 آلاف ليرة في اليوم.

هو أحد قادة قوات المغاوير في الغوطة الشرقية اليوم، أسأله: ما الذي جاء بك إلى الثورة وأنت ربّ أسرة وناجح في عملك؟ يقول: غيرة على البلد ونخوة للدين. يضيف: ما اشتغلت شغلة إلا وشاركني النظام، وكان له نصيب فيها، نُصّ دخلي يضيع عليهم: أمن عسكري، أمن سياسي، موظّفون، بلديات… يتدخّلون في كل شيء، إذا حدا تجوّز يتدخلون في زواجه!

شاركت في مظاهرة الجامع الأموي يوم 15 آذار 2011، و«أكلت قتلة»، ولا يزال كتفي يوجعني. شاركت أيضًا في مظاهرات أخرى من كفر سوسة إلى دُوما ومظاهرات جامع الحسن في الميدان، وأُسعِفت من إصابة في إحدى هذه المظاهرات الأخيرة.

كنا نبحث عن الجامع الذي يحدث فيه التجمع الكبير، ثم صرنا نخرج من أي مسجد. حين يتوفر 100 منا نخرج متظاهرين، فعلنا ذلك في جامع الفاروق في شارع بغداد في حزيران 2011، واعتُقل شباب منا، أنا لم أُعتقل، اعتُقل اثنان من إخوتي بسببي. لكن صرت مطلوبًا منذ شهر أيار، ومنذ تشرين الثاني 2011 لم أذهب إلى الغزلانية (بلدته). وُلد لي ابن وقتذاك، ولم أره إلا بعد 3 أشهر من ولادته.

بدأنا العمل العسكري في شهر 11/2011.

شكّلنا «كتيبة أبو عبيدة بن الجراح»، وسيطرنا على كتيبة للنظام في رنكوس، واستولينا على سلاحها، ووزّعناه على العديد من المجموعات. قبل ذلك بشهرين بدأنا نعمل معًا، مجموعة من «المطاليب» (المطلوبين للنظام)، قرّرنا حمل السلاح دفاعًا عن المدنيين الذي كان الأمن يقتلهم… كلنا من دين واحد. كان عددنا 118 شخصًا، وسلاحنا كان خفيفًا وقليلًا، تحسّن بعد عملية رنكوس. كنا ننسّق عملنا كأصدقاء.

استمرّ عملنا في «كتيبة أبي عبيدة بن الجراح» حتى اجتياح الغوطة الأول في الشهر الأول من 2012. تفرّق الناس بعدها، توزعنا على يلدا وببيلا والميدان وكفرسوسة… تبعثرت الكتيبة المشكلة أصلا من أصدقاء من بلدات الغوطة.

جئت بعدها إلى دير العصافير، وأسسنا «كتائب أمهات المؤمنين» بقيادة الملازم أول المنشقّ أبو عدي من حمص. كان عددنا 140- 150ـ عددنا اليوم 750 -800، وصار اسمنا «لواء أمهات المؤمنين». أنا القائد المدني، يقع عليّ تأمين مستلزمات الكتائب التموينية مستفيدا من معرفتي بالناس. لكني مقاتل أيضًا وقائد ميداني.

وسعينا كذلك لتأسيس «قوات المغاوير»، وهي تجمع لألوية وكتائب على الأرض: «لواء الرضوان» من مسرابا، و«فرسان الغوطة» من سقبا، و«أبابيل الغوطة» من البلالية، ومعنا أيضًا «كتيبة فدائيّي بني معروف»، 50- 60 مقاتلا من الدروز، ممتازون، ويعملون على الجبهات. هنااك من لا يريد دعمهم، لكن نحن لا نقصر معهم ولن نقصر.

انقصفت مرتين بالبيت، مرة بكفربطنا ولم أُصب، وأُصيب أطفالي إصابات خفيفة، ومرة في مزارع وادي عين ترما، ومرة في جسرين. واعتُقل كل أخوتي وأبي وأمي بسبب الإيرانيين الذين أسرهم مقاتلون من «كتيبة سيد الشهداء حمزة» ومن «كتيبة البراء» (صارت «لواء البراء» لاحقًا) ومن «أمهات المؤمنين». وحُرِّر أهلي بمبادلة مع ضباط أسرى، من قوات النظام، وليس في الصفقة الشهيرة. اليوم هم في الأردن، ومعهم زوجتي وأولادي، أرسلتهم إلى هناك منذ قصف البيت في كفربطنا. بقي في البلد اثنان من إخوتي، واحد اليوم في السجن، وواحد يعمل في مصلحتنا لإطعام الباقين

من مشكلات المقاتلين وجود الضباط المنشقّين، الذين يخافون من النظام، ويخافون منا أيضًا، ويريدون السيطرة والزعامة. وبعضهم مخترَقون من النظام ومتوحشون. أحدهم، العقيد أبو الطيب، انشقّ، وكان يفترض أنه معنا، لكن ظهر أنه من قتلة المدنيين في دير الزور.

من المشكلات أيضًا حبّ مقاتلين مدنيين للهيمنة والسلطة.

وكذلك التبعثر والتفرق بيننا. صار ابن دوما لا يهتم بغير دوما. يقول لك: دوما تحرّرت، شو بدّي بغيري! تحرّرت الغوطة، شو بدنا بغيرنا!

كمان صار كل واحد بدو يعمل كتيبة. طالبنا المجلس العسكري مؤخرًا بأن يمنع إعلان لواء إن لم يكن فيه 500 مقاتل، وأن لا يكون في الكتيبة أكثر من 100. إن كانوا أكثر يشكّلون كتيبة أخرى.
بعض الكتائب تعمل وبعضها لا تعمل، وهذا يعمل حساسيات ويضعف العزيمة.

الوضع العسكري اليوم جامد بسبب ضعف الإمداد وانقطاع طريق رئيسي له. وبما إنه لم يبق هناك كتائب للنظام نقتحمها ونغنم أسلحتها، فما رح يمشي حالنا بغير التعاون مع بعضنا.

مشكلتنا في الغوطة الشرقية أننا لسنا حدوديّين، ولا يصلنا إمداد مباشر من جهة ما، مكتفون طعامًا وشرابًا، لكن ليس سلاحًا ولا طبّيًا.

من المشكلات أيضّا أن المشايخ والعلماء، بدل أن يُعلِّموا المقاتلين ويعطوهم حافزا وعزيمة فإنهم يشكلون هيئة شرعية ومكتب أمن عام، يعني المشكلة نفسها: يريدون الهيمنة والسيطرة. حبّ التزعّم والرئاسة موجود عند الكل، الكل «أفاعي» ورؤوس، وثايرين على كل شي. وجماعة الأمن العام، يعني الشرطة، يأخذون وراتب عالية، 10 آلاف ليرة للواحد، بينما المقاتلين 5000، ولا يصلهم الراتب كل شهر، وحين يصل نصرفه على شراء الذخيرة. ومع ذلك يُلام المقاتلون حين يُسرق أي شيء. لدينا مقاتلون من مناطق غير محرّرة، ماذا يفعل هؤلاء دون راتب، ومنهم متزوجون؟ نص الناس ما بدهم «لواء الإسلام» ويروحوا على «لواء الإسلام»، ونص الناس ما بدهم «جبهة النصرة» ويروحوا على «جبهة النصرة»! ليش؟ لأنه عندهم (اللواء والجبهة) موارد، ويشتغلون. هم يستغلوا حب الناس للدين والرسول، وشاطرين باختيار «الأجوبة المُسكتة»، فما تقدر إنت تحكي معهم شيء. مثلًا إذا حكيت على الراية السوداء اللي مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله» يردّوا عليك: إنت ضد هالكلام؟ ضد راية رسول الله؟ فإنت تسكت طبعًا.

بصراحة خايف يسيطروا على عقول الشباب.

لكن جبهة النصرة عندنا بالغوطة غير مهيمنة ولن تستطيع الهيمنة.

أول شيء رح يواجهنا بعد الثورة هو مشاكلنا الإسلامية. الثورة رجّعت ناس كثيرين لدينهم، بعضهم كانوا بعيدين كثيرًا عن الدين، وبعضهم صار خلال سنتين مُفتي، وما عاد يرضى بوجود غير المسلمين، أو ما عاد يقبل غير «جبهة النصرة». لازم نتجنّب هذه المشكلة، ونكون عادلين، ونمنع من يزرعون الفتنة بين الطائفة السنية والمسيحية والشيعية والعلوية والدرزية.

المطلوب من كل القادة، فادة كتاب أو ألوية أو قادرة فرق طبّيّة أو إغاثية أن يختاروا عناصرهم بشكل صحيح، المعيار ليس الصلاة، تصلّي معي أو تصلّي ضدي، المعيار أن نمنع الحرامية، ونشتغل على إصلاح الناس.

والمهمّ يكون الواحد صاحب نخوة.

أنا لم أكن مثالًا يُضرب بإسلامي قبل الثورة. كنت ملتزمًا، لكن من هالناس.

أخشى أيضًا أن يتقاتل المقاتلون بعد سقوط النظام، وأتمنى ألا يحصل ذلك، وأن نحاول استيعاب «جبهة النصرة» التي أتمنى ألا تتجاوز حدودها مع الشباب ومع البلد. البلد ليس لأحد، للجميع.

ليس هناك أي احتمال في أن يهزمنا النظام. نحن معمل ثوّار في الغوطة وفي سورية، معمل ثوّار ومقاتلين ومجاهدين، ولما يوقف المصنع رح تقاتل النساء.

بعد الثورة أريد أن أرجع إلى عملي. بلّشنا بالثورة لأنهم يهبِّطون بيوتنا ونريد أن نعمّر بيوتنا التي هبّطوها. فلازم يكون النظام بعد الثورة ما يشبه النظام الحالي أبدًا. لازم حفظ حقوق الناس. لازم تأمين مساكن للناس. أنا ضدّ فكرة العمار العشوائي، لكن لازم تتأمن البيوت دون رشوة ودون تحكُّم برخص البناء.

وما لازم يكون في تمييز. طردوا أطفالي من الحضانة أول الثورة لأنهم كانوا كل يوم يهتفوا «بالروح بالدام نفديك يا درعا»! كانت الآنسة علوية، والله ما بدي أعملها طائفية، بس هم عملوها طائفية.

في صغري، ومنذ الصف الرابع، كان حلمي أن أكون قاضيًا أو محقّقًا. أريد العدل، أن لا يُحكم على مظلوم. أريد أيضًا ألا يُملي عليّ أحدٌ رأيًا بالقوة أو بالمال…

كان أبو خالد ترك المدرسة مطرودًا في الصف الثامن بسبب «مشاكل» مع المدير.

كنت متفوّقًا، يقول بأسف.