في الثانية الثلاثين، يبدو أبو ياسين رجلًا وسيمًا بقميص تي-شيرت أسود وبنطال أسود وشعر أسود ولحية قصيرة سوداء على وجهه الأبيض. كان يعمل «مقصّدار» قبل الثورة، مصمّمم ملابس، وينال دخلًا يتجاوز 50 ألف ليرة (1,000$) في الشهر.

جاء إلى الثورة لأنه يكره النظام: كل شي لهم، أنا وضعي كويّس ووحيد لأهلي، ولي طفل واحد (وُلد أثناء الثورة)، لكن الواحد لا يحسّ بحاله فقط، يحس بغيره أيضًا.

في ثورة مصر صرت أدعو الله أن تصير عندنا كمان. من أول المظاهرات في الجوامع كنت أحضر، وفي مظاهرة جامع الحسن في الميدان، وحاولت أيضًا في جامع زيد في الفحّامة و«زَبَطت» المظاهرة ووصلنا لسوق الحميدية. هذا كان في أواخر نيسان 2011.

جمعنا حالنا، 15 شخصًا، وقرّرنا نعمل مظاهرات يومية، في الميدان خاصة، حواري الدقّاق وميدان أبو حبل. لكن من أول أسبوعين انطلبت من الأمن العسكري، ثم من أمن الدولة. لم أُعتقل، تواريت منذ ذلك الوقت، لكن بقيت في الشام.

بعد عيد الأضحى، تشرين الثاني 2011، شاركت بتأسيس «كتيبة أبو عبيدة بن الجراح». كان تأسيس الكتيبة عملًا مرتجلًا و«عشوائيًا»، اضطررنا له لأن النظام ضيّقَ علينا وبدأ بالقتل وسقط شهداء. صارت قناعتنا أنه مستحيل «يهرّ» النظام إلا بالسلاح.

بدأنا نصنع قنابل يدوية من «أكواع الصحّيّة» 2 إنش، وقمنا بعملية ضدّ مخفر الميدان، وقتلنا 4 من الأمن العسكري. وهذا يوم سقط الشهيد إبراهيم شيبان (طفل عمره 9 سنوات، قتله قنّاص من النظام يوم 14/11/2011 في حي الميدان). وكنا نريد استهداف تجمّع أمني بعبوة ناسفة في وقت لا يقع فيه مدنيون، لكن العبوة انفجرت بأحدنا، وانكشف أمرنا فانتقلتُ إلى يِلدا (جنوب دمشق)، وبدأت بتأسيس كتيبة من الشوام. وبلّشنا تجميع ما نستطيع من سلاح، وضربنا مفرزة الأمن السياسي في يلدا.

صرت ملاحَقًا بشدّة في هذه الفترة، وصار أكثر نشاطي في الغوطة، في دير العصافير تحديدًا، وشاركت في تأسيس «كتائب الصحابة» في مطلع عام 2012، بمشاركة ثائرين من العديد من المناطق: داريا، الكسوة، قطنا، جديدة عرطوز، الميدان، الحجر الأسود، حجيرة… اجتمعنا وقتها في داريا، كنا 30 مقاتلًا. (تشكلت كتائب الصحابة من: كتيبة سعد بن أي وقاص – كتيبة الفتح المُبين – كتيبة المقداد بن عمرو – كتيبة شهداء جديدة عرطوز – كتيبة السيدة عائشة – سرايا المهام الخاصة- كتيبة العز بن عبد السلام – كتيبة حذيفة بن اليمان – كتيبة أكناف بيت المقدس – كتيبة مرابطي الشام – كتيبة الإمام الغزالي- كتيبة أسامة بن زيد- كتيبة سيف الله – كتيبة الزبير بن العوام – كتيبة العاديات- كتيبة عمار بن ياسر – كتيبة صيّاد الأسود – كتيبة أحفاد العمرين).

كان الغرض هو توحيد الصفوف وإعلان الثورة المسلحة.

وفي هذه الفترة صفّينا «عواينية» وشبّيحة ومحقّقين أمنيين.

في تموز قرّرنا النزول إلى حيّ الميدان، وبدأنا بمعركة الميدان بمشاركة «كتائب أمهات المؤمنين» في اليوم الثاني للمعركة، ثم شهداء دوما وأسود الله… تمركزنا في حي الميدان، وهذا خطأنا، إذ لم نتقدم نحو حي المجتهد وشارع خالد بن الوليد والشام القديمة. أُصبتُ في اليوم الرابع من المعركة، التي دامت 5 أيام، واتُخذ قرار الانسحاب يوم إصابتي، ونُفِّذ في اليوم التالي نحو يلدا والحجر الأسود.

يكشف أبو ياسين عن بطنه، هناك أثر جراحة طولاني في الجانب الأيسر من بطنه، وأكثر من أثر شظيّة في البطن وأسفل الصدر.

وبسبب هذا المعركة والخسارة، تحولنا نحو المشاركة في تحرير التضامن ويلدا والحجر [الأسود].
قضيت في المشفى يومًا واحدًا أُجريتْ لي فيه جراحة عاجلة، ثم في بيت في المخيم، ثم في حي الزهور، رجعت بعد 10 أيام إلى العمل، لكن انفتح جرحي. ارتحت يومين. وهنا ولدت زوجتي ابننا الوحيد ياسين.

خرجنا ضعفاء من معركة الميدان، وضاع الكثير من سلاحنا، وحُمِّلت شخصيًا مسؤولية خسارة معركة الميدان، وانتشرت إشاعات عن هروبي خارج البلد.

بدأنا مجدّدًا بشراء السلاح بدعم من تجّار وميسورين محلّيّين، وجاءني عبر شخص سوري مبلغ 2 مليون ليرة (حوالي 35,000$ في تلك الفترة) من الكويت.

أسست «لواء العدالة» في الخريف 2012، وسافرت إلى الأردن لحشد دعم مالي، ثم دخلنا في «قوات المغاوير»، وخرجنا من تجمع «أنصار الإسلام» الذي كنا فيه بوصفنا «كتائب الصحابة». كنا تقريبا 300 عنصر، وأنا القائد العسكري، سميناه «لواء العدالة» لأننا خرجنا من أجل العدالة، العدل للكل.

التسميات الإسلامية طُلبت منا، طلبتها جهات كثيرة، خارجية وداخلية لا يمكن أن أسمّيها. ولو أطلقنا تلك التسيمات المطلوبة لنلنا دعما أكبر.

كنا في دير العصافير. ساهمنا في تحرير المنطقة بكتيبة من «لواء العدالة»، واليوم هناك ثلاث كتائب في المنطقة الجنوبية، التضامن ويلدا ومرابطون على حاجز سيدي أدّاد.

ضمن «قوات المغاوير» أقود «لواء مغاوير العاصمة» و«كتيبة المهام الخاصة» (اصطياد وأسر الشبيحة وعناصر النظام) و«لواء عباد الحق» و«لواء مغاوير الشام»، وكلهم شوام.

موقع القيادة تكليف وليس تشريفًا. كنت أتمنى لو لم أكن في هذا الموقع لأني فيه أتحمّل مسؤولية أغلاط الجميع.

مقر قيادتي الذي تعرفه متواضع، وأقيم فيه بإذن صاحبه. أردت أن يكون كل شيء «حلال»، وبالناقص دعوة علينا (هناك كتائب ومجموعات مقاتلة شغلت مزارع جميلة وفخمة في بعض مناطق الغوطة، دون علم أو إذن أصحابها الغائبين). لا أمشي بمرافقة، خلافًا لبعض قيادات الجيش الحر.

أخشى بعد سقوط النظام أن نعلَق مع بعضنا، الجيش الحر مع «جبهة النصرة». بين هؤلاء الأخيرين أشخاص شرفاء، لكنهم متطرّفون، ينكرون نهج سيدنا محمد في قبول الجميع… وبين شعبنا من جميع الطوائف.

أخشى أيضا التفرّد، أن يتفرد أحد بالبلد. وأتمنى دولة مدنية متعددة الأطراف تضمن العدل والمحبة والرحمة والمساواة للجميع، وألا «ينتكر» لتعب أحد.

توقعاتي أن تمر خمس سنوات إلى حين ترجع سورية تستقر، وأتمنى أن يبني سوريون البلد، وليس غيرهم.

أتمنى أن ندخل العاصمة بأقل الخسائر، ولا أريد أن يحدث لدمشق ما حدث لدير الزور وحلب. سنعمل بعد سقوط النظام على حماية الناس والبيوت والملكيات، ومنذ الآن نعمل على ذلك.

يتهمني البعض أني ماسوني وعلماني… ربما لأنهم لا يريدون أن يطلع «روس» من قلب العاصمة. بالحقيقة أنا مسلم سني وشخص معتدل، ولست علمانيًا، لكن أنطلق من مبدأ: لكم دينكم ولي دين، ولا أقبل الإجبار، لا أقبل أن يمشي الناس على ديننا إجباريًا.

اشتغلنا مع دروز ومسيحيين، ساعدونا بشغلات إسعاف وتسهيلات… لكن لا أأمن للشيعة والعلويين. أتمنى أن ينتهي حزب الله بعد ما فعله بنا، وإذا دُعيت لمواجهته يومًا فسأشارك.

لا أيئس أبدًا. لكن يحصل أن تهبط معنوياتي. يُحبطني أنه ليس هناك أُلفة ومحبّة بين الكل. صرنا نشتغل ببعض. اللسان مؤذي أحيانًا.

بعد الثورة رح أرجع لمصلحتي في تصميم الملابس.

– هل تستطيع؟ تدير ظهرك للسلاح؟

– نعم. أريد أن أعيش مثل الناس. وبدي أرجع أعيش بالميدان. الميدان أحنّ حارة بالشام. تحسّ أن الشوارع حنونة عليك.