مع محاولة الولايات المتحدة وروسيا للتوسط في المؤتمر الذي يمكن أن يجمع شتى أطراف الصراع السوري إلى طاولة المفاوضات، ينبغي على المشاركين الغربيين، المحتملين على الأقل، التفكير في الآثار الأوسع لهذا الصراع على ديكتاتوريات العالم وديمقراطياته. والدروس المستفادة حتى الآن هي:

الأشرار يساعدون أصدقاءهم. الروس والإيرانيون هم على استعداد للقيام بكل ما يلزم لإبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. حزب الله، مدعوماً بإيران، انتقل الآن علناً إلى أرض المعركة لدعم نظام الأسد. حافظت روسيا وإيران على تزويد الحكومة السورية بالأسلحة الثقيلة والمساعدات العسكرية الأخرى، بما في ذلك شحنات الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للسفن المزودة بأنظمة رادار متقدّمة. وهذا سيساعد الأسد على التخندق في دويلة علوية تشمل الميناء الذي تستأجره روسيا في طرطوس، والتصدّي لجميع القادمين.

الدبلوماسية من دون تهديد حقيقي باستخدام القوة هي كلام فارغ. يرغب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، محقاً، بأن يقود الشؤون العالمية من خلال الاعتماد على القوة المدنية أكثر من القوة العسكرية، وهو يدرك أن الحلول العسكرية للمشاكل السياسة الخارجية مكلفة جداً، وغالباً ما تأتي بنتائج عكسية من حيث تعزيز الأمن والازدهار طويل الأمد في الولايات المتحدة.

ولكن في حين نصح ثيودور روزفلت «بالتحدث بلطف وحمل عصا غليظة»، تبدو استراتيجية أوباما في سوريا أشبه «بالتحدث بصوت عال ورمي العصا بعيداً». لقد أوضح الرئيس أوباما مراراً وتكراراً (كما فعل الأمين العام لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن) أنه غير مهتم بالتدخل عسكرياً في سوريا، وبذا رمى جانباً إحدى أهم أدوات واشنطن في السياسة الخارجية، وخلَق حافزاً للجانب الحكومي السوري على مواصلة القتال حتى يصل إلى أفضل وضع تفاوضي ممكن للتوصل إلى تسوية، هذا إذا كان لديه أصلاً أي حافز للتفاوض.

إذا كنت ديكتاتوراً تواجه احتجاجات سياسية مستمرة، مارس أقصى وحشية يمكنك الوصول إليها، وحرّض على القتل الطائفي. جزء من عذاب سوريا هو طبيعة الصراع ذاتيّة التحقق. فمن مارْس إلى ديسمبر 2011، تظاهر مئات آلاف السوريين كل يوم جمعة، سعياً بالتحرر السياسي نفسه الذي سعى إليه التونسيون والمصريون واليمنيون والبحرينيون والأردنيون وغيرهم، في ما كان يسمى تفاؤلاً بالربيع العربي. كانوا غير مسلحين، وأطلقت شرطة مكافحة الشغب وقناصة الحكومة عليهم النار في الشوارع، حتى بدأوا أخيراً بتشكيل ميليشيات محلية صغيرة لحماية أنفسهم، ميليشيات نمت تدريجياً إلى اتحاد فضفاض من القوات، تعرف الآن باسم الجيش السوري الحر.

وكان الأسد في غضون ذلك يصف العنف كأعمال يرتكبها إرهابيون ومتطرفون سنة يسعون للهيمنة على الأقليات من العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين وغيرهم من الفئات. كان يعمل بدأب على تأجيج نيران الحرب الأهلية الطائفية، ونجح لدرجة أن السبب الرئيسي الآن لعدم التدخل لوقف أعمال القتل هو استحالة القيام بذلك بشكل فعال في بيئة من العنف الطائفي.

لا تزال المنظمات الإقليمية عاجزة على حل المشاكل الإقليمية من دون قيادة القوى العظمى. دأبت تركيا على التهديد والدعوة إلى عمل عسكري لمدة 18 شهراً، لكن المسؤولين الأمريكان يقولون إن الأتراك ليسوا على استعداد، في الواقع، لفعل أي شيء يتجاوز تقديم الدعم للاجئين ومقاتلي المعارضة. قطر والمملكة العربية السعودية ترسلان أيضاً الأسلحة إلى جماعات المعارضة السورية، ولكن الشلل أصاب جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي. من دون قوة عظمى مستعدة للمشاركة في القيادة وللدفع من الخلف، فإن المنظمات الإقليمية لا يمكن أن تتولى المسؤولية في نطاقها.

معاناة الإنسان، حتى على نطاق واسع ومزعزع للاستقرار، لن يدفع العالم إلى التصرّف. في حوار جرى مؤخراً حول سوريا مع خبيرَيْ سياسة خارجية معروفَين، اقترح أحدهما أن حدود الشرق الأوسط الحالية، التي رُسمت في عهد الاستعمار، لا يمكن أن تستمر ويجب إعادة رسمها. أشرتُ إلى إمكانية نشوب حريق إقليمي يشبه حرب الثلاثين عاماً في أوروبا، التي يقدّر أنها قتلت ما بين نصف وثلاثة أرباع السكان من بعض الدول المشاركة. اتفق معي بذلك أحد المحاورين، لكنه قال إننا عاجزون عن فعل شيء لوقفه، لأن «هذه هي الحقبة التاريخية التي نعيشها».

ورغم جميع الشعارات العالمية الورعة المتمثلة في «لن تتكرر- never again»، التعويذة التي ظهرت بعد الهولوكوست، فإن القتل الجماعي نادراً ما يحفز التدخل الأجنبي. ومن المذهل أن نتصور أن العالم تجنّد فوراً لإخراج القوات العراقية من الكويت في 1991، ولكنه تقاعس لأكثر من عامين رغم عشرات الآلاف من القتلى السوريين، ورغم أن بلدهم، مهد الحضارة، صار ركاماً.

التدخّل «الإنساني»، وهو سلوك مدفوع من قلقنا على مصير إخوتنا في البشرية، غالباً ما يوصف بأنه يعكس «قلقاً أخلاقياً». لكن، كم حرباً يلزمنا لندرك أن القتل لا يجلب إلا مزيداً من القتل؟ فالناس الذين يشاهدون ذبح أطفالهم وذويهم، واغتصاب زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، والتحطيم الوحشي لمنازلهم، وتدمير أسباب رزقهم وسبل عيشهم، لا ينسَون. فهم يحملون الانتقام في قلوبهم من جيل إلى جيل حتى نيل قدر من العدالة، يحضنون عداوتهم ضمن صراعات مجمدة تعيق النمو الاقتصادي، وتمنع تكوين رأسمال اجتماعي، وتشلّ المؤسسات السياسية.

وحين لا يكون لدى أحد طرفي الحرب سبب لوقف القتال، لا يمكن لمؤتمر للسلام أن ينجح. وفي سوريا، تلتقي الحجج الأخلاقية والاستراتيجية والسياسية كلها في صالح إجراءات حاسمة لوقف القتل: إن لم يكن إلى الأبد، فعلى الأقل حالياً، لخلق فضاء للسلام. ولكن إذا كان ثمة دروس المستفادة من العامين الماضيين، فهي أن عجلات العنف ستدور وتدور.

المصدر