المقال حصيلة جهد جماعي لناشطين وحقوقيين

في الشهور الأخيرة من الثورة السورية، تراجعت سطوة النظام على الكثير من المدن والبلدات السورية، وبدأت تتشكل المجالس المحلية واللجان المدنية والهيئات والمحاكم الشرعية، التي أخذت على عاتقها الاضطلاع بتقديم الخدمات العامة في قطاعات الإغاثة وإعادة الإعمار والمرافق الخدمية المختلفة، و فض النزاعات بين الأهالي وتأمين حماية الأموال العامة والخاصة والسجلات العامة. وقد سجلت تجربة عدة أشهر من عمل المجالس والهيئات المحلية الكثير من النجاحات. واعترض عملها الكثير من الصعوبات، منها (1) تعدد المجالس المحلية وتناحرها في المدينة أو البلدة الواحدة. كما أظهر واقع العمل (2) ضعف التنسيق بين المجالس المحلية في المدن والمحافظات، الأمر الذي عاد سلباً على حال الخدمة العامة في البلدة نفسها. كما كشف عمل المجالس المحلية عن (3) تنافس فيما بينها ذي طابع سياسي هدفه الاستحواذ على الحياة العامة داخل المدينة أو البلدة وفرض لون سياسي واحد، ورهن تقديم الخدمة العامة بذلك. تفرز هذه التطورات نتائج سلبية قد يكون لها أثر طويل الأمد. فهي إذا استمرت تهدّد وحدة البلاد من خلال تفتيت الإدارة العامة على المستوى الوطني بشكل لا يمكن إصلاحه. وهي تعيق تشكل مجال عام سياسي وطني بديل له عمقه الديموقراطي، ليكون ضمانة فعلية لاستقلال القرار الوطني من التجاذبات الإقليمية والدولية والتي أصبحت للأسف هي المحدد الأساسي لتطور الحراك الثوري ميدانياً وسياسياً.

إن ما أفرزه التحرك العفوي للمجالس المحلية يمكن البناء عليه وعقلنته، وهذا ما يجري فعلاً على الأرض. وتتطلب معالجة الواقع الصعب تعديل أسلوب عمل الهيئات والمجالس المحلية بما يتوافق مع المبادئ الأساسية التالية:

– إن هدف الهيئات والمجالس المحلية هو إيجاد صيغة محلية واقعية لمواجهة تحدي تقديم الخدمات العامة في ظل الثورة وظروف التدمير التي يفرضها النظام، وصولاً إلى الانتقال لتأسيس حياة عامة يسودها مبدآ الكرامة والحرية على كامل التراب الوطني.

– إن مهمة المجلس المحلي المباشرة هي مواجهة تحديات حفظ وإدارة الحياة في زمن الثورة في ظل التدمير الذي يقوم به النظام، وليس الصراع على شكل الحكم الذي سيقوم في البلاد بعد الثورة.

– إن إسقاط النظام لا يكتمل برحيله فقط، بل بحفظ مؤسسات الدولة وإمكانيات انتقالها إلى ما بعد سقوط النظام، وتمكينها من أن تقوم على مبدأ تغليب صون كرامة السوري وحريته على أي اعتبار آخر.

– لا يتطلب عمل المجالس المحلية في هذه المرحلة خلق مؤسسات جديدة من العدم بل إعادة إحياء مؤسسات الدولة السورية القائمة من دون سيطرة النظام، أو استعادتها من النظام وإرجاعها إلى المجتمع لتحاكي بفعالية هموم الحياة فيه، ولتمارس دورها الطبيعي في أن تكون متوجهة لخدمة السوري وحماية حقوقه ومصالحه بحيادية.

– يتطلب في كل الأحوال من المجلس المحلي أن يكون منفتحاً دائماً وقابلاً لضم كل مكونات المجتمع المحلي، بما في ذلك تلك التي لم تشارك في الثورة، وتأمين ظروف التقاء السوريين والتداول في أمورهم العامة مهما اختلفت آراؤهم وانتماءاتهم.

– لكي يكون عمل الهيئات والمجالس المحلية فعالاً وضامناً لوحدة البلاد، يجب أن يتم تنسيق العمل بشكل موحد على مستوى كامل البلاد، سواءً أكان ذلك في المناطق «المحررة» أم تلك التي ما زالت تحت سطوة النظام.

– إن الثورة مهما طالت هي ظرف استثنائي، وإشكالية إدارة الشؤون العامة وضروراتها أثناء الثورة لا يمكن التعامل معها وفهمها من الأعلى ومن منظور حكومة بيروقراطية الكفاءات. لقد كشفت المعطيات الموضوعية المحلية والإقليمية والدولية عن أن ظروف تمكين هذا الطرح ما زالت غير محققة.

– إن استعادة مؤسسات الدولة الى المجتمع يتطلب في هذه المرحلة أن تمارس هذه الهيئات والمجالس المحلية وظائف الإدارة العامة بما لا يتعدى حدود ما هو ضروري: لدعم صمود الشعب أثناء الثورة، وتأمين الخدمات المرفقية العامة، والمحافظة على أموال الدولة وسجلاتها وعلى مصادر الثروة الوطنية سواءً الاقتصادية أم الثقافية.

– إن المجلس أو الهيئة المحلية في المدينة والبلدة هي الوحدة الأساسية التي يمكن أن يقام على أساسها أي تنسيق على نطاق أكبر. ويمكن أن يتبع في تعريف الوحدات الإدارية من مدن وبلدات وقرى تقسيمات الإدارة المحلية القائمة، ريثما يتم مناقشتها في ظل أوضاع دستورية ذات شرعية بعد سقوط النظام.

– من أجل أن يكون التنسيق متماسكاً وذا أثر محسوس على المدينة أو البلدة وكذلك على المستوى الوطني، يجب أن تتوافق جميع القوى الفاعلة في المدينة أو البلدة على تشكيل مجلس أو هيئة واحدة، واحدة فقط، تضم كل المجالس والهيئات الموجودة والفاعلة ميدانياً في البلدة. وفي حال وجود أكثر من مجلس، هيئة، محكمة، بتابعيات مختلفة مع كتائب على الأرض، فإن من مسؤولية كل هذه الهيئات أن تحيّد الخدمات العامة للناس من الصراع السياسي، بحيث يجري تأديتها بعدالة وتجرد لضمان كرامة العيش للجميع بدون تمييز مهما كان شكله.

– تحتاج المجالس المحلية، سواء على مستوى المدينة أو البلدة أو المحافظة أو على المستوى الوطني، أن تنظم عملها وفق لوائح إجرائية موحدة. ويمكن بالتشاور الواسع مع تلك المجالس، وفي وقت بسيط، وضع أنموذج  لائحة تنظيمية للمجلس المحلي، تُطرح على المجالس المحلية القائمة لتوحيد إجراءاتها، وعلى المجالس المحلية التي تتشكل لتبنّيها. وقد بدأ بالفعل هذا العمل بين العديد من المجالس والهيئات المحلية على مستوى بعض المحافظات السورية. ولا مانع من دراسة واعتماد الإجراءات التي تنظم عمل المجالس المحلية في قانون الإدارة المحلية، بعد التوافق فيما بين المجالس والهيئات المحلية على المستوى الوطني على استبعاد كل النصوص والإجراءات التي كانت تضمن سطوة النظام بدون أن تحقق أية عدالة إجرائية وأي إنصاف للمواطن. وفي كل الأحوال يجب الموازنة: بين أن تتبع المجالس المحلية عبر المحافظات السورية قواعد تنظيمية واحدة، وأن يكون تنظيمها مرناً لكل مجلس محلي بحيث يحاكي التحديات في تنظيم الشؤون العامة على المستوى المحلي كما هي على الأرض في كل بلدة.

– تقوم المجالس المحلية بدعوة الموظفين الحكوميين القائمين على مؤسسات الدولة الخدمية، ولا سيما أولئك المعروفين بأنهم من ذوي النزاهة الشخصية والمهنية في المدينة أو البلدة، لمباشرة أعمالهم كل وفقاً لاختصاصه الوظيفي، وفق القوانين السارية. ويستبعد من القوانين السارية النصوص التي كانت تضمن سطوة النظام بدون أن تحقق أية عدالة وأي انصاف للسوريين، على أن يجري ذلك بشكل منسق وموحد وعلى المستوى الوطني.

– انطلاقاً من المجالس المحلية على مستوى المدينة والبلدة، يقوم كل مجلس باختيار/انتخاب ممثل أو اثنين عن المجلس المحلي الواحد على مستوى المدينة أو البلدة ليكونوا أعضاء في مجلس محلي أعلى على مستوى المحافظة التي تتبع لها المدينة أو البلدة، وفقاً للتقسيمات الإدارية القائمة.

– يكون المجلس المحلي على مستوى المحافظة موكلاً بتأمين الارتباط بين مجلس وطني أعلى للمجالس والهيئات المحلية من جهة ومجالس البلدات المختلفة في المحافظة التي تتبع له من جهة أخرى، ويقوم بالسهر على حسن تنفيذ القرارات التنفيذية المتخذة على المستوى الوطني في المحافظة والإشراف على عمل الإدارات الحكومية ضمن مراكز المحافظات التي تحررت من النظام، وذلك وفق قرارات المجلس الوطني الأعلى للمجالس المحلية.

– تنتخب المجالس المحلية على مستوى كل محافظة ممثلاً لها ليكون عضواً في المجلس الوطني الأعلى للمجالس المحلية السورية، على أن يكون ممن يتمتعون بالمهنية والخبرة التي تؤهلهم لأن يضطلعوا بأمور إدارة الشؤون العامة.

– يشكل المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية المكاتب المتخصصة بالقطاعات المختلفة، وذلك لمتابعة العمل على المستوى الوطني: كالمالية العامة، والعدل، والصحة، وشؤون الموظفين، والنظافة العامة، والتعليم، والكهرباء والمياه والمخابز، والزراعة، والموارد المعدنية، والأحوال المدنية والأمن العام، والنقل، والأوقاف، والبنية التحتية، والإعمار، والسجلات العامة، والاتصالات والتجارة…

– ينتخب/يختار المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية على رأس كل من المكاتب المتخصصة أحداً من أعضاءه، على أن يتناوبوا المكاتب فيما بينهم وفق إجراءات تنظيمية يضعها مسبقاً.

– يحدد المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية السياسات ويتخذ القرارات التنفيذية لتأمين مصادر تمويل عمل المجالس المحلية ومؤسسات الدولة التي تعمل تحت سلطتها على المستوى الوطني، ولا سيما لجهة تأمين أجور الموظفين وتعويضات المجالس المحلية ومخصصاتها.

– يتخذ المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية القرارات التنفيذية لحسن تنمية الموارد والثروات الوطنية، سواء الناجمة عن الجباية أو عن مردود الثروات الزراعية والحيوانية والمعدنية، ويضمن عدالة توزيع عوائدها على المناطق السورية.

– يقوم المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية بتحديد الاستراتيجية العامة الموحدة لإدارة المرافق العامة المختلفة، من منظور يأخذ بعين الاعتبار كامل الأراضي السورية، وتفضيل الاعتماد على موارد الثروات الوطنية وحفظها وحسن إدارتها بشكل رشيد وشفاف بما يحفظ استقلال القرار الوطني.

– تلتزم المجالس المحلية على مستوى البلدة والمدينة باحترام وتنفيذ القرارات المتخذة في إطار التنسيق مع المجالس الأخرى على مستوى المحافظة وتلك التي يتم اتخاذها على المستوى الوطني.

– تنتهي ولاية المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية فور سقوط النظام، وتسلم حكومة انتقالية مقاليد الإدارة العامة. ويمكن أن يتحول المجلس الوطني الأعلى للمجالس والهيئات المحلية ليعمل كحكومة انتقالية عند سقوط النظام. وتستمر المجالس المحلية على مستوى المحافظات والمدن والبلدات بعملها، وتقوم بتنفيذ القرارات الصادرة عن حكومة ما بعد سقوط النظام، لحين اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها من قبل تلك الحكومة.