ينظر للعلاقة بين الداخل والخارج على أنها أحد الإشكاليات التي واكبت الثورة السورية منذ بدايتها قبل عامين وحتى الآن. وهي إشكالية مرت بها العديد من الثورات في العالم. حيث ارتبط مصير هذه الثورات ونتائجها بكيفية تعاطيها مع تلك الإشكالية وبمدى نجاحها في حلها. فالإشكالية التي نتحدث عنها لا تكمن في تقاسم مهام الثورة بين داخل وخارج، وإنما في انقسام الداخل والخارج حول الثورة، من ناحية طبيعتها، وأهدافها، ومصلحتها، وتكتيكاتها، واستراتيجياتها، وتحالفاتها… إلخ. هنا لا بد من نقد مقولة أن «الداخل خير مطلق والخارج شر مطلق». فالوقائع والتجارب تشير إلى أن هناك شراً في الداخل لا يقل في كثير من الأحيان عن ما هو موجود في الخارج. لا شك في أن ساحة الصراع هي التي تحدد من هي القوى صاحبة القرار والنفوذ، فمن يخوض الصراع على الأرض هو الذي يجب أن يملك زمام إدارة هذا الصراع وقيادنه ووضع التكتيكات والاستراتيجيات المناسبة له، والتعبير عنه سياسياً. لكن هناك ظروف وعوامل تفعل فعلها بعكس ذلك، كما حصل مع الثورة السورية. فطبيعة النظام الديكتاتورية، وقوة أجهزته الأمنية وبطشها، جعلا من الصعوبة بمكان أن يتواصل الناشطون وينسقوا فيما بينهم من أجل إنتاج الأشكال السياسية المعبرة عن هوية الثورة وأهدافها. الأمر الذي دفع بهذه المهمة إلى الخارج. فكانت ولادة المجلس الوطني السوري، وغيره من الهيئات والتعبيرات السياسية. في هذا السياق، وحيث تكاملت الأدوار وحل الانسجام بين ساحتي الداخل والخارج، لم يكن لدى الثورة مشكلة في وجود ممثلين لها أومعبرين عنها أو ناطقين باسمها خارج سورية.

المشكلة بدأت عندما كف هؤلاء عن أداء دورهم بما يتوافق مع تطورات الثورة السورية ومتطلبات انتصارها، وعندما تحولوا إلى أحجار شطرنج بيد القوى الاقليمية والدولية، وعندما أدركت غالبية الشعب السوري أن هناك أوهاماً بيعت لهم حول دعم ثورتهم، وعندما أدرك السوريون أنهم باتوا واقعين بين مطرقة النظام وسندان معارضة رهنت مصير الثورة لقوى ادعت –زوراً– أنها تقف إلى جانب الثورة، في حين أدت سياساتها إلى ارباك الثورة وإدخالها في متاهات وتعقيدات ما زالت تعاني منها حتى اللحظة. هنا يطرح السؤال نفسه: هل يتحمل الخارج، المعارضة والقوى الاقليمية والدولية، وحده المسؤولية عن ما ذكر أعلاه، بغض النظر عما إذا كان انتقال الثورة السورية من طورها المدني السلمي إلى طورها العسكري كان خياراً لا مفر منه أم لا، فإن هذا الانتقال قد خلق معه الحاجة لمن يزود الداخل بالسلاح، ولما كانت السياسة لا تعرف إلا لغة المصالح فلا شك أن من تبرعوا لتقديم هذا السلاح كانت لهم أجنداتهم التي لم تكن بالضرورة متقاطعة مع أجندات الثورة السورية وأهدافها. بل إن الوقائع ومجريات الأحداث تشير بوضوح إلى تناقض أجندات القوى الخارجية فيما بينها، من جهة، والثورة السورية من جهة أخرى، الأمر الذي انعكس سلباً على الثورة وأوقعها في مطبات عديدة.

لكن كيف أمكن لأجندات تضر بالثورة وتتناقض مع مصلحتها أن تجد طريقها إلى الداخل؟ وهل يصح الاستمرار في العزف على وتر عجز المعارضة في الخارج، وسوء أدائها، وتحميلها، وحدها، المسؤولية عن كل العقبات التي وقفت في طريق الثورة وأطالت عمر النظام؟ باختصار شديد، لايمكن للقوى الخارجية أن تجد موطئ قدم لها في سورية لولا وجود شريك لها في الداخل، وهذا الشريك هو الذي يتحمل المسؤولية الرئيسية عن تمرير الأجندات الخارجية التي أضرت بالثورة وعرقلت تقدمها نحو حسم الصراع مع النظام وإسقاطه. وعليه، ومع دخول الثورة عامها الثالث، فإن تسريع انتصارها بات منوطاً بتسمية هؤلاء الشركاء، الذين يشكلون حلفاً مضاداً لها، وكشف حقيقتهم وتحجيم دورهم.