«الهيئة الشرعية صارت جوية» يشبه المتظاهرون الهيئة الشرعية بفرع المخابرات الجوية السورية ذائع الصيت بوحشيته، هو شعار أطلقه عدد من المتظاهرين في أحد أحياء حلب أمام مقر الهيئة الشرعية تشكلت الهيئة في شهر أيار 2013 باتفاق بين أكبر أربعة ألوية بحلب، هي: لواء التوحيد وأحرار الشام وجبهة النصرة وصقور الشام، ثم ما لبثت أن انضم إليها غالبية الألوية والفصائل الأخرى. وتتكون الهيئة من مكتب رئاسة ينبثق عنه عدة مكاتب، من بينها: مكتب التربية والتعليم ومكتب الإفتاء وشؤون المساجد والمكتب الخدمي والمكتب الطبي والمكتب القضائي ومكتب الحبوب وإدارة المطاحن، ولكل مكتب مهام محددة. احتجاجاً على إعدام الطفل محمد قطّاع (15 عاماً) قتلاً بالرصاص بتاريخ 9 حزيران 2013. القصة بدأت حين مجموعة من الأشخاص مجهولي الهوية، تم التداول بأنهم تابعون للهيئة الشرعية نفت كل من الهيئة الشرعية بحلب والهيئة الشرعية لجبهة النصرة مسؤوليتم عن قتل الطفل.، سمعوا الطفل محمد يقول «إذا بينزل محمد ما رح أديّن»، وذلك خلال بيعه القهوة في حي الشعار الواقع على أطراف مدينة حلب. اعتقلت المجموعة الطفل بتهمة الكفر وأخذته معها، لكنها ما لبثت أن عادت به الى نفس المكان وقميصه على وجهه، وعلى جسده آثار الجلد الواضح. تجمع الناس حوله، فقال أحد عناصر المجموعة باللغة العربية الفصحى «يا أهالي حلب الكرام الكفر بالله شرك، وسب النبي شرك، ومن سب مرة سيعاقب مثل هذا»، وأطلق النار عليه من بارودة آلية طلقة في الرأس وطلقة في العنق أمام حشد من الناس. بعدها ركبوا السيارة وغادروا المكان تاركين الوالدين لحزنهما.

ليست هذه هي الحادثة الأولى التي يتم بها ممارسة انتهاكات من قبل جهات غير محسوبة على نظام الأسد. ففي الرسالة العلنية التي وجهتها منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 20/03/2012 إلى مختلف جماعات المعارضة السورية البارزة أشارت إلى أن عناصر من الكتائب المسلحة ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، شملت عمليات اختطاف واحتجاز وتعذيب وإعدامات ميدانية لعناصر من قوات الأمن ومؤيدين للحكومة وشبيحة. غير أن ردود الفعل من قبل معظم الثوار كانت سلبية واتهمت المنظمة بالانحياز للنظام ومحاولة تشويه الثورة، في حين تراوحت ردود فعل آخرين بين الإقرار بوجود انتهاكات لكن لا يجب الحديث عنها مرحلياً، وبين الإقرار بوجود انتهاكات والعمل على تسليط الضوء عليها لأن الثورة قامت على النظام لا لكي تكون صورة عنه، وما بني على باطل فهو باطل، لذلك يجب أن تكون وسائل إنجاح الثورة بنُبْل أهدافها. غير أن معظم أصحاب الاتجاه الأخير تم تهميشهم وتخوينهم في حالات عدة.

مع تضخم أعداد الجيش الحر وتزايد المجموعات المقاتلة بالتنسيق معه، توسعت رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. في هذه المرحلة انتشرت ظاهرة تشكيل جماعات مسلحة على أساس عائلي أو على أساس مصالحي. هذه الظاهرة، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل (منها غياب آلية المحاسبة، انتشار عقلية الغنائم يقوم مبدأ الغنيمة على مبدأ أحقية المقاتل المنتصر بأموال المقاتل المهزوم لتعويض خسائر الحرب. ما يقصد بعقلية الغنائم هنا يتجاوز مفهوم الغنيمة التقليدي بحيث يشمل الحق بأمتلاك كل أملاك المؤيدين وحتى المحايدين في بعض الأحيان. وتخول هذه العقلية أصحابها بسرقة الأملاك العامة والخاصة بعد التكبير عليها ثلاث مرات بحجة امتلاكها من قبل شبيحة.، غياب نظام قضائي مدني فاعل، ازديار الفقر ونقص السلاح، ازدهار الفتاوي الخاطئة، تراجع الحراك المدني وغيرها) أدت إلى انتشار واسع للانتهاكات من قبل بعض المجموعات المسلحة. لم تقتصر هذه الانتهاكات على المؤيدين للنظام فقط، بل شملت في كثير من الحالات المؤيدين للثورة وذلك لقاء منفعة مادية. فلوحظ بكثرة انتشار عمليات الخطف والسرقة والقتل تحت غطاء تهمة التشبيح. فكما كانت تهمة معارضة نظام الأسد كافية لقتل واعتقال وتعذيب عائلات بكاملها، فإن تهمة التشبيح كافية لانتهاك جميع حقوق الأفراد. فكثير من الأفراد خُطفوا وكثير من السيارات والمعامل والأموال سُرقت من أشخاص معروفين بدعمهم للثورة أو بحياديتهم بتهمة التشبيح بدون أي دليل. وفي حالات أخرى تم خطف صحفيين داعمين للثورة وقمع مظاهرات مناهضة للنظام بسبب نقد الانتهاكات الممارسة من قبل الكتائب المعارضة. كما انتشر نوع آخر من من الانتهاكات التي مورست باسم تطبيق الشريعة، كحادثة الجلد التي طُبقت في سراقب (ريف إدلب) على شخصين لقيامهما بما «يخالف الشرع» في أمور تتعلق بالزواج الحادثة وقعت بسبب تزويج امرأة من رجل آخر قبل انتهاء مدة العدة الشرعية (أي الفترة الزمنية التي يجب أن تقضيها المرأة بعد الطلاق أو وفاة الزوج بدون رؤية أي رجل لمدة أربع أشهر وعشرة أيام. وهي في الأساس وجدت من أجل معرفة فيما إذا كانت المرأة حاملا قبل الزواج من رجل آخر)، ومن المفيد التنويه هنا بأن «العدة» غير مطبقة في معظم المجتمع السوري.. وذلك رغم أن معظم دعاة السلفية يتفقون على أن تنفيذ القصاص أو الأحكام الشرعية يكون بعد قيام الدولة الإسلامية.

وبعد مرور أكثر من عامين على بدء الثورة، لم يتم تناول هذه الانتهاكات من قبل جهات المعارضة السياسية والعسكرية بشكل عميق وموضوعي لدراسة أسبابها والعمل على تلافي تكرارها، حيث اقتصرت معالجة هذه الحالات على محاسبة أفراد أحياناً قامت بعض المجموعات الثورية المقاتلة بعدة محاولات للحد من الانتهاكات لكن اقتصرت معظم هذه المحاولات على معالجة النتائج دون القدرة على الوصول لجذر المشكلة. والتغاضي عن معظم الانتهاكات أحياناً أخرى. ومن المفيد التنويه هنا إلى أن معظم الحالات التي تم التغاضي عنها تعود إلى مجموعات مسلحة تقوم بالانتهاكات بشكل ممنهج. ولكي لا يتم فهم الموضوع هنا على أنه تواطؤ المعارضة مع هذه المجموعات، لا بد من التوضيح بأن سبب التغاضي، كما ورد على لسان بعض القادة العسكريين، هو بسبب أولوية التركيز على معركة إسقاط النظام وعدم الانشغال في معارك هامشية. لكن يبدو أن هذا التفسير لم يكن كافياً للحاضن الشعبي للمعارضة المسلحة، الأمر الذي بدا واضحاً في الهتافات التي بدأت بالانتشار في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، كشعار «كل الجيش حرامي، أسدي، وحرّ، وإسلامي»، وشعار «يا حيف جيش الأحرار، شبيحة وصاروا ثوار»، بالإضافة للشعارات التي تطالب الجيش الحر بمغادرة المناطق المدنية المحررة والانتقال إلى جبهات القتال.

وعلى الرغم من أن العديد من الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة التي ظهرت تقارير عن ارتكابها انتهاكات لا يبدو أنها تنتمي إلى هيكل قيادة منظم، أو أنها تتبع أوامر المجالس العسكرية، فإن المعارضة العسكرية مهددة لحد كبير بخسارة حاضنتها الشعبية، كما خسرت المعارضة السياسية من قبل قاعدتها الشعبية. ومن هنا تنبع الحاجة الملحة لكي تقوم قيادة المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، بمسؤوليتها من خلال العمل على دراسة أسباب انتشار الظاهرة، ومن ثم إيجاد آليات للحدّ من انتشارها. كما لابد من إنعاش الحراك المدني وتفعيل دوره كرقيب لكافة الانتهاكات المرتكبة. فالشعب السوري لم يعد يقنع بالرضوخ كآلية للتعايش مع مضطهديه. وسوريا ما بعد الثورة هي سوريا التي حوّلت إعدام الطفل محمد قطّاع من مجرد رقم يضاف إلى قائمة القتلى اليومية إلى قضية وطنية تخص كل سوريّ.*

* لا بد من التوضيح ختاماً بأن الانتهاكات الممارسة من قبل المجموعات غير المحسوبة على نظام الأسد، إنما تم تناولها من مبدأ النقد للحد من الأخطاء التي يتم ارتكابها باسم الثورة، وأن نظام الأسد وآلته القمعية هما المنتهك الحقيقي لحقوق الشعب السوري، كما أنهما يتحملان المسؤولية الأساسية والمباشرة عن خلق الظروف المناسبة لانتشار مثل هذه الانتهاكات.