كان أبو أيهم (34 عامًا، من السويداء) يعمل فنّي كمبيوتر قبل الثورة، لديه شهادة كاسبر سكاي للخبرة في هذا المجال. ويُدرّ عليه عمله دخلًا يقارب 30 ألف ليرة (600$) في الشهر. الرجل العازب، الحليق الذقن، كان يعتبر نفسه صديقًا للشيوعيين قبل الثورة، لجماعة وحدة الشيوعيين تحديدًا (يقول ذلك بخجل)، لكنه لم يكن ناشطًا بالفعل.
جئت إلى الثورة أصلًا لأننا محافظة افتقرت، ورأينا كيف يتعامل النظام معنا كمحافظة… رأينا ماذا فعل عام 2000 حين حول حركة احتجاج ضده إلى صراع بين الدروز والبدو في جوارهم، وقتل 27 من أهالي المدينة، وحرّض كل طرف على آخر، وصبغ القصة بصبغة طائفية.
من بداية ثورة تونس كنت أتطلع إلى أن يحدث عندنا الشيء نفسه.
بعد الثورة صرت أصوّر وأراسل بعض القنوات، الجزيرة والعربية… أرسل لهم صورًا من درعا، بُصرى الحرير، بصرى الشام… أو أرسل مقاطع صوّرها شباب من درعا وهرّبوها لنا. كنت وقتها في جرمانا (ريف دمشق).
في نهاية حزيران 2011 اعتقلت، بقيت شهرًا عند الأمن العسكري وتعرّضت لتعذيب قاسٍ جدًا… كانوا صوّروني في مظاهرة.
خفّ نشاطي 15 يومًا، وعدت بعدها أعمل في الطبية والإغاثة، والإعلام أيضًا. ساهمت مع مجموعة ناشطين بأعمال إغاثية لدرعا وحمص. وهذا حتى آذار 2012. كان بيتي قد دوهم أكثر من مرة خلال هذا الوقت، فهربت إلى التضامن (ريف دمشق) في أول العام، ثم لاحقوني في التضامن فهربت إلى الغوطة في شهر آذار، وأقمت فيها. في فترة إقامتي الأولى كنت أؤمّن مساعدات طبية وغذائية، ونشطت إعلاميًا أيضًا. استلمت المكتب الإعلامي في عين ترما.
تعرضت الغوطة لاجتياح من قبل قوات النظام في آب 2012، فما بقي أمامي خيار غير حمل السلاح، كان هناك في عين ترما 450 شهيد و300 معتقل و8 حالات اغتصاب… الكاميرا لم تعد تجدي.
انسحبنا عند الاجتياح إلى نواحي العبّادة، بسبب انتهاء الذخيرة. كنت وقتها أعمل في إطار كتيبة الشيخ علي الدقر (شيخ دمشقي، شافعي، من القرن العشرين).
بقينا في العبّادة نحو 15 يومًا. عدنا بعدها إلى سقبا. كانت فترة تجميع قوى وإعادة هيكلة.
بعدها بدأت عملية ضرب تجمّعات النظام في الغوطة وتحرير الغوطة. شاركت في عملية ضرب الأربعة حواجز على المتحلق الجنوبي بعد نهاية رمضان، أواخر آب 2012. وبقيت في كتيبة علي الدقر حتى تشرين الأول.
انتقلت بعدها إلى مركز عمليات عين ترما، وهو مركز إشارة. كنت الدرزي الوحيد وقتها هنا. كان هناك مقاتلون دروز قلة في زملكا. بقيت في مركز عمليات عين ترما حتى بداية شهر 11، انتقلت بعدها إلى لواء جِلّق. بقيت فيه أقل من شهر في قسم العلاقات الخارجية، القسم الذي هو بمثابة مكتب ارتباط بمجموعات مقاتلة أخرى.
كنت خلال هذا الوقت نسّقت مع آخرين وشكلنا كتيبة فدائيي بني معروف، كان عددنا 17، وأعلنّا عن الكتيبة في مطلع 2013. كان الغرض إظهار نشاط عسكري من محافظة السويداء. وضع السويداء ذاتها لا يسمح بذلك، لكن هناك شباب من السويداء اشتغلوا في حمص وحلب. اخترنا تسميتنا لإظهار هذا المسمّى ضمن طيف الجيش الحر ذي الأسماء الإسلامية. لكن بيننا مقاتلون ليسوا دروزًا (كان برفقة أبو أيهم صديق له ميداني، غير درزي، لكنه من الكتيبة).
تسليحنا ضعيف وإمدادنا قليل، وهناك تعمُّد من أكثر من جهة لعدم دعمنا (يتحفظ أبو أيهم عن تسمية جهات محددة).
نحن نرابط اليوم في نقاط حراسة على المتحلق الجنوبي، وشاركنا في جبهة جوبر، ونؤازر بعض التشكيلات.
نواجه صعوبات خاصة، ومزدوجة. خاصة عدم تقبل البعض لنا لسبب ديني أو طائفي، لكن هؤلاء أشخاص مو نضاف أصلًا.
وُوجهت في البداية بتحدّ كبير: كانوا يعاملوني كدرزي لا كثائر، وجرى تكفيري أحيانًا. اعتبرت الأمر تحديًا. حاولت أن أقنعهم بنفسي. وتعوّد علي الناس بعد فترة.
استطعت في النهاية أن أفرض نفسي وأنال الثقة، صاروا يعطوني ظهرهم ويثقون بي. هذا انتصار بحد ذاته. كلهم يعرفوني اليوم باسم أبو أيهم الدرزي.
مواردنا المالية مصدرها أصدقاء مقربين، ومن المجلس العسكري الذي دعمنا قليلًا، ومن حملات تبرعات، نسميها «حملات شحادة».
عدد مقاتلي الكتيبة اليوم أكثر من أي وقت سابق، ومرشح للزيادة، وتسليحنا اليوم معقول.
طول أمد الثورة يخلّي الوضع معقد، ويؤثر سلبًا على كل الصعد، وهناك من صاروا يفقدون الثقة بالجيش الحر.
لكن التسوية السياسية دون سقوط دمشق عسكريًا بيدنا تعني مد عمر الأزمة لعشرات السنين.
وبعد سقوط النظام أرجح حدوث فوضى، أرجو ألا تطول.
أخشى من المتشددين الدينيين، لكن «نظرية اللحى» تسقط بسقوط النظام، ليس بعد سنين طويلة من سقوطه لأن هؤلاء بدؤوا منذ الآن يحرقون أنفسهم ويفقدون شرعيتهم.
ليس هناك موقف سلبي مني من قبل معارفي وأصدقائي لكوني في الجيش الحر. أنا أصلًا معارض، وصرت اليوم شخصية عامة معروفة بعض الشيء.
قريتنا أكلت قذيفة هاون من طرف قوات النظام يوم أعلنّا تشكيل الكتيبة في بداية العام.
غير صحيح أن أكثرية الدروز إلى جانب النظام؛ الصحيح أن أكثريتهم تخاف من الثورة، من التشدد الديني، وأن يدخل الجيش الحر السويداء دخول الفاتحين لا دخول المحرّرين. وهذا ليس احتمالًا قويًا في رأيي. أدعو الدروز إلى المشاركة في الثورة. كلما شاركوا أكثر اليوم كان الوضع أفضل بعد الثورة.
النظام لعب لعبة الطائفية. وضع على رأس اللجان الشعبية في جرمانا دروز من أصحاب السوابق، لكن أكثر سكانها ليسوا دروزًا، وإن تكلموا لهجتنا. ومقاتلو حزب الله في جوبر هنا، وفي درعا، لديهم هويات من السويداء.
وكمان المشاكل التي كانت تقع بن درعا والسويداء كانت مفتعلة، مثلا جماعة يفترض أنهم من جبهة النصرة يهددون أهل السويداء، قبل أن يتبين أنهم مخابرات، وكانوا ينسقون مع حدا من السويداء من جماعة النظام.
ومعروف أن سليمان الخليلي اللي طلعلو فيديو بعد تشكيل حكومة عادل سفر ووضع محمد ابراهيم الشعار وزيرًا للدخلية في نيسان 2011، طلع الخليلي في فيديو مصور في الجامع العمري بدرعا، وقال بالحرف: كانت درعا محافظة محافِظة إلى أن جاءت الحكومة، وبنت المعاهد في جنوب درعا، وأحضرت إليها الآنسات الدرزيات الفاسقات اللواتي يمشين بأجسادهن نصف العارية ليجلبن الزنا والدعارة إلى درعا… قال أيضًا إن جده هو القائد الحقيقي للثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين، وإن سلطان الأطرش سرقها منه. وأعلن الرجل إقامة عن إمارة سلفية في درعا.
هذا كله من تدبير الأمن السياسي في السويداء بعد شهر من الثورة، والعقل المدبر وراء هذه القصص كلها هو وزير الداخلية الشعار.
بعد الثورة بدي روح بوس إيد أمي. صار لي ما شفتها من سنة و8 شهور. وبدي آخذ حبيبتي، وفِل لمكان ما فيه إنترنت وكهرباء… لأستعيد إنسانيتي. كمان ما شفت حبيبتي من عشرين شهر.
يمكن أطلع من البلد.
ورح أترك السلاح. أصلًا لم يكن خياري. كنا مجبرين.