الحيوية المدنية التي فشل الأسد في تصفيتها
في 30 حزيران، يحبس المصريون أنفاسهم في مواجهة احتجاجات متنافسة بين معارضين ومؤيدين للرئيس الإسلاماني محمد مرسي. بينما في سوريا هجوم هو الثاني فعلياً من قبل النظام الأسدي على الأحياء الثائرة في حمص.
الطائرات والصواريخ والدبابات ترمي قنابلها على تلك الحصون، التي تحولت إلى خرائب، والتي أعلنت الدعاية الحكومية «استعادتها» عدة مرات من قبل.
جامع خالد بن الوليد، المَعْلم الأهمّ في حمص، تعرض لنيران النظام، كما من قبله الجامع الأموي في حلب والجامع العمري في درعا.
ذاك الانفلات للعنف الأعمى، على خلفية تردّد غربي في دعم الثوار، يضرّ في خلفية المشهد بالحيوية المدنية للثورة السورية.
ولكن هذا البعد الحيوي للثورة، ومصدره انتفاضة آذار الشعبية 2011، ضروري لفهم طاقة المقاومة لملايين السوريات والسوريين في وجه حملات التطهير التي يقودها بشار الأسد، وأيضاً في وجه تشرذم المعارضة السورية.
في 28 حزيران، كما في كل الجُمع منذ أكثر من سنتين، احتشد آلاف المحتجين السلميين تحت شعار «ثورة متوقّدة ومعارضة مقعدة».
خلف مشاهد المعارك والمجازر التي تتخم شاشاتنا، هناك في الحقيقة شبكة من المواطنين الناشطين الذين يصونون وحدة سوريا ويضمنون بعدة طرق مستقبل شعبهم.
«الحراك السلمي السوري» نشر خريطة تفاعلية لمئات الجمعيات والتنسيقيات المحلية المندرجة في الانتفاضة السورية طولاً وعمقاً. كل اسم منها يحيل إلى صفحته على الفيسبوك مع وصف سريع. تجد هناك أيضاً الهيئات المختلفة للإدارة المحلية، مثل دعم المعتقلين، حملات الضغط ومبادرة المواطن الصحفي…
(للاطلاع على الخريطة التفاعلية: هنا)
هذا لنقول إن التغطية الإعلامية للمأساة الجارية تمرّ على البعد المدني للثورة السورية مرور الكرام.
أخطاء الإعلام القاتلة
في مكان آخر، وصل التضليل البعثي، المنظّم منذ آذار 2011، إلى الذروة مؤخراً.
موت راهب فرانسيسكاني سوري، في 23 حزيران، بالترافق مع نهب الدير الذي كان يقيم فيه قرب حمص، مما أدى لانفعال محق في فرنسا.
اليمين المتطرف لم يتورّع عن الزعم أن الدعم الغربي للثوار السوريين «يساعد على قتل المسيحيين». مواقع أخرى، مثل RiposteLaïque.com، ذهبت أبعد من ذلك إلى القول أن ثلاثة رهبان قتلوا وليس واحداً، وأن الثوار قطعوا رؤوسهم على الأشهاد. لكن، على نحو يكرهه دعاة الكراهية هؤلاء، «أمانة الأرض المقدسة» نفت وبشكل قاطع مقتل ثلاثة رهبان في سوريا. ثم تبين أن صور التعذيب المنشورة هي عمل تلاعب أكثر مداورةً.
موت ثلاثة أشخاص في تفجير في 27 حزيران في حي مسيحي مزدحم في دمشق نُسب بسرعة إلى «انتحاري» تابع للمعارضة.
هذه الأطروحة، مدعومةً بإعلام النظام الأسدي، تبنّاها بهذا الشكل الإعلام العالمي، بما في ذلك في فرنسا. الآن تبيّن أن «الانتحاري» كان موظفاً في التلفزيون الرسمي من الطائفة المسيحية، وأن التفجير كان نتيجة سقوط هاون، مقصود أو بالخطأ.
هذان المثالان فقط لتوضيح مدى استمرار وتشبّث «حرب الصور»، حيث الحظر الديكتاتوري السوري لأي تغطية إخبارية مستقلة ما زال يعبّد الطريق أمام أخطاء الإعلام القاتلة.
ختاماً، أودّ الإشارة إلى هذه المقابلة، المنشورة في 29 حزيران في موقع توليرانس الكندي بعنوان «الانتفاضة السورية بكل بساطة مكتوب عليها الانتصار»:
كيف تشرح فشل المتظاهرين السوريين في تكرار ما نجح به «إخوتهم» التوانسة والمصريون؟
انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011 هي في الحقيقة جزء من مدّ الثورتين التونسية والمصرية، لكنها فاجأت العالم كله، وكذلك نظام بشار الأسد طبعاً، هذا بالإضافة للمتظاهرين أنفسهم الذين لم يتوقعوا أن يكسروا «جدار الخوف»، الأصلب في سوريا بالمقارنة مع أي مكان آخر.
العنصر الدرامي في الثورة السورية هو تطوّرها إلى انحسار مضادّ، بدأ مع قمع الحراك في البحرين في نفس شهر آذار 2011. هذا الانحسار المضادّ للثورة في العالم العربي أساسه تحريض مصادر النفط (المستخرج من إيران في حالة الديكتاتورية السورية) والمفاقمة الممنهجة للتوتّر الطائفي باسم ما يفترض أنه صراع لا حلّ له بين السنة والشيعة. الثورة السورية عانت أكثر من هاتين الديناميتين، بينما تتعرّض لحملة تطهير حقيقية يشنّها طاغية دمشق – بينما بن علي ومبارك لم يستطيعا إغراق المحتجين في حمام دم.
بمَ تفسّر صمود الانتفاضة الشعبية؟
الانتفاضة السورية بكل بساطة مكتوب عليها الانتصار. ليس لديها أي خيار سوى إسقاط الديكتاتور وآلة الإرهاب التي لديه. تلك «الدولة البربرية» في سوريا –حسب تعبير الراحل ميشيل سورا– لا تستطيع في الواقع تقديم أدنى تنازل عن تحكّمها المطلق بالمجتمع. إنها الحرية التي على الشعب السوري أن ينتزعها خطوة خطوة، ولا يمكنه التراجع وهو مهدّد بإبادة مشابهة لتلك التي فُرضت على مدينة حماه عام 1982. انظر إلى صور حمص والقصير التي «استعادها» النظام السوري. ليس هناك سوى أطلال فارغة من جميع سكّانها، حرفياً سلام مقابر!
إنه الإيمان بالقتال حتى الموت ضد نظام متوحش ما يمدّ تلك الانتفاضة بالطاقة، على الرغم من انقسامها في وجه آلة الحرب عديمة الرحمة التي يملكها الطاغية.
لمَ لمْ يزُل نظام الأسد؟
من الصعب لغير السوريين تقدير كمّ الإرهاب المؤسس عليه الجهاز الأسدي، بما في ذلك ضدّ مؤيديه. أيّ فشل في تنفيذ أوامر القتلة عقوبته القتل، لا فقط قتل المذنب بل أيضاً عائلته. كذلك التعذيب معمّم جداً إلى درجة أن أجهزة القمع تتنافس بشكل أعمى فيما بينها. يستحيل معرفة كم من الجثث تعفّن في المعتقلات السورية.
يضاف إلى ذلك الدعم غير المشروط من روسيا وإيران، مع مشاركة مباشرة للمستشارين، وحتى المقاتلين، بعكس الدعم الغربي التكهناتي. نظام الأسد هو أول نظام في التاريخ يستعمل صواريخ سكود البالستية ضد شعبه، دون أدنى إدانة من قبل الأمم المتحدة.
برأيك ماذا ستكون التأثيرات المحتملة لسقوط عائلة الأسد على سوريا والشرق الأوسط؟
أنا مقتنع أن الأزمة السورية، وهي أبعد من كونها عاقبة تلاعب خارجي، هي بالعكس عملية إعادة تأسيس لكامل المنطقة. هذا «الشرق الأوسط الجديد»، الذي سمّيت باسمه كتابي الجديد، هو ثمرة تحرّك الناس المعنيّة، حتى حين يكون توازن القوى ضدهم بشكل كارثي في سوريا. سوريا الحرة مستقبلاً ستكون قوة قومية، وهي، بمواجهة دولة مصرية منهمكة أكثر فأكثر في أزماتها الداخلية، ستكون قطباً يحدّد القوى الجديدة الفاعلة في المنطقة.
في ضوء الـ«عشرة دروس» للثورات العربية، ما الذي يمكن تعلّمه من الانتفاضة السورية؟
في ضوء الثورة السورية استعدت «عشرة دروس من الانتفاضة الديمقراطية» أُعلنت منذ ربيع 2011. أرى أن تسعة منها ما تزال صالحة.
للتذكير هي: «العرب ليسوا استثناءً»، «المسلمون ليسوا مسلمين فقط بل أشياء أخرى كثيرة»، «يمكننا الانتصار من غير قائد»، «بديل الديمقراطية هو الفوضى»، «الإسلاميون سيكونون في مأزق»، «فلسطين باقية في القلب»، «النهضة ليست قطعة دومينو». لكني تراجعت عن درس «الجهاديون لا مصلحة لهم في الطغيان» لأنه، في سوريا وأماكن أخرى، يبدو لي واضحاً أن «الجهاديين يهدّدون الديمقراطيات الوليدة».
هل يمكن لجنيف2 أن تكون، في حالتها الحالية، مخرجاً من الحرب ضد المدنيين في سوريا؟
المجتمع الدولي طالما فضّل وضعية «سوريا الأسد»، والتي بقيت في مقعدها محتفظة بموقعها في الأمم المتحدة. لذلك أنا متشكّك جداً حيال مؤتمر دولي يصادق على أوهام أي تسوية ممكنة بين «الرعاة» الخارجيين للأطراف المتصارعة في سوريا. لكن الأسد أصبح لا يمكن التحكّم به، ومثله حليفه بوتين، وأوباما منذ وقت طويل يقدم دعمه للمعارضة السورية للتظاهر بفرض أي شيء عليه.
من غير تغير جذري في توازن القوى على الأرض ولمصلحة الثورة السورية، أي مؤتمر سيكون محكوماً عليه الفشل. لكنني مقتنع، رغم ذلك، بأن الحل لا يمكنه أن يكون إلا سياسياً، وذلك على أساس تعاون فريق من النظام على مرحلة انتقالية لما بعد الأسد، مع الاقتناع أن النصر العسكري شيء لا يمكن تصوّره ولو على المدى المتوسط أو البعيد.