ما حصل في مصر انقلاب كامل, إلا إذا كنا نحن العرب لا نعترف بالانقلاب إلا إذا اقتحمت الدبابات القصر الرئاسي وقامت القوات العسكرية باعتقال الرئيس أو قتله ومع سقوط ضحايا.
كان أقصى طلبات المعارضة والمتظاهرين هو الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة, لكن السيسي كان ملكياً أكثر من الملك وأطاح بالرئيس وشل الديموقراطية.
لم يكن للمعارضة هدف وطني, بل كان هدفها إسقاط حكم الإخوان المسلمين وإفشال برامجهم، بغض النظر عن النتائج التي قد يترتب عليه ذلك وبغض النظر عن الوسيلة التي يتم بها, ولم يكن يهمها تعطيل البلد وإرهاقه اجتماعياً واقتصادياً, ولما لم تكن تمتلك القوة الشعبية لذلك قامت باستعداء الجيش والخارج، منتهكة كل شعارات الديموقراطية والمدنية والليبرالية التي تغلف خطاب قياداتها.
أريد أن أناقش هنا, من خلال تجربة الأخوان المسلمين في مصر, أخطاء الأحزاب الأيديولوجية التي تصل إلى السلطة، عسى أن يفهم الرسالة من يقوم على شأن المعارضة السورية ويتنافسون على السلطة قبل إسقاط النظام.
يقول نعوم تشومسكي: «إن السلطة غير المبررة يجب تفتيتها, ويقع عبء تبريرها عليها هي, وإذا كانت السلطة لأجل السلطة فهي إذاً غير مبررة».
أعلن الأخوان عدم خوضهم انتخابات الرئاسة، ثم نكثوا وعدهم و قاموا بترشيح الشاطر, ولما لم يقبل ترشيحه لأسباب فنية بحثوا بسرعة عن أحد أعضائهم ممن قد تتوافر فيه الشروط الشكلية للقبول كمرشح رئاسي, وكان من الممكن أن يجدوها في العشرات بل المئات من منتسبيهم, وقد تجاهلوا أن توافر الشروط الشكلية يختلف تماماً عن توفر القابلية للمنصب.
كان حرص الأخوان على اقتناص اللحظة التاريخية والفوز بمنصب الرئيس المصري أهم من حرصهم على أداء مهمات المنصب والمسؤولية الوطنية التي يجب أن يؤديها من يتبوأ المنصب, لذلك فقدت كثيراً من شعبيتها وسممعتها.
لا يمكن لجماعة أو حزب أن تدعي أنها تمثل طبقة أو فئة اجتماعية كاملة, ناهيك عن تمثيلها لشعب أو أمة. إن النجاح في انتخابات الرئاسة عن طريق الانتخاب يعطي الرئيس الشرعية الشعبية والدستورية لممارسة عمله، لكن لا يبرر له إلغاء من لم ينتخبوه من حساباته, فالديموقراطية التي تقول إن على الأقلية احترام قرار الأغلبية وتنفيذه هي نفسها من تقول باحترام وجود الأقلية ومشاركتها ومساواتها, فما بالك بأقلية لم تكن تبتعد إلا بمقدار كسر عشري في نسبة الاقتراع؟
انتهج الإخوان في سنة حكمهم مبدأ المغالبة لا المشاركة, والإقصاء لا التقريب، لم يدركوا أن النجاح إن تحقق فسيكون لصالح مصر وأما الفشل فإنه سيؤثر على مصر لكنه أيضاً سيقتلهم, فكان تعاملهم مع الموضوع بمنطق قيادة الحزب لا قيادة الأمة, فقيادة الحزب تتم بمشاركة أعضاء الحزب, أما قيادة الأمة فتتم بمشاركة أعضاء الأمة، من مؤيدين ومعارضين. لم يدرك الإخوان أن المرحلة التالية للتحولات الجذرية التي تعيشها الأمم دائماً تكون مراحل معقدة وصعبة, وغالباً ما يتعرض للفشل من يتصدر لإدارتها, بسبب ثقل التركة وتملل الناس وارتفاع سقف مطالبهم وتوقعاتهم, وبسبب رغبة الأطراف الأخرى في إفشالهم, فكان حرياً بالإخوان أن يعوا ذلك وأن يخوضوا غمار السياسة بمنطق التوافق والمشاركة في المسؤولية وتقديم التنازلات التي تخدم مصلحة الأمة، مما كان سيرفع من شأنهم وقيمتهم وشعبيتهم, لكن العقلية الاستبدادية والإقصائية هي التي سيطرت على سلوك الإخوان، واعتبروا أن أي تنازل سيجرّ إلى تنازلات أخرى, ولم يعوا أن التنازل هو لمصلحة الشعب ولاستقرار البلد.
إن جدلية السلطة والمعارضة هي التي تؤدي إلى الاستقرار السياسي, والتداول السلمي للسلطة, ففي الديموقراطيات لا وجود للسلطة من دون معارضة, ولا قوة للسلطة من دون قوة المعارضة.
كل حزب يدعي أنه يمتلك الحقيقة والوصفة السحرية لنهضة البلاد وتقدمها يبدأ بخنق نفسه بنفسه, فالحقيقة ليست مطلقة إلا في ذاتها، أما إدراكها فهو نسبي,وهذا مقتل الأحزاب ذات المرجعية الدينية أو الأيديولوجية, والتي يضمر في إدراكها مفهوم العام والكلي –أي الشعب والأمة والدولة– إلى مفهوم الحزب ومؤيديه, وهو ما دفع الإخوان للاستئثار والإقصاء. الحزب حسب لوكاش هو «الواسطة بين النظرية والممارسة» أي بين الدولة والمجتمع, فإذا أصبح هو الدولة انقطعت هذه الوساطة وحدث الفصل بين المجتمع والدولة، وهذا الذي يقود عادة إلى الانفجار. حاولت «الجماعة» أن تتماهى مع الدولة وتلغي الحدود بينهما, وأن تنكر أنها جزء من كل, بل أرادت أن تتحول إلى الكل, فصرنا نسمع قياديين من الإخوان ليس لهم صفة رسمية في الدولة يتحدثون باسم الدولة وبالنيابة عن الرئيس, يحرّكهم كما يقول عابد الجابري اللاشعور السياسي الذي يقوم على مبدأ العشيرة (الإخوان), والعقيدة (الأيديولوجية الإسلامية), والغنيمة (السيطرة على السلطة والقوة والثروة).
مبادئ المشاركة والاعتراف بالآخر واحترامه وإدراك الاختلاف والتعدد والسعي للتوافق ونقد الذات ومعرفة الحجم, بدلاً من الإقصاء والمغالبة واحتكار الحقيقة وتضخم الذات وإطلاقية المعرفة، هي محددات أساسية في أي عمل سياسي يريد النجاح.