للرجل البالغ الرابعة والأربعين لحية قصيرة، مثل أكثر المقاتلين هنا، مشذبة حديثاً مثل قلة بينهم. متزوج من امرأتين، وكان يدير مكتب حج وعمرة، ودخلُه جيد جداً.

سألته: شو اللي جابك عالثورة؟ ردّ: شو اللي جابك إنت؟

كان الحجي، كما يخاطبه من حوله وكما هو معروف هنا قبل الثورة، متوجساً عند أول لقائي به. سألته إن كان يمكن أن أدوّن ملاحظات مما يقول، فطلب أن يعرفني أكثر. كنت انتهيت لتوّي مما ظننته شرحاً وافياً عن من أكون وعما أفعل. وأضفت أني كنت سجيناً يسارياً، وأني علماني. كان قد قال شيئاً عن صلاة المغرب، لكنه بعد ملاحظتي الأخيرة أحالني إلى المسؤول الإعلامي في «لواء سعد بن عبادة الخزرجي» الذي يقوده، وهو شاب متين البنية في الثانية والثلاثين، دون لحية أو شارب، بدا بدوره متشككاً، لكن مهتماً بمن أكون وما أقول. الشاب يُكنّى بأبي العز، وهو شقيق إحدى زوجتَي الحجي.

أخذني أبو العز إلى مقرّ المكتب الإعلامي القريب، على أن يلتحق بنا الحجي بعد الصلاة. طلبت من المسؤول الإعلامي أن «يغوْغل» اسمي كي يعرف عني ما قد يحتاجه. وهو ما فعله الرجل، ويبدو أنه وجده كافياً. شربنا شاياً حلواً كما هي العادة هنا في الغوطة، قبل أن ينضم لنا الحجي الذي بدا أكثر استرخاءً الآن.

جاء إلى الثورة بسبب الظلم. الله حرّم الظلم على عباده وعلى نفسه.

كان يقول لمن حوله حين بدأت الثورة في ليبيا إن القذافي «ولي» (من أولياء الله) قياساً إلى الذين عندنا! نحن كنا ممنوعين من التفكير، من التصنيع، من التعليم… السياسة الصهيونية العالمية والماسونية العالمية تريد لمن يحكمنا أن يحكموا كما يشاؤون، لكن دون تصنيع ودون تعليم… الحجي مُصنِّع لراجمة هاوِن تطلق آلياً 6 قذائف في كل رشقة، وهو مهتمّ بالتصنيع الحربي وبالعقول، ويحشد أشخاصاً أكفاء لهذا الغرض: طلاب جامعة، مُعلّمي خراطة وتسوية، كهربجية… يقول الحجي متحدياً: أنا أتوقف عن الشغل إذا الدقة التي لدينا بالهاون موجود مثلها عند النظام! يضيف أن هناك حاجة إلى المال لتطوير المشروع.

في بداية الثورة، عمل الحجي على تأمين أجهزة ثريا لدرعا وطيبة الإمام (في حماه) والقدم، كذلك كاميرات على شكل أقلام. هذا في أول ستة شهور من الثورة تقريباً.

كان النظام يقمع المظاهرات بالرصاص ويقتل الناس، فصار ضروري حماية المظاهرات. جمعنا المطاليب للأمن من المتظاهرين وخبأناهم في دير العصافير، كان عددهم عشرات، وعملنا منهم كتيبة بالشيفونية، ما كان لها اسم. حين كبر العدد وانشق أبو عدي ومعه 12 عسكرياً وضعناهم في دير العصافير أيضاً. هذا في الشهر 11 أو 12 (2011). في هذا الوقت تشكلت كتائب «أمهات المؤمنين»، منها هنا في المليحة «كتيية حفصة» و«كتيبة عائشة»، وهذا بمشاركة أبو خالد الغزلاني وآخرين.

ضربنا الكتيبة 129 احتياط في شبعا وكتيبة نولة. كنا نأخذ منها غنيمة، أسلحة وذخائر، ونمشي. لم نكن نحرر منطقة ونقيم فيها.

شارك الحجي شخصياً في المعارك، وأصيب مرتين، واحدة منهما في صدره وقت تحرير الغوطة في أواخر خريف العام الماضي، لا يزال يشكو من آثارها.

في بداية 2012 انشق العقيد أبو الوليد، وقعد عندي. وفي هذه الفترة صرتُ مطلوباً ومتوارياً. مع ذلك لم أخرج من هنا حين نزح الناس.

عملتُ على توحيد الناس وتجاوز الخلاف المذهبي. اتركني من كلمة سلفية، من كلمة علمانية، من صوفية، وخلينا نحطّ أيدينا مع بعض للتخلص من الظلم ومن فرعون.

أكثر من أربكنا بمسعى التوحيد (توحيد الثوار) هو «لواء الإسلام».

شكلنا «كتيبة سعد بن عبادة» حين تركنا «كتائب أمهات االمؤمنين» بعد 4 أو 5 شهور من انضمامنا لها. كنا 60 أو 70 شخصاً (يفترض أن الصحابي سعد بن عبادة الخزرجي مدفون هنا في المليحة، وله فيها ضريح، وباسمه مسجد ومدرسة أيضاً). اشتغلنا في «كتيبة سعد بن عبادة» مع «لواء الإسلام» في بداية 2012 لمدة 4 شهور، وتركناه لأنه لم يساعدنا في معركة الهاون في مزارع المليحة، لا بلَيرة ولا بطلقة ولا ببارودة ولا برجل. الأموال تصل من [الشيخ عدنان] العرعور إلى زهران [علوش، قائد لواء الإسلام] متلتلة (أي كثيرة)، والأمن مرة كمش مستوعات الذخيرة المخزونة في دوما للواء الإسلام.

بعد ما تركنا اللواء بقينا لشهر تقريباً وحدنا، ثم انضممنا إلى «لواء تحرير الشام» بقيادة النقيب فراس بيطار.

وكنا نشتري سلاحاً بمجهود شخصي من سوريين ودعم أفراد من أهل البلد في الخارج.

تركنا «لواء تحرير الشام» في بداية معركة جوبر، أواخر شهر شباط 2013، وتحولنا إلى «لواء سعد بن عبادة». عددُنا اليوم فوق 1000. ونشارك في جبهات الحجر الأسود والمليحة وجوبر والعتيبة والحجيرة والست زينب.

– ما سبب هذا التلاقي والتباعد المتكرر؟

قال الحجي شيئاً عن الدعم وكثرة الداعمين الذين يشترطون تسميات وارتباطات معينة. هؤلاء الداعمون ليسوا خارجيين فقط، منهم داخليون، مثلا محمد حمشو الذي يُموِّل كتائب أو يشتري كتائب فتتوقف عن العمل والمشاركة في الجبهات.

يرى الحجي أن حمشو يعمل على إنقاذ نفسه.

لم أقتنع بذلك. قلت إن حمشو يعمل على إنقاذ النظام وتحطيم الثورة.

ليس فقط لم يعترض الحجي، وإنما استعاد تعبيراً كنت سمعته مرات هنا عن حمشو: حمشو ليس مع النظام، حمشو هو النظام ومن أعمدته!

نحن مستقلون ولا نتبع أحداً، قال الحجي، الذي يرى أن من أسباب كثرة التشكيلات أيضاً كثرة المنضمين للجيش الحر.

الحجي يخاف على الشباب لأنهم أمانة.

ويسوؤه التخاذل، والمحسوبيات: انحسِب علينا، ونحن نعطيك!

لا يخاف من فوضى السلاح بعد سقوط النظام لأن شعبنا واعٍ.

لكن يخاف من السلفية، من «لواء الإسلام» أكثر من «جبهة النصرة». بمجرد أن تهدأ الأحوال في سوريا، عناصر «جبهة النصرة» سيمشون إلى منطقة أخرى شاعلة، يقول.

يخاف أيضاً أن نصير مثل الغابة، القوي يأكل الضعيف ومن عنده سلاح يأكل غيره. هناك أناس لا يريدون أن تنتهي الثورة لأنهم منتفعون منها وعايشين اليوم أحلى عيشة بفضلها.

أتمنى أن يردنا الله إلى ديننا، ولا نظلم أحداً. وبأسلوب مازح قال إنه يريد أن يتزوج امرأة ثالثة، على أن تكون جميلة.

أريد أيضاً أن أرجع إلى شغلي، أدير مكتباً للحج والعمرة.

أبديت تشككاً من جدية هذا العزم بعد الاعتياد على السلطة والسلاح. قال الحجي الذي يتكلم بنبرة من اعتاد الأمر والسلطة شيئاً عن نزعة الاستعراض عند الإنسان، لكنه أضاف: نحن انجبرنا على السلاح، أنا لم أكن أطيق ذبح دجاجة قبل الثورة. وإذا عملنا نحن مثل النظام، شو فرقنا عن النظام!

يرى الحجي أن كل التشكيلات السياسية القائمة «تبع» (لجهات ما)، إلا من رحم ربك. هناك ناس كويسين، لكن غير فعالين.

ويختم: الأمور غير سهلة، لكننا لا بد منتصرين في الشهور القادمة.

في اليوم التالي عرفت أن شقيق الحجي، أبو صالح، هو قائد الشرطة العسكرية للواء سعد بن عبادة، ويبدو أنه يقوم بمهام الشرطة العسكرية في المليحة ككل، وأنه يتابع بعض الجرائم العادية أيضاً متل السرقة وتجارة المخدرات، ويعتمد في التحقيق على… الفلقة!

مازحت أبو العز في وقت لاحق بخصوص كون الحجي قائد اللواء، وشقيقه أبو صالح قائد الشرطة العسكرية، وهو شقيق زوجته مسؤول الإعلام: ما شاء الله بشار وماهر وآصف! أخذ الرجل المزحة بروح رياضية، وقال إنه كان مشاركاً في المظاهرات ضد النظام قبل أن ينضم إلى اللواء ويصبح مسؤوله الإعلامي، ثم في وقت لاحق المسؤول الإداري، وأنه لا يدين بشيء لقرابته للحجي.