تطرح مجزرة الغوطة سؤالين على المشتغلين في الشأن السوري. الأول، هو كيف أمكن لسوريين أن يستخدموا السلاح الكيماوي ضد سوريين آخرين. الثاني، هو كيف يتقبّل المجتمع الدولي استخدام السلاح الكيماوي في سوريا.
لا يبدو أن الإجابة عن السؤالين بسيطة أو سهلة. ما يلي محاولة أولى لطرح أحد جوانب الموضوع.
قام النظام السوري على مدى سنتين بنزع إنسانية المعارضين بشكل كامل. توقّف النظام السوري عن اتهام الغرب وإسرائيل بتمويل المعارضة وتسليحها، وتحوّلت المعارضة بأكملها إلى قاعدة، بدون أي استثناء. في تصريحات القادة السياسيين، نسمع ما يلي: لا يوجد شيء اسمه الجيش الحر، كلهم جبهة النصرة، كلهم قاعدة. نجح النظام السوري، و بشكل شبه كامل، في هذه العملية. كان لجهاد النكاح، والذي يبدو أنه اختراع مسجّل للإعلامي غسان بن جدو، دور محوري في الداخل السوري، وتحديداً مع الأقليات، وفي الغرب، في تصوير المعارضين السوريين والمناطق التي انسحب منها النظام على أنها مواخير كبيرة يتم فيها استغلال الفتيات الصغيرات في ممارسات جنسية مخزية، مع إرهابيين من كل بقاع الأرض.
لنأخذ على سبيل المثال قضية سارة العلاو. ظهرت سارة العلاو، بنت الميادين ذات الثلاثة عشر ربيعاً أو التسعة عشر ربيعاً، على شاشات النظام لتدلي باعترافاتها: أميرة النصرة، قيادية في سرايا التوحيد، جنّدت العديد من الفتيات في جهاد النكاح، مارست الجنس مع الجهاديين الأجانب بأجر معلوم، نقلت عبوات متفجّرة إلى دمشق، وعملت في مشفى ميداني. إعلام النظام لا يعمل فقط على بروباغندا منظّمة تقول أن كل المعارضة نصرة وقاعدة. أكثر من ذلك، أطفالهم أيضاً نصرة وقاعدة. هكذا يستبيح النظام البيئة الحاضنة للمعارضة بشكل كامل. لا حلول أخرى مع الإرهاب. قضية سارة العلاو ليست زلة، بل هي سياسة محكمة لتأثيم البيئة الحاضنة بالكامل، بأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها.
ترافقت هذه الحملات مع دور مخرّب لبعض فئات المعارضة السورية، كتيار بناء الدولة وهيئة التنسيق، ولأحد أكثر المراكز وثوقية في الغرب، المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تضخيم دور القاعدة في سوريا، بدون أي معلومات، وغالباً بناءً على معلومات مضللة.
يلقى هذا الخوف من القاعدة صدىً في الغرب، من اليمين واليسار والناس العاديين. لا يدافع أحد هناك عن الأسد ونظامه، ولكنهم يخشون القاعدة أكثر بكثير مما يخشون الأسد أو أي ديكتاتور عربي. هذه الخشية توحّد الغربيين بشكل فعّال.
هكذا ترتسم ملامح الصراع في سوريا كما يلي: هناك نظام علماني، له خطايا لا يمكن غفرانها، يحارب مجموعات جهادية إرهابية تحمل فكر القاعدة وتسيطر على مساحات واسعة من التراب السوري. لا يوجد حلول في هذه الحرب العبثية. في هذه الصورة من الصراع، يبدو نظام الأسد مفضّلاً لدى الغربيين، ولدى قطاعات من السوريين أيضاً. في النهاية، يستطيع نظام الأسد الحفاظ على الاستقرار، ومنع نشوء نظام طالباني همجي قروسطي في قلب الشرق الأوسط. رغم أن الثمن سيكون فادحاً، وهو إعادة سوريا إلى عهد الثمانينات، حيث كانت تحكم بنظام سوفييتي حديدي أمني، إلا أن هذا الخيار السيء مفضّل بالطبع على حكم طالباني.
أقترح أن شيطنة المعارضة السورية، وربطها بالقاعدة، يشكّل أحد أهم أسباب قبول جزء من السوريين والغربيين بمجزرة الغوطة الكيماوية. ما العمل؟ علينا فوراً أن نعيد النظر في استراتيجية العمل الإعلامي والعسكري. يجب التصدي لأربع مسائل بشكل فوري.
الأول، هو تقديم معلومات دقيقة وحسية وموثوقة عن حملات الشيطنة. على سبيل المثال، كيف وأين بدأت قصة جهاد النكاح بالضبط. من نشرها لأول مرة؟ من تبناها؟ ما هي الأدلة على وجود فتاوى جهاد النكاح؟ أيضاً، من هي سارة العلاو؟ متى ولدت؟ ما هي المدرسة التي ارتادتها؟ متى تم القبض عليها؟ ولماذا؟ من هو الجولاني؟ من هو البغدادي؟ متى كانت العملية الأولى للنصرة، ولدولة العراق والشام الإسلامية؟ ما هو عدد المقاتلين في كلا التنظيمين؟ ما هي أماكن انتشارهما؟
الثاني، هو أن نتوقّف عن اتهام النظام بخلق تنظيمات القاعدة في سوريا. لا يوجد حل لإشكالية تنظيمات القاعدة إلا بالعمل اليومي والمباشر مع السوريين في المناطق المحررة ومحاولة فهم أسباب تعاطف جزء من الشارع السوري معهم. كل من يزور أو يعيش في المناطق المحررة يدرك أمرين بحاجة لشرح وتوضيح ونشر على أوسع نطاق. أولاً، تشكل فصائل القاعدة جزءاً فقط من الكتائب المحاربة. معظم كتائب الجيش الحر والكتائب الإسلامية لا تتفق مع تنظيم القاعدة، لا في الفكر ولا في الأسلوب. هنا النظام ينشر معلومات خاطئة، يصدقها جزء من السوريين، ومن المعارضة السورية، ومن الغربيين. هذا العمل بحاجة إلى توثيق بالاسم والمكان. ما هي الكتائب الإسلامية وكتائب الحر وفصائل القاعدة العاملة في إدلب، أو حلب، أو درعا. ما هي علاقاتها مع بعضهم البعض؟ متى نشأت بالضبط؟ من هم قادتها وما هي توجهاتهم؟ ثانياً، هناك تعاطف محدود مع فصائل القاعدة في المناطق المحررة. علينا الاعتراف بهذا الأمر تمهيداً لمواجهته. لماذا نجد هذا التعاطف؟ كيف نستطيع الحد من هذه الظاهرة؟
الثالث، مما سبق، يجب العمل فوراً على رسم سياسة واضحة اتّجاه فصائل القاعدة على الأرض. بعد فصل الإسلاميين المقاتلين، حتى المتشددين منهم، كأحفاد الرسول ولواء الإسلام مثلاً، عن النصرة وداعش، نستطيع رسم خريطة مفصّلة للواقع السوري. المطلوب أن يتمكن السوري والغربي من فهم هذه الخريطة بسهولة، وأن يعرف ما هي استراتيجية المعارضة في معالجة إشكالية القاعدة. اقترح أن يترافق هذا مع العمل مع هيئة التنسيق ومن يرون أنفسهم علمانيي المعارضة ويسارييها، وفتح باب الحوار معهم بأوسع شكل ممكن. لا يجوز تسفيههم أو اتهامهم بالعمل مع النظام. لهؤلاء وجهة نظر، قد نختلف معها أو نتفق. ولكنهم يشكلون جزءاً لا يستهان به من المجتمع السوري. لماذا يبالغون بأعداد القاعدة؟ لماذا يضخّمون أعداد الجهاديين الأجانب؟ ألا يمكن لنا أن نتفق معهم على الحد من هذه الظاهرة وعلى محاولة الوصول إلى استراتيجية موحّدة؟
الرابع، فيما يتعلق بالغرب. يبدو أن الغربيين هم الهدف الرئيسي لحملة البروباغندا المنظمة التي يتبعها النظام السوري وحلفاؤه. هؤلاء الغربيون عندهم عقدة حقيقية من القاعدة. ولمعظمهم عقدة أخرى هي حرب العراق. ملايين الغربيين المتعاطفين عموماً مع العرب يبدون اليوم أقرب إلى نظام الأسد منهم إلى المعارضة السورية، بسبب العقدتين السابقتين. قد لا نستطيع الوصول إليهم جميعاً، ولكن الوصول إلى الحقائق الأولية عن المعارضة السورية والواقع الميداني على الأرض سيساعد حتماً في منع تكرار استخدام السلاح الكيماوي.
نزع صفة الإنسانية عن بعض البشر هو المقدّمة النظرية لإعدامهم جمعياً. قامت الدعاية النازية على شيطنة اليهود. يتبع الإسرائيليون أسلوباً مماثلاً مع الفلسطينيين، كانوا إرهابيين في السبعينات والثمانينات، والآن كلهم مشاريع استشهاديين قد يفجرون أنفسهم في أي تجمع مدني لأتفه الأسباب. في سوريا، كل المعارضين قاعدة. هذه هي البروباغندا الرسمية. لا حلول وسط ولا خيارات سهلة في التعامل مع القاعدة. إذا كان الاختيار بين نظام الأسد العلماني، الوحشي القمعي، ونظام طالباني، سيختار جزء من السوريين وأغلب الغربيين نظام الأسد.
علينا إذن أن نفضح هذه البروباغندا. استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة يثبت أننا فشلنا في تقديم صورة صادقة عما يحدث في سوريا، سواء للرأي العام الموالي للنظام، أو للغربيين. بغض النظر عن أسباب فشلنا، علينا التحرك سريعاً.
كان العراقيون والعرب يعرفون بمجازر الكرد، والألمان بمجازر هتلر، والأتراك بمجازر الأرمن، والإسرائيليون بمجازر الفلسطينيين. يتم اليوم إبادة السوريين بدم بارد، وبموافقة صريحة وواضحة من جزء من السوريين والغربيين. لا أحد يستحق مثل هذا المصير. هناك خلل عميق إنساني في عمليات الإبادة هذه. لا يجوز نزع صفة الإنسانية عن أي جماعة بشرية، مهما كانت الأسباب والظروف. إعادة الإنسانية للسوريين هي الخطوة الأولى على طريق إسقاط النظام.