من المحتمل أن توجه القوى الغربية ضربة ضد النظام السوري في أي وقت. وبينما لا نجد أي سبب يدعونا للأسف على توجيه ضربات إلى المجرم العام الذي يقتل ويعذب ويهين الشعب السوري منذ نحو 30 شهراً، فإننا لا نجد أيضاً ما يدعونا للابتهاج بمعاقبته المتأخرة جداً، ليس على استخدامه السلاح الكيماوي، وهو يفعل منذ بداية هذا العام، بل على طيشه في التوسع في استخدام هذا السلاح المحرم دولياً. لا نبتهج لهذا السبب بالذات. النظام لا يعاقب على جرائمه، ولا يطالب بكشف حساب بعد أن قتل أو تسبب في قتل فوق 100 ألف سوري، بل لأنه تجاوز الحدود التي رسمتها القوى النافذة في العالم، وكيلا يتجاسر على هذه الحدود شبيحة آخرون. وسرعة الإعداد للضربات المحتملة، واقترانها المباشر بالمجرزة الكيماوية الأخيرة في الغوطة الشرقية، يرجّحان أن الأمر يتعلق بعقاب عاجل، غرضه تأديب النظام الشبيح على انتهاكه «خطوطاً حمراء» غربية، وليس على جرائمه بحق محكوميه التعساء. الآن بلغ الأمر الحرج، وصار السكوت على تصرفات بشار الكيماوي والنظام القاتل الذي يرأسه تهديداً بتبديد هيبة تلك القوى النافذة وصدقيتها، وبتداعي النظام الدولي.

لذلك لا نستطيع المشاركة في حس البهجة المنتشر بقرب ضرب النظام، وإن كنا نتفهمه. فنحن لا نتبين وراء الضربة المزمعة منطقا للعدالة أو للتضامن الإنساني، أو وقوفاً إلى جانب الشعب الذي ثار على نظام طغيان بالغ الوحشية، أو إدراكاً متأخراً لمسؤولية القوى الغربية عن تحطم بلدنا وراء كل إصلاح ممكن في المدى المنظور. يقوم الأقوياء المسيطرون بفعل قوة ضد بلطجيّنا المحلي من أجل أنفسهم، وليس من أجلنا. لا بأس، لن نزعل، لكن لسنا فرحين.

لكننا نخشى أن ضربة تأديبية عاجلة، لا تندرج في استراتيجية أوسع لتخليص سوريا والمنطقة من النظام الأسدي، ستكون تمديداً للاستعصاء القائم بطريقة أخرى، وتجديداً مغايراً للانسحاب الدولي من الشأن السوري، لا قطيعة معه.

ولا يبعد أن يكون غرض الضربات الوشيكة إنقاذ النظام من نفسه السيئة، وإعادة تأهيله من أجل أداء المهمة الطيبة من وجهة نظر الأميركيين والأوربيين: محاربة القاعدة والتنظيمات السلفية الجهادية. وربما أيضاً دفع النظام إلى جنيف 2 من موقع أقل قوة، وإجباره على القبول بمخرج سياسي، ربما يقوم على مشاركة معارضين «معتدلين» في السلطة، مقابل إعادة هيكلة النظام السياسي في سوريا حول مهمة محاربة الجهاديين. قد يقتضي الأمر التضحية ببشار الكيماوي، لكن من أجل إنقاذ نظامه، جيشه وأجهزته الأمنية تحديداً.

ليس في ذلك ما يحقق أماني الشعب السوري، ولا حتى ما يوفر الوضع الأنسب لمواجهة المجموعات العدمية التي تشكل خطراً جسيماً على سوريا والمجتمع السوري قبل أن تكون تهديداً لأية قوى غربية. لقد وفرت العطالة الدولية حيال النظام السوري المناخ الأنسب للتوسع في قتل المحكومين وتحطيم البلد، وتوفير المناخ المناسب لتولد تلك المجموعات العدمية العنيفة. لذلك لا نجد ما نتحمس له في معاقبة النظام بغية إصلاح سلوكه وتجديد انتدابه حول مهمة مكافحة الإرهاب. ما نراه، وما يبدو لنا أن سجلّ وقائع الثورة وما قبل الثورة يثبته، هو: نظام أسدي أكثر، إذن عدمية أكثر وعنف أكثر. والتخلص من النظام الأسدي هو بالتالي المدخل إلى التخلص من «الإرهاب».

ولا يحتاج السوريون إلى أن ينهض الغرب بعبء إسقاط نظامهم، فهم ثائرون عليه منذ عامين ونصف، وبذلوا كثيراً من الشهداء والدماء والتضحيات للتخلص منه؛ ما يحتاجونه هو مساندة جدية لهم في المهمة الهائلة التي نهضوا بها وحدهم، ولا يكفون عن القيام بها بأنفسهم.

آن الوقت لأن تطوي سوريا ويطوي العالم هذا المسلسل الإجرامي، وأن يساعد السوريين في بداية جديدة، شاقة دونما ريب، لكنها أفضل لسوريا وللجميع من تمادي الصراع ومن بقاء نظام الجريمة والإرهاب. يمكن للضربة الغربية المحتملة أن تحوز شرعية إنسانية وعالمية، وسوريا، من توافقها مع تطلع السوريين إلى بداية جدية وتحقيق الهدف الأول لثورتهم. ولن تكون دون ذلك غير تبرئة ذمة دولية تجاه الشعب المقتول، ومنح النظام قضية ونصراً من نوع ما (ما دام لم يسقط رغم ضربه من أقوياء العالم)، ودفع الأوضاع السوري في درب تعفن لا نهاية له.

وباختصار، الضربة الجيدة هي التي تنزع سلاح النظام السوري وتوقف قدرته على قتل السوريين وتدمير مجتمعهم، والضربة السيئة هي التي تنقذ هيبة القوى الغربية لكنها لا تنال في شيء من قدرة النظام على القتل والتدمير.