يصيب نقاد العمل العسكري الأميركي في سوريا حين يشيرون إلى كافة المخاطر والشكوك حول الضربات الصاروخية، ولديهم رأي عام أميركي إلى صفّهم.
لكن للذين يعارضون ضربات صواريخ الكروز، ما البديل الذين تفضّلونه؟
جيّد للغاية أن تحثّ الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لفعل المزيد، لكن ذلك يعني أنّ السوريين سيظلّون يقتلون بمعدّل 5,000 شهيد شهرياً. أمّا إشراك محكمة الجنايات الدوليّة في الأمر فيبدو رائعاً، لكن من شأنه أن يزيد صعوبة التوصل إلى اتفاق سلام يتنحّى من خلاله الرئيس بشار الأسد. فماذا تقترحون إذاً، غير أن نقلّب أصابعنا بينما تستعمل حكومة أسلحة كيميائية ضد شعبها؟
منذ عقد من الزمن، كنت مذعوراً لأنّ الكثير من الليبراليين كانوا داعمين لحرب العراق. اليوم أنا مستاء لأنّ الكثير من الليبراليين أيضاً، يبدو أنهم، بعد أن أصابتهم صحوة العراق، مستعدون للسماح بقتل السوريون بمعدل 165 يومياً، بدلاً من التفكير بضربات صاروخية بالكاد يمكنها، وعلى الهامش، أن تصنع فارقاً متواضعاً.
لقد جرّبنا الرضوخ للحلول السلمية حتى هذا اليوم، لكنها لم تنجح. وكلّما استمرّت الحرب في سوريا، ازدادت معها عناصر القاعدة قوةً، ازداد لبنان والعراق اضطراباً، ومات مزيد من الناس. الإصرار على تدخّلات سلمية بحتة يستحقّ الإعجاب، لكن دعونا نعترف بأنّ النتيجة الأرجح هي أن نجلس جانباً بينما قد يتعرض 6,000 آخرون من السوريين للقتل خلال العام المقبل.
فالمرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي يسجّل عدد القتلى في الحرب الأهلية، ساخط من حمائم الغرب الذين يظنون أنّهم يتخذون موقفاً أخلاقياً. «أين كان هؤلاء الناس خلال العامين الفائتين؟»، يسأل المركز على موقعه الإلكتروني، ليتابع: «الذي يتشكّل الآن في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو حركة مضادة للحرب بالشكل، لكنّها مؤيدة للحرب بالجوهر». بعبارة آخرى، هل يختلف الأثر كثيراً بين كونك «مؤيداً للسلام» في هذه الحال وكونك «مؤيداً للأسد» ومستقيلاً من مسألة استمرار المذبحة بحقّ المدنيين؟
سؤال «ما هي مخاطر ضربات صواريخ الكروز على سوريا؟» ليس السؤال المركزي بالنسبة لي. فأنا أضمن أن هذه المخاطر كبيرة، من الصواريخ المخطئة وحتى انتقام حزب الله. السؤال المركزي بالأحرى هو: «هل المخاطر أكبر إذا قمنا بإطلاق الصواريخ، أم إن نحن واصلنا الجلوس على أيدينا؟».
دعونا نكن متواضعين كفاية لنعترف أننا لا يمكننا التأكد من الإجابة، وأن سوريا ستكون داميةَ أكثر مهما فعلنا. نحن الأميركيين غالباً ما ننغمس بذاتنا إلى حدّ الاعتقاد أن ما يحصل في سوريا يعتمد علينا؛ بالحقيقة هو يعتمد بشكل كبير جداً على السوريين.
لكن بالمقابل، بينما أحيي التردد العام حول الوصول إلى استعمال العدة العسكرية، يبدو لي أن المخاطر الإنسانية والاستراتيجية للعطالة أكبر في هذه الحالة. نحن في مسار يقود إلى تسارع في وقوع الإصابات، وإلى المزيد من الاضطراب في المنطقة، وإلى تعاظم قوة قوات القاعدة، وإلى المزيد من استعمال الأسلحة الكيميائية.
هل يمكن لبضعة أيّام من الضربات الصاروخية بصواريخ الكروز أن تصنع فارقاً؟ وصلتني رسالة جماعية عبر البريد الإلكتروني مرسلة من مجموعة نسائية تعجبني، اسمها V-Day، تطلب من الناس أن تعارض التدخّل العسكري لأنّ «فعلاً كهذا سيؤدي ببساطة لمزيد من التعب والمعاناة… التجربة تقول بأنّ التدخلات العسكرية تؤذي نساءً ورجالاً وأطفالاً أبرياء».
حقاً؟ بالتأكيد يسبب ذلك في أحياناً، كما في العراق. لكن في كلّ من البوسنة وكوسوفو، التدخل العسكري أنقد أرواحاً. ينطبق الأمر نفسه في حالة مالي وسيراليون. الحقيقة أنّه لا يوجد درس سلس أو بسيط يمكننا تعلّمه من الماضي. يجب علينا أن نناضل، حالة بحالة، لنصل إلى مقاربة تناسب كلاً منها.
في سوريا يبدو لي أن ضربات بصواريخ الكروز يمكنها أن تحدث فارقاً متواضعاً، عبر ردع توظيف المزيد من الأسلحة الكيميائية. فغاز السارين المثير للأعصاب يؤمن أفضلية محدودة للجيش السوري، لدرجة أنّه احتاج إلى عامين كي يستعمله بشكل واسع، فمن المعقول إذاً أن نستطيع ردع ضباط النظام من استخدامه مرة ثانية إذا كان ثمن استخدامه [بعد الضربة] باهظاً.
كما أنّ الحكومة السورية كان لها اليد العليا مؤخراً في المعركة، وهكذا فإنّ ضربات جويّة قد تجعلها أكثر استعداداً للتفاوض باتجاه اتفاق سلام لإنهاء الحرب. لا يسعني الرهان على ذلك، لكن في البوسنة ساعدت الهجمات الجوية في التوصل إلى اتفاق دايتون للسلام.
الضربات الجوية لمطارات الأسد العسكرية قد تضعف كذلك قدرته على قتل المدنيين. عندما يكون بحوزة الأسد عدد أقلّ من المقاتلات العسكرية، ستقل قدرته على إلقاء شيء يشبه النابالم على مدرسة، كما يبدو أن قوّاته قد فعلت في حلب الشهر الماضي.
لقد قام طاقم شجاع من البي بي سي بتصوير الجثث المتفحمة، بملابسها المحترقة والجلد المتقشّر عن أجسادها، كما قابلت شاهد عيان غاضباً يسأل أولئك الذين يعارضون العمل العسكري: «أنتم تدعون للسلام. أيّ نوع من السلام تدعون إليه؟ هل تشاهدون هذا؟».