كان بوسع نظام بشار الأسد أن يعلن الحداد الرسمي على ضحايا الهجوم الكيماوي في الغوطتين، لو أراد الإمعان في إنكار مسؤوليته وتحميلها لما يسميه بالعصابات المسلحة، ولم يفعل. بدلاً من ذلك وزّع مؤيدوه الحلوى على المارة في شوارع دمشق احتفالاً بنصرهم المؤزر على العدو. والعدو، كما يتبين من التصريح الرسمي الذي اتهم العصابات بالهجوم الكيماوي، ليس هذه العصابات، بل «الشعب» الذي لم يستحق من النظام دمعةً كاذبة للتغطية على مشاعر البهجة التي أسكرته وقاعدته الاجتماعية.

إذا كان هذا المسلك يشكل دليلاً كافياً بذاته على السفاح الذي أمر بضرب سكان الغوطتين بالكيماوي ويعفي فريق المفتشين من التوجه إلى مكان الجريمة للتحقق مما هو محقق، فهو أيضاً الدليل الوحيد الذي لا يجرؤ النظام على طمس معالمه، خشية فقدان شرعيته الوحيدة المتبقية عند قسم من السوريين لن يقبل به ممثلاً لها ما لم يلبِّ عطشها للدم السوري الآخر.

صمد النظام طويلاً في وجه قاعدته الاجتماعية التي طالما طالبته بالضرب بيد من حديد. وهناك مطالبات علنية للضرب بالكيماوي بالذات ولإزالة مدن وقرى من الخريطة، لأن كل أنواع الأسلحة، بما فيها قطعان الذئاب متعددة الجنسيات التي ارتكبت المجازر الجماعية المتنقلة، لم تنفع في تحويل الأكثرية إلى أقلية، بموازاة محدودية قدرة الأقلية على التكاثر الطبيعي في وقت قصير لتتحول إلى أكثرية. ذلك أن ولادة كائن أقلي جديد تتطلب تسعة أشهر. وفي ظل الرعب الأقلي من الأكثرية التكفيرية المتعطشة لدماء الأقليات، من المحتمل ألا تنجح عمليات التلقيح الجنسي، في حين أن المطلوب حمل متعدد التوائم لتلافي الفارق العددي بسرعة. في المقابل لا تتوقف الأكثرية عن التكاثر تحت القصف الجوي والصاروخي المتواصل وفي غياب أبسط شروط الحياة، بل إنها لجأت إلى حالة طوارئ لمضاعفة التكاثر بواسطة فتوى جهاد النكاح.

قد يتم القضاء على العصابات الإرهابية المسلحة ذات يوم، إذا واصل النظام قتلهم طوال سنوات. ولكن من المشكوك فيه أن يتمكن من تحويل الأكثرية إلى أقلية عن طريق القتل، خاصة وأن هذه الأكثرية الخبيثة قد نقلت احتياطيها الاستراتيجي إلى الدول المجاورة على شكل لاجئين سيطالبون بحق العودة على غرار الفلسطينيين، يعدون بالملايين ويتكاثرون بلا توقف. ولن تنفع أمام هذه الخطة كل محاولات التكثير المصطنعة عن طريق تجنيس شيعة لبنانيين أو غيرهم من أمم الأرض.

علمانية الأقليات وتسامحها وسعة صدرها لم تنفع، خلال أربعين عاماً، في إقناع الأكثرية المتخلفة بقيادتها من قبل نظام أقلي متنور وحديث، وحرب تطهير لمدة سنتين لم تنفع في إقناعهم بالتخلي عن جشعهم إلى السلطة. الأمل معدوم إذن في تلافي خطرهم المقبل.

الرأي الشائع في سوريا هو شتم المشروع الفرنسي لتقسيم سوريا وتمجيد شخصية صالح العلي لأنه رفض التقسيم في مواجهة فرنسا، مقابل تيار طالب الانتداب الفرنسي بإقامة دولة للعلويين، ضم إلى من ضم جد مؤسس الدولة الأسدية.

لنتخيل الآن مصيراً لسوريا لو تحقق حلم الجد. كانت سوريا تجنبت كابوس الحفيد وابنه، ووفرت مئات آلاف القتلى والمعطوبين والمشردين. وكان الأقليون تحولوا إلى أكثرية في دولتهم، وتجنبوا فقدان صفتهم البشرية، وتصالحوا مع فكرة الشرعية المستمدة من الشعب لا من الدم الأزرق والتفوق الحضاري على أكثرية متخلفة لا تجيد غير النكاح والإنجاب.

هل نحن الآن أمام تكرار الفرصة التاريخية التي وئدت في مهدها ليولد على أنقاضها الكيان السوري الذي نعرفه؟ إلى الآن لا يبدو النظام راغباً في الاكتفاء بحكم جزء من سوريا، بل ما زال مصراً على تدمير كل سوريا.

هل خلع الرئيس الأميركي البيجاما أخيراً وارتدى بذته العسكرية النظيفة ليرغم السفاح على القبول بحل سوريا بدلاً من تدميرها؟