قبل البدء بالحديث عن موقف الرأي العام العالمي من الضربة الأميركية المحتملة على سوريا، علينا الإتفاق على أمرين…
الأوّل هو أنّ اتخاذ موقف حقيقي تجاه المسألة في سوريا اليوم ليس بالأمر السهل على السوريين أنفسهم بشكل أساسي، وعلى المتابعين للشأن السوري عامةً، لكنهُ يبدو سهلاً جدّاً ومختصراً جدّاً لأصحاب اليقينيات مسبقة الصنع.
الأمر الثاني هو وزر التجربة العراقيّة المعلّق على باب ذنوب هذا العالم. كلّ حديث حول سوريا يفضي إلى ذكر التجربة العراقيّة، سواء كان المتحاورين موافقين أو مندّدين بالضربة المتوقعة. وفي هذا الصدد علينا الاعتراف بأنّ التجربة العراقيّة قد تبدو شبيهة جدّاً من سوريا: الدكتاتوريّة، التوترات الطائفيّة الموجودة، التدخّل الأجنبي، المصالح الأميركيّة والدوليّة، المظاهرات المندِّدة، الخ. العامل الوحيد الذي يختلف اختلافاً كافياً لأن يغيّر موازيين المسألة هو أنّ العراق لم تكن في حالة ثورة دمويّة ما يقارب السنتين قبلَ التدخل الأميركي. لذلك فالحديث عن «الحرب القادمة» في سوريا يبدو مسبق الصنع ومبتذلاً جداً. الحرب ليست قادمة: الحرب في سوريا تدخل عامها الثالث بعد عدّة أشهر. بالإضافة إلى أنه، وفقاً لتعريفات القاموس الأميركي، الهجمة على العراق كانت استباقية، أما تلك التي من المحتمل وقوعها في سوريا فهي متأخرة أصلاً؛ الحجّة في اجتياح العراق كانت الخوف من أن يقوم صدام حسين بالتصرف بشكل وحشي واستخدام أسلحة كيماوية، أما الأسد فقد تمّ السكوت على وحشيته لما يقارب العامين قبل أن تبدأ الأمور تلبس شكلها الأكثر جدّية بعد المرّة الـ31 لاستخدامه الكيماوي داخل الأراضي السورية، وذلك بعد أكثر من مئة ألف شهيد سوري بشتّى أنواع الأسلحة.
مقاربة العراق سطحيّة جداً، فعلى عكس معظم حروب أميركا في العالم، أي تدخّل في سوريا لن يؤخذ على أنه مجرّد واجهة إنسانيّة لحرب لاإنسانيّة تقودها الولايات المتحدة. الولايات المتحدة، وبقراءة تصرفاتها حيال الوضع في سوريا خلال السنتين الماضيتين، لم تكن تود التدخل حقيقةً في سوريا، كان من الأفضل لها أن تجد حلفاء يمثلونها باتخاذ القرارات المناسبة لها، من غير أن تضطر للتدخل المباشر. الذي اختلف في الأسابيع الأخيرة هو إقحام أميركا وخطها الأحمر من قبل الأسد، الذي ذهبَ بعيداً درجة الوقاحة المباشرة بالاستهزاء بالحدود التي كان يمكن له أن يقتل ما يشاء ضمنها، الأمر الذي لم يعد من الممكن لأميركا أن تغضّ البصر عنه من خلال التفاوض مع روسيا.
باختصارٍ أكثر، لو كانت أميركا تودّ خوض معركتها داخل الأراضي السورية لكانت استطاعت أن تفعل ذلك وتستغل الموقف منذُ اليوم الأول للتظاهرات في سوريا، والأكثر من ذلك أنها كانت استطاعت، كما فعلت في العراق، أن تجد المبررات الكافية التي كانت ستصفق جمعيات حقوق الإنسان لها. لكن ذلك لم يكن هدفها. وإن تدخلت اليوم فهي لا تتدخل لمصالح الشعب السوري من كل بد، ولا بحثاً عن مصالح مباشرة داخل سوريا، هي تتدخل لتعيد النقاط إلى الحروف، وتؤكد لروسيا أنها ما زالت القوة الأكبر في هذا العالم، وأنّ تمادي روسيا وابنها المدلل، بشار الأسد، لم يعد مقبولاً السكوت عنه.
من هنا يمكن التوجه بالسؤال إلى الأحزاب والتجمعات وحتى الأفراد الذين خرجوا ويخرجون في مظاهرات ترفض التدخل الأميركي في سوريا، تحت مسمى «مناهضة الإمبريالية»، إن كان باستطاعتنا فعلاً أن نعيد مضغ اللقمة العراقيّة السائغة حول الامبريالية الأميركية؟ وهل من الممكن غضّ النظر عن أكثر من مئة ألف شهيد قتلهم، أو تسبب في قتلهم، الأسد «الواقف بوجه الامبرياليّة»؟ وأخيراً، ماهو تعريفهم لمفهوم «الحرب»، حتّى يتغاضوا عن الحرب الأسدية لمدة عامين ويخرجوا اليوم إلى الشوارع للتصدي لـ«الحرب القادمة»؟