تبدو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد انتهت إلى ورطة فيما يتعلق بطريقة تصرفها في سورية، وكأنها مجبرة على سياسة المراوحة في المكان، وذلك وفقاً لرؤية صحيفة النيويورك تايمز واسعة الانتشار. ولكن من المرجّح أن المسؤولين الأميركيين سيحتاجون سنوات لنقاش ما يتوجب عليهم فعله فيما يخص الحرب الأهلية في سورية، التي من الممكن أن تتواصل خلال الإدارة الرئاسية القادمة. بناء على مراجعة العلوم السياسيّة التي تتعلق بديمومة الحروب الأهليّة، فإنّ النزاع السوري سيستمر على الأغلب حتى عام 2020 وربما لما بعد ذلك.

بدا النزاع السوري باحتجاجات نيسان عام 2011 وما تلاها من حملات قمع، والزمن الدقيق لتحولها إلى حرب أهليّة ليس واضحاً، ولكنّ العديد من المؤسسات الإعلاميّة بدأت تشير إلى الأحداث كحرب أهليّة حوالي بداية أو منتصف عام 2012. يمكننا القول أن رحى الحرب تدور منذ عامين تقريباً. بحسب الدراسات التي تتناول النزاعات الداخلية منذ العام 1945، فإن معدل استمراريّة الحروب الأهليّة يتراوح بين 7 و12 عاماً، وهذا يحدد نهاية الحرب السوريّة بين عامي 2018 و2023 تقريباً.

على نحو أكثر تشاؤماً، حددت هذه الدراسات عدداً من العوامل التي تجعل الحروب الأهليّة تستمر لمدة تتجاوز المعدل، ويبدو أن بعض هذه العوامل تنطبق على سورية، وهذا يوحي أن هذه الحرب يمكن أن تكون طويلة بشكل غريب. طبعاً تبقى هذه مجرّد تخمينات تستند إلى المعدلات، فبالتحديد نصف الحروب الأهليّة تكون أقصر زمنيّا من المعدل الوسطي، والحرب السورية قد تكون واحدة من هذه الحروب. ولكن بناء على العلوم السياسية فإن للنزاع في سورية الظروف التي تجعله يتواصل خلال ولاية الرئيس أوباما، وربما خلال معظم أو كل ولاية خلفه.

فيما يلي نتائج الأبحاث التي ذكرناها فيما سبق:

1- كان معدّل استمرار الحرب الأهلية عشر سنوات عام 2002: خلصت دراسة قام بها عام 2002 جيمس فيرون من جامعة ستانفورد إلى أن المعدل الوسطي لاستمرارية الحروب الأهلية الدائرة هو عشر سنوات تقريباً.

2- على الأرجح فإن الرقم المذكور قد ازداد منذ ذلك الوقت: لقد ازداد طول الحروب الأهلية بشكل مطرد منذ العام 1945، وقد بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عام 1999 بطول 15.1 سنة، ثم انخفض بعد ذلك، ربما بسبب حل النزاعات التي نشبت مع نهاية الحرب الباردة. اتجاه الأمور يوحي بأن معدل العشر سنوات الذي حدده فيرون عام 2002 قد تزايد بشكل كبير منذ ذلك الحين.

3- عندما تتدخل القوى الأجنبيّة، فإن الحروب الأهليّة تكون أطول وأكثر دمويّة من المعدل: أعادت دراسة أجراها عام 2008 فيرون وديفيد لايتين التأكيد على البحث السابق، وقد وضحت أن الحروب الأهلية تميل لأن تكون أطول بشكل كبير عندما تتدخل الدول الأجنبيّة بحزم في أحد الأطراف (لكي نكون واضحين، فالتدخل المقصود هنا يعني أكثر مما تقوم به الولايات المتحدة من تدريب بعض الثوار، بل القيام بدعم أحد الأطراف لإنزال هزيمة ساحقة بخصومه). وقد وصلت ورقة عمل عام 2012 إلى نتائج مماثلة، كما بينت أن التدخلات الخارجية تنزع إلى جعل جميع الأطراف أكثر عنفاً، وإلى زيادة عدد الضحايا. إيران متورطة بشكل فاعل جداً في مؤازرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد بشكل مباشر، كما ميليشيات حزب الله اللبنان. تساعد المملكة العربية السعودية، ودول أخرى في الخليج العربي، في تمويل وتسليح مجموعات المتمردين. مجموعات المجاهدين الأجانب وخاصة من العراق مشتركة أيضاً في القتال.

4- الحروب الأهلية التي يتصارع فيها العديد من الأطراف تدوم أكثر من المعدل: تشير باربرا والتر من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو إلى ورقة عمل نشرت في مجلة العلوم السياسية عام 2006 تدعي بأن الحروب الأهلية تطول أكثر عندما يكون هناك العديد من الفصائل المتنافسة. يميل عدد مجموعات المتمردين إلى التغير بناء على أسس منتظمة إلى حد ما، تقول والتر أن هناك 13 فصيلاً. أيّاً يكن العدد، فهناك الكثير منهم، كما أن تحالفاتهم وولاءاتهم تنحو إلى التغير بشكل كبير، والأكثر إثارة للقلق، أنهم يحاربون بعضهم البعض.

5- تستمر الحروب الأهلية أكثر من المتوسط، عندما لا يستطيع أحد الطرفين نزع سلاح الطرف الآخر: لا يتعلق الأمر فقط بالاستيلاء على الأرض والحفاظ عليها، بل بالقضاء على قدرة الخصم على القتال. «تستمر الحروب الأهلية لوقت طويل عندما لا يتمكن أحد الطرفين من نزع سلاح الطرف الآخر، مما يسبب حالة من الجمود العسكري»، يخلص فيرون في دراسته عام 2002. إن قوة خارجية وهي إيران تقوم بتسليح نظام الأسد بفاعلية، مما يعني أنه سيكون صعباً جدا على الثوار أن يقوموا بنزع سلاح قوات النظام، كما أنه من الصعب أن نقدّر كيف للأسد أن يقوم بنزع سلاح الثوار، الذين يأتون من الشعب السوري، ومن العراق عبر الحدود، مع توفر عاملَي قوة لهم: السخط الشعبي ضد النظام، وسهولة الحصول على الأسلحة.

6- تستمر الحروب الأهلية أكثر من المتوسط عندما لا يتم إنهاؤها بتسوية متفاوض عليها: عندما حسب فيرون وآخرون متوسط طول الحروب الأهلية، فإن القيم الدنيا لبياناتهم كانت لبلدان حققت السلام من خلال تسوية تفاوضية، تعرف أيضاً باتفاقية سلام. تقول والتر إنّ احتمال حدوث ذلك «قريب من الصفر»، حيث توضح أنه، وكنتيجة للدراسة، فإننا نحتاج إلى أمرين لتحقيق تسوية تفاوضية: الأول هو توفر طرف ثالث على استعداد لتوفير الموارد اللازمة مثل قوات حفظ سلام، والثاني هو اقتسام السلطة السياسية بين المتحاربين على أساس موقفهم في ساحة المعركة. والأمران غير متوفرين في الحالة السورية. وتضيف والتر أن واحدة فقط من أصل أربعة حروب أهلية تنتهي بتسوية تفاوضية، الغالبية تنتهي بانتصار ساحق، والذي لا يحدث غالباً في حال كان هناك تدخل أجنبي، حيث يمكن أن تستمر القوى الأجنبية بعملية التزويد بالمال والسلاح بعد حصول التسوية، وهذا قد يستنزف طرفي النزاع من ناحية أخرى.

لسنا بحاجة كل هذه الأبحاث لملاحظة ذلك، فبعد عامين من الحرب الأهلية في سورية ليس هناك أي أشارة أن النزاع يتجه بأي شكل نحو الحل، فالأراضي السورية، مقسّمة بين قوات النظام، والمتمردين العرب، والمجموعات الكردية، والجميع يبدو في مأزق. فصائل الثوار مقسمة، وتتحارب فيما بينها. تتعاظم مشكلة النقص في الغذاء، بالإضافة إلى تعذر الحصول على الرعاية الطبية. تتورط دول شرق أوسطية أخرى في النزاع بشكل متزايد، محولة سورية إلى حالة الحرب بالوكالة بين إيران ودول الخليج العربي. وبينما وافقت سورية على تسليم أسلحتها الكيميائية، تقوم روسيا من الناحية الأخرى بحماية النظام من أي تدخل دولي.

ليس من المفاجئ أن تشير الدراسة السابقة إلى عشر سنوات أخرى على الأقل من النزاع، خصوصاً عندما ننظر إلى نزاعات أخرى مشابهة. إن حرباً أهلية وقعت في لبنان المجاور، وحصل فيها أيضا انقسام طائفي وتدخلات أجنبية، وقد استمرت الحرب 15 أو 30 عاماً، حسب الطريقة التي تحسبها بها. وقد يكون النزاع السوري يحمل مخاطر أعظم، يتبع بموجبها النموذج الأفغاني، حيث وقعت حرب خلال عقد الثمانينات من القرن المنصرم، أعقبتها حرب أهلية أخرى خلال التسعينات بين مجموعات الثوار المنتصرة؛ الثوار السوريون منذ الآن يحاربون بعضهم بعضاً، مما يدفعنا إلى الخوف من أن انتصار الثوار قد يشعل حرباً أخرى.

عشر سنوات أو خمس عشرة، أو مهما استمرت، هو وقت طويل جدّاً. ليس فقط الرئيس أوباما سيغادر مكتبه بينما لم تحل الأزمة، فخلَفُه قد يعمل لولايتين رئاسيتين كاملتين بينما يتواصل القتال. الرئيس المقبل قد ينهي ولايته الرئاسية الثانية في العام 2023، في وقت تتواصل فيه الحرب، وتبقى الأزمة غير محلولة. لقد قتلت الحرب أكثر من مئة ألف سوري حتى الآن، وشردت أكثر من مليون، ولا يمكننا أن نقول ماذا ستكون تكاليفها بعد عقد آخر من الزمن.

المصدر