في مجموعة نصوصه المجمعة تحت عنوان «سنوات الانهيار»، وفي معرض حديثه عن تجربة النهضة اليابانية، طرح فالح رفقي آتاي التشبيه التالي: «الصينيون هم عرب اليابانيين». فالصين تمثل، في رأيه، المسكنة والعطالة والتنبلة والنزعة الاستسلامية والتخلف والتشبث بالماضي، بالقياس إلى اليابان. بفضل تجاوز اليابان لصينيتها، بفضل تغييرها لمصيرها الذي كان يجمعها مع الصين في زمن مضى، نجت وتحرّرت. أما صينيو تركيا فهم العرب؛ فالعرب، في نظره، هم رمز جميع عوامل التخلف التي شكلت عائقاً في طريق التغريب\التمدّن. هذا يعني أنه: يمكنكم قياس تقدمنا بمقدار ابتعادنا عن العرب.
معروف أن فالح رفقي هو أحد ممثلي التيار الكمالي المحافظين، المغرقين في محافظتهم إلى درجة كاريكاتورية. غير أن ذلك لا يُنقص شيئاً من قوته التمثيلية. بل أعتقد أن احتقار العرب، المعبَّر عنه في مجازه المذكور حول اليابان، شكّل كتلة من الأفكار المسبقة لا تخصّ التيار الكمالي وحده.
سأتناول في هذا النص حدثين، أحدهما عابر والثاني ينطوي على أهمية كونية، الأول هو هدم قلعة أجياد والثاني «الربيع العربي». التعليقات الإعلامية التي رافقت هذين الحدثين في الإعلام التركي تصلح مثالاً لدراسة وتحليل القناعات والأحكام المسبقة بحق «العرب» في تركيا.
هدم قلعة أجياد والكليشيهات المعادية للعرب
في العام 2002، قامت السلطات السعودية بهدم قلعة أجياد التي تعود للإرث العثماني (350 سنة)، الأمر الذي أدى إلى ردة فعل شديدة من الدبلوماسية التركية، رافقتها هجمة إعلامية كبيرة. من الصعوبة بمكان القول إن ردة الفعل هذه مردّها غيرة صافية على الآثار التاريخية. ذلك أنه، كما قال السفير السعودي لدى تركيا –وبدوافع ديماغوجية طبعاً– إن حساسيتنا نحن الأتراك أمام موزاييكات زيوغما الفريدة التي أشيد فوقها سدّ، هي حساسية المتنمّر الذي يقول متوعداً «عن أي موزاييك تتحدث يا هذا!».
كان وراء ردة الفعل أنهم رأوا في هدم القلعة من قبل السعوديين، نزعة عداء ضد الأتراك\ العثمانيين. طبعاً لا بد أنهم اعتقدوا، من غير إفصاح عن ذلك، أن حالة توتر مع «العرب»، في عالم ما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، من شأنها أن «تقوِّي يدي تركيا» في السياسة الدولية. ها هو دليل إضافي، يقول لسان حالهم، على أن العرب كانوا دائماً متعصّبين ورجعيّين، وأنه لا يمكن أن يوجد بلد إسلامي آخر، غير تركيا، حضاري قلباً وقالباً.
كلما ظهر خلاف تركي-عربي، نعرف ما الذي سيفعله إعلامنا في تركيا، المكلف بصياغة ذلك الكائن المحروم من الشكل المسمى بـ«الرأي العام التركي». فنموذج «العربي» هو أحد النماذج الراسخة لمفهوم العدوّ في الإعلام التركي وفي الرأي العام المذكور، وفي الإيديولوجيا القومية الرسمية، وأحد «موضوعات» التحقير. الحقيقة أنه حين يطرأ خلاف ما مع إيطاليا مثلاً –الأمر الذي حدث فعلاً أثناء وجود قائد حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجالان في روما– سرعان ما يطوّر الإعلام لغةً تجاه الإيطاليين الذين لا يربطنا بهم أي إرث عدائي، فصورهم على أنهم كارثة علينا منذ بدء الخليقة وبحكم الخلق، ولا يعاني أي صعوبة في إعداد «توثيق تاريخي» مناسب للحدث. غير أنه حين يتعلق الأمر بالعرب، لا يحتاج إعلامنا أي مجهود إضافي. فأنماط العداء والتحقير جاهزة للاستخدام دائماً. فـ«العربي» هو الشخصية الثابتة في سيناريوهات أعداء الأتراك، موجودة دائماً قرب بطل الفيلم المتغير وفقاً لكل مرحلة: «الأرمني» تارةً، و«اليوناني» أخرى، و«الروسي» ذات مرة، و«البلغاري» حيناً، و«الفرنسي» في مطلع الثمانينات، و«الصربي» في بعض التسعينات.
التفسير التاريخي لنزعة العداء للعرب، كما هو معروف، يتمثل في الكليشيه المدرسية الشائعة حول «خيانة العرب في الحرب العالمية الأولى، حين باعوا أنفسهم للإنكليز وطعنونا في ظهرنا». في السنوات الأخيرة عقدت اجتماعات بين المؤرخين اليونانيين والأتراك بهدف تنقيح متبادل في الكتب المدرسية لتنقيتها من القوالب الشوڤينية، كما يمكننا القول إن اختراقاً أولياً حدث عندنا في تركيا بصدد التابو المفروض على تهجير\إبادة الأرمن. بالمقابل، لا يمكننا الحديث عن مبادرات تُذكر لمناقشة التجربة التاريخية القابعة خلف نمط «العرب الذين طعنونا في ظهرنا» بعقلية منفتحة. ليست قصة «الخيانة» المذكورة بالبساطة التي تُطرح بها طبعاً. عليكم أن تدخلوا في حساباتكم السياسة القومية التركية لحزب الاتحاد والترقي في المرحلة الأخيرة من التاريخ العثماني، تلك السياسة التي أدت إلى فقدان المجتمعات العربية الشعور بالأمان…، وعليكم أن تدخلوا في حساباتكم أن المجتمعات العربية في تلك المرحلة لم تكن متجانسة، وأنها أظهرت ميولاً سياسية متنوعة… بل إنه لم يخلُ الأمر حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى من تواصل مختلف القادة العرب مع حركة المقاومة في الأناضول، وبالمقابل لم يخلُ النداء الصادر عن «الميثاق الوطني» من الرغبة في الارتباط مع المجتمعات العربية. في دراسته المعنونة «الحركة التركية الفتاة والعرب» (1998)، يقدّم حسن كايالي معلومات غنية عن الخلفية التاريخية للعلاقات التركية-العربية في تلك المرحلة، بمختلف أبعادها. ليست تلك الخلفية التاريخية مما يمكن تجاوزه ببضع كليشيهات.
هناك ما هو أكثر: الإيديولوجيا القومية التركية، التي تمنح وسائل الإعلام شعبية مضمونة، تنظر إلى «العرب» بازدراء عميق، يتجاوز العداء والحنق الموجّهَين ضدهم. يمكننا أن نزعم أن احتقار العرب يمارَس بحماسة وعلانية تتجاوز قوالب الازدراء الموجّهة ضد الأعداء «اللدودين» والدائمين. يبرز هذا الميل بوضوح في خطاب «التركي الأبيض» المدني العلماني المتعلم شاع استخدام تعبير «الأتراك البيض» في السنوات الأخيرة لدى المثقفين الديموقراطيين في تركيا، ويقصدون به تلك الفئة المحظوظة من الأتراك المسلمين السنّة العلمانيين المتغرّبين المتماهين مع الدولة وإيديولوجيتها والمستفيدين من امتيازاتها، مقابل تهميش غير الأتراك وغير المسلمين وغير العلمانيين وغير السنّة: كورد وشركس وعرب وتركمان وأرمن ويونانيين ومسيحيين وعلويين وغجر، إضافة إلى المسلمين السنّة المتدينين… الذين يشكلون «الزنوج» في نظام يشبّهونه بنظام الفصل العنصري.، وفي النبرات الكمالية والليبرالية المتمفصلة معه. لا بد أن انتماء الكادر الإداري للإعلام الكبير بغالبيته إلى هذه الفئة يلعب دوراً مهماً في ابتكار صور «العربي المسكين المغلوب على أمره».
فـ«العربي» في هذا الخطاب يحيل إلى عوامل «التخلف» والماضي غير الملائم للحداثة و«النموذج المتعصب» للإسلام، وهي العوامل التي أرادت الهوية التركية الجديدة-«الحديثة» أن تتحرر منها. منذ الأجيال التي درست في الولايات المتحدة وطالما حاولت أن تصحّح لأهل الغرب فكرتهم المغلوطة عن أن الأتراك «يعتمرون الطربوش كالعرب»، تحول العمل على حمل الآخرين (والنفس أيضاً!) على اعتبار الأتراك غربيين، إلى ما يشبه الوسواس بالنسبة للاستشراق التركي الذي دأب على الانفصال عن العرب بدفعهم إلى المكان الذي يدعى «الشرق» أو «الشرق الأوسط».
يمكنكم أن تروا إعادة إنتاج هذه القوالب الذهنية في كل مناسبة، في عمود يلماظ أوزديل اليومي في جريدة «هرييت»، وهو الكاتب الشعبي النموذجي للأتراك البيض. إليكم العنوان الذي اختاره لزاويته بتاريخ 12 حزيران 2010: Halimiz h’araptır تلاعب لفظي: معناها «حالتنا خراب» لكن الكاتب فصل بين الهاء والألف لتقرأ أيضاً «عرب» وترادف بين الخراب والعرب.. في زاويته المذكورة، يصوّر أوزديل ارتفاع مستوى العلاقات التركية-العربية في ميادين الاقتصاد والاجتماع والسياسة على أنه فضيحة لا تحتاج إلى مزيد من الشرح. وفي زاويته المنشورة في 18 كانون الثاني 2009، «يعالج» أوزديل افتقار الأثرياء العرب للرهافة والذوق: «عزيزي، أنا أملك أموالاً مثل الخراء مجاز عن الكثرة، فمن تقترح عليَّ أن أشتري؟». اقترحوا عليه أن يشتري كاكا من سوء حظ اللاعب البرازيلي الشهير أن اسمه في التركية (والعربية) يعني البراز في لغة الأطفال.! فدفع 150 مليون يورو. هكذا هم العرب… قم باختيار مئة إسرائيلي من الأكثر ثراءً، ثم اكتب أسماء مئة عربي من الأكثر ثراءً. سيكون بوسع هؤلاء العرب أن يشتروا أولئك الإسرائيليين». لنقرأ التعليق الذي كتبه أحد قراء زاوية أوزديل في نسخة الانترنت للجريدة: «هؤلاء عرب يا أخي، يعطون AK تعني أبيض وطاهر، ويمكن قراءتها أيضاً كاختصار لاسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. ويعطون BOK تعني خراء. كما يشاؤون! لو لم يأتهم الرسول محمد لما تعلموا كيف يشطفون مؤخراتهم! الواقع أننا علمناهم رغم أنفهم، لكن الله تعالى نفسه لم يتحمل قذارتهم، فأرسل إليهم الرسول مبكراً! ويريدون، مع ذلك، أن يتحدّوا إسرائيل!». هذا التعليق هو بمثابة الممرّ الرسمي للكليشيهات الشعبية العرقية المعادية للعرب.
لا يقتصر الأمر على الفئات المتغربة (الأتراك البيض)، بل نلاحظ أن صورة «العربي» لدى الفئة القومية المحافظة سلبية بالقدر نفسه. لنر كيف تحدث أحد أعلام البيئة القومية المحافظة، الشاعر والكاتب ياووز بيلكنت باكيلر، المتحدر من نزعة قومية تركية، في برنامج «المرفأ والسنجق» على محطة «القناة 7» التلفزيونية، حيث تمّت مناقشة هدم قلعة أجياد في السعودية. قال باكيلر إن القرآن يستخدم عبارة «بدو الصحراء» حين يتحدث عن أصحاب الحياة المتخلفة والذهنية الخرافية، وهو يرى أن ما أدى إلى هزيمة الأتراك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى إنما هو ذهنية «بدو الصحراء» المذكورة. كذلك هي ذهنية بدو الصحراء، تلك التي هدمت قلعة أجياد. إحدى المواصفات اللصيقة بهذه الذهنية، في رأي باكلير، هي نزعة العداء للأتراك. أي: بمقابل الكماليين العلمانيين الذين يعبرون عما معناه أن الإسلام هو «دين العرب» أساساً (عبّر عن الفكرة نفسها نهال آتسز، أحد آباء القومية التركية الطورانية)، نرى أن القوميين-المحافظين يعتقدون أن الإسلام يليق أكثر ما يليق بالأتراك. وفقاً لهؤلاء، عاش الإسلام أعلى مراحله بعد انتساب الأتراك إليه. أضف أن تأويلات العرب للإسلام، في رأيهم، هي «الأقل قيمة» و«المتخلفة» بل والتي تجانب الصواب.
في عددها الصادر في 11 كانون الثاني 2002، وفي خبرها الرئيس عن وجود نجم الدين أربكان على قائمة المدعوين الخاصة للعائلة السعودية الحاكمة، استخدمت جريدة «ستار» مانشيت «نجم الدين فهد»، مكررةً بذلك سخرية شائعة. السخرية من «ولع الإسلاميين الأتراك بالعرب» شائعة ومجدية. فإلى جانب الارتباط المزعوم للإسلاميين بالخارج، تتم السخرية كذلك من «عروبتهم» بنبرة أقرب إلى الازدراء، ولسان حالهم يقول: «انظروا إلى من يعتبرونهم إخوة لهم!» (كأن هناك ما يُحترم في الولع بالأميركيين!). ولكن ما مدى صحة هذا الاتهام؟ هل الإسلاميون هم من يستأنفون اليوم مديح علماء الدين العثمانيين للنخبة التي تتحدث اللغة العربية بوصفها بـ«نجباء القوم»؟ ربما هناك «حالات فردية»، ولكن عليهم ألا يصرفوا النظر عن أن التيار الإسلامي التركي يميل إلى تصور عالم إسلامي بمركزية تركية أساساً. يمكنكم أن تلاحظوا كيف تعتبر تركيا القائد الطبيعي للعالم الإسلامي، على لسان أربكان بالذات، الذي تربطه بالعائلة السعودية الحاكمة علاقات طيبة. من وجهة النظر هذه، لم يكن بالمفاجئ الاقتراح الذي طرحته جريدة «مللي غازتة» الإسلامية بوجوب «تجريد المملكة العربية السعودية من إدارة الأراضي المقدسة» عقاباً لها على هدم قلعة أجياد.
الربيع العربي
لننتقل من «فضيحة» قلعة أجياد عشر سنوات إلى الأمام: «الربيع العربي»، الذي انطلق مع التمرد الشعبي في جنوب تونس أواخر العام 2010، وانتقل إلى مصر واليمن والجزائر والأردن، وأدى إلى سقوط النظامين السلطويين في تونس ومصر، كان قد رفع من درجة الاهتمام بالعالم العربي بصورة طبيعية في الإعلام وفي مقالات كتاب الزوايا الصحفية. لنلق نظرة بانورامية على ما قاله وكتبه قادة الرأي العام في الإعلام المرئي والصحف، ونرى جوانب الاستمرارية والتغير في تصوراتهم عن العرب والعالم العربي.
أول ما يلفت النظر هو استمرارية صورة العربي في نظر التيار العلماني-الوطني. الشاعر أوزدمير إينجة، في الفترة التي كان يكتب فيها في يومية «هرييت»، هو الممثل النمطي والثرثار لهذه النظرة. يبدأ إينجة، في مقالته المنشورة بتاريخ 13 نيسان 2011، باعتبار استخدام كلمة «ثورة» إهانةً للثورة الجمهورية في تركيا: «لا يمكننا أن نسمي ما يحدث في العالم العربي إلا بـ’العصيان‘ (…) فلا ثورة في العالم العربي سوى ما قد يهدف إلى علمنة الدولة، ولا يمكنها أن تكون إلا كذلك. في بنية يستمر فيها الستاتيكو الإسلامي، لا ينطوي تغيير السلطة على أي معنى. مع البنية الإسلامية التي تواصل سيادتها، سواء أكانت إلى جانب الولايات المتحدة أو في مواجهتها، لا يعني ذلك أحداً غير الولايات المتحدة ومناصريها. لم يتغير أي شيء في العالم العربي (….) إنها تغيرات تشبه سيناريوهات «الثورات الملونة» في دول البلقان (…..) يقول قادة التمرد إنه تم تدريبهم خارج مصر وتم تزويدهم بخطة عملية للتطبيق».
في 13 تشرين الثاني 2011، سيبدأ إينجة مقالته بالقول: «سبق وكتبت هذا عدداً لا أعرفه من المرات»، ويتابع مكرراً: «الإسلام والقرآن، بالنسبة للمجتمعات العربية، ليسا مجرد دين وكتاب مقدس، بل هما في الوقت نفسه الدستور والقانون، وهما الأدب واللغة والحقوق. إنّ توقع تبنّي هذه المجتمعات للعلمانية أو الدنيوية، لا يعدو كونه أوهاماً (…) يجب ألا يتفوّه أحد بعد الآن بترّهات من نوع أن تركيا يمكنها أن تشكّل نموذجاً يحتذى للعالم العربي. إن ما أخشاه هو أن تصبح تركيا العدالة والتنمية هي التي تشبه البلدان العربية. فلولا وجود هذه النية، هل كان يمكن لمبدأ العلمانية الذي جعل من تركيا «شيئاً محترماً» أن يصبح موضوعاً لكل هذه المنازعات؟”.
الثورة الوحيدة اللازمة والممكنة لدى العرب، في نظر أوزدمير إينجة، هي الثورة العلمانية. هذا هو ما يمكن أن يجعل منهم «بشراً». ما لم يحدث هذا، وهو لم يحدث، فلا يمكن حتى اعتبارهم ذاتاً فاعلة اجتماعية-سياسية.
بالطريقة ذاتها التي يفكر بها إينجة، بل بلا حاجة حتى إلى كل هذا التفكير، هناك فكرة شائعة في البيئات العلمانية-الوطنية ولدى الأتراك البيض، تنطلق من حكم مسبق مفاده أن «العرب» ليسوا أهلاً للقيام بأي ثورة على الإطلاق؛ لتصل إلى النتيجة القائلة إن «الربيع العربي» عبارة عن بالون تم النفخ فيه أكثر مما يجب. ليس إينجة وحيداً في ربط الهبّات التي انفجرت في البلدان العربية بـ«ديناميات خارجية»، أي بتدبير من القوى الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة، فمن المؤسف أن هذا النمط من التفسير التآمري قد لقي قبولاً لا بأس بحجمه في الأوساط التي تدعي اليسار والاشتراكية. لا شكّ أنه ينبغي أن نُدخل في الحساب الوضع الدولي وآثار الصراع السياسي الكوني في الشرق الأوسط، دون غض النظر عن ازدياد قوة التيار الإسلامي، على حساب أمل التغيير الديموقراطي الذي انطلقت منه هبات 2010\2011 في البداية، وعن احتمال قيام أنظمة سلطوية جديدة. لكن اعتبار مكتسبات المعارضة الاجتماعية وتجربة التمرد اللتين ظهرتا في سياق «الربيع العربي» وكأنهما لا شيء، ليس غير سينيكية باردة.
المقاربات المتحمسة لـ«الربيع العربي» جاءت، كما يمكن لنا أن نتوقع، من التيارين الإسلامي والليبرالي-المحافظ. فقد كان الربيع العربي مناسبةً ليكرّر هذان التياران قناعتهما بأن تركيا تشكل القيادة البديهية للعالم الإسلامي. كتب نوح يلماظ في جريدة «ستار» بتاريخ 18 أيلول 2011 قائلاً، إن «الربيع العربي انطلق عملياً من داڤوس». وفقاً لتحليل يلمظ، كان الردّ القاسي الذي وجهه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في منتدى دافوس، كانون الثاني 2009، قد أشعل فتيل اليقظة والتمرد في العالم العربي. كثير من الكتاب اعتبروا أن السياسة الخارجية التركية، الهجومية التي قالوا إنها تحدت إسرائيل، لم تكن فقط أحد الحوافز وراء اندلاع الربيع العربي، بل حولت تركيا إلى نموذج في نظر «العرب». الكاتب «الجيوستراتيجي» سدات لاتشينر، الذي يجمع بين قربه من الحكومة وحساسيته لـ«عقل الدولة»، سيكتب في 15 أيلول 2011 في زاويته في جريدة ستار قائلاً: «إن تركيا، بوصفها دولة إسلامية وديموقراطية ومسالمة، تتحول باطّراد إلى القائد السياسي والأخلاقي في المنطقة». أما ياسين آكتاي، فقد كتب في 28 تشرين الثاني 2011 في جريدة «يني شفق»، من زاوية نظره الإسلامية: «لطالما رأى العرب في تركيا ذلك البلد الذي فضّل التوجه غرباً نحو أوروبا، في حين أن تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان بدأت رحلة العودة إلى المنطقة منذ عشر سنوات، الأمر الذي استقبلته الشعوب العربية، وخاصةً الشعب السعودي، بحماسة شديدة واستحسان كبير. أمام الصعوبات الكثيرة التي يعاني منها العالم العربي اليوم، بوسع تركيا أن تقوم بدور نهضوي قيادي في العالم الإسلامي بأسره. وهي تقوم بهذا الدور…».
كانت فكرة قيام تركيا بدور الهادي والرائد والنموذج للعرب، رائجة بشكل واسع في الصحافة التركية في العام 2011. في معالجة هذه الفكرة، ظهرت خلافات حول تعريف «النموذج التركي». قِسم من الكتاب الليبراليين والليبراليين-المحافظين اتفقوا على أن ما يجعل من تركيا نموذجاً هو نظامها الديموقراطي. ما كتبه ممتازر تركونا، في الأول من تشرين الثاني 2011 في جريدة «زمان»، يلخص هذا الرأي تلخيصاً جيداً: «الغنوشي يطمئن ’الحداثويين القلقين‘ بالوعد بتطبيق سياسات حزب العدالة والتنمية التركي في تونس (…) إن حزباً إسلامياً يتنكب للمرة الأولى مسؤولية الحكم، يحدّد ما سيفعله وكيف سيتصرف، بالنظر إلى حزب العدالة والتنمية التركي. السبب الوحيد وراء عدم تكرار ما فعلوه أمس بحق جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر عام 1989 اليوم في تونس بحق حركة النهضة، إنما هو النموذج الذي قدمه حزب العدالة والتنمية التركي. فتطور تجربة العدالة والتنمية في إطار نظام ديموقراطي، ومعرفة الرأي العام العالمي للشوط الذي قطعه الحزب خطوة بعد خطوة، يجعلها تجربة مقنعة. نما التيار الإسلامي الراديكالي على ردات الفعل تجاه الأنظمة السلطوية الموالية للغرب. أقوى ترياق ضد هذه الراديكالية هو النظام الديموقراطي. حين تحرم المعارضة الاجتماعية فرص التعبير عن نفسها تتجه نحو التطرف. ثم يتم التذرّع بهذا التطرف لزيادة القمع الممارس على المجتمع. فيتحول التطرف الإسلامي إلى منبع يغذي الأنظمة السلطوية. إن التجربة التركية مع حزب العدالة والتنمية قد كسرت في نظر البلدان العربية هذه الحلقة المفرغة. الواجب الملقى على عاتقنا هو إضافة نموذج للدستور إلى هذه التجربة، بحيث يمكن للبلدان العربية أن تحذو حذوه خطوة بخطوة». كان بعض المحللين الليبراليين يضيفون العلمانية إلى الديموقراطية؛ كانوا يعتبرون هذا ضرورياً، على الأقل كتكتيك لقبول القوى العظمى في الغرب بأن تلعب تركيا دور «الأخ الأكبر» بالنسبة للعالم العربي. ربما هذا ما كان في ذهن أردوغان حين تحدث عن نظام تركيا العلماني في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة. غير أن الكتاب الإسلاميين كانوا يعتبرون الحديث عن العلمانية عائقاً أمام النفوذ التركي في العالم العربي، فضلاً عن أن تشكل تركيا نموذجاً يحتذى. كتب ياسين آكتاي في 19 أيلول 2011 في جريدة «يني شفق» يقول: «لعل الشيء الوحيد الذي لن تأخذه بلدان الربيع العربي المهتمة بالنموذج التركي من تركيا إنما هو نظامها العلماني». وكتب علي بولاتش مقالات عدة في جريدة «زمان» في العام 2011، يحذّر فيها تركيا من القيام بدور المسوّق لعقلية الغرب ونمط حياته في العالم العربي. وكرّر عدة مرات القول إن «المسلسلات التركية التي نتباهى بها كثيراً» بوصفها محاكاة لنمط الحياة الغربية من الدرجة الثانية، لن تكسب تركيا شرف النموذج الذي يحتذى.
لنفتح هنا قوسين من أجل مسلسلات التلفزيون هذه. منذ سنوات وصحافة الماغازين مغرمة بالحديث عن شعبية تلك المسلسلات في البلدان العربية. تنتفخ الصدور فخراً بأخبار انبهارهم بنجومنا، ويتم تصوير العرب وكأنهم بسذاجة الأطفال. فالمسلسلات التركية، وفقاً لهذه الصحافة، تقدم للعرب عالماً لا يعرفونه ولم يعاينوه ويتوقون إليه. ما كتبته الممثلة التلفزيونية وكاتبة السيناريو غولسه بيلسل، في جريدة «صباح» في 24 آب 2008، يقدم نموذجاً فصيحاً عن هذا التصور: «مسلسلا ’فضة‘ و’تحت أشجار الزيزفون‘ أقاما الدنيا في العالم العربي ولم يقعداها، فقد أيقظا المرأة العربية على أنها يمكن أن تعمل أو تؤسس عملها الخاص، وأنها يمكن أن تصبح صاحبة كلمة في بيتها، ويمكن أن يكون لها زوج يعاملها بلباقة ويلاطفها، وأنها باختصار يمكن أن تعيش حياة متحضرة. لهذا السبب تعرضت مسلسلاتنا لهجوم عنيف في تلك البلدان. وانتقدها البعض لأنها دفعت النساء لترك أشغالهن والجلوس أمام التلفزيون. الواقع أن النساء العربيات المسكينات شاهدن على شاشة التلفزيون بانبهار بلداً تملك فيه النساء المسلمات الكثير من الحقوق، حيث يخرجن ويتنزهن ويدرسن ويعملن ويكسبن النقود ويلهون ويعشقن ويتخذن قراراتهن بأنفسهن… فحلّقنَ في أحلام وردية وأهملنَ الغسيل والجلي. ذلك لأن الحريات، التي باتت جزءاً من حياتنا اليومية، هي للأسف أحلام لا يمكن بلوغها بالنسبة لهن! أشاهد إعلانات التلفزيون العربية، فلا أرى المرأة الذاهبة إلى عملها أو الخارجة إلى الشارع أو الذاهبة إلى المدرسة أو المزاولة للرياضة أو المنخرطة في الأنشطة الاجتماعية. لا نكاد نرى المرأة إلا في إعلانات مساحيق الغسيل ومنكّهات الطعام وحفوضات الأطفال وما شابه ذلك. نراها إما في المطبخ أو أثناء الاعتناء بالأطفال. والجائزة التي تنالها المرأة، بسبب استخدامها للسلعة موضوع الإعلان، ليست أبداً سعادتها الخاصة. فالنهاية السعيدة للفيلم هي رضى الزوج عن الطعام أو لعبه مع الطفل على المرتاح! هذان المسلسلان اللذان لم يهدفا إلى قول أي شيء عن حقوق المرأة، بل من المحتمل أن يكونا موضع نقد، من زاوية نظر المساواة بين الجنسين من قبل امرأة مدينية شاهدتهما باهتمام، تحوّلا، في نظر النساء العربيات، إلى صورة حياة حرة وجريئة، نائية لكنها ممكنة، للمرأة في بلد مسلم. لقد أحببن امكانية أن يصبحنَ مثلنا. برأيي المسلسلات التركية هي أفضل ما حدث في السنوات الأخيرة للنساء العربيات». هذا «التخلف»، في رأي غولسه بيلسل، جعل من مسلسلاتنا، والتي نراها عادية وبلا قيمة تذكر، «روائع فنية» في نظر المشاهدين العرب. لأنهم «في ثرائهم الفاحش، عاجزون حتى عن تنشئة كتاب سيناريو ومخرجين وممثلين لصناعة مسلسلات تلفزيونية تستحق المشاهدة. فهؤلاء المساكين لم يحظوا، للأسف، بأتاتورك وبثورة أتاتوركية…».
كذلك هو الأمر برأي علي بولاتش، الذي يرى العرب غارقين في «الاستبداد والفرقة والجهل والفقر». لكن ما من شأنه أن ينقذهم مما هم فيه ليس قيم الغرب، التي هي السبب الأصلي لهذا الوضع الكارثي، بل «التفكير في التجربة التركية الخاصة والتفاعل معها» (جريدة «زمان» 6 آب 2011). ما أكسب تركيا هذا الموقع الريادي ودور النموذج، برأي بولاتش، هو استراتيجية الهيمنة بعيدة المدى للإسلامية التركية الوسطية والبراغماتية. ربما أخذاً منه بعين الاعتبار لحساسية استراتيجية الهيمنة المذكورة في المعادلات الدولية القائمة، بولاتش ينبِّه إلى وجوب عدم الانزلاق إلى إظهار دور الأخ الأكبر أو الوصي على العرب. إنه لأمر لافت أن بولاتش استخلص دواعي تنبيهه من دروس السياسة التركية تجاه الجمهوريات السوفييتية السابقة بعد العام 1991. فقد خسرت تركيا فرصة لعب دور الأخ الأكبر بالنسبة لتلك الدول، بسبب ظهورها بمظهر الأخ الأكبر، كما يرى علي بولاتش (جريدة «زمان» 14 آذار 2011). سيقول بولاتش، في وقت لاحق، إن تركيا «ستكون إحدى الدول المؤسسة في النظام الاقليمي» ولكن «ليس بصورة متفردة» بل بالتعاون مع بلدين آخرين يملكان إمكانيات القيادة التاريخية للعالم الإسلامي، هما إيران ومصر (جريدة «زمان» 8 أيلول 2011).
يلفت بعض الكتاب الإسلاميين النظر إلى أن علاقة النموذج والملهم ليست أحادية الاتجاه. بل هي، في رأيهم، علاقة تأثير متبادل. يلفت عبد الحميد بيليجي الانتباه إلى أن إيمان كوادر التيار الإسلامي الأربكاني السابقين الذين أسسوا حزب العدالة والتنمية بالنظام الديموقراطي، كان بجزء منه بتأثير من المراجعة النقدية التي قام بها الإسلامي الراديكالي راشد غنوشي وتحليلاته بصدد عدم وجود تناقض بين الإسلام والديموقراطية. أما الكمالي أوزدمير إينجة، فهو أساساً من أنصار أن عملية التأثير كانت دائماً في هذا الاتجاه الوحيد: «جميع الشخصيات البارزة في حزب العدالة والتنمية، بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، قد مروا على المقاعد الدراسية لقادة الإخوان المسلمين ومنظريهم كحسن البنا وسيد قطب. فقد ختموا كتب القائدين المذكورين في عقد السبعينات (…). طوال التاريخ، مصر هي التي أثرت في تركيا، ولم نلحظ تأثيراً معاكساً قط. لذلك لن يتأثر الإخوان المسلمون بتركيا، بل سيؤثّرون فيها. وهم، على أي حال، يؤثّرون، ولطالما أثّروا فيها» (جريدة «هرييت» 8 شباط 2011). «لا يمكن لأحد أن يصدّر من تركيا إلى مصر نظاماً ثورياً وعلمانياً، ولكن يمكن للأتراك غير العلمانيين أن يستوردوا من مصر السلفية والإخوانية» («هرييت» 9 شباط 2011). هذا مثال جديد على تأثيم الإسلامية بوصفها بـ«العروبة»، واستخدام «التعريب» بوصفه إحدى علائم سوء الإسلامية وتخلفها…
إليكم العنوان الذي وضعه إبراهيم كيراس لمقالته في جريدة «ستار»: «لا ربيع الشام، ولا ثورة العرب» تحريف للعبارة الشعبية الشوفينية: «لا حلوى الشام ولا وجه العرب».. أراد كيراس، بعنوانه الساخر برأيه، أن ينتقد التشوش الفكري لدى البعض بصدد المسار الذي اتخذه الربيع العربي. لكن مقالته لا تخرج ضمناً عن التعبير عن الانكسار الذي أطاح بأمل تركيا في «قيادة العرب». خيبة الأمل هذه، التي أخذت تطل برأسها منذ أواخر العام 2011، سوف تتكرس إلى حد بعيد في العام 2012. فشل حكومة العدالة والتنمية في استثمار نفوذها لإقناع النظام السوري بإجراء إصلاحات، إمعان هذا النظام في التصلّب، اندلاع الحرب الأهلية ووقوف تركيا بصراحة ضد الحكومة السورية، وصولاً إلى دعم معارضي النظام عسكرياً… كل هذه التطورات عمّقت التشوش الفكري وخيبة الأمل. في غضون ذلك، أخذت تظهر في الصحف الإسلامية أيضاً «تحليلات» جيوستراتيجية من ذلك النوع الذي يحوّل الشعوب إلى بيادق. خذوا مثلاً هذا العنوان لمقالة إبراهيم كراغول: «لاعب عربي للعبة فارسية» («يني شفق» 21 كانون الأول 2011). وارتفع الإحساس بالخطر، ليس فقط فيما يتعلق بإيران، بل كذلك بمصر. كتب عاكف بكي، المستشار الصحفي السابق لرئيس الوزراء أردوغان، يقول في الأول من شباط 2012 في جريدة «راديكال»: «النسخة المصرية للديموقراطية المحافظة بحاجة للهمّة السياسية لتركيا. لكنها ستعود، قبل أن يمضي وقت طويل، إلى محاولاتها لسرقة نموذجنا التركي في ’النموذج الديموقراطي والقيادة الاقليمية‘…». خلاصة القول، إن صورة تركيا بوصفها «القيادة التركية الحامية للعالم العربي» تعرضت في العام 2012 إلى التآكل، الأمر الذي راقبته الصحافة غير الإسلامية وغير الليبرالية المحافظة، بشيء من السرور الممزوج بالسخرية.
في العام 2011، الذي بلغ فيه الاهتمام بالعالم العربي ذروته، انكشف الجهل الفاضح به أيضاً. كان التنبيه الذي أطلقه عبد الحميد بيليجي بهذا الصدد في محله. فقد كتب يقول: «ليس العالم العربي كتلة واحدة متجانسة. لكل بلد عربي تاريخ وتجربة يخصّانه. ترى إلى أي حد تعرف تركيا؟ هذا أمر خاضع للنقاش» (جريدة «زمان»، 6 كانون الأول 2011). وانتقدت نوراي مرت النظرة الاستشراقية التي لا تجد العرب جديرين بالقيام بثورة، معتبرةً أن أولئك الذين يقدمون هذا التمرد كما لو كان أول تمرد من أجل الحرية في العالم العربي، تحكمهم العقلية الاستشراقية ذاتها (جريدة «ميللييت» 6 كانون الأول 2011). بالفعل يتصور هؤلاء أن تاريخ الشعوب العربية الحديث عبارة عن ركود أبدي، كأن التاريخ العربي الغني بالتجارب القومية والاشتراكية والإسلامية لم يكن.
تُراه الاهتمام بالعرب المشحون بالأهواء الإمبريالية والهيمنية، هل أخلى الساحة في العام 2011 لفضول معرفي صادق تجاه البلدان العربية، كما هي في الواقع؟ ما تبقى من اهتمام في الصحافة التركية، يقتصر على تثبيت ومأسسة الزاوية الخاصة بالتحليلات والأخبار من العالم العربي التي يكتبها فهيم تاشتكين، بصورة منتظمة، في يومية «راديكال»؛ واستمرار زاوية «أخبار من العالم الأوسط» الأسبوعية التي تكتبها جرن كنار في يومية «طرف» لمدة سنة واحدة. من الصعب الحديث عن زيادة في الاهتمام العميق القابل للاستمرار. المتمكنون من اللغة العربية، وأولئك الذين أصبحوا خبراء في مشكلات العالم العربي في الجامعات التركية، من الندرة بما يسمح بعدّهم واحداً واحداً. أما الكتب المنشورة حول العالم العربي فهي قليلة جداً ولا تلقى اهتماماً.
إذا أردنا استخلاص شيء من الملاحظات المتناثرة أعلاه، فلعل الجهل بالعالم العربي هو ما ينبغي التشديد عليه. فنحن نعرف أن الينبوع الأكثر غزارة للأحكام المسبقة، إنما هو الجهل، الجهل واللامبالاة واللاهتمام. الوسيلة الوحيدة التي لا غنى عنها لاقتلاع الأنماط الذهنية المعادية للعرب، كما لاقتلاع كل الأحكام المسبقة، إنما هي زيادة المعرفة بالموضوع. من شأن دفق معلومات لا يرى في «العرب» كتلة واحدة صماء، بل يدقق النظر في البلدان العربية المختلفة حيث البنى الاجتماعية والتيارات السياسية المتنوعة، أن يكون «شافياً» لنا.