تعتمد كل نظرية أو فكرة على مجموعة من الفرضيات التي يجب أن تطرح قبل شرح الفكرة. هذه الورقة تعتمد على الفرضيات التالية:
1- هنالك توافق مبدئي بين كل الأطراف ضمن «الائتلاف» على ضرورة التوصل لحل سياسي للصراع في سوريا.
2- هنالك توافق بين كل الأطراف ضمن «الائتلاف» على إنهاء الحكم الديكتاتوري وضرورة الانتقال نحو الديمقراطية.
3- العمل التفاوضي في هذه المرحلة هو للوصول إلى المرحلة الانتقالية وليس للتفاوض على قضايا نهائية كموادّ الدستور.
4- التفاوض سيبنى على أساس مقررات سابقة كجنيف1 وبيان لندن والقرار 2118 للأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن.
5- العمل التفاوضي قد بدأ فعلاً. التفاوض لا يكون فقط على طاولة المفاوضات ولا يكون فقط مع الخصم، وإنما مع مختلف الجهات المؤثرة في العملية التفاوضية. يمكن مثلاً للفريق التفاوضي أن يبدأ العمل منذ الآن للتواصل مع القوى الداخلية والخارجية المؤثرة.
الخطوات الرئيسية الضرورية في هذه المرحلة
1- تعيين مجموعات عمل واضحة:
هذا من أهم الأولويات. العمل التفاوضي يتطلب الكثير من التنسيق بين أعضاء الفريق التفاوضي. وجود فريق غير متجانس ومتعدد الأهداف هو أحد أكبر أسباب فشل العمل التفاوضي. يجب افتراض أن الفريق الآخر سيكون مكوناً من سياسيين ودبلوماسيين محترفين وأنهم قد تلقوا أفضل التدريبات على العمل التفاوضي. الفريق الآخر سيقوم باستغلال نقاط ضعف فريق «الائتلاف» التفاوضي وأكبر نقاط الضعف هي تعدد الأهداف، أسلوب التفاوض وعدم تنسيق الأدوار.
ليس من الضروري أن يكون أعضاء الفريق التفاوضي من أعضاء الائتلاف، فوجود شخصيات من خارج «الائتلاف» يغني خبرات وقدرات الفريق. لا يجب أن يخضع اختيار الفريق لعملية محاصصة، وإنما يجب أن يعتمد على الخبرات الأنسب. يعين «الائتلاف» فريقاً من أعضائه للتواصل مع الفريق التفاوضي من أجل الحفاظ على المرجعية السياسية للائتلاف، ومن الأفضل حصر التواصل عبر هذا الفريق.
تعيين الفريق مبكراً سيسمح بوجود نقطة تواصل واضحة وبتركيز التدريبات على أشخاص محددين.
يجب على هذا الفريق أن يتواجد في مكان واحد، وأن يعمل كمجموعة واحدة منذ اليوم الأول لتشكيله. من المهم لأعضاء الفريق أن يعملوا سوية من أجل تكوين فهم كامل لطرق عمل كل شخص والقيام بتنسيق الأدوار بعد تعيين رئيس الوفد.
هنالك طرق مختلفة للعمل سيكون على الفريق أن يختار بينها، ويمكن أن يغير هذا الأسلوب من فترة لفترة. من الأمثلة على طرق العمل وجود فريق تفاوضي واحد أو تقسيم الفريق إلى فرق أصغر كل منها يقوم بالتفاوض على أحد الملفات، أو أن يقوم رئيس الوفد فقط بالحديث أو أن يكون هنالك أكثر من متحدث، أو أن يلعب البعض دوراً أكثر مرونة من غيرهم، عدا أن البعض يمكن أن يكون دورهم فتح أقنية جانبية مع الفريق الآخر. لكل من هذه الطرح فوائدها ومحاذيرها التي يجب أن تناقش بعناية.
2- تحديد مجموعات خبراء:
العمل التفاوضي يحتاج لعدة مجموعات عمل. المجموعة المفاوضة هي قمة جبل الجليد التي تظهر على السطح، ولكن هنالك الكثير من العمل الذي يتم من قبل مجموعات الدعم. مجموعات الدعم تضم خبراء في المجالات العسكرية، القانونية، حقوق الإنسان، إعلاميين، وحتى خبراء في التاريخ.
التجهيز للعمل التفاوضي يتطلب العمل من قبل الخبراء والمختصين على آليات دعم الفريق التفاوضي في مختلف السيناريوهات. هذا قد يتضمن تحليل القرارات الدولية الصادرة وآليات تنفيذها، خرائط عسكرية، توثيق للانتهاكات، قوائم بأسماء المعتقلين وأماكن اعتقالهم، صيغ قانونية معينة لوضعها في أي اتفاق.
دور الفريق الإعلامي بالغ الأهمية. على هذا الفريق أن يبدأ عمله الفعلي قبل بدء العمل التفاوضي. يجب أن يقوم هذا الفريق بحملة إعلامية مسبقة لتوضيح ماهية العمل التفاوضي وأهدافه للشعب السوري، وتحريك الرأي العام أثناء المفاوضات لاستخدامه كأداة ضغط. هذا سيساهم بنزع أي سوء فهم وسيمنع استغلال بعض القوى لسوء الفهم هذا لإفشال العمل التفاوضي. عند بدء التفاوض سيكون على هذا الفريق أيضاً أن ينقل للشعب صورة واقعية عن ما يحصل وأن يكون ملتزماً بنفس الوقت بأن لا ينقل ما يتم الإتفاق على عدم نقله.
من المهم أن تقوم فرق الخبراء بالتعاون مع الفريق التفاوضي بتحديد سيناريوهات الاتفاقات الممكنة والتوافقات التي يمكن أن تتحقق، وتلك التي تريد القوى الدولية لها أن تتحقق وفهم التوازنات وتغيراتها.
3- البدء بعمليات التواصل مع الجهات السورية:
البدء بالتواصل مع الجهات السورية السياسية والثورية والمجتمع المدني لفهم احتياجاتها وخطوطها الحمراء. هذا التواصل هو من أهم الأدوات لبناء مرجعية داخلية تعطي العمق المطلوب لأي فريق تفاوضي، إذ أنها تجعل الكثير من القوى التي عبرت عن رأيها شريكة في العمل التفاوضي. هذا التواصل يجب أن يستمر طوال استمرار العملية التفاوضية وبشكل مباشر للحفاظ على الثقة بين هذه الجهات والفريق التفاوضي. وجود هذه القوى سيساعد الفريق التفاوضي على تبرير مواقفه أثناء العملية التفاوضية كرفضه لبعض البنود غير المقبولة من هذه القوى، وسيسمح له لاحقاً بتنفيذ بنود الإتفاق.
4- البدء بعمليات التواصل مع الجهات الإقليمية والدولية:
استخدام آراء ومواقف الداخل لبدء التفاوض مع القوى الدولية قبل العمل التفاوضي الرسمي. العمل التفاوضي لبلورة مواقف دولية ولحشد الدعم الدولي يجب أن يبدأ قبل العمل التفاوضي الرسمي والمعلن ضمن مرحلة التحضير.
يجب أن يقوم الفريق الإعلامي بالتواصل مع وسائل الإعلام الدولية والجاليات السورية في المهجر لتوضيح ماهية العمل التفاوضي وأهدافه. هذا يمكن أن يساهم بتشكيل مجموعات ضغط على المجتمع الدولي عبر التأثير بالرأي العام الدولي.
5- تحديد الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها:
تحديد الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها في العمل التفاوضي مهم جداً حتى لا يتحول العمل التفاوضي إلى مجرد عملية تقديم تنازلات من دون أي مقابل. الخطوط الحمراء يمكن أن تكون ثابتة أو مؤقتة ترتبط بالمرحلة التفاوضية أو بالتنازلات المقدمة من الجهة الأخرى. من المهم للفريق التفاوضي بالتعاون مع المرجعيات السياسية بأن يقوم بتحديد هذه الخطوط الحمراء وتحديد ردّات فعله مسبقاً إن تم الضغط عليه لتجاوزها، كأن يقوم مثلاً بالانسحاب من المفاوضات.
6- تحديد بدائل العمل التفاوضي:
ماذا سيحصل إن فشل العمل التفاوضي؟ ما هي أفضل الخيارات البديلة؟ هل يستمر الالتزام بالعمل التفاوضي إلى ما لا نهاية، كما يحصل مع السلطة الفلسطينية؟ هل يتم اللجوء للمظاهرات السلمية أم للعمل العسكري؟ ما هي الخيارات الأخرى المتوفرة؟ هذا سيسهل على الفريق التفاوضي والقيادة السياسية أن تتصرف بثقة أكبر أثناء العمل التفاوضي، مما يمكن أن يؤدي لنتائج أفضل.
الخلاصة:
مرحلة التحضير للعمل التفاوضي هي الأساس لتحقيق أي نجاحات خلال عملية التفاوض. تأجيل العمل على النقاط التي سبق ذكرها ستؤدي حتماً لوجود فريق تفاوضي ضعيف غير متماسك لا يتقن أدواره. وبالعكس فإن الإسراع في تنفيذ هذه الخطوات سيساهم في بناء فريق قوي ومتماسك قادر على تحقيق النتائج المرجوة من العمل التفاوضي.