يشعر الشعب الكردي بأن التاريخ قد نسيه. الوعد بإنشاء دولة قومية للكرد في اتفاقية سيفر (1920) تم إلغاؤه في اتفاقية لوزان (1923)، ومنذ ذلك الحين كان أقرب ما وصل إليه الكرد إلى حلمهم هو إقليم كردستان العراق الفيدرالي.
ينظر الكثير من الكرد إلى كردستان العراق كنموذج يجب أن يحتذى به ليقودهم إلى تحقيق دولتهم القومية كما تحقق لباقي دول المنطقة. طبعاً هذه الرؤية تفترض خطأً أن جيرانهم قد حققوا دولهم القومية المنشودة. يأتي هذا الخطأ نتيجة وصول أحزاب قومية إلى الحكم في معظم دول الجوار في أوقات مختلفة، ومحاولاتها الفاشلة لصهر كل الأقليات في بوتقة الأغلبيات العرقية أو العرقية الدينية كما في حالة إيران.
طموح الكرد لتحقيق كيانهم الخاص تتم مواجهته بخوف الشعوب التي تشاركهم الكيانات الحالية. الترك والإيرانيون والعرب لا يريدون أن يروا كياناتهم تفكك إلى كيانات أصغر، وهذا الخوف مبرر أيضاً، كما هو مبرر حلم الكرد بأن يحددوا مصيرهم بأنفسهم. هذه الشعوب تدرك جيداً أن تحقيق حق الكرد بتقرير مصيرهم يمكن أن يتحول إلى كابوس تفكك كامل لكياناتهم عندما تطالب باقي الأقليات بنفس المعاملة التي حصل عليها الكرد.
السؤال الرئيسي الذي يُطرح هنا هو، كيف يمكننا التعامل مع هذه المصالح المختلفة، وكيف يمكن السماح لكل الأطرف بأن تحصل على ما تريده في نفس الوقت. هل يمكن للكرد في سعيهم للحصول على حقهم بإدارة شؤونهم بنفسهم أن يلعبوا دوراً جامعاً بدلاً من أن يساهموا بتفكيك المنطقة؟
يختلف وضع البلدان الأربعة الرئيسية التي يعيش بها الكرد في مستوى لامركزيتها، فسوريا وإيران شديدتا المركزية عملياً (بغض النظر عن قوانين قد تتحدث عن بعض اللامركزية)، بينما تتمتع تركيا بدرجة معينة من اللامركزية، والعراق عبارة عن فيدرالية على حافة التفكك الكامل. يمكن للكرد في هذه البلدان أن يدفعوا إلى درجة صحية من اللامركزية التي تسمح لهم بإدارة كل شؤونهم باستقلال عن المركز ومن دون إضعاف هذه البلدان، عبر ترك الصلاحيات الرئيسة في يد المركز وعدم وضع حواجز بين أماكن وجودهم والمناطق الأخرى. يمكن عندها لمجتمع كردي قوي ونشط في كل من هذه الدول ويتواصل مع المكونات الكردية في الدول المجاورة أن يلعب دوراً هاماً في التقريب بين هذه الدول ودفعها نحو تجربة اقتصادية سياسية مشتركة شبيهة بتجربة الاتحاد الأوروبي.
ليس هنالك في عصر الاتحادات الإقتصادية والسياسية الحالية مكان لدول ضعيفة، ولهذا فإن على الكرد أن يجمعوا بين رغبتهم لإدارة شؤونهم بأنفسهم وضرورة أن يكونوا جزءاً هاماً من كيان أكبر له وجود واضح على الساحة الدولية. البديل عن ذلك وبأفضل الأحوال سيكون دولة كردستان موحدة ومستقلة محصورة بعيداً عن البحر ضمن جوار مفكك وغير آمن تعتمد عليه في كل علاقاتها الاقتصادية الخارجية.
هنالك دائماً وسائل لتوصّل الشعب الكردي إلى طموحاته المحقة من دون التصادم مع طموحات الشعوب المجاورة المحقة أيضاً. الكرد يمكن أن يكونوا نواة علاقة ذات نوع جديد من التعاون والنجاحات لكل شعوب المنطقة. لن يكون هذا الطريق سهلاً، ولكنه الطريق الأقل تصادماً مع طموحات الشعوب المحيطة ومع مسار التاريخ.