قبل نحو أربعة أشهر ونيّف، نشرنا في الجمهورية نصّاً مقتضباً نعلن فيه أن مقدرتنا على مواصلة العمل كمجموعة في ظلّ الظروف التي كانت تحيط بنا آنذاك تواجه صعوبات كبيرة. على المستوى الشخصي والداخلي، تمحورت الصعوبات حول ظروفنا كأفراد، داخل وخارج سوريا، وحول عُسر التوفيق بين عمل تطوّعي كان قد مضى على انطلاقته حينها أكثر من عام ونصف، وتدبير ظروفنا المعيشيّة، وقلنا بخصوص المستوى العام والموضوعي للصعوبات إنها «أساس مصاعبنا، وهي وجه من وجوه المصاعب التي تواجه الثورة: طال الزّمن، وما يصلح لوقت مُقدّر بالشهور ﻻ يصلح لوقت أطول. ربما يُقدّر بالسنوات. لا بُدّ من إعادة الهيكلة إن كان للعمل أن يستمر». أعلنّا حينها عن فترة تباطؤ وفتور في إيقاع ووتيرة العمل، إيقاع ووتيرة عانا أصلاً من طلوع ونزول خلال السنة والنصف التي سبقت هذا الإعلان. كاد عملنا خلال الفترة اللاحقة يقتصر على اﻻستمرار كمنبر رأي، بشكل متواضع لنا كأعضاء مجموعة الجمهورية، وبشكل أساسي لأصدقاء استمروا برفدنا بموادّهم طوال هذه المُدّة. نعتقد أن هذه المساهمات كانت، بشكل أو بآخر، تعبيراً عن تقدير لمنبرنا، ورغبة بالمساهمة في استمراره. لهؤﻻء الأصدقاء نتوجّه بجزيل الشكر والامتنان.
خلال الشهور التي تفصل بين إعلان أزمتنا كموقع واليوم، دخل أعضاء المجموعة في نقاش داخلي لم ينتهِ بالكامل بعد، وإن تبلورت الخطوط العريضة الكبرى لتوافقاتنا. رأينا أننا خلال تجربتنا راكمنا –أو هذا ما نعتقد– رصيداً إيجابياً على المستوى السوري، رغم تفاوت الجودة، وأخطاء ﻻ شكّ ارتكبناها، ورأينا أيضاً أن بإمكاننا، إن حصلنا على الدعم المادي اللازم لرفد هذا العمل بالاحترافيّة والاستقرار اللازمين، أن نُكمل ما بدأناه، وأن نُشارك في الفضاء العام السوري بجهودنا وأفكارنا في وقت نعتقد أن هذا الفضاء بحاجة لكلّ الجهود الممكنة كي يتأسس ويُبنى على أساساته بعد عقود من التصحير. رأينا، بشكل أساسي، أن لدينا ما نعمله، وأننا نرغب بالعمل إن توفّرت لنا الظروف التي تسمح بالقيام به.
ﻻ نقول جديداً إن عبّرنا عن أن المجتمع السوري يمرّ اليوم بأقسى ظرف يمكن أن يمرّ به أي مجتمع إنساني، وتشمل هذه القسوة جميع جوانب الحياة المجتمعيّة، من السياسة إلى الثقافة، مروراً بالاقتصاد والحياة المجتمعيّة، ذاهبةً بالمجتمع إلى حصاره الأقصى: بقائه على قيد الحياة. لقد أشعل المجتمع السوري ثورةً ضد نظام طغياني متوحّش قلّ مثيله، وبأدوات متواضعة هي ما استطاع إنقاذه بعد عقود من الاستلاب والتهميش، ومرّت هذه الثورة، وتمرّ، بأطوار تُقارب صعوبتها الاستحالة، وعلى جميع المستويات. العنوان الأبرز لما يُعانيه السوريوّن اليوم هو استمرار نظام بشار الأسد في الحكم، وتواطؤ العالم، بدرجات متفاوتة تتراوح بين العون المباشر للإجرام الأسدي وتجاهل هذا الإجرام وآثاره لصالح حسابات جيوسياسيّة وإقليميّة ودوليّة. لكن هذا العنوان البارز يحوي تحته تحدّيات أخرى، توالدت فطرياً تحت ظلّ استمرار النظام الأسدي في حربه ضد المجتمع السوري. أصبح لدينا تنظيمات فاشيّة دينية تسعى لفرض نظرتها الأحاديّة الضيقة على المجتمع من فوق وبالقوّة العمياء، وأمراء حروب يتصرّفون في مناطقهم كأشباه مصغّرة للنظام الأسدي. لدينا أيضاً مقاربات دوليّة لـ«الحرب الأهليّة» في سوريا، تأخذ بعين اﻻعتبار كلّ شيء عدا السوريين. ولدينا النخب السياسيّة الموجودة حالياً والتي أخفقت في تقديم عمل سياسي يرتقي لمستوى التحدّي العظيم، بدل الانغماس شبه الكامل في صراعات سياسويّة ضيّقة بين كُتل وبُنى تهالكت وانتهت صلاحياتها بشكل مثير للأسى.
أمام هذا الواقع، ومع الأخذ بعين الاعتبار للاحتمالات شبه الحتميّة لاستمراره، هو بذاته أو نتائجه الكارثيّة على الساحة العامة السوريّة، لم يعد هناك مجال لحصر العمل الفكري والتحليلي في حدود ردّ الفعل. هناك حاجة للبناء، للمراكمة، للتجريب، للخيال… للثورة في التفكير!
إننا نسعى في الجمهورية لأن نكون تجربةً من بين التجارب التي تزيد تعدّد سوريا. نطمح لأن نرفد الساحة العامة السوريّة بأفكارنا وتحليلاتنا، بأعمالنا الاستقصائية والبحثية، وبآرائنا الجديدة… كلّ هذا انطلاقاً من إيماننا بحقّ المجتمع السوري في أن يتحرّر من الطغيان، وأن يتعافى من ويلاته السرطانيّة، وأن يعيش حياته السياسية والثقافيّة واﻻقتصادية-الاجتماعية بحرّية وكرامة ومساواة، ومن انحيازنا في هذا المجال للمهمّشين والفقراء الذين تلقّوا الكمّ الأكبر من ويلات الحرب الأسديّة المطلقة على المجتمع السوري. هم الحلقة الأضعف والأكثر تغييباً في الحيّز الأكبر من المنطق التسووي الدارج حالياً في الأروقة، ليس سياسياً فحسب، بل أيضاً على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي وفيما يخص نظريات «إعادة الإعمار» الدارجة.
لم ننتهِ بالكامل بعد من مسألة إعادة الهيكلة والتجهيز، أكان على مستوى خطط عمل المجموعة أو في الحصول على التمويل اللازم لتغطية العمل، أو في الجوانب التقنية الخاصة بتجديد الموقع الالكتروني وتحسين أدائه، لكننا في الخطوات النهائية لهذا الجهد، وسننشر خلاصاته لاحقاً، خصوصاً لجهة وضوح مصادر تمويلنا. العمل بدأ، وسيتسارع خلال شهر آذار، مع طموحنا بأن ينتهي بالكامل مع نهاية شهر ذكرى انطلاقة الثورة السوريّة. اعذرونا إن تعثّرتم أثناء زيارتكم لموقعنا بمطرقة هنا، أو دلو دهان هناك خلال الفترة القصيرة المقبلة.
إمكاناتنا ستبقى أصغر من طموحاتنا. لكننا متحمّسون لقول ما لدينا وما نستطيع أن نساهم به في الفضاء العام السوري.