الحدث سريع، متسارع، مرن.

الأحداث تتلو وتدفع بعضها بعضا إلى الواجهة، الشاشة مزدحمة بالمعلومات النابعة من الشمال السوري.

تصاعدت حالة الغضب الشعبي، لم يبق سوى الشرارة، والشرارة قدمت من منطقة الأتارب، حلب.

الطريق الفاصل

الثورة ضد تنظيم داعش سبقتها أحداث كثيرة كبرى كانت من بطولة التنظيم المذكور، بدءاً باختطاف ناشطي الثورة مروراً بحالة ممنهجة من محاولة احتلال الأرض السورية، طمس التاريخ السوري، النيل من الهوية السورية، النيل من الثورة السورية، وليس انتهاءً بحالات اعتداء على فصائل وتنظيمات أخرى، هذا عدا عن حالة التطرّف منفلت العقال التي لم تتورّع عن التعذيب التنكيل، بالثوار وبغير الثوار، وربّما قتلهم بل والتمثيل بجثثهم.

طغى في الشمال السوري وحول الحدود السورية التركية غليان كلامي، فعلي، حسّي، توتّر، ارتباط وانشداد إلى مركز الحدث، وابتعاد عن لغة الخارج.

إلى المدينة

يتداول الناس حادثة قتل أحد القياديين في المقاومة الشعبية على يد داعش، يتنقل الخبر تاركاً أثراً في كل مكان وعلى كل وجه.

تخرج الأسلحة من تحت الوسائد، يخلع الفلاح موعد الخروج إلى الحقل، يخلع البائع موعد فتح المتجر، يخلع الشابّ نفسه من اللهو ومن صداقاته المزاجية، يخلع المقاتل نفسه من الاستراحة، يرتدي الجميع نخوة ريفية، ويخرج المقاتل من جوف الجميع.

«هالكلاب قصفوا التيرب (الأتارب)»!

وبدأت الثورة ضد داعش، دفاعاً عن الأرض والثورة والهوية والأُمْنية. حالة استنفار، نفير، تنبّه، رصد، احتمال، تحليل، تدقيق، استقراء. يحمل المقاتل خوفه الأول على شعبه، يتحمّل مسؤوليته مرة أخرى، يخاطبهم بأرقّ العبارات. تتغير جغرافيا التوزّع، تتغير موازين توزيع السلاح، تتدعّم الجبهة الداخلية، تسخن جبهات كانت باردة، تعود جبهات كانت غائبة. وجوه جديدة، هيئات جديدة، ساحة المقاومة المسلحة تشهد انخراط عناصر جدد، وغياب آخرين. عودة ثوار سوريين. نزوح وهجرة. استيعاب شعبي. انهيار التابو الديني: البندقية تتوجه نحو الظلم، الرصاصة تحمل معها خوف الثائر من إصابة دم حرام وإرادته إصابة الظَلَمَة. نطق الفكرة: الدين شيء والشخص شيء.

جغرافيا سياسية جديدة

تركب العربة، تصمت، وحده السائق الذي كان هنا البارحة يستطيع معرفة الطريق، أما أنت، ابن المدينة، الغائب عنها سنة أو ثلاثة أيام، فلن تكون لك القيادة الحكيمة أو الصحيحة.

تغير شيء، أشياء.

أصبح للدمار بصمة في كل شارع من شوارعها، كل حيّ من أحيائها. يمارس الباقون حياتهم الطبيعية. يمارس الغائبون عودتهم، وتحديث معلوماتهم والتحدث بها بكثافة.

الأحياء في هذه المدينة توحَّدَ هاجسُهم الشخصي في رصد الحدود التي يرسمها الرصاص والصرخة، الحلم متقدم على الصرخة، الصرخة خوف على الحلم، الصرخة أسرع من الرصاصة.

في حالة الاندلاق الأول، لحظة كسر الحاجز الجديد، تتحطّم كافّة القيود اللغوية والفكرية، يطال النقد كل شيء، وعلى لسان الجميع. يسقط المحرّم إلى درجة العادي. تركض الناس في الشوارع، مستدركةً عملية الرسم الجديدة، متفاديةً رصاصة أخرى تنطلق أو تكاد من خطوط التماس الجديدة.

تحرّر وتحرير في المناطق المحرّرة

المفردات اكتسبت معاني جديدة، ومحت معاني أخرى، اتّسعت اللغة، تطوّرت، بالإضافة إلى اتّساع مساحة الانتقاد اللغوي والفعلي.

الخطاب السوري الإسلامي المعتدل: أصبح معزولاً وبريئاً ووجِلاً من الخطاب المتطرف. اللون الأسود: معناه، مقصده، تاريخه وبريقه… الملابس والمظهر: لم يعد السوري بحاجة إلى ارتداء ملابس الآخرين ليكون ذا سلطة أو في مأمن، لا يحتاج أن يتنكر أو يستعير هوية الآخر. الوقت: لم يعد السوري على موعد مع اختطاف ممنهج آخر ومصير مجهول جديد.

الموقف الثوري من المال السياسي يكسر وينكسر، ويتكسّر ذلك الارتباط بين الفرد الثائر وبين المال السياسي، ويغدو ذلك الحبل وهمياً، وتغدو الأوامر التي لا تتماشى مع التيار الثوري بلا قيمة.

مجهولو المصير بدأت تتناقص قائمة أسمائهم، ليعاد تصديرها بين شهيد وبين طليق.

هو أمل البعض الذي اعتقله ديكتاتور آخر.

طريق

ليس من المجدي، في الثورات، احتساب الوقت، بل احتساب المنجز، وها هو السوري اليوم ينجز قسماً آخر في طريقه نحو الحرية، نحو حرية السوري. «حرية للأبد \ داعس داعش والأسد»!