لا يختلف أبو محمد المقدسي كثيراً عن بقية زملائه في كلية الإعلام في جامعة دمشق. فهو يسعى جاهداً إلى إيجاد منبر إعلامي يساعده في تكوين شخصيته الإعلاميّة. تدرّب منذ سنته الجامعيّة الأولى في العديد من المواقع الإلكترونيّة السوريّة بغية تطوير خبرته الإعلاميّة والصحفيّة، ومع بدء الثورة كان المقدسي في سنته الجامعيّة الثالثة، وشارك في مظاهراتها المبكّرة في دمشق وريفها.
ينحدر أبو محمد المقدسي –وهو اسمه الإعلامي الذي كان يطلّ به على القنوات الإعلاميّة المختلفة– من عائلة فلسطينيّة تعود جذورها إلى مدينة عكّا. وُلِد ونَشأ في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السوريّة دمشق. ينتمي إلى أسرة محافظة نسبياً، متوسطة الحال؛ والدان يعملان في شركات حكوميّة، أخ مهاجر في استراليا وأخت مهاجرة إلى الخليج.
تمحورت حياة أبو محمد المقدسي حول الثورة السوريّة منذ بدايتها، فعمل في شتّى المجالات الثوريّة والإغاثيّة والإعلاميّة، وساهم في تشكيل العديد من الكيانات الثوريّة لعلّ أبرزها هو «اتحاد شبكات أخبار المخيمات الفلسطينيّة» والتي كان متحدثاً باسمها. كان جلّ اهتمامه هو مشاركة الشعب الفلسطيني في سوريا بالثورة، وما يترتب على ذلك من نتائج حاليّة ومستقبليّة. كان يرى أنّ الشعب الفلسطيني المقيم في سوريا هو جزء من الشعب السوري، ممّن عانوا الظلم والاضطهاد في ظلّ نظام الأسد. «مثلي مثل جميع الفلسطينيين، أحسسنا بأنّ نظام الأسد يتاجر بقضيتنا لقمع الشعب السوري»، يقول المقدسي. «تحرير القدس لا يمرّ من درعا»، جملة يردّدها الناشطون الفلسطينيون كثيراً، وهو ما يوافق عليه أبو محمد.
لي تاريخٌ مشترك طويل مع أبو محمد المقدسي، فهو زميل الدراسة في ثانويّة «جودت الهاشمي»، ومن جملة ما أذكر من «مغامراتنا» أنّه كان يُجلسني على مقعد الأستاذ التي توجد خلفها صورة الرئيس بشار الأسد، يُجلسني كلما أراد رمي الصورة بشيء ليس ذا قيمة، كان يخطئني متقصداً أن يصيب الصورة لكن يظهر لمن ينظر إلينا بأنّه يرمي تلك «الزبالة» عليّ وليس على الصورة. وحين وصلت إلى دمشق في بداية العام 2013 استقبلني (خبّأني) أبو محمد في منزل عائلته، رغم ما يترتب ذلك عليه من مخاطر قد تصيبه أو تصيب عائلته بسبب وجود المنزل في منطقة تُصنف بأنّها منطقة أمنيّة. كما حاول إدخالي إلى مخيم اليرموك حين كان المخيم يقبع تحت حصار جزئي آنذاك.
شكّل أبو محمد مع فاروق الرفاعي (المتحدث الإعلامي لمجلس قيادة الثورة في دمشق وريفها) ثنائياً ذاع صيته في مخيم اليرموك. فالرفاعي (وهو اسمه المستعار) كما المقدسي لم يوفر جهداً يقدمه للثورة، كما لم يدّخر هو وأبو محمد المقدسي نقداً يوجّهانه إلى الثورة حين تُخطئ، كما فعلا حين أدخل الجيشُ الحرّ مخيمَ اليرموك على خطّ الجبهة مع النظام، وهي كانت «منطقة لجوء ونزوح» كما قال المقدسي، كما انتقدا تجاوزات الجيش الحر في مخيم اليرموك مما دفع بعض الفصائل إلى تهديد المقدسي بالتصفيّة والقتل. وإذ كان أبو محمد يحاول أن «يصحّح المسار» بما يقوله ويكتبه، وذاك لأنه يعرف أن صوته مسموع في أوساط الناشطين الفلسطينيين السوريين، فكان ينشر تارةً باسمه الحركي وتارة باسمه الحقيقي لم يرغب أبو محمد المقدسي أن نكشف عن اسمه في هذه المادّة.
أما اسم «أبو محمد المقدسي» فلّه قصته. حين خرج على قناة الجزيرة متحدثاً للمرة الأولى عن أوضاع مخيم اليرموك انتقى اسماً فلسطينيّاً، وهو «وائل الفلسطيني» فلم تقبل القناة لأنّه لا يحمل طابعاً إسلاميّاً، وبعد حوارات بينه وبين القناة استقروا على اسم المقدسي، ذو الدلالة الإسلاميّة الفلسطينيّة في آن.
«لأنّه حلم بالنسبة إلي، وقتْ شِفْتا بِدْيِت كانت بالنسبة إلي معركة وجود بيني وبين حالي، إما بشارك أو بكون عم نظّر وكل الحكي اللي كنت احكيه قبل الثورة ما إلو طعمة»، يقول أبو محمد، ثم يسهب في حديثه عن الثورة، وعن رغبته العارمة في ثورة سوريّة تقضي على الفوضى والفساد المستشري في البلاد.
عائلته كانت عقبة أمامه بسبب خوفهم عليه. كان يحاول اختلاق قصص للمشاركة في المظاهرات أو لإخفاء المنشورات عن العائلة. جلّ أحلامهم كانت أن ينهي ابنهم الأصغر الجامعة ويهاجر كما فعل إخوته من قبله. هنا لا بدّ لنا من ذكر أنّ أبو محمد المقدسي غادر سوريا منذ أشهرٍ قليلة مرغماً.
أبو محمد المقدسي شابّ فلسطيني-سوري لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره. له أحلامه في أن يستطيع توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في كلّ بقاع الأرض، وأن يوعي الناس في كل مكان على قضيّة فلسطين، فلا يضيع حقها، وإن امتدّ الزمن بها.
«الإنسان فكرة، بيعيش وبيموت مِشانها» بهذه الجملة يختم أبو محمد المقدسي حديثه معي.