«حسناً، كانت أعدادنا تماماً ١٥ معتقلة من سجن عدرا المركزي للنساء، ٧ نساء من فرع فلسطين، واحدة من فرع المنطقة، واحدة من الأمن السياسي، وشابان، أي 26 معتقلة ومعتقلاً، تم سوقنا مثل الغنم ونقلنا بسيارة كبيرة كسيارات نقل المواشي من سجن عدرا المركزي للنساء إلى فرع الأمن السياسي بدمشق في الساعة الواحدة والنصف صباحاً».

هكذا بدأت إحدى السجينات السياسيات تروي لي تفاصيل صفقة التبادل الأخيرة مع الراهبات، وبينما أتساءل عن سبب الكذب الذي يجعل إعلاماً يفترض أنه معارض يدّعي ويصرّ أن العدد 152 أسيرة، أي سبع أضعاف العدد الحقيقي، تكمل: «في الطريق وبعد خروجنا من الأمن السياسي في تلك السيارات الكبيرة، عرفنا أننا ذاهبات لإتمام عملية التبادل مع راهبات معلولا دون أيّة تفاصيل أخرى. بدأت السيارة تبتعد بنا عن دمشق مما أثار خوفنا وقلقنا، وأدرك بعضنا أننا متوجهات كما يبدو تجاه الحدود اللبنانية، إلى منطقة المصنع بالتحديد، وهي منطقة حدودية بين سوريا ولبنان، وبالفعل وصلنا للمنطقة المذكورة حيث كان بانتظارنا لواء لبناني الجنسية وعقيد سوري يشرفان على عملية التبادل.

بدت الراهبات لنا بصحة جيّدة وفي وضع أفضل منا بكثير، تمّ إحضارهن بسيارات من نوع «همر»، وكنّ في الجهة المقابلة لنا أثناء عملية إتمام التبادل حينما طلبت إحدى المعتقلات من اللواء اللبناني إلقاء التحية على الراهبات، فوافق على طلبها رغم الامتعاض الشديد الذي أبداه الضابط السوري، وبالفعل ذهب بعضنا لإلقاء التحية وتبادل المباركات والتهاني مع الراهبات، كنّ لطيفات وأبدين سعادتهن لتحرّرنا، وبدأن يسألن عن نوع التهم الموجهة إلينا والمدة التي أمضيناها في المعتقلات وظروف الاعتقال، وأظهرن تعاطفاً كبيراً مع حالات التعذيب التي تعرضنا لها».

إذن، تختلف صفقة «الراهبات» عن كلّ سابقاتها في كون أنّ تبادل الأسيرات فيها تمّ بشكل مباشر، أي سُلّمت المعتقلات للجيش الحر بشكل مباشر، وسُمح لمن أردن باجتياز الحدود اللبنانية، ومنهن من فضلن العودة مع الجيش النظامي إلى «دمشق»، لكن بالمجمل فإن التبادل تم بشكل مباشر، وهو ما لم يحدث في الصفقات السابقة، وإن كنّا في الصفقات السابقة قد قمنا بجمع أسماء وإحصاء أعداد النساء اللواتي أطلق سراحهن من معتقلات النظام تباعاً وعلى مراحل، فإننا هنا نمتلك وسيلة أسهل في الإحصاء، إحصاء من كنّ في السيارات التي تمّ فيها التبادل: 24 إمرأة وشابان!

سجينات مؤيدات!

تحدّثني معتقلة أخرى خرجت في الصفقة عن ذات التفاصيل، وتركّز على اللحظة التي طلب فيها الضابط السوري من السجينات أن يهتفن: «الله سوريّا بشار وبس». رفضت السجينات ذلك ولم يشاركن في الهتاف، رغم الإلحاح والرغبة بتصوير ذلك بعدسات التلفزيون السوري لنيّة بثه أو الاحتفاظ به للحظة المناسبة ربما، إلا أنّ بعض السجينات –اللواتي تتساءل المعتقلة عن الآلية التي تم فيها شمل أسمائهن في المبادلة، وإن كنّ حقاً سجينات حقيقيات أم تابعات لأفرع أمنية– لم يمانعن في الهتاف، بل قمن أيضاً بالإساءة للمعتقلات طوال الطريق وبوصفهنّ بالإرهابيات، وأنهن لا يستحققن الخروج من السجون».

وتكمل المعتقلة: «كيف لتلك التي كانت تهتف لبشار الأسد وتشكره لإخراجها بكل مناسبة وبكل مكان وتسيء لنا وتهددنا أن تخرج بالمبادلة، في حين أن «هنادي» و«نايفة» والعشرات غيرهن اللواتي ما زلن بالسجون لأكثر من سنة ونصف لم يتم إخراجهن»؟

ثم ألم يكن العدد المتفق عليه ١٥٢ معتقلة؟

لماذا لم يتم الإفراج إلا عن ٢٦ شخص؟

صفقات سابقة

في الصفقة التي خرجت فيها أنا من السجن، صفقة أعزاز التي كانت مقابل المختطفين اللبنانيين، حصل أمر مشابه لكن بتفاصيل مختلفة. لم تخرج نساء وُضعن على رأس القائمة كـ«طل الملوحي»، ورافق ذلك صمت من الجهات التي أشرفت على الصفقة، وأعلن في إعلام الثورة عن 127 معتقلة سيتم إطلاق سراحهن، في حين أن من أطلق سراحه منا 52 معتقلة، خرجن على دفعات، وتم تجاهل الأمر تماماً من الناحية الإعلامية رغم أن ذلك –من المفترض، إن كانت هذه الصفقات نزيهة– أن يكون فرصة لإعلام المعارضة والدول الراعية في فضح تخاذل النظام في إتمام التزاماته أمام العالم.

سجن عدرا للنساء… أصبح مكتظاً

تشترك شهادات المعتقلات اللواتي خرجن في الصفقة الأخيرة في التأكيد أن أوضاع سجن عدرا تغيرت للأسوأ في الشهور الأخيرة، أي مقارنة بالفترة التي كنت أنا فيها.

ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة، اكتظت جميع الأجنحة بالمعتقلات السياسيات اللواتي تم تحويل قضاياهن لمحكمة الإرهاب، ولم تعد الأجنحة المخصصة للسياسيات تتسع لكل العدد فتم فتح غرف لهن في الأقسام الأخرى كالدعارة والقتل والجرائم الأخرى.

سابقاً كان يتم الأفراج عن أعداد لا بأس بها من النساء بعد عرضهن للمحاكم، أما الآن فمن بين كل ٨ نساء يتم عرضهن للمحكمة يتم الافراج فقط عن اثنتين منهن. ضاقت المهاجع وازدادت الظروف صعوبة، والكثير من النساء لا يأتي لزيارتهن أحد، ويحتجن لمن يرعاهن بسبب قلة الطعام وسوء الأوضاع.

هناك اليوم 320 معتقلة، علّقن آمالهن في الخروج على صفقات تبادل تبدو فاسدة!