بالنظر إلى سلوك النظام قبل وأثناء وبعد جنيف٢، لم يكن مفاجئاً أن يعلن، في الحادي والعشرين من نيسان الحالي، عن إجراء «انتخابات رئاسية» في الثالث من حزيران المقبل. طُرق موضوع هذه الانتخابات مرّات عديدة في التصريحات السياسيّة وفي الإعلام خلال الشهرين الماضيين، وأُطلقت آراء رافضة لإجراء الانتخابات من قبل أطياف متعددة من المعارضة، تلاقت في موقفها هذا مع تصريحين للأخضر الإبراهيمي يعتبران أن إجراء النظام انتخابات رئاسية، بشكل أحادي وخارج عن منطق جنيف١ الداعي لتشكيل هيئة حكم انتقاليّة، «سينسف مفاوضات السلام الرامية لوضع حدّ لثلاث سنوات من النزاع في البلاد».
اتفقت مختلف أطياف المعارضة السوريّة، رغم خلافاتها وتناحراتها، على التنديد بإعلان إجراء الانتخابات. الائتلاف الوطني، عبر عضو الهيئة السياسيّة هادي البحرة، أشار إلى أن هذه الخطوة «تؤكد عدم جدّية نظام الأسد بقبوله الجهود الدوليّة التي اتفقت على تشكيل هيئة حكم انتقاليّة»، في حين أشار المجلس الوطني إلى أن الانتخابات الرئاسيّة هي «ضربة قاضية للحلّ السياسي». ماجد حبو، القيادي في هيئة التنسيق، رأى أنّ الانتخابات الرئاسيّة «منزوعة الشرعيّة، دولياً ووطنياً»، في حين اعتبر تيار بناء الدولة، في بيان عمّمه على الانترنت، أن هذه الانتخابات «لا تكتسب أيّ شرعيّة وطنية أو قانونيّة»، ودعا لتمديد ولاية بشار الأسد الحالية حتى التوصّل للتوافق السياسي.
بدورها، لم تتأخّر ردود الأفعال الدوليّة على إعلان النظام موعد الانتخابات الرئاسيّة، إذ سارعت الأمم المتحدة، عبر المتحدّث الرسمي باسمها ستيفان دوجاريتش، للإشارة إلى أنّ «إجراء انتخابات في الظروف الحاليّة، وفي أوج نزاع أدّى إلى نزوح كثيف للسكان، سيضرّ بالعمليّة السياسيّة، وسيبعد فرص الحلّ السياسي». الناطقة باسم البيت الأبيض جاي كارني وصفت الانتخابات الرئاسيّة بأنها ‒محاكاة ساخرة للديمقراطيّة»، في حين عبّر الاتحاد الأوروبي عن «أسفه الشديد» لخطوة النظام السوري الأحاديّة. كما اعتبر نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن الانتخابات الرئاسية «تعوق حلّ الأزمة». على المقلب الآخر، أشارت مرضية أفخم، الناطقة باسم الخارجية الإيرانيّة، إلى أن الانتخابات الرئاسية هي «فرصة لاستعادة السلام والاستقرار». أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فاكتفى حتى الآن بمهاجمة ازدواجيّة معايير القوى الغربيّة، إذ تدعم إجراء انتخابات في أوكرانيا دون تشكيل حكومة وحدة وطنيّة في حين تطعن بشرعيّة الانتخابات في سوريا.
الرأي العام المعارض على الشبكات الاجتماعية استقبل نبأ إعلان الانتخابات الرئاسية بسخرية واستخفاف حادّين، استهدفت، أساساً، المرشّحين المفترضين ضد بشار الأسد في الانتخابات، حيث وُصفوا بـ«المرشحين لرئاسة سوريا الأسد»، كما تداول السوريون على الانترنت تمثيلاً هزلياً لتصريحات لرامي مخلوف يقول فيها أنه سيقبل شروط اللعبة الديمقراطيّة، وأنه سيكون ابن خال أيّ رئيس يقرّره الشعب عبر التصويت. عدا هذا، تم استنساخ الشعارات التي أطلقها ناشطون مصريون ضدّ ترشّح عبد الفتّاح السيسي للانتخابات الرئاسية في مصر، والمحدّدة في الخامس من حزيران أي بعد انتخابات النظام السوري بثلاثة أيام. لم تطرح خطوة النظام نقاشاً جدياً في الأوساط المعارضة أبعد من الاستنكار والسخرية، المُحقّين فعلاً.
محاولة إنتاج قراءة أكثر جدّية لإعلان النظام انتخابات رئاسية في حزيران المقبل، وهو الموعد «الدستوري» الاعتيادي لها، إذ أنه موعد اكتمال أعوام سبع منذ «تجديد البيعة» أواسط عام ٢٠٠٧، تجد أمامها رسالتين ربما ودّ النظام إيصالهما. على المستوى الداخلي للنظام، بشبكاته وأجهزته و«جماهيره»، يمكن اعتبار الانتخابات تعبيراً عن أنّ استثنائيّة الأوضاع الحالية لا تصل في خطورتها إلى مستوى تغيير أجندة «الحياة الداخلية» للنظام، أي إنه إعلان عن المقدرة على الاستمرار الطبيعي في الحياة «السياسيّة» لنظام الأسد، إعلان يحتاج، بدوره، إلى قدر كبير من التواطؤ الإرادوي من قبل أنصاره من أجل تشكيل مناخ الوعي الزائف هذا. معنوياً، يلتقي النظام مع مؤيديه في الحاجة لمظاهر حشد مؤيد، تقدّم لكلا الطرفين ما يحتاجانه من إحساس التماسك والالتفاف، وبلورة ما تعتبره أوساط النظام انتصارات عسكرية محرزة في الشهور الأخيرة على المستوى الجماهيري.
دولياً، يبدو أنّ نظام الأسد يودّ توجيه رسالة مركّبة، جزء جوهري منها هو إبراز أن بإمكانه أن يفعل ما يشاء، وأن حدود الإجراءات الدولية ضدّه أبعد بكثير من أن تتمكّن من إقلاقه. على طريقته، يضرب بشار الأسد ببوط عسكري على مائدة المجتمع الدولي، ويُبرز عجز المجتمع الدولي عن وضعه عند حدّه، ويجد تصريفاً لهذا العجز في تغذية سرديّاته. جزء آخر من الرسالة المركّبة يكمن في إعادة إنتاج وحدانية رمز بشار الأسد ضمن النظام السوري، عن طريق طقوسيات جماعيّة لترسيخ أنه النظام، كلّ النظام. بمعنى آخر، إجراء الانتخابات الرئاسية هو إغلاق محكم على كلّ ما قيل خلال السنوات الثلاث الماضية بخصوص انتهاء ولايته الرئاسية الحالية كأفق لخروجه من السلطة، وهو كلام فقد معناه منذ فترة طويلة على كلّ حال. جزء ثالث نجده في أنه يقول للعالم، عبر إعلان الانتخابات الرئاسية، أنه يقرّ بفقدانه السيطرة على مساحات واسعة من البلاد فعلاً، وهذا الإقرار سيأتي على شكل خريطة المناطق التي ستُفتح بها صناديق اقتراع، لكنه الحاكم الأوحد لهذه المناطق، وسيطرته الأمنية والعسكرية عليها راسخة، في حين أن المناطق الخارجة عن سيطرته مدمّرة، محطّمة، ممزّقة تحت سيطرة عدد كبير من التشكيلات العسكرية، وغير قليل من هذه التشكيلات متطرّف لحدّ التلاقي مع «القاعدة»، ما بات يشكل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي. بشار الأسد يقول للعالم أن بإمكانه أن يفعل ما يشاء، وأن العالم عاجز عن منعه من البقاء، وأنه، حتى إن وافق على دخول مشروط ومحدود في المنطق التسووي، فإنه ليس هو الطرف المستعجل، وأن أيّ كلام سياسي دولياً حول مستقبل سوريا لن يكون «عن» مستقبل بشار الأسد، بل «مع» مستقبل بشار الأسد.
على المستوى الإعلامي، لا يبدو أن انتخابات النظام ستشكّل خرقاً كبيراً على مستوى صورته في الخارج، إذ لن تلقى هذه الانتخابات صدىً إلا عند المستعدين أصلاً لتبنّي سرديات إيجابية حول النظام. على مستوى المعارضة، ليس بالإمكان الجزم بإمكانية استغلال السياق المفتوح بعد إعلان الانتخابات الرئاسيّة لشنّ حملة إعلامية وسياسية مضادّة لتوجهات النظام، لكن يجب القول إنه جهد يجب أن يُبذل بعد دراسة آلياته وإمكانياته بشكل جيّد.
فيما تبدو أنها مساهمة منه في مجال السخرية من الانتخابات وما حولها، نقلت وكالة «سانا» الرسمية عن بشار الأسد دعوته لأنصاره بعدم إطلاق النار في الهواء ابتهاجاً لخبر ترشّحه. لا شك أنه تصريح متذاكيْ بوقاحة وخبل، إذ يأتي من رأس نظام يشنّ، منذ أكثر من ثلاث سنوات، حرباً مطلقة ضد الشعب السوري، استخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والمدفعية والطيران والصواريخ، لكنه كان يمكن أن يكون أكثر سرياليّة لو أنه، مثلاً، صدر عن أحد مرشحي الرئاسة الآخرين.