كان السوريون عند استلام بشار الأسد للسلطة يتنهدون قائلين: «مسكين بشار»! فقد ورث عن أبيه تَرِكَة فساد ثقيلة لا قبل له، وهو الشاب الوديع المهذّب القادم من بريطانيا، بأن يواجهها، بنيّته الطيبة ومشاريعه الإصلاحية المعاصرة.

كان هذا الانطباع عن بشار أداة ساعدت على غضّ النظر عن المهزلة التي تسلّم عبرها السلطة ليكون وريثاً لأبيه، بعد العبث بالدستور، وهو انطباع يشي بحدوث تغيير، وما العبارة المسطورة في أول النص مع التنهيدة المرافقة إلا تعبير عن إحساس بأن الابن نموذج مغاير لأبيه، وأن بصيصاً من الأمل يمكن أن يترّقبه السوريون مع وراثته للجمهورية.

يمثل الانطباع السياسي إحدى أدوات التسويق السياسي المهمّة، وهو يحتل مكاناً مركزياً في التأثير على المستهلكين (وهم في الحقل السياسي الناخبون)، وذلك بسبب ما تؤكده الأبحاث المعاصرة من هيمنة الشكل على المضمون من حيث القدرة على التأثير على الناخبين، لعوامل عديدة من أهمها استحواذ الثقافة الاستهلاكية على عقول المستهلكين، حتى في الحقل السياسي، وغلبة ثقافة الصورة على الثقافة المكتوبة.

ولكن هذه الأبحاث لا تنفكّ تؤكّد الخطر الذي تمثّله غلبة الشكل على المضمون على الديمقراطية، وضرورة اجتراح صيغة توفيقية تكون قادرة على استخدام ديناميات التأثير المعاصرة، مع الانتباه لعدم الجور على المضمون لأن الحكم على المدى الطويل سيكون على الإنجاز وتلبية التوقّعات.

وتركّز إدارة الانطباع السياسي على الشكل واللغة ونوع الشخصية، وهي ثلاثة بارامترات يستخدمها مستشارو السياسيين في العالم لكي يزيدوا أسهمهم لدى الناخبين.

ويَعنون بالشكل مظهره الخارجي، حيث يفضّل الناخبون لون شعر معين وألوان ثياب معينة، كما يفضلون طول القامة على قصرها، وتفاصيل أخرى كثيرة للسياسيين والسياسيات.

أما اللغة فهي قدرة السياسي البلاغية، وثمة مؤشّر مهم لقياسها هو نسبة استخدام الاستعارات والمجازات في خطابه، وقد ثبت أن لها تأثيراً كبيراً على الناخبين، لقدرتها على مخاطبة الجانب العاطفي، كما لوحظ أن لها علاقة بعمقِ وتعقيدِ المضمون النظري للخطاب، حيث يزيد الوزن النسبي لها في الخطاب المستخدم من قبل الأحزاب والشخصيات اليمينية، لأن مضمونه النظري أقل تعقيداً وعمقاً من نظيره لدى الأحزاب والشخصيات اليسارية.

كما ينصح مديرو الانطباع السياسي بضرورة تحديث اللغة لمواكبة التغيرات، وعدم الإفراط فيها إلا في ظروف الأزمات، على عكس ما يفعل القادة المتطرفون والمجموعات المتطرفة التي تعمد إلى استخدام اللغة المجازية للتأثير على العاطفة في كل الأوقات.

البارامتر الأخير هو بارامتر الشخصية، وقد صنّفتها إحدى النظريات التي تدعى «نظرية ميلون» إلى بضعة نماذج للشخصية، تندرج تحت عدة حقول تتجلى فيها، منها الشخصية الانطوائية والشخصية المنفتحة والشخصية الجسورة الشجاعة والشخصية الطموحة والشخصية الودية، وهي نماذج يمكن دراستها في حقول مختلفة كالحقل الإدراكي والسلوكي والتعبيري والبيشخصي.

يمكن للبارامترات الثلاثة أن تفسّر حالة التعاطف مع الرئيس الشابّ عند تسلمه السلطة، فقد كان نموذجاً لشخصية انطوائية ودّيّة ذات شكل يمكن أن يكون مقبولاً، بطول قامته ولون عينيه وأناقته، ويستخدم لغة وجد فيها الكثيرون قدرة على مخاطبة توقّعات النخب، فضلاً عن العموم، لتضمّنها مصطلحات الإصلاح والشفافية والتحديث الإداري، وغيرها من المصطلحات التي كانوا يتوقون لسماعها.

بشار الأسد اليوم مرشّح للرئاسة، وفي ضوء إدارة الانطباع السياسي ببارمتراتها الثلاثة يمكن معرفة الانطباع عنه من قبل ناخبيه.

إذا استثنينا الشكل الذي لم يطرأ عليه تغير مهم، ما عدا غياب واضح لابتسامته وضحكاته غير المفهومة والتي كانت تقحم في سياق خطاباته بدون مبرّر، فلا يزال شكلاً يحقق قدراً من القبول بشكل عام واستحساناً كبيراً لدى أنصاره.

أما اللغة فلا تزال متحجّرة متقرّنة، تدور فيها كما يدور الحمار في الساقية ألفاظُ المؤامرة والإرهاب والممانعة، وتفتقر إلى أهم ما يمكّنها من اكتساب صفة الدينامية، وهو الجانب العاطفي والتحديث بما يتلاءم مع المتغيرات، ولما كان ولاء الناخب هو أداة التصفية التي تقوم بغربلة ما يصدر عنه، قبل وصوله إلى عقله ووجدانه، فإننا نظن أن الموالين للرئيس السوري باتوا يدركون جزئياً فوات هذه اللغة وعدم مطابقتها لواقع الحال بعد زجّه لشبابهم في حربه من أجل البقاء، وبعد إقطاع الكثير من مناطقهم لشبّيحته لكي يحولوها إلى ملك شخصي.

أما الشخصية الانطوائية الودّيّة التي كانت تثير الشفقة إبّان استلامه للسلطة، فقد كشّرت عن أنياب «وحش» حسب ترجمة معارضيه، وعن جسارة «بطل» وفق إعادة إنتاجها من قبل مؤيديّه، ولكنه بطل يعلمون أن بطولته عارضة بدعم حلفائه وبدماء أبنائهم، ولهذا فلا نظن أن لديهم ثقة ببطولته وبقدرتها على حمايتهم على المدى الطويل وفي حال تغيّرت الظروف.

قصدنا أن نحلّل ما يملكه مرشّح الانتخابات الرئاسية بشار الأسد من إمكانيات تساعده في خلق انطباع قادر على تسويقه، بعيداً عن التحليل السياسي لخطوة الترشح وعن مدى شرعية الانتخابات أصلاً، وبعيداً عن الرسائل التي يريد أن يوجّهها عبر ترشحه.

الأمر الجدير بالذكر أيضاً أن ما يسمى في التسويق السياسي «معرفة الماركة السياسية»، وهي عبارة عن أجزاء مفردة من المعلومات تدعى «العقد» ترتبط مع بعضها في الذاكرة لتشكيل شبكة مترابطة معقدة تستدعى عند تحريضها بعملية تدعى «التنشيط»، كما يحدث عند ذكر توني بلير فتستدعى معلومة الحرب على العراق وأسلحة الدمار الشامل مثلاً، هذه الماركة السياسية التي يمكن أن تستدعي معلومات متباينة عند الموالين والمعارضين لبشار الأسد لا وجود لها عند المرشحين المنافسين له، فهم شخصيات مجهولة لا يحرّض ذكرها أي معلومة ذات وزن، وهم بدون صورة لدى الناخبين كفيلة بخلق انطباع سياسي عنهم.

ربما تكون هذه الأشباح المنافسة له بدون ماركة سياسية وبدون انطباع سياسي هي نقطة القوة الوحيدة لدى بشار الأسد، التي ستمكّنه من التغلب على منافسيه والفوز في انتخابات الرئاسة!