اغتيل محمد سعيد فليطاني، أبو عدنان (60 عاماً) في الأول من أيار في دوما في الغوطة الشرقية. القتَلة أطلقوا عليه أربع رصاصات من سيارة، وصرخوا بالمارّة «لا حدا يشيلو! هادا عوايني (=مخبر)»! الرجل ناصريّ الأصل، في مدينة محافِظة كان فيها حضور ناصريّ لافت ككثير من البلدات القريبة من دمشق. ثلاث بلدات فقط في سوريا يتّبع سكانها المذهب الفقهي الحنبلي، الضْمير والرحَيْبة ودوما، دوما هي الكبرى بينهنّ، وفيها تيّار سلفي قوي، ينتظم في ذراع عسكري اسمه اليوم ’جيش الإسلام‘، يقوده زهران علوش (أبوه عبد الله علوش مقيم في السعودية، ويقال إنه واحد من أكبر عشرة رجال دين حنابلة فيها)، وذراع ديني اسمه ’مجلس الشورى‘، كان يتألف وقت التأسيس في أخر 2012 من 16 شيخاً، انسحب منه ستة يوم 10 نيسان 2013 (تكلّموا في بيان انسحابهم عن إقصاء وتفرد بالمنابر، وتسلط بالقوة…). وهناك ترابط عضوي بين الذراعين العسكري والديني: زهران عضو في مجلس الشورى؛ ولأول رئيس للمجلس، عبد الرحمن الكعكة، موقع في ’جيش الإسلام‘.
كنت قد زرتُ أبا عدنان في مكتبه في ’المجلس المحلي‘ وسط مدينة دوما يوم 10/4/2013، وسجّلت بعض الملاحظات.
كان ’المجلس المحلّي لمدينة دوما‘ قد تشكّل في شهر 11/2012، أي بُعيْد تحرير المدينة. وهو أول مجلس يتشكّل فيها، وكان مكوّناً من 27 شخصاً جرى التوافق عليهم.
يقول أبو عدنان: وصلنا مبلغ من المال من رجال أعمال سوريين في الخليج، استخدمناه في أنشطة المجلس، ومنها توفير مولّدات كهرباء. كانت الكهرباء قد قُطعت عن دوما نهائياً في الشهر الأول من عام 2013، قبل ذلك كانت تأتي لوقت قصير، وقد تنقطع أياماً متتالية.
تشكّل بعدنا ’مجلس الشورى‘: العقد والحلّ، واعترض عليه ’المجلس المحلي‘. نحن لا نريد الانتقال من استبداد أمني عسكري إلى استبداد ديني.
أبو عدنان قلِق من ثلاث ظواهر: 1) فوضى السلاح: هناك سلاح كثير بين أيدي المواطنين هنا؛ 2) نمو التطرّف الديني؛ 3) تنامي دور المرجعيات الخارجية، مثل قطر التي تغذي كيانات وتدعم إسلاميين.
ويرى أبو عدنان أن ’الإخوان المسلمين‘ هم من يمنعون وصول المساعدات إلى الداخل السوري، وهم بحسبه مشروع قطري.
هناك اليوم خريطة عسكرية جديدة: كتائب تابعة للمشروع الخارجي تنال الدعم، تحديداً الكتائب السلفية التي تحظى بدعم سعودي، وكتائب أخرى ليس لديها طعام ولا ذخائر، وستضطر في النهاية إلى الانضمام للكتائب المدعومة.
والتجاذب الأساسي قطري سعودي.
في كل عملية تحرير دوما سقط بالكاد عشرة شهداء، بحسب أبي عدنان. كانت دوافع المقاومة تحرّرية ووطنية. اليوم (في نيسان 2013) تحاول المجموعات المسلّحة الاستيلاء على المواقع التي تعود عليها بغنائم، وترفض التعاون مع غيرها.
ولم يعد إسقاط النظام الهدف الرئيسي لبعض المجموعات المسلحة، بسبب انشغالها بتأمين الموارد أو الاستيلاء على غنائم.
يثير سخط أبو عدنان أشخاص يتاجرون بالثورة، يسميهم مافيا وسماسرة، يعملون لمصلحة أعوان النظام السابقين ويحاولون إرجاعهم إلى المدينة.
كان الرجل ومنظّمة ’الاتحاد الاشتراكي‘ في دوما قد تركوا الحزب المشارك في هيئة التنسيق الوطنية يوم 25/1/2012 بسبب موقف الحزب، وبسبب موقف الهيئة المتحفّظ على الثورة والليّن حيال النظام.
وهو يدعو اليوم إلى تحالف وطني ديمقراطي واجتماعي.
للناصريين في دوما، ويُسمَّون بالاشتراكيين، وأحيانا بالعلمانيين، موقف يتحدّد بموقعهم. فهم مع الثورة ومعادون جذريون للنظام، ما يضعهم عملياً خارج حزبهم ’الاتحاد الاشتراكي‘، لكنهم على نفور من السلفيين الذين لا يُخفون تطلّعهم إلى السيطرة وإلغاء غيرهم، ولا يرتاحون للإسلاميين عموماً.
في مطلع تموز 2013 نظمّنا حملة تنظيف ليومين في بعض شوارع دوما. شاركت سميرة الخليل ورزان زيتونة وأسامة نصّار وشبّان من ’لجان التنسيق المحلية‘ ومن ’هيئة الدفاع المدني‘ في المدينة وبضع فتيات دومانيات. ومن بين قلّة من الشخصيات المعروفة في دوما، جاء أبو عدنان فليطاني. لم يعمل بيده، لكنه كان حاضراً وساهم في تنظيم العمل وتوجيه شبّان مشاركين.
خلفي، ونحن نكنس الشارع، كان هناك ولدان مراهقان يتكلم أحدهم عن رزان وشعرها الأشقر غير المتواري وبنطال الجينز الأبدي: «هاي عواينية، مو شايف شلون شكلها؟». هنا ربما يلتقي ضرب من ضيق الأفق المحلي، فاقمته حال الحصار وجنون الارتياب المترتّب عليها، مع سياسة متعمدة من نخب سلفية في المدينة تشكّك في الغريب والمختلف.
لا نعرف من هم قتَلة أبي عدنان، وقد لا نعرف يوماً، لكن هل من المرجّح فعلاً أنهم مختلفون عمن اختطفوا رزان وسميرة، ووائل حمادة وناظم حمّادي في 9/12/2013؟
إن لم يكن من قتلوا أبا عدنان عواينية فعلاً، فهم الأقرب في التكوين والاستعداد إلى عواينية النظام وأعوانه.
عبد الرحمن الكعكة، الشيخ السلفي المشار إليه فوق، قال في جنازة أبو عدنان إنه يعيب على القاتل أنه واجه الكلمة بالرصاص!
هل في ذلك ما يُقرّ بأن أبا عدنان قتله من ضاقوا برأيه؟ أم تُراه بمثابة تحذير لأشباه أبي عدنان؟ أم هو إشفاق من طرف الكعكة من سير الأمور في درب نهاياته سوداء؟