لا وجود لطريقة واقعية لمقاربة التراجيديا في سوريا من دون اختيار الخيارات الأقل سوءاً، بين المقاربات المطروحة غير المفضلة والمشكوك بها. لقد مرّ وقت على مناقشة إن كان هناك نقطة مفصلية، عندما كان بمقدور فصائل المقاومة المعتدلة أن تربح من خلال تدخل محدود للولايات المتحدة. ولا يمكن للمرء أن يناقش ذلك الوضع الآن. فالوضع الحالي يظهر على الشكل التالي: المقاومون منقسمون إلى درجة كبيرة، ولديهم الكثير جداً من العناصر المتطرفة، «المركز غير قادر على الإمساك بخيوط القرار»، ويواجهون نظام الأسد الذي يحوز دعماً خارجياً هائلاً من ’حزب الله‘ وإيران وروسيا، وجميعها تغطي قدراته في استخدام القوة.
لا خيارات «جيدة» في سوريا في الوقت الحالي، والأفضل أن يحدونا الأمل لإيجاد خيار «أقل سوءاً» يكون مقبولاً. فالكثير من التركيز يجب أن يتمحور حول إيجاد الخيار الأقل سوءاً الآن، والذي يجب أن يتركز إما على مفاوضات سلام أو إيجاد طريقة ما لفصائل المقاومين كي تربح على المستوى العسكري، ويجب أن تكون معتدلة بما فيه الكفاية لتربح شيئاً من القبول الدولي. ربما لا يزال هذا أملاً، لكنه ليس محتملاً في المدى المنظور. وحتى لو كان ممكناً، ستواجه سوريا بعد ذلك سنوات طويلة من إعادة الإعمار.
باستثناء بعض الانشقاقات الكبيرة والمفاجئة ضمن نظام الأسد، تواجه سوريا مستقبلاً قاتماً فعلاً. وهي منقسمة بين غرب يسيطر عليه الأسد، بينما يهمين على الموانئ ومراكز المدن في الشمال الشرقي، وعلى معظم دمشق، كما يقاتل لاستعادة السيطرة على حلب ومراكز مدن أخرى. وبنفس الوقت ثمّة حملة مرعبة تستند على التجويع والترويع الاقتصادي، وعلى العديد من أسلحة الارهاب بما فيها البراميل المتفجرة. لا مناطق مشبوهة أو مناطق مقاومة تنعم بالأمان، ويبدو أن نظام الأسد يشعر بأنه على طريق تحقيق النصر ‒ إن لم يكن على كل سوريا، فعلى الشرق ومراكز المدن المتطوّرة.
قوى المقاومة المنقسمة ‒والتي بمعظمها فصائل جهادية متطرّفة أهدرت وقتاً طويلاً في الاقتتال مع بعضها أو مع عناصر معتدلة، وذلك على حساب مقاتلة الأسد‒ تسيطر على الشرق المفكّك وعلى حقول النفط في سوريا. حتى الآن، من المشكوك فيه أن يكون بوسعها الإمساك بهذه المنطقة وإدارتها والتحكم بمكتسباتها الأكثر أهمية وخاصة في المناطق المأهولة ‒ على الرغم من قيام نوع من الانفصال الفعلي في سوريا بين منطقتين مسلحتين، وهذا ما يبدو محتملاً. قد يكون ممكناً، أو ربما غير ممكن، نوع ما من الخط الفاصل (خطّ ترسيم حدود) لوقف إطلاق النار، وما يبدو مرجحاً أن كلا الجانبين سيحافظ على بناء قوته وتوريد الأسلحة من أجل جولة جديدة من المعارك ‒ أو جولات جديدة من القتال.
ما يزال يتعيّن بذل الجهد أن تبذل لإيجاد شكل من أشكال الحل الذي سينهي القتال ويوحّد البلاد حول نظام جامع للشعب السوري، يمكنه أن يثق فيه، لكن ليس من الواضح أن ذلك هو حقاً الإمكان الواقعي، وهذا يجعل من المهم النظر فيما سيحدث في البلاد في حال بقيت مقسمة بين شرق وغرب، على الأقل لبضع سنوات أخرى أو أكثر، وفي تأثير الحرب الطويلة و/أو التقسيم على شعب سوريا ولمستقبله.
لقد عطّلت الحرب الأهلية كل عنصر من عناصر المجتمع السوري، في دولة عانت بالأساس من سوء الحكم وضعف القاعدة الاقتصادية وضغط الكثافة السكانية، حتى قبل أن تبدأ الحرب الأهلية، هذه الحرب التي من المتوقع أنها شرّدت ثلث السكان أو دفعتهم إلى خارج البلاد بنهاية عام 2014. نسبة كبيرة من الشعب السوري فقدت بيوتها، وكذلك الأعمال والنشاطات التجارية ومختلف الوظائف والمهن. حوالي ثلث سكان سوريا من الأطفال، وأعداد كبيرة من هؤلاء لم يتمكنوا من الالتحاق بمؤسّساتهم التعلمية أو بالتنمية الاجتماعية الطبيعية على مدى السنوات الثلاث الماضية. مع عدم وجود نهاية في الأفق، هذه المشكلات سيكون لها آثار خطيرة في المستقبل.
حتى لو توحدت البلاد غداً، لا بد أن تأخذ على الأقل عشر سنوات للتغلب على آثار الحرب الأهلية، وهذا فقط إذا امتلكت سوريا خططاً فعلية لإعادة بناء بنية وهيكلية حكم، واقتصاد فاعل لمواجهة حاجات ومتطلبات شعبها مواجهة جدية. وإذا استمرت الحرب الأهلية فلا بد من انقسام البلاد، وسيكون هناك نوع مختلف من محاولات الإنقاذ وجهود المساعدة المطلوبة والملحّة للتعامل مع انقسام الدولة إلى غرب وشرق، وربما تدوم مخيمات اللاجئين خارج الحدود.
إخفاقات مؤسسة الحكم التنمية تعود إلى ما قبل الحرب الأهلية
بدأت المشكلات في سوريا منذ عقود قبل حربها الأهلية، وتعاني سوريا أساساً من قاعدة فقيرة للبناء عليها مع اندلاع الحرب الأهلية. حتى لو تجاهل المرء سجلّها في ميدان حقوق الانسان. التقارير المنشورة من قبل وكالات دولية محترمة لها سمعة جيدة في هذا الشأن وضّحت أن سوريا كانت محكومة بالرعب، وأن اقتصادها كان هشّاً وسيئاً إلى حدود حرجة، وأنها كانت تواجه ضغوطات سكانية هائلة قبل اندلاع القتال الحالي بسنوات.
• مؤشرات إدارة البنك الدولي أعطت سوريا المرتبة الأسوأ عالمياً في المساءلة، وهبوطاً حادّاً ومكانة موحشة سلّم الاستقرار السياسي وغياب العنف، كما تحتلّ مراتب متدنّية في سلّم فعالية الحكم والإدارة، وفي سلّم الترتيب التنظيمي، وفي سلّم سيادة القانون وفي سلّم الفساد المصدر http://info.worldbank.org/governance/wgi/pdf/c209.pdf.
• كان عجز الميزانية السورية خطيراً عام 2011. أنفقت سوريا 12,6 مليار (دولار) مع مداخيل تقدّر بـ2 مليار دولار عام 2012. هبطت من 10,3 مليار في الصادرات في 2011 إلى فقط 3,9 مليار في 2012، وكان لديها 10,8 مليار واردات في 2012 المصدر https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/sy.html.
• احتلت سوريا المرتبة 168 بين 177 بلداً في معايير الشفافية الدولية لمؤشرات الفساد المصدر http://www.transparency.org/country#SYR.
• قدّرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن حصّة الفرد من الدخل العام في سوريا كانت فقط 5,100 دولار. وبـ15% من البطالة الفعلية قبل الحرب الأهلية و12% من سكانها تحت خط الفقر، احتلت سوريا المرتبة 156 عالمياً.
• احتلت سوريا المرتبة 147 عالمياً في تسهيل الأعمال التجارية عام 2011، لكنها احتلت مكانة معتدلة في مؤشرات التنمية العالمية – وإلى حد كبير بسبب مستويات التعليم العالي ومتوسط العمر المتوقع، لكن هذه المكانة تأثرت كثيراً بسبب تغيّر الشروط في مدنها الرئيسية، وبسبب التراجع الهائل الذي حدث في المناطق الريفية في الغرب وفي مختلف المناطق في الشرق المصدر https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/sy.html.
• بحلول حزيران من عام 2013 تراجعت موقع سوريا في تسهيل الأعمال التجارية إلى 165 بين 189 بلداً المصدر http://doingbusiness.org/rankings.
• سوريا كانت واقعة تحت ضغط سكاني كبير. يقدّر مكتب الإحصاء في الولايات المتحدة أن العدد الإجمالي لسكانها عام 1950 كان 3,5 مليون، وعام 1975 كان 7,4 مليون، وعام 2000 كان 16,5 مليون، وعام 2013 كان 22,5 مليون، وأنه اعم 2025 سيصل إلى 25,5 مليون، وإلى 33,7 مليون عام 2050 ‒ أي تقريباً عشر أضعاف ما كان عليه قبل مئة عام المصدر http://1.usa.gov/1rxgBHU.
• حوالي 34% من سكان سوريا كانت أعمارهم 14 سنة أو أقل، وأكثر من 54% كانت أعمارهم 24 أو أقلّ. وكان متوسط العمر 23 سنة. ونسبة الإعالة إلى من هم خارج قوة العمل، حتى قبل أية مشكلات حالية بخصوص اللاجئين، كانت 57% المصدر https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/sy.html.
• كان حوالي 275 ألف من الذكور و245 ألف من الإناث يصلون إلى عمر العلم كل عام، في بلد فيه عام 2011 قوة عمل عدادها فقط 5,3. وتراجع اقتصاد سوريا عام 2011 حوالي 2,3% ‒ قبل اندلاع الحرب الأهلية التي سيكون لها آثار هائلة بفترة طويلة المصدر نفسه.
• الفقر وقضايا المياه ونقص الأراضي جعلت 56% من سوريا «متحضّرة» (تستخدم كلمة urban بالإنكليزية أو «حضر» بالعربية للدلالة على ما هو عكس الريف)، بمناطق واسعة من التحضّر المدقع والأحياء الفقيرة في مناطق الحضر، مع تحضير بنسبة 2,4% بالسنة. حوالي 7,6 مليون من الشعب السوري من أصل 22 مليون عاشوا في أربع مدن ‒يعتبر بعضها مناطق أساسية في القتال‒ حيث وصل عدد سكان حلب إلى 2,985 مليون؛ بينما العاصمة دمشق وصل عدد سكانها إلى حوالي 2,527 مليون؛ حمص 1,276 مليون؛ حماه 854 ألف. هذه الأرقام تعود لعام 2009 المصدر نفسه.
• كانت سوريا منقسمة بعمق، انقساماً جغرافياً وفقاً للخطوط الدينية والإثنية-الدينية: المسلمون السنّة (الإسلام الرسمي) 74%؛ ومسلمون آخرون (بما في ذلك العلويون والدروز) 16%؛ المسيحيون (على اختلافهم) 10%؛ مع تجمعات يهودية صغيرة في دمشق والقامشلي وحلب المصدر نفسه.
• احتلّت سوريا المرتبة 116 عالمياً في مؤشر التنمية البشرية، والتي ترتكز على معايير الصحة والتعليم والدخل السنوي وطول العمر المتوقع ‒ وبالنسبة للفقر احتلت مكانة معتدلة استناداً للقاعدة العالمية المصدر http://hdr.undp.org/en/countries/profiles/SYR.
• المياه كذلك كانت قضية وقتها، لكن التقارير غالبا أتت متناقضة ومشكوكاً بها. نوعية المياه وإمداد المناطق الحضرية بالمياه كان أفضل، لكن تختلف تبعاً لمعدّلات الأمطار السنوية. تأمين مياه الشرب كان أقل في المناطق الريفية والمناطق الأفقر، والإنتاج الزراعي للمحاصيل مثل القمح تباين على نحو حادّ وحسب معدّلات الأمطار.
ينبغي أخذ هذه التصنيفات والنزعات والأرقام بعين الاعتبار عند تقييم الخيارات المتاحة لمستقبل سوريا، فليس لدى سوريا الآن حكم حقيقي أو تنمية اقتصادية بالمعنى الكلاسيكي على مدى السنوات الثلاث السابقة. ويستخدم كل من النظام والمقاومين الإرهاب لتهديد واستهداف المدنيين في الحرب الدائرة. وحتى في المناطق التي تعتبر آمنة نسبياً تأثر تعليم الأطفال بشكل سيء جداً، والكثير من الأطفال في المناطق التي لا يفارقها العنف، وكذلك الأطفال الذين نزحوا من منازلهم أو الذين لجأوا خارج البلاد، خسروا ثلاثة أعوام من تعليمهم.
تعتبر سوريا مزيجاً من المساكن والأعمال التجارية والمهن والوظائف والبنى الاجتماعية، كانت تحت ضغط كبير عند نشوب الحرب الأهلية في 2011، ثم فاقمت ثلاث سنوات من الحرب من هذه المشكلات إلى حدّ بعيد. علاوة على ذلك، هناك أكثر من مليون شاب وفتاة وصلوا إلى العمر الذي يؤهلهم لدخول قوى العمل منذ عام 2011، بينما راح العمل يهتزّ بشكل كارثي مع محدودية خلق فرص أي نوع من العمل خارج ميادين العنف.
هذا سيمثل مشكلات خطيرة على مستقبل سوريا، حتى لوكان لدى سوريا حكومة شعبية ودائمة تتعهد بالسهر على تأمين مصالح شعبها، وهو ما لا يبدو محتملاً.
لو كان على الأسد أو أية تطرّف جهادي سنّي ربح في هذه الحرب حقاً، سيكون صعباً أن نرى حكم وتنمية ما بعد الحرب الأهلية وكيف لن يكونوا أسوأ، وكيف يمكن جذب مساعدة خارجية في أي شيء على قدر الأرقام المطلوبة. إذا ربح الأسد، سيعيش السوريون في مناخ سلطوي يسيطر عليه الزعيم، مع نخبة من أولئك الذين هدفهم الأساسي بقاء النظام وتأمين مصادر لمن ساعدوه على بقائه حياً.
أما إذا ربح الثوّار، فمن غير الواضح أنهم سيكونون موحّدين أو منافِسين بما فيه الكفاية، وهناك خطر جدّي بخصوص محاولة المتديّنين المتطرّفين فرض معتقداتهم وقواعدهم على شعب سوريا وانتقامهم من علويّيها.
أي نوع من الركود سيؤدي إلى بلاد مقسّمة، بلاد لديها بطبيعة الحال بنية حكم ضعيفة واقتصاد متقلّب ومن قبل بدء الحرب الأهلية عام 2011. وأي نصر للثوّار من أي نوع سيخاطر بخلق الانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة نفسها كما في ليبيا ومصر وتونس والعراق، وسيقدم المزيج نفسه من الفصائل التي ليس لديها أي خبرة حقيقية في الحكم أو في السياسات السلمية للسلطة.
تحتاج الحكومات الأجنبية ومجموعات المساعدة الآن للبدء بالتخطيط للتعامل مع هذه القضايا، وخلق قابلية لتقديم التخطيط الاقتصادي الفعّال والمساعدة على خلق إدارة حكم فعّالة لتقديم العون لسوريا في التعامل مع ما يمكن أن يكون نزع التسليح، والذي سيساعد كل من سوريا وجوارها للتعامل مع التأثير الدائم للعدد الضخم من الأشخاص النازحين من منازلهم داخلياً وملايين اللاجئين الذين ربما تلزمهم سنوات للعودة ‒ إذا لم يتم مثل هذا التخطيط، ومهما يكن، فإن سوريا تواجه تحديات كبيرة بسبب أعداد النازحين والمشرّدين فيها داخلياً، وبسبب العبء الذي حمله اللاجئون السوريون لدول الجوار.
تأثير النزوح داخلياً واللاجئين
بعض التقديرات تقلّل بشدة من حجم المشكلات التي تواجه سوريا من خلال التركيز على الضحايا ‒ التي تبدو الآن أنها وصلت إلى 130-145 ألف قتيل، مع ثلاثة أو أربعة أضعاف جرحى. وهناك تقديرات أخرى تقول إنه يجب التركيز على طبيعة حياة الناس، وأحياناً تعتمد فقط على أعداد اللاجئين المسجّلين خارج البلاد. المشكلة الإنسانية الحقيقية أضخم بكثير.
النازحون داخل سوريا
تقرير ’المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة‘ (UNCHR)، ملفّ عمليات اللاجئين في الجمهورية العربية السورية 2014، أشار إلى أن النزوح الداخلي يشكل أزمة كبيرة بحدّ ذاته، باعتباره ينمو ويكبر مع كل معركة جديدة، ومع كل هجوم إرهابي للنظام ،ومع كل تقاتل بين فصائل الثوّار http://www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/page?page=49e486a76..
وقد قدّر ’مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية‘ (OCHA) أنه، بنهاية 2013، تأثر حوالي 6,5 مليون بين السكان البالغ عددهم 22 مليوناً، وهم بحاجة ماسّة لمساعدة إنسانية، بما في ذلك 4.25 مليون نازح داخلي. من هؤلاء الـ4.25، ستساعد المفوضيّة العليا حتى 3.3 مليون أي 660 ألف عائلة من جميع القطاعات. لذلك فالتخطيط الشامل يجب أن يتركز على النازحين داخلياً، وجعل ذلك متماشياً مع كون اللاجئين السوريين والنازحين لن يعودوا بأعداد كبيرة إلى مناطقهم الأصلية في عام 2014.
تقدّر ’المفوضيّة العليا‘ أن عدد النازحين داخلياً في سوريا وصل اليوم إلى 3,8 مليون ‒ يضاف إليهم 150 ألف «بدون» (بدون جنسية) من العراق وبلدان أخرى. وقدّرت أيضاً أن هذا العدد سيرتفع إلى 4,25 مليون في 2014، يضاف إليه 120 ألف من الأشخاص من جنسيات أخرى، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 4,4 مليون، الذي يساوي ما يقارب 20% من عدد سكان سوريا. وقدّرت ’المفوضيّة‘ أيضاً أنه، بأواسط 2013، حوالي 1,888 مليون من اللاجئين السوريين سيكونون خارج سوريا ‒ هذا رفع إجمالي عدد السكان المتوجب تقديم المساعدة لهم إلى 6,237 مليون اعتباراً من منتصف 2013 ‒ رقم غالباً سيصبح أكبر على الأقل بـ500-700 ألف مع نهاية 2014.
اللاجئون السوريون في الأردن
بالنسبة للاجئين السوريين خارج البلاد، تقرير ’المفوضيّة العليا‘ المعنون ملفّ عمليات اللاجئين في الأردن، 2014 يقدّر أنhttp://www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/page?page=49e486a76 السوريين أصبحوا أضخم كتلة بشرية تهتم بها ’المفوضيّة‘ في الأردن، مع أكثر من 500 ألف من الأفراد المسجلين أو منتظري التسجيل اعتباراً من آب 2013. معظم هؤلاء جاءوا من درعا، ولنضع جانباً 150 ألف تمت استضافتهم في مخيم الزعتري، بينما الغالبية الواسعة منهم استضيفوا في مواقع خارج المخيمات، غالباً في الشمال. ومع ذلك، تم تسجيل السوريين في جميع المحافظات الأردنية، ولا سيما في عمان حيث تقدّر نسبتهم بـ13% من السوريين هناك. واستناداً إلى الاتجاهات الحالية، تتوقع ’المفوضيّة العليا‘ زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين السوريين الفارّين إلى الأردن، مع وجود خطر تدفّق مفاجئ وأضخم من السابق. العوامل تشمل العنف المعمّم والموجّه، بالإضافة لانهيار الخدمات العامة في معظم مناطق سوريا وزيادة كبيرة في أسعار الوقود والمواد الغذائية.
في آذار 2013، كان الأردن يستضيف ما يقارب من 30 ألف لاجئ عراقي، أغلبهم من بغداد. من المتوقع أن تكون إعادة التوطين هي الحل الدائم الأساسي للعراقيين في 2014 مع مغادرة حوالي 1,500، بينما يعود 300 من العراقيين إلى العراق من خلال برنامج العودة الطوعية لـ’المفوضيّة‘، من تبقّى من اللاجئين العراقيين في الأردن ستستمرّ حاجتهم إلى مستويات عالية من الدعم.
أشار تقرير ’المفوضيّة العليا‘ أن عدد اللاجئين السوريين في الأردن ارتفع إلى 1,255 مليون في نهاية 2013، بين إجمالي اللاجئين وعددهم 1,285 مليون، ويشكل اللاجئون السوريون 20% من سكان الأردن البالغ عددهم 6,482 مليون. ويقدر أن يرتفع عدد اللاجئين السوريين إلى 1,41 مليون بنهاية 2014، من أصل العدد الإجمالي 1,438 مليون. هذا العبء لا يمثل فقط المشكلات الضخمة التي تقع على طبيعة الشروط الأساسية للحياة، وعلى أي أمل من أجل مستقبل السوريين، بل يمثل مشكلة جدية للأردن من حيث العمالة والمياه والسكن والاستقرار السياسي.
اللاجئون السوريون في لبنان
يعتبر الأردن واحداً من بلدين مجاورين يواجهان تحدّيات هائلة. تقرير ’المفوضيّة العليا‘ ملفّ عمليات اللاجئين في لبنان، 2014 يعلن أن للاجئين السوريين في لبنان أعلن أنhttp://www.unhcr.org/pages/49e486676.html. معدلات النموّ الاقتصادية العالية سابقاً في لبنان تأثرت سلباً بسبب الفوضى السياسية والحوادث الأمنية وآأثار الأزمة في ’الجمهورية العربية السورية‘ (سوريا)… عدد اللاجئين السوريين المتنامي وانعكاسات حضورهم على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تأثيرهم على سوق العمل والبنية التحتية، هي مصادر القلق الكبرى.
أغلب الناس المشغول لأجلهم مع 2014 في إطار عمليات لبنان هم السوريون الفارّون من الصراع الدائر في بلادهم. بحلول آب 2013، عدد السوريين المسجّلين والذين ينتظرون التسجيل في ’المفوضيّة العليا‘ وصل إلى أكثر من 700 ألف، واستناداً إلى الوضع في سوريا واتجاهات الوصول الحالية من المتوقع أن ما يقارب مليون لاجئ سوري سيكونون مقيمين في لبنان بحلول كانون الأول عام 2013، ومع 2014 قد يصبحون 1.5 مليون.
من أكثر من 8 آلاف (غير فلسطيني وغير سوري) من اللاجئين والباحثين عن لجوء مسجّلين عند ’المفوضيّة‘، يمثل العراقيون 87% وتعود أصول الباقي إلى مصر والجمهورية الإسلامية في إيران والصومال والسودان. واعتماداً على اتجاهات 2013، وعلى الرغم من وضع العراق، فإن المتوقع أن عدد اللاجئين غير الفلسطينيين وغير السوريين سيستمر بالتراجع في عام 2014. لا أرقام دقيقة معروفة حول البِدون في لبنان، لكن يمكن أن يكونون أعلى من 200 ألف وفقاً لبعض الدراسات الأكاديمية.
وأشار التقرير أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان ارتفع إلى مليون، ويشكل اللاجئون السوريين 24% من عدد سكان لبنان البالغ 4,132 مليون، ويقدر أن عدد اللاجئين السوريين سيصل إلى 1,5 مليون مع نهاية 2014. من أصل عدد السكان اللاجئين الإجمالي 1,510 مليون. هذا عبء لا يعرض فقط مشكلات هائلة من حيث الشروط الأساسية للحياة والآمال المتعلقة بمستقبل للسوريين، بل يعرض كذلك مشكلة جدّيّة تواجه لبنان مقارنة بالأردن من حيث العمالة والمياه والسكن ‒ ومن المحتمل أن تكون مؤثرة فعلاً على الاستقرار السياسي.
اللاجئون السوريون في تركيا
يعتبر ضغط اللاجئين السوريين على كل من تركيا والعراق هو الأكثر محدودية نسبياً، مع الأخذ بالاعتبار الحجم الإجمالي لسكان البلدين ولاقتصاد كل منهما، لكن ما يزال هذا الضغط يشكل خطراً جدياً، ويفيد ملفّ عمليات اللاجئين في تركيا، 2014 بأنهhttp://www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/page?page=49e48e0fa7f. منذ بداية الأزمة في ’الجمهورية العربية السورية‘ في 2011، أكثر من 500 ألف سوري يبحثون عن حماية في تركيا وفقاً للتقديرات الحكومية. نظام الحماية المؤقتة الذي أنشأته الحكومة في تشرين أول 2011 يرجّح أن يستمر خلال 2014، نظراً لمتطلبات الحماية المستمرّة للاجئين السوريين. يوجد في تركيا 21 مخيماً في 10 محافظات تركية، تستضيف أكثر من 201 ألف لاجئ سوري. وهناك بين 300-400 ألف لاجئ سوري يقيمون في مختلف المدن التركية، معظمهم في محافظات هاتاي وغازي عنتاب وأورفة. ومع نهاية 2013 يقدّر أن 1 مليون سوري وصل إلى تركيا ‒ تقريباً 300 ألف في المخيمات و700 ألف خارج المخيمات. هذا سيضع ضغطاً آخر على تركيا والمجتمع الدولي في جهودهما الرامية لمساعدة من هم في المخيّمات ولتسجيل وضمان وصول الخدمات الأساسية لهؤلاء الذين يقيمون خارج المخيمات.
قدّمت ’المفوضيّة‘ موادّ إغاثية أساسية لدعم السلطات التركية بهدف تلبية حاجات اللاجئين السوريين. ويواصل مكتبها تقديم العون للسلطات التركية من خلال تأمين المواد والمساعدة التقنية من أجل المساعدة في مواجهة تزايد وصول المزيد من اللاجئين السوريين وإدارة مختلف العمليات التي تخصّ المقيميين خارج المخيمات، بالإضافة لتحسين تسجيل اللاجئين للتأكد من إحصاء الناس ذوي الاحتياجات الخاصة في وقت مبكر وردّهم إلى الى آليات الدولة المناسبة.
شهدت تركيا أيضاً زيادة واضحة في أعداد طلبات اللجوء من جنسيات أخرى على مدى 24 شهراً مضت. وقد وصل عدد طالبي اللجوء من غير السوريين واللاجئين لديها إلى أكثر من 50 ألف فرداً، ليضيفوا ضغطاً جديداً على حماية البيئة في البلاد. وتستمرّ ’المفوضيّة‘ بدعم تدابير الحماية بالنسبة للسكان غير السوريين والمتعلقة بالاستقبال والتسجيل وتحديد وضع اللاجئين والحلول الدائمة واللازمة والأنشطة المساعدة.
كانت استجابة الطوارئ من قبل السلطات للتعامل مع التدفّق المتزايد للاجئين السوريين نموذجية. في 2014-2015، من المتوقع أن الاستضافة والدعم المقدّم للاجئين السوريين وغير السوريين في تركيا سيبقى كبيراً، وسيتضمّن تحصيل الخدمات الصحية وتقديم المشورة النفسية والاجتماعية والتعليم والحماية القانونية والمادية.
وأشار التقرير نفسه إلى أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا ارتفع إلى 1 مليون في نهاية 2013، من أصل إجمالي عدد اللاجئين البالغ 1,054 مليون أو الـ1,2% من سكان تركيا والبالغ 80,694 مليون. ومن المتوقع أن يرتفع عدد اللاجئين السوريين في تركيا إلى 1,300 مليون في نهاية 2014، من أصل إجمالي اللاجئين البالغ 1,373 مليون.
إن عبء اللاجئين هذا يعرض ليس فقط سلسلة أخرى من المشكلات، من حيث الشروط الأساسية للحياة والآمال المتعلقة بالمستقبل، بل يطرح مسألة أخرى حيث تبرز مشكلات كبيرة في البلد المضيف من حيث العمالة والمياه والإسكان ‒ ومن المحتمل تؤثر على الاستقرار السياسي. هذه المخاطر الأخيرة تفاقمت أكثر مع التوترات بين تركيا وأكرادها.
اللاجئون السوريون في العراق
يفيد تقرير ’المفوضيّة العليا‘ ملفّ عمليات اللاجئين في العراق، 2014 بأنhttp://www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/page?page=49e486426. العراق لم يستقبل عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين فحسب، لكنه أيضاً شهد عودة الكثير من اللاجئين العراقيين، خصوصاً من سوريا. وغالباً لم يعد هؤلاء لم يعودوا إلى ديارهم الأصلية، مما أدّى إلى نزوحات ثانوية داخل العراق.
مع تزايد نمو عدد اللاجئين السوريين في العراق، الذين يشكلون ضغطاً إضافياً على البنية التحتية المحلية وفي الحصول على الخدمات الأساسية، التي كانت بالأساس ضعيفة بسبب سنوات الحرب والفوضى، يبقى الوصول إلى الخدمات الأساسية بالنسبة للشعب العراقي معضلة كبيرة. ولعل الركود الذي يعاني منه العراق اقتصادياً واجتماعياً قد أثر سلباً على الحياة اليومية للعراقيين، في حين أن الامكانيات المؤسساتية تبقى محدودة. لذا تعيق هذه الظروف قدرة النازحين الداخليين على العودة إلى ديارهم. وفي هذا السياق، قدمت ’المفوضيّة العليا‘ وشركاؤها المساعدة والحماية للفئات الضعيفة التي توجد غالباً في المناطق النائية.
في 2014، الكتلة البشرية التي تهتم بها ’المفوضيّة‘ تشمل: لاجئين وطالبي لجوء من ’الجمهورية الإسلامية في إيران‘ وتركيا، معظمهم من أصول كردية وفرّوا على مدى العقد الماضي؛ فلسطينيين نالوا اللجوء الآمن في عهد النظام السابق، معظم يعيش في مخيمات وفي مناطق سكنية وحضرية في مختلف أنحاء العراق، وخاصة في إقليم كردستان، ولكن أيضاً في بغداد وغيرها من المحافظات الوسطى؛ سوريين أغلبهم يقيم حالياً في إقليم كردستان أو في محافظة الأنبار؛ مع نموّ متزايد للاجئين العراقيين العائدين إلى العراق من دول الجوار. هناك ما يقارب مليون نازح و110 آلاف «بدون» في العراق سيكونون مؤهّلين للحصول على مساعدة من ’المفوضيّة‘.
وقد أشار التقرير نفسه إلى أن عدد اللاجئين السوريين في العراق ارتفع إلى 350 ألف مع نهاية 2013، من أصل إجمالي السكان اللاجئين 1,592 مليون، وأن اللاجئين السوريين كانوا يساوون 1% من السكان العراقيين البالغ عددهم 31,858 مليون. وقدّر أن يرتفع عدد اللاجئين السوريين إلى 500 ألف مع نهاية 2014، من أصل إجمالي عدد لاجئي العراق البالغ 1,642 مليون.
هذا الضغط يمثل مرة أخرى مشكلات على ظروف الحياة والأمل، وأيضاً يعرض حالة أخرى حيث يطرح مشكلات كبيرة للبلد المضيف من حيث وضع العمالة والمياه والسكن… ومن حيث الاستقرار السياسي. خصوصاً مع تفاقم حالة الفوضى السياسي في العراق والانتباه إلى حقيقة أن المتطوعين السنّة والشيعة يتحركون عبر العراق وتركيا ليقاتلوا بعضهم في سوريا، وإلى أن أعداد الفصائل الجهادية السنّية في سوريا في ازدياد، وقد قادت حركات مثل ’تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام‘ (داعش) بالمزيد من الهجمات واحتلال المدن في غربي العراق مثل الفلّوجة والرمادي [هذا الكلام لا يشمل البلبلة الأخيرة التي عقبت «سقوط الموصل في 10 حزيران الجاري. المحرّر].
التأثير على الخيارات الأقل سوءاً في سوريا
إذا كانت ’المفوضيّة العليا‘ على حق ‒يبدو أنها في الوقت الحاضر متحفظة‒ فإن إجمالي التأثير الإنساني في نهاية 2014 سيكون أكثر من 170-190 ألف قتيل. والتأثير على الأوضاع المعيشية ‒على الأقل ثلث الأطفال سيشكّلون تهديداً كبيراً لأسرهم التي ظلت في مناطق النزاع منذ اندلاع الحرب الأهلية.
بنهاية 2014، سنكون أمام 4,400 مليون نازح في سوريا، 1,1410 مليون في الأردن و1,500 مليون في لبنان و1,300 مليون في تركيا ونصف مليون في العراق. إجمالي عدد النازحين داخل سوريا واللاجئين خارج سوريا سيصل عددهم الكلي إلى أكثر من 8 مليون، 35% من عدد سكان سوريا.
وبالنظر لإخفاقات كل من الدبلوماسية والحرب حتى الآن، يبدو مرجحاً أن سوريا ستبقى مقسمة بين الأسد مسيطراً على الغرب، وخليط من فصائل الثوّار المتنافسة في الشرق، على الأقل لبضع سنوات. هذا يعني تخطيط المساعدة على أساس أن البلاد ما تزال مقسّمة وفي شكل أشكال الحرب الأهلية على الأقل لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، أو أكثر، وربما إلى أجل غير مسمّى في المستقبل.
ذلك يعني التعامل مع عالم فيه دول ‒مثل روسيا وايران‒ ربما تقدم مساعدات كبيرة لنظام الأسد، لكن ربما لا شيء يشبه حجم المساعدة المطلوبة لإعادة بناء الجزء الذي يسيطر عليه الأسد. الكمّ الأكبر من هذه المساعدة سيكون مساعدة عسكرية، مع القيام بالقليل لتخفيف محنة الشعب السوري التي ستزداد سوءاً. بقية العالم ‒الولايات المتحدة والدول العربية وأوربّا‒ ستقدم على المدى القصير مساعدات إنسانية للشعب الواقع تحت سيطرة الأسد.
أما بالنسبة للثوّار، فيما إذا سيطروا على البلاد أو إذا ترأّسوا نوعاً ما دولة متضاربة، فإن دعمهم الخارجي سيعتمد على مستوى اعتدالهم ووحدتهم، وعلى أي مدى يُنظر إليهم بأنهم غير متطرفين ولا يشكلون تهديداً جهادياً. كما من الصعب أن نرى كيف يمكن لمنظومة ثوّار معتدلين ومتّحدين ‒وهو احتمال محدود‒ أن تطوّر وتنمّي بُنى فاعلة للحكم ليكون بمقدورها أن تخطط وتدير إعادة الإعمار على الأقل لبضع سنوات.
تمثل سوريا المقسّمة أيضاً مشكلات عملية رئيسية تقريباً على كل المستويات ذات المعنى:
• معظم سكان سوريا هم سكان الغرب وأقصى الشمال. النصف الشرقي من سوريا أقل سكاناً إلى حد بعيد، وهناك امتداد واسع للصحراء خارج منطقة الحدود الشمالية وشريط ضيق على امتداد نهر الفرات ‒ الخريطة رقم 1 تحدّد الطرق الرئيسية والبنى التحتية المحدودة.
• الانقسام إلى شرق-غرب يجب أن يحصل على طول الخطوط التي لا تملك تركيبة سكانية قابلة للحياة أو قاعدة اقتصادية قابلة للحياة أيضاً. الخريطة2 تعطي تقديراً تقريبياً لتوزيع السكان في سوريا، وكيف أن من الواضح جداً أنها لا يمكن أن تكون موطن دعم للاجئين فيما إذا تم تقسيم سوريا سلمياً.
• تواجه سوريا أيضاً انقسامات عميقة على طول الخطوط الطائفية. فإذا تم تقسيم البلاد، فغربها ما تزال تعيش فيه أكثرية سنية، لكن الأكثرية العلوية قريبة من ساحلها، وهو يعتبر المنطقة الأكثر تطوراً، وهي تمتاز بمعدّل هطول مطري مرتفع. الخريطة3 تقدم تقديراً تقريبياً لتوزيع السكان في سوريا دينياً، ومن الواضح تماماً أن الشرق الآن تقطنه أغلبية سنية في سوريا، ولا يمكن لهذا الشرق أن يقدّم دعماً للكثير من لاجئيه حتى لو تم تقسيم سوريا سلمياً.
• أي شكل من أشكال التقسيم بين الشرق والغرب سيجعل المشكلات العرقية في سوريا أيضاً أسوأ بكثير. لا توجد خريطة عرقية موثوقة لسوريا، لكن كل من الخريطة3 و4 يقدم تقديرات تقريبية موثوقة لتوزّع السكان العرب والكرد. ولعل من المعروف أن السكان الأكراد كانوا محرومين جزئياً من الحقوق التي يتمتع بها العرب السوريون قبل أن تشبّ الحرب الأهلية على طول الحدود مع تركيا والعراق ‒ وهاتان الدولتان لهما مشكلاتهما الخاصة مع الأكراد‒ والى جانب حكومة إقليم كردستان أو منطقة الحكم الكردية في العراق. وسوريا الآن تشهد بالفعل تحركاً من أكرادها باتجاه شكل ما من أشكال الحكم الذاتي أو الانفصال، ولا بد أن يخلق ذلك مشكلات في وجه الغرب وللشرق حال حصول أي نوع من الانفصال، بالإضافة لمشكلات مستقبلية في وجه أي محاولة لتوحيد تامّ لسوريا.
• عزّز توزع معدلات الأمطار ونسبها والمحاصيل الزراعية هذه المشاكل. كما تظهر الخريطة5 و6، سوريا تفتقر لقاعدة زراعية ولمياه كافية لتغذية سكانها الحاليين كبلد موحّدة ما لم تستطع إعادة البناء الهيكلية لزراعتها بحيث تجعل استخدام المياه أكثر فعالية، وما لم تفكّر بأساليب وطرق جديدة كالزراعة بالتنقيط مثلاً. وتظهر معلومات أخرى أيضاً أن الأمطار قليلة جداً في الشرق بالمقارنة بالغرب، وهذا يحمل تأثيراً كبيراً على الإنتاج الزراعي. علاوة على ذلك، فإن المواقع المخصصة لتأمين مياه شرب مأمونة أكثر محدودية. لذا هناك إمكانية محدودة لدعم عودة أعداد هائلة من اللاجئين الذين لا يعتمدون نهائياً على المساعدات الاقتصادية الخارجية والغذائية.
خلقت الحرب الأهلية أيضاً أزمة محلية وإقليمية وأزمة بترول اقتصادية وطنية
تعاني سوريا من مشكلات إضافية في تصدير البترول وفي الحصول على الطاقة المحلية الكافية، وهذه المشكلات تؤثر على القسمين الشرقي-الغربي وعلى مستقبلهما الاقتصادي، وفق ما توضحه الخريطة7 حول المصادر البترولية في الشرق من سوريا، وهي الآن تحت سيطرة الثوّار. هناك تحليل صدر عن ’وكالة معلومات الطاقة‘ في الولايات المتحدة في شباط 2014، ذكر أن إنتاج النفط في سوريا قد انخفض إلى الحد الأدنى منذ أذار 2011، بسبب الحرب الأهلية والعقوبات الاقتصادية التي قادها الغرب.
سوريا، البلد الذي كان المنتج الرئيسي للغاز الطبيعي والنفط في شرق المتوسط، شهد إنتاجها انخفاضاً حاداً إلى بقايا إنتاج ما قبل الصراع. ولم تعد سوريا قادرة على تصدير النفط، وبالنتيجة فإن عائدات الحكومة من قطاع الطاقة تراجع بشكل كبير. قبل الصراع الحالي، استحوذ قطاع النفط في سوريا على حوالي ربع الإيرادات الحكومية.
بداية 2014 أعلن مسؤولون سوريون أن الخسائر الاقتصادية الاجمالية من الصراع وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار. من هذا المجموع، تشير تقديرات منتصف عام 2013 إلى أن الخسائر الناجمة عن وقف تصدير قطاع الهيدروكربونات بلغت 12 مليار دولار وذلك بسبب أمور مباشرة (الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، السرقة، التسرّب) وأخرى غير مباشرة (فقدان الصادرات).
ووفقاً للحكومة السورية، فان الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة في البلاد وبالغاز الطبيعي وبالنفط، المسروق أو المتسرّب، كلفت البلاد ما يقارب مليار دولار حتى نهاية تموز من عام 2013. خسارة سوريا من صادراتها النفطية، والتي حدّدتها العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وبلدان أخرى، تمثل الكثير مما تبقى من موارد اقتصادية. في نيسان 2013، وافق الاتحاد الأوربي على السماح باستيراد النفط من سوريا، ولكن من خلال مجموعات من المعارضة فقط، وهي التي ليس لديها حالياً آلية مناسبة على مستوى البنية التحتية لتصدير النفط. في حزيران 2013، مدّد الاتحاد الأوربي من فرض العقوبات على الصادرات النفطية الخاصة بالحكومة السورية لـ12 شهراً إضافياً.
تواجه سوريا تحديات رئيسية في تأمين التدفئة وزيت الوقود والكهرباء لمواطنيها في كثير من مناطق البلاد المتفرقة، بسبب القتال بين القوات الحكومية وقوات المعارضة. علاوة على ذلك، فان استكشاف وتطوير حقول الغاز الطبيعي والنفط لم تصل إلى اتفاق استكشاف مع شركة روسية في أواخر 2013. ومع ذلك، حتى عندما ينحسر القتال، سيأخذ الأمر أشهراً أو ربما سنوات كي يعود نظام الطاقة المحلي السوري إلى حالة التشغيل التي كانت قبل اندلاع الصراع.
قدّرت ’وكالة معلومات الطاقة‘ أن إنتاج النفط السوري بلغ أكثر من 400 ألف برميل يومياً خلال أعوام 2008-2010، ليصبح أقل من 25 ألف برميل يومياً كما هو متوقّع في كانون أول 2014. « معظم شركات النفط الدولية سابقاً عملت في قطاع الطاقة في سوريا، ثم علقت أعمالها، واستناداً إلى مسؤولي الحكومة السورية، شركات النفط التي ما تزال تعمل في سوريا اعتباراً من أيلول 2013 كانت شركة حيان بتروليوم وشركة إيلبا بتروليوم، لكنهما تعملان من دون شركاء دوليين» هذا التحليل يعتمد بشكل كبير على شغل بولا ديتريك: “EIA: Syria’s oil production unlikely to recover for months, maybe years,” Oil and Gas Journal, February 19, 2014, http://www.ogj.com/articles/2014/02/eia-syria-s-oilproduction-unlikely-to-recover-for-months-maybe-years.html.
تعاني سوريا من نقص في وقود التدفئة والمازوت. كما ذكرت ’وكالة معلومات الطاقة‘ في الولايات المتحدة، «في كانون الثاني 2014 كانت مصافي النفط العاملة في سوريا تعمل أقل من طاقتها، ووفقاً لمصادر حكومية تراجعت الطاقة الإنتاجية للمصفاتين إلى أقل من النصف قبل اندلاع الصراع… هناك العديد من المقترحات المتعلقة بالمصافي وهي قيد الانتظار الآن، أو الإلغاء تماماً، كالمقترح بـ100 ألف برميل يومياً في موقع أبو خشاب المدعوم من شركة البترول الوطنية الصينية. وقد ألغي بسبب الوضع الأمني في البلاد». وقدّرت ’وكالة معلومات الطاقة‘ أن استهلاك سوريا من المنتجات قد انخفض إلى أقل من 260 ألف برميل يومياً في 2012، وسوف يتراجع أكثر في 2013. وذكرت وكالة معلومات الطاقة «أنه في النصف الأول من 2013 أنفقت الحكومة أكثر من مليار دولار على دعم المنتجات البترولية، وفقاً لوزارة البترول والثروة المعدنية» http://www.eia.gov/countries/country-data.cfm?fips=SY.
لم يتأثر قطاع الغاز الطبيعي بشدة في سوريا من جراء الصراع الدائر كما تأثر قطاع النفط، على الرغم من أن الإنتاج الجافّ قد انخفض على الأقل حوالي 30% بالمقارنة بما قبل الصراع. وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي الجافّ إلى أقل من 200 مليار قدم3 في 2013، استناداً إلى تقديرات ’وكالة معلومات الطاقة‘. ووفقاً للتقارير الصحفية حالياً، لا تستورد سوريا الغاز الطبيعي من مصر عبر خط الغاز العربي المصدر http://www.eia.gov/countries/country-data.cfm?fips=SY.
أما ما يتعلق بالبنية التحتية لقطاع الكهرباء في سوريا، بما في ذلك محطات توليد الطاقة أو المحطات الفرعية وخطوط النقل، فقد كانت هذه البنية وعلى نحو متزايد هدفاً عاماً للتخريب في 2013. وتؤكد ’وكالة معلومات الطاقة‘ مرة أخرى أنه «حتى عندما ينحسر القتال، سيأخذ الأمر أشهراً أو ربما سنوات كي يعود نظام الطاقة المحلي السوري إلى حالة التشغيل التي كانت قبل اندلاع الصراع». وقد «تراجعت صادرات النفط الخام والإنتاج إلى ما يقارب الصفر، وتواجه البلاد نقصاً حاداً في التزوّد ببعض المنتجات المكرّرة».
الآثار المترتبة على الخيارات الأقل سوءاً في سوريا
نظراً لهذه الحقائق، تحتاج جداً الولايات المتحدة وأوربا والعالم العربي ومانحو المساعدة الآخرون للنظر إلى ما وراء كل من البعد العسكري والحاجة لمساعدة إنسانية في المدى القصير، والبدء بالتخطيط لإعادة الإعمار الآن. تظهر البنية الحالية للاجئين وأزمة المساعدة في سوريا كما في الخريطة 8 و9، لكن ما هي إلا مقدمة للمساعدات اللازمة في المستقبل.
هذا يعني أن على المانحين العمل مع كل بلد يستضيف الآن أعداداً كبيرة من اللاجئين للانتقال أو تقديم مساعدة تسمح لهم بإدماج الآخرين في اقتصاداتهم. يعني المساعدة لتقديم حوافز رئيسية للآخرين للعودة إلى سوريا.
كانت هناك في الحالات السابقة أعداد كبيرة جداً، حيث ترك اللاجئون والدول التي يعيشون فيها وأصبحوا في طيّ النسيان ‒ مع انعدام لأي خيار حقيقي في البقاء على الهامش في مخيمات اللاجئين المعزولة ومع سكان أصليّين لامبالين ويزداد عداؤهم.
ومن الجلي أيضاً أن دولة سوريا قد لا تكون قادرة غداً على التخطيط وإدارة عملية إعادة الإعمار الخاصة مع حكومة سوريا المستقبل، وربما ستحتاج لضغط دولي قوي لخدمة مصالح شعبها بالكامل، وللحدّ من الفساد والمحسوبيات، ولتحقيق تقدّم كافٍ للمحافظة على الأمن والاستقرار. ويحتاج كل من الأمم المتحدة والبنك الدولي للبدء الآن بوضع خطط طوارئ لجهود الإغاثة المتكاملة، والتي تركز على الاقتصاد الكلي لسوريا تحت ظرفين مختلفين تماماً:
• إعادة البناء، بعد إيجاد نظام مقبول سياسياً يوحّد البلاد.
• تقديم الدعم والمساعدة للجزء الشرقي، وهو القسم الفعلي من سوريا الذي يحتاج كل الدعم والمساعدة على مدى عدد من السنين أو على أساس دائم.
• المساعدة المشروطة لدفع نظام الأسد باتجاه الإصلاح في الغرب أو في كل سوريا إذا ربح ‒ فضلاً عن تلبية الاحتياجات الأساسية الإنسانية.
هناك أيضاً خيارات يجب أن تؤسّس على الجهود الواقعية التي تستطيع فعلاً أن تنجز بتكاليف واقعية. ليست هناك أي نقطة في التخطيط لعبء المساعدة، حيث لن تكون الدول الخارجية مسرورة بتحمّل الأعباء، أو بالنسبة للسكان اللاجئين الذين لن يكونوا مرتاحين طالما بقوا في البلد المضيف، وحيث الدول المضيفة الحالية لن تكون على استعداد للقبول كذلك. عدم وجود سياسة واقعية الآن، وغياب القدرة الفعلية الآن على القيام بخطط إدارة الإعمار، ستخلق مخاطر لأزمة إنسانية دائمة لسنوات كثيرة بعد انتهاء الحرب الأهلية، إضافة إلى مخاطر الترحيل القسري للاجئين السوريين.
حتى في ظل ظروف الحالة الأفضل، ذلك يعني أن الكثير من السوريين سيعانون من البقاء على الأقل نصف عقد بعد انتهاء الحرب الأهلية، ومن السكان يشكّل الاطفال ما نسبته الثلث، وسنرى التأثير الفعلي عليهم إن استمرت الحرب تتفاقم إلى زمن غير معلوم، كما أن نيران الحرب ستحرق الأطفال لكونهم خارج الوضع التعليمي المناسب، وبالتالي لا بد من الخروج والعمل في المستقبل والعيش في ظل مضاعفات الصراع.
واضح تماماً الإخفاق في التخطيط والتنسيق والنظر باتجاه المستقبل ‒وصف كلاسيكي بالنسبة لعدد كبير جداً من جهود الإغاثة السابقة التي تحمل نوايا حسنة جداً‒ ولسوف يجعل الأشياء أسوأ إلى حد بعيد. يبدو أيضاً مرجّحاً جداً أن الأردن ولبنان وتركيا والعراق ستعيش جميعها مع مشكلات اللاجئين الرئيسية على الأقل لثلاث أو خمس سنوات أو أكثر، وأن انتهاء الحرب الأهلية في سوريا سيترك سوريا كعبء مساعدة رئيسي على الدول العربية ومانحي المساعدات الآخرين لخمس أو عشر سنوات بعد انتهاء الصراع. ومن المحتمل أن تبقى سوريا أرضاً للخيارات الأقل سوءاً لفترة طويلة بعد انتهاء حربها الأهلية، لكن الخيار الأقل سوءاً سيكون الأفضل وإلى حدّ بعيد من الخيار الأسوأ.