قبل حوالي عام نشرنا في الجمهورية الجزء الأول من هذه المتابعة المطوّلة عن ’القاعدة‘ في سوريا تكويناً، وعمّا لحقها من تغييرات أصابتها حتى حينه. كنا قد اشتغلنا على الجزء الأول لتبدو ’القاعدة‘ أكثر وضوحاً وأيسر على التحليل والمقاربة. هي كذلك اليوم، أكثر وضوحاً فيما تريد، لكنها أكثر خطراً وأشدّ عنفاً، كما أن الأطوار التي مرّت بها خلال العام المنصرم شديدة الأهمية في تأريخ شأن ’القاعدة‘ عموماً وفي سوريا خصوصاً، بالذات مع تداعياتها على شأن الإسلاميين والمسلمين والسوريين. هذه الورقة فعل تأريخ ومحاولة فهم، لذلك كانت.

سنتبع هنا النهج ذاته الذي اتبعناه في الجزء الأول، نهج سَلسلة الأحداث وربطها ببعضها مع الاكتفاء بالمصادر القاعدية وتلخيص ما جاء فيها وتوضيح المُبهم منها، مع التقشّف في الخلاصات والتحليلات والملاحظات، على أن نُلحق بهذه الورقة مقالاً تحليلياً يضمّ ما تيسّر جمعه أثناء إعدادها، وهو سيطرح إجابات وأسئلة علينا التفكير بها مليّاً.

ما بعد التمدّد الأول

كنا في نهاية الورقة السابقة ما نزال في أجواء الخلاف الحادث بين ’جبهة النصرة‘ و’دولة العراق الإسلامية‘، الدولة التي أعلنت شعارها «باقية وتتمدّد» وبدأت بالتوسّع إلى بلاد الشام وباستملاكها لفرعها الذي كانت قد أنشأته ودعمته هناك، وقد قوبلت الدولة الجديدة بانشقاق فرعها الشامي ’النصرة‘، مع دعم قيادة ’القاعدة‘ المركزية المتمثلة بأيمن الظواهري، وهو زعيم ’القاعدة‘ المقيم في خراسان والذي طلب من ’الدولة‘ البقاء في العراق ومن ’النصرة‘ البقاء في الشام.

كردّ على ذلك، بتاريخ 20\6\2013 نشر المتحدث الرسمي باسم ’الدولة الإسلامية‘ أبو محمد العدناني كلمة بعد كلمة البغدادي في رفض قرار الظواهري، كان ما جاء فيها على الشكل التالي:

– يقول العدناني إن هدف هذه الكلمة ردّ الشُبَه التي تُثار حول ’الدولة‘ ومنها ما سيُثار بعد خطاب البغدادي الذي حسم بقاء ’الدولة‘ وتمدّدها، كما أنها ردّ على الخطاب «المنسوب» للشيخ الظواهري حفظه الله؛
– انشقاق المجاهدين في الشام حادث أليم على قلب كل مسلم، وقد انتشرت رسالة منسوبة للشيخ الظواهري لإنهاء هذا الانقسام ولنا جملة من المآخذ عليها: (1) أنها تقسيم للمجاهدين وتفرقة صفّ بين فرع سوري وآخر عراقي، وأن أمراء أعلنوا البيعة للدولة؛ فإذا التزمنا بقرار حلّ الدولة تفرّقوا أو استقلوا، ومنهم من لا يرتضي إعادة مآل الجهاد في الشام لـ’الجبهة‘ لما عليها من «مآخذ شرعية»؛ (2) وجود ولاية مكانية تكريس لحدود سايكس بيكو، ورسالة الظواهري إقرار للمنشقّين العصاة على انشقاقهم، فما ’النصرة‘ إلا ’الدولة‘ في بلاد الشام وما الاسم إلا غطاء أمني وإعلامي وما أميرها إلا جندي من جنود الدولة؛ (3) إقرار الانشقاق سنّة سيئة تفتح الباب غداً لكل من أراد الانشقاق، وحُكم القاضي نقلاً عن شهود وبواسطة الرسائل لا يصحّ؛ (4) أن الانشقاق من قبل الجولاني حدث قبل إعلان ’الدولة‘ وأن الإعلان ما جاء إلا لردعه عن ذلك، فلما أعلن الانشقاق بعد ذلك بدا وكأن الانشقاق حدث بسبب الإعلان. – هذا يؤكد ما ذكرناه في المقال السابق عن الخلافات التي كانت بين الطرفين قبل الإعلان وعن رفض الجولاني لبعض أوامر البغدادي… أما تتمة كلمة العدناني فكانت:
– كيف نخرج من الشام وعلماء المسلمين يدعون المجاهدين للّحاق بها؟
– لقد اجتمع ’مجلس شورى الدولة‘ واختار الردّ بما ظهر في خطاب الشيخ المجاهد أبي بكر البغدادي؛
– مما نُتّهم به أننا سنعتبر من انشقّ علينا خارجياً يستحق القتل وسنُعمل فيه الكواتم، ونحن نبرأ إلى الله من ذلك ولكننا ندعوهم إلى وحدة الصفّ والجماعة؛
– هناك شُبَه أخرى نعود لها فيما بعد.

في 30\7\2013 عاد العدناني في كلمة أخرى بمناسبة مرور ثماني سنوات على إعلان تأسيس ’دولة العراق الإسلامية‘، واحتفالاً باقتحام سجن التاجي في بغداد وتحرير مقاتلين منتسبين لـ’الدولة‘، وكانت كانت مقسّمة على عدة نقاط بدأها العدناني على الشكل التالي:

– التبشير بتحرير ألف مسلم منهم 500 مجاهد وقتل 120 عنصر ضمن خطة «هدم الأسوار»؛
– بدء خطة «حصاد الأجناد» بعربة مفخّخة في قرية «نُصيرية» بحماه؛
– بتاريخ 21 رمضان وبمناسبة مرور ثماني سنوات على إعلان تأسيس الدولة «لا ننسى أن نجدد العهد للأمة: ألا يطيب لنا عيش حتى نحرر أسرى المسلمين في كل مكان، وحتى نعيد القدس، ونرجع الأندلس، ونفتح روما»؛
– ثم عاد العدناني للشُبَه التي قال سابقاً بأنه سيُكمل الرد عليها، ليذكر ما يلي: (1) شبهة أن ’الدولة‘ تجبر الآخرين على البيعة أنها تقاتلهم ابتداءً، فـ’الدولة‘ لا تجبر أحداً على بيعتها (على ما يقول العدناني) وهي لا تقاتل إلا من قاتلها؛ (2) شبهة أن ’الدولة‘ لا تهتم بالدعوة إلى الدين وإنما بالقتال فقط، والعدناني يقول بأن ’الدولة‘ تمارس الدعوة قبل القتال على أن «القتال جزء من الدعوة أيضاً، والناس يجب أن تُجرّ إلى الجنة بالسلاسل»! (3) يتهمون ’الدولة‘ بأنها تكرّر أخطاء العراق، وقال العدناني إن ’الدولة‘ تخطئ ولا تدعي العصمة؛ (4) يقولون بأن ’الدولة‘ بلا مشروع سياسي؛ إنما مشروع الدولة هو مشروع الأمة، «فلنقاتلنّ لإقامة ’الدولة الإسلامية‘ كل من يقاتلنا… كل من يقاتلنا! ونكفَّ عمّن يكفّ عنا، هذا مشروعنا الذي لن نتنازل عنه أو نساوم عليه»؛
– يقابل هذا المشروع مشروعان: (1) المشروع الأول مشروع دولة مدنية ديمقراطية، مشروع علماني تدعمه جميع مِلَل الكفر قاطبة على تضارب مصالحها واختلاف مناهجها، ليس حباً بأهل العراق ولا رأفةً بأهل الشام وإنما خوفاً من إعادة سلطان الله إلى أرضه وإقامة الخلافة الإسلامية، ونقول لأهل هذا المشروع: لقد فُضحتم في مصر وبانت سوءاتكم؛ فقد سقط الصنمان: الديمقراطية والمفلسون ’الإخوان‘، ولتعلمنّ أن بينكم وبين دولة لا تحكم بشرع الله في الشام بحاراً من الدماء وجبالاً من الجماجم والأشلاء. ولن تحلموا بأمن ولا أمان.. (2) وأما المشروع الثاني فمشروع دولة محلية وطنية تُسمّى «إسلامية»، وإن هذا المشروع ظاهره إسلامي أما حقيقته فمشروع دولة وطنية تخضع للطواغيت في الغرب وتتبع لهم في الشرق، ويهدف لحرف مسار الجهاد وتوجيه ضربة له في الصميم؛
– دعوة للمجاهدين للالتحاق بـ’الدولة الإسلامية‘، هذه دعوة داخلية لمجاهدي بقية الفصائل للانشقاق وخارجية لمن سيأتي. هذه الدعوة ستتكرر كثيراً في كلمات العدناني والبغدادي: «هلمّوا فإنا لا نشكّ أبداً بأنه مَن كان منكم فيه خير فسيأتي الله به ولو بعد حين، وتَفكّروا بمن يلتحق بصفوف ’الدولة‘ كل يوم جماعاتٍ وفرادى، أليسوا هم من خيار الفصائل وخِيار إخوانكم؟»؛
– وأنه، دليلاً على ذلك، كان في العراق ما يزيد على 150 فصيلاً فلم يبق إلا ’الدولة‘؛
– أصّل العدناني في هذه الكلمة أنه لا يُشترط كامل التمكين من أجل قيام ’الدولة الإسلامية‘، أي أنه حتى لو قيل إن التمكين لم يتحقق لإعلان دولة الإسلام، على ما يقول به إسلاميون آخرون، فلا ضير من إعلان الدولة؛
– ختاماً، دعوة أهل السنة للانضمام للدولة وحمل السلاح وإلا فالعيش ذلاً بين «الروافض».

في شهر 8\2013 الذي تلا، لم تكن الأمور هادئة تماماً، فالحملات الإعلامية المتبادلة كانت على أشُدّها، وقد اختارت ’الدولة الإسلامية‘ التمدّد باتجاه الحدود التركية-السورية، فدخلت منبج والأطمة والباب وإعزاز وجرابلس (ريف حلب) لتتحكم بمن يريد الدخول والخروج وتستفيد من السيطرة على المعابر وتفرض الإتاوات وتمنع دخول المنظمات الإغاثية، ولم يمرّ ذلك دون مناوشات بالطبع ودون قتل لعدد من عناصر الجماعات التي كانت تسيطر على تلك المناطق.

مجزرة الكيماوي وانقلاب السيسي

في 21\8\2013 قام النظام الأسدي بقصف الغوطة الشرقية (ريف دمشق) بالسلاح الكيماوي مخلّفاً مئات القتلى. المجزرة التي أثارت الرأي العام لم تستدعِ أي ردّة فعل رسمية من قبل ’الدولة الإسلامية‘ ولم يُشَر لها لاحقاً في أية كلمة، لكن في 24\8\2013 قام قائد ’النصرة‘ أبو محمد الجولاني بإصدار كلمة مختصرة بعنوان «العين بالعين» جاء فيها ما يلي:

– المجزرة كانت بضوء أخضر من النظام الدولي وكانت بعد أن خسر النظام معظم قوته وبدأ يشعر بسقوطه؛
– على النصيريين أن يذوقوا ما ذاقه أهل السنّة، «ولذا نرصد ألف صاروخ يطلق على قراهم ضمن سلسلة غزوات العين بالعين»؛

توالت لاحقاً الغزوات التي أعلن عنها الجولاني، وكان يعلن عن كل منها في حينه، وقد ابتدأتها ’النصرة‘ في 26\8\2013 بإعدام شيخ علوي يُدعى بدر غزال كانت قد اختطفته قبلها بخمسة أيام، وهو موظف في وزارة الأوقاف في قرية بارودا (ريف اللاذقية) وليس مفتياً للطائفة العلوية في اللاذقية على ما ذكرت ’النصرة‘ في بيان مقتله. وقد تلا ذلك اغتيال محافظ حماه أنس الناعم في 6\9\2013. كما تمّ اقتحام وتفجير عدة قرى لعلويين، وقد جمعت ’النصرة‘ إصداراً بعنوان «قصف بنسف» لمجموع غزوات العين بالعين نشرتها ’المنارة البيضاء‘ (وهي مؤسسة الإعلام العسكري لـ’النصرة‘، بينما تتخصّص ’همم‘ بالأخبار غير السياسية وغير العسكرية للجبهة).

في تلك الفترة أيضاً كانت تداعيات الأحداث في مصر تتوالى، وحدث أن خُلع الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي عن سدّة الحكم إثر مظاهرات شعبية وانقلاب بدا أنه مدبّر من فلول نظام وجيش مبارك. ثم في 31\8\2013 أصدر العدناني كلمة بعنوان «السلمية دين من؟» ليذكر فيها ما يلي:

– أن الأنظمة كلها كافرة لأنها تحكم بالقوانين الوضعية، مهاجماً ومكفّراً –في الكلمة نفسها ولاحقاً– محمد مرسي الذي سقطت رئاسته بالانقلاب: «لا فرق بين مبارك ومعمّر وبن علي… وبين مرسي وعبد الجليل والغنّوشي؛ فكلهم طواغيت يحكمون بنفس القوانين، غير أن الأخيرين أشدّ فتنةً على المسلمين»؛
– ثم هاجم السلمية ومعناها وأنها لا تؤدي لحقّ، وأنها خلاف نهج الرسول الذي حارب المشركين، «فهل السلميون أرحم من رسول الله؟»
– لا بد من قوة وبأس مع الكتاب (أي الدعوة بالكلام)، يوصلان الحق للناس ويحميان أتباعه، بل ويسوقان الناس إلى الجنّة بالسلاسل؛ «لأن العقلاء ينفع فيهم البيان، وأما الجاهلون فداؤهم السيف والسِنان»؛
– ثم كفّر كل الجيوش العربية وداعيا لوجوب مقاتلتها، وكل ما قاله سابقاً كان ليصل لهذه النتيجة: «لا بد لنا أن نصدع بحقيقة مرّة، لطالما كتمها العلماء واكتفى بالتلميح لها الفقهاء؛ ألا وهي كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت، وفي مقدّمتها الجيش المصري والجيش الليبي والجيش التونسي… قبل الثورة وبعدها. إن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردّة وكفر، وإن القول اليوم بكفر هذه الجيوش وردّتها وخروجها من الدين، بل ووجوب قتالها، وفي مقدمتها الجيش المصري، لهو القول الذي لا يصحّ في دين الله خلافه»؛
– ثم نقل عن ابن تيمية كلاماً جاء فيه «عُلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمُسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله»؛
– وأن «الإخوان ليسوا إلا حزباً علمانياً بعباءة إسلامية، بل هم شرّ وأخبث العلمانيين، حزب يعبدون الكراسي والبرلمانات، فقد وسعهم الجهاد والموت في سبيل الديمقراطية، ولم يسعهم الجهاد والقتل في سبيل الله، ولقد سمعت خطيبهم في حشد بمئات الآلاف يقول بملء فيه ’إياكم والرجوع، موتوا في سبيل الديمقراطية!‘، حزب لو تطلّب الحصول على الكرسي السجود لإبليس لفعلوا غير متردّدين… متقلّبٌ حسبَ الظروفِ، فمؤمنٌ يوماً، ويوماً كافرٌ متزندقُ!»؛
– دعوة أهل السنّة عامةً وفي العراق ومصر خاصةً لنبذ الدعوات السلمية ولحمل السلاح، ودعوة الناس للهجرة والجهاد. كلتا الدعوتين تكررت سابقاً ولاحقاً في كلمات العدناني؛
– وأخيراً: إن الوضع اليوم في مصر والعالم لم يعد كسابق عهده، إن العالم اليوم بأحداثه يتهيّأ لأمر عظيم، وإن إخوانكم في ’الدولة الإسلامية في العراق والشام‘ لحريصون أشدّ الحرص على بيان المنهج القويم، والنصيحة المخلصة لكل مجاهد ومسلم في كل بلدان المسلمين، وإن فريضتَي الهجرة والجهاد اليوم صارتا في متناول الجميع، فاغتنموا الفرصة يا عباد الله».

يبدو أن «الأمر العظيم» الذي يعلنه العدناني هو الخلافة التي سنأتي عليها بعد قليل.

في الشأن المصري أيضاً، متأخراً قليلاً قام الظواهري بإصدار كلمة بعنوان «التوحيد في مواجهة الطاغوت» في 12\10\2013 اشتملت على عدة أمور:

– ابتدأها بالتعزية عن التفجيرين الذين وقعا في طرابلس في تلك الفترة وعن ضربة كيماوي الغوطة؛
– أن أفضل ردّ نردّ به على مثل هذه الجرائم هو دعم الجهاد في الشام لإقامة دولة إسلامية هناك ثم إعلان الخلافة وتحرير بيت المقدس؛
– دعوة للمجاهدين في الشام للاجتماع ووحدة الصف والتعالي على التنظيمات والأحزاب لإقامة الدولة ثم الخلافة ثم التحرير، وأن ما تتفقون عليه نرضاه؛
– تحذير للمجاهدين في الشام من التحالف مع العلمانيين وإلا سيحصل لهم ما حصل في مصر؛
– هذه الجرائم التي تحصل في مصر ليست ضد تيار معين وإنما هي ضد كل ما هو إسلامي، وليس الأمر مصالح أو سياسة أو منافع: «إنه صراع ضد الإسلام، صراع ضد الشريعة، صراع ضد الإقرار بحق المولى سبحانه في التشريع، صراع ضد استقلال الأمة المسلمة وصراع ضد قيام الخلافة»؛
– ثم دعا الظواهري ’الإخوان المسلمين‘ للاجتماع على التوحيد وعدم التنازل في العقيدة، وأن يقف كل المسلمون في مصر صفاً واحداً ضد «العلمانية العسكرية» المتحالفة مع الصليبية، وتلطّف لهم بالقول وناداهم بـ«إخواني المسلمين»؛
– ثم عرج الظواهري على الخلافات الحادثة في تونس وذكر الأمر ذاته، ليذكّر ’الإخوان المسلمين‘ عامة بما حدث منهم تجاه ’القاعدة‘: «إن الذين لهثوا وراء أعداء الإسلام وتنكّروا لأخوّة الإسلام ووصفوا المسلمين بالإرهابيين ليُرضوا الغرب يتبرأ منهم أذناب الغرب، والذين وصفوا الجهاد بالإرهاب لم ينالوا رضا أعداء الجهاد، والذين لم يقبلوا بتحكيم الشريعة ينفر منهم أعداء الشريعة … لذا فإني أناشد كل مسلم وكل حرّ شريف في تونس حريص على إسلامها وعلى حريتها وعلى استقلالها وعلى دورها في صدّ العدوان عن الأمة المسلمة، أناشده أياً كانت جماعته وتنظيمه وحزبه، أناشده كمسلم قبل أي شيء، أن يتّحد مع إخوانه المسلمين في مواجهة أعداء الإسلام، وأن يسعى في توحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد، وليس تحت راية أعداء التوحيد».

بمقارنة الكلمتين معاً، يبدو الظواهري المحسوب قديماً على أنه الفرع الأكثر تشدّداً في ’القاعدة‘ حَمَلاً وديعاً، إذ يناديهم الظواهري بـ«يا إخواني»، بينما موقف ’الدولة‘ تكفير ’الإخوان‘ قطعاً والحكم بردّتهم بل ووجوب قتالهم.

التمدّد الثاني

نعود للشأن السوري، والذي كان متوتّراً في تلك اللحظات بين جماعة ’الدولة‘ وبقية الفصائل، والذي ازداد توتّراً حينما قامت مجموعة تابعة لـ’الدولة الإسلامية‘ في11\9\2013 بقتل أبو عبيدة البنشي، القيادي في ’حركة أحرار الشام‘، وباختطاف وفد إغاثي ماليزي كان يرافقه. حينها اختارت ’أحرار الشام‘ السلام واللجوء لمحكمة شرعية لحلّ الخلاف.

لكن مقتل أبي عبيدة والحرب الإعلامية التي لحقته كانا قد هيّآ جوّاً مشحوناً كافياً لبدء صراعات كثيرة في مختلف مناطق الشمال السوري، كانت بدايتها تعرض ’الدولة‘ لهجمات لم تحسب حسابها قبل أن تستوعب الصدمة لاحقاً، فقامت ’الدولة‘ بالقضاء على ’كتائب الفاروق‘ في مدينة الرقّة المحرّرة-المحتلّة ثم اغتيال قائد ’لواء أمناء الرقّة‘ ثم طرد ’ألوية أحفاد الرسول‘ (التابع لهيئة أركان ’الجيش الحرّ‘) باستخدام عدة عمليات انتحارية لا تفرّق بين العسكر والمدنيين، كما تناوشت مع ’جبهة النصرة‘ وطردت ’لواء عاصفة الشمال‘ من إعزاز، ولاحقاً قاتلت ’حزب الاتحاد الديمقراطي‘ الكردي (الفرع السوري لـ’حزب العمّال الكردستاني‘ التركي).

لم تكن تلك المعارك شاملة للجميع ولم تشارك بها قوى رئيسية كـ’أحرار الشام‘ أو ’جيش الإسلام‘ أو ’لواء التوحيد‘ (وهي الفصائل الأساسية في ’الجبهة الإسلامية‘ التي ستتشكل لاحقاً في 11\2013)، كما اختارت ’الجبهة الإسلامية السورية‘ النأي بنفسها عن هذا القتال، لذا اقتصر الأمر على بعض الكتائب التابعة لـ’صقور الشام‘ ومَن ذكرناهم سابقاً. لكن هذه المعارك كانت البداية، ومنذ حينها لم تنتهِ أبداً رغم اختلاف المتقاتلين بين حين وآخر.

في 30\9\2013 ظهر العدناني في كلمة جديدة بعنوان «لك الله أيتها الدولة المظلومة» وتناول الأحداث الأخيرة وركّز على أن كل ما تُتهم به ’الدولة‘ باطل، كما جاء في كلمته ما يلي:

– أن ما يقال عن تفجير ’الدولة الإسلامية‘ لمساجد أهل السنّة في العراق كذب من أجهزة إعلام الصفويين، وأنهم هم من يقومون بذلك؛
– أن العمليات العسكرية التي تقوم بها ’الدولة‘ لا تُنسب لها ولا يُشاد بها ولا يتم نشرها، كما في عملية تحرير السجون في العراق أو تحرير مطار منّغ العسكري وعدة عمليات في ريف حماه الشرقي؛
– أن ما يذكر عن وجودنا في المناطق المحررة ومهاجمة ’الجيش الحرّ‘ ما هو إلا كذب، وأن العكس هو ما يحدث، فـ’ألوية أحفاد الرسول‘ هاجمت ’الدولة‘ حين كانت في ساحل اللاذقية وعلى مشارف القرداحة، وكذلك ’عاصفة الشمال‘ في إعزاز حين كانت ’الدولة‘ في ريف حماه؛
– أن الدولة لا تقصي أحداً وأن الآخرين هم من يُقصونها، وأن الحق هو من يسلبهم أصحابهم، وإلا فمن عاد للحق عادوا إليه؛
– أنه لم تسل قطرة دم واحدة حتى الآن بين ’الدولة‘ والمنشقين عنها (يعني ’النصرة‘) لا كما يصوّر البعض، وفي هذا تكذيب لمن يقول أن ’الدولة‘ تقتل من لا يبايعها؛
– أن القتال مع ’ألوية أحفاد الرسول‘ و’عاصفة الشمال‘ ما كان إلا دفاعاً، «رغم أنهم متحالفون مع الصليبيين وموقّعون على قتال الدولة»، وأن الأدلة على ذلك موجودة… ثم استمر بمهاجمتهم؛
– نبه على أنه لا فرق بين المهاجرين والأنصار عندهم. – والمهاجرون هم الجهاديون غير السوريين في سوريا؛
– قال العدناني أيضاً إنهم لا يقولون بأن الأصل في الناس الكفر، وأن عموم أهل السنّة في العراق والشام مسلمون إلا من ثبتت ردّتهم بأدلة شرعية؛
– ويضيف أنه حتى من ثبتت ردّته لديهم لا يقاتلونه ابتداءً، كما حدث مع مجموع الكتائب التي كانت تقاتلهم في تلك الفترة؛
– أن «الصحوات» ستتشكل الآن في الشام تماماً كما تشكلت في العراق ولذات السبب، وإنما هذا طريقة أميركية لقتال المجاهدين، وليس السبب أخطاء الدولة كما يُشيع بعضهم؛
– أن الصفوف لا بدّ أن تتمايز ولن تتمايز إلا بالفتن؛
– يقول العدناني بأن الدولة لا تؤمن بالتكفير الأصلي للناس، وبأن مقاتلي ’الدولة‘ الذين يؤمنون بذلك ينبّهون ويعلّمون، فإن لم يقبلوا عزّروا فإن لم يقبلوا طُردوا من صفوف ’الدولة‘، وأن ذلك حدث كثيراً مع مهاجرين وأنصار.

في كلمة العدناني ملامح جنون ارتياب مزمن، فالآخرون إما كفّار أو عملاء أو مرتدّون، والمسيحي «نصراني صليبي» يمتلك صوراً لمقرات ’الدولة‘ على كاميرته ولا بد أنه جاسوس ولذا يستحق القتل، ومن يجلس مع جون ماكين عميل ومرتدّ، والضربة الأميركية التي كان يتحدث عنها العالم في حينه (في سياق مجزرة الكيماوي) هي موجّهة ضدهم (والأرجح أن لدى داعش مضادّات طيران مخبّأة للردّ على طيارات الأسد أو الناتو في حال استهدفت مقرّاتهم)، وهناك كتيبة في مدينة الباب كانت ترمي شرائح إلكترونية على مقراتهم ليقصفها الطيران. كانت الكلمة تمثيلاً لعنوانها بالشعور بالاضطهاد والتآمر من الجميع، فـ«لك الله أيتها الدولة المظلومة»!

نتساءل هنا أيضاً عن الكثيرين من المهاجرين والأنصار الذين يؤمنون بالكفر الأصلي وردّة أهل الشام والذين أخرجتهم ’الدولة‘ من صفوفها على ما يقول العدناني، أين ذهبوا؟ لا يعقل مثلاً أنهم تركوا الجهاد الذي جاءوا من أجله.

في 8\11\2013 أعادت قناة الجزيرة نشر رسالة الظواهري في الفصل بين ’الدولة الإسلامية‘ و’جبهة النصرة‘، الرسالة القديمة نفسها وبعد مرور حوالي سبعة شهور على إصدارها، لكن نشرها كان قبل بدء الحرب الفعلية بين ’الدولة الإسلامية‘ وبقية الفصائل، ونجحت إعادة النشر حينها بإشعال الشبكات الاجتماعية، وحرّضت على ذلك حادثة قطع رأس أحد المقاتلين في ’حركة أحرار الشام من قبل عناصر ’الدولة‘ التي قالت إن ذلك حدث «عن طريق الخطأ».

في 27\11\2013 قامت ’الدولة الإسلامية‘ بإعدام حسن جزرة في الأتارب (ريف حلب)، وكان جزرة أحد قادة العمل المسلّح في حلب وبين الثوار المتّهمين بالتشبيح وسرقة الناس، لكن هذه التهم تصطدم بصورة أخرى عن جزرة حيث تشيع حوله بين العديد من الناشطين أسطورة الثائر الشرس والصعلوك النبيل، خاصة وأنه كان قد اعتاد الإثارة في أعماله السابقة للثورة كالعمل في التهريب وسرقة الأغنياء وتوزيع المخدّرات على أصدقائه. قيل لاحقاً إن عناصر ’الدولة‘ رموه في القمامة بعد قتله، ولم يصدر بيان إدانة أو تضامن معه من أي جهة ثورية معتبرة حيث عاداهم جزرة جميعاً.

الجولاني يظهر أخيراً

نعود الآن لتفقد أحوال ’النصرة‘، التي ما زالت تركّز على خطوط الاشتباك مع النظام، وقد نشرت في آخر العام تقريراً عن سير معاركها في حلب وعن زيارة قام بها الجولاني بتفقّد مقاتليه الذين يبدو صغر سنهم لافتاً.

في 22\11\2013 تم إعلان تشكيل ’الجبهة الإسلامية‘ بين أقوى فصائل الإسلاميين في حينها (مع استثناء جماعات ’القاعدة‘)، على أن الدعوة لانضمام ’جبهة النصرة‘ لهذا التشكيل قد وُجّهت فعلاً للجولاني في اجتماع عُقد بينه وبين زهران علوش قائد ’جيش الإسلام‘ غير أن الجولاني رفض ذلك العرض.

في 19\12\2013، وبعد عدة لقاءات مع قادة العمل العسكري في سوريا نجحت قناة الجزيرة بعقد مقابلة مع أبي محمد الجولاني قائد ’جبهة النصرة‘، والذي كان ما يزال شخصية غامضة ومثيرة للكثيرين. كان اللقاء مهماً واشتمل على العديد من الإيضحات حول منهج ’النصرة‘ ومما جاء فيه:

– أنه لولا الثورة السورية لما استطعنا الدخول لبلاد الشام، فالناس لم تكن تتقبّل فكرة حمل السلاح ولم تكن تقبل منهجنا ولم تكن مستعدّة لتبعات الصراع مع النظام، فلما قامت الثورة أزالت العوائق؛
– يذكر الجولاني بما صار مكشوفاً من نيله موافقة ’دولة العراق الإسلامية‘ على دخول الشام، على أن هذا الأمر كان في بالها أصلاً، وأنهم وافقوا على خطة مختصرة قدّمها هو فذهب هو و7 رجال معظمهم شاميون لسوريا، وكان هذا في رمضان 8\2011 أي بعد مرور حوالي خمسة شهور على الثورة. يذكر الجولاني لاحقاً أن العملية الأولى لهم كانت في 27\12\2011؛
– ردا على سؤال علوني عن عملية التجنيد في سوريا ردّ الجولاني بأن الفكر الجهادي منتشر في كل العالم ومنه في سوريا وخاصة بعد أحداث العراق، فما كان إلا أن اجتمع الإخوة ببعضهم، وأن استراتيجية ’النصرة‘ في البداية كانت ضرب النظام في أكبر رقعة ممكنة وأن هذا لا يحتاج للعديد من الأشخاص بل كانت الكثيرة لتكون عائقاً، وأنه قسّم القتال مع النظام على ثلاثة أوجه: مهاجمة الأفرع الأمنية ومهاجمة فرق الجيش ومهاجمة الرؤوس الحاكمة، وأن جميعهم منتشرون في جميع أرجاء سوريا مما سهّل تنفيذ الاستراتيجية المنشودة؛
– ذكر الجولاني بأن ’النصرة‘ حاولت تفادي الأخطاء التي وقعت في تاريخ العمل الجهادي كأسلوب القتال وأسلوب التعامل مع الناس، مع تبيان التفاصيل بدون تنازلات؛
– عدّد الجولاني العديد من العمليات التي قامت بها ’النصرة‘ في بداية نشأتها كعملية الأركان الشهيرة ووزارة الداخلية وتفجير مقرّ الفرقة الرابعة في حماه، وهي العمليات التي قامت بها ’النصرة‘ لوحدها وكانت تتطلب تنظيماً هائلاً لا يحتمل الخطأ؛
– يقول الجولاني إن النصرة كانت تقوم بعمليات نوعية في المدن، فينسحب النظام من الريف ليحمي المدن فتتكون فرصة للعسكرة وتشكيل الكتائب في الريف، على أن تقوم بدخول المدن وتحريرها لاحقاً، وأنه يحتاج في العسكرة للتعاون والتنسيق مع الآخرين؛
– النظام لم يعد نظاماً في معظم المناطق بل صار مجموعة من الميليشيات، وقد تلقى دعماً كبيراً قبل جنيف وبعد التفاهم الإيراني الأميركي؛
– عن المشروع السياسي لـ’النصرة‘ قال الجولاني إن هذا الأمر سابق لأوانه، وتحت إصرار المذيع تيسير علوني ذكر أن ’النصرة‘ بالاشتراك مع فصائل وجمعيات كثيرة تقدَّم من خلال الهيئات الشرعية العديد من الخدمات الغذائية والطبية والأمنية، وأن فيها قضاء عسكرياً وقضاء مدنياً ومؤسسة كهرباء ومؤسسة مياه، وأن هذا يتم تقديمه بالحد الأدنى لا بحد الكمال. عاد علّوني ليقول بأن هذه أعمال حكومية وليست شكلاً للبلد، فأجاب الجولاني بأن ’النصرة‘ لن تنفرد بقيادة البلد حتى وإن امتلكت القدرة، «فإن تحرّرت معظم مناطق البلد اجتمع العلماء وأهل الحل والعقد والمفكرون في مجلس ينظّم أمور الحكم، ضمن الشريعة الإسلامية بالطبع»؛
– يقول الجولاني إن جبهته لن تحكم، فهي تريد أن يحكم الشرع وأن هذا ما يريده الناس اليوم، فالمجتمع السوري تغير كثيراً الآن وقد كان فيه خير كثير لكن كان ينقصه المحرّض والمرشد والداعي إلى الخير؛
– في سؤال عن الأقليات أجاب الجولاني بأن النظام الدولي يصور الوضع في سوريا بأنه اجتماع عدد من الاقليات وأن أهل السنّة ينتظرون الفرصة ليقضموهم، وأن أميركا تريد دعم الطائفة النصيرية لأنها تحمي حدود إسرائيل؛
– ’النصرة‘ ستتعامل مع الأقليات ضمن ما يقرره المجلس الذي يشكله «أهل الحل والعقد»، هذا المجلس ينظر ما هو حكم كل طائفة حسب الكتاب والسنة، فهم لهم حقوق وواجبات وعليهم فروض يجب أن يؤدوها؛
– أما عن التكفير فيقول الجولاني بأن الأصل في المجتمعات المسلمة الإسلام، لا كما يقول البعض بأن الأصل فيهم الكفر، وأننا «نعنّف ونرفض من يقول مثل هذا الكلام، لكننا أيضاً نكفّر من يكفر بالله ولا نقول عنه مسلم، الحكم على الأشخاص بالكفر محصور بكبار العلماء وليس لكل أحد، ونحن أيضاً نراعي أن هذا المجتمع كان في غيبوبة رغم الخير الكثير الذي فيه، ويمكن الرجوع للشيخ سامي العريدي أحد قضاة ’النصرة‘ لتبيان منهجنا في ذلك». – سنمرّ على منهج العريدي لاحقاً.
– عن تقدم النظام قال الجولاني إن النظام يتراجع ولا يتقدم، بل إن المجاهدين هم من يتقدمون وذكر أمثلة عن ذلك؛
– عن الحاضنة الشعبية والأذى الذي أصاب الناس قال الجولاني إن الناس تعاني كثيراً وإن المجتمع الدولي لا يذكر ذلك، وتوقفوا عند مئة ألف قتيل، وضرب مثلاً أن حرب فرنسا على الجزائر تسببت بمقتل مليون شهيد وهي حرب استعمار فكيف بالحروب الطائفية مثل هذه؟ ثم قال بأن الناس ليس عندها خيار سوى دعم المجاهدين بعدما رأوا تخاذل العالم؛
– المعركة مضى منها 60-70% ولم يبق إلا القليل؛
– جنيف وكل حلّ سياسي سيهدف إلى إبقاء النظام وإنعاشه من طرف المجتمع الدولي، خاصة بعد التفاهم الإيراني-الأميركي، وأن ’النصرة‘ لن تقبل أي حل يفرض حتى لو قدمت الغالي والنفيس؛
– الصراع في هذه المنطقة من العالم حسّاس وهو بين المسلمين وبين اليهود والقوى الصليبية، وبين الصفويين والقوى الدولية، هذه القوى تقف جميعاً اليوم ضد أهل السنّة وأي صراع بينهم يؤجل لمهاجمة السنّة ولمنعهم من أن يتسلموا الحكم؛
– حقيقة الصراع في سوريا هو صراع طائفي وهو ما تبيّن بعد العراق وسوريا، وهو كذلك منذ زمن، وهو صراع فطري، والنظام الدولي لن يقبل سوى حكم الطائفة النصيرية، حتى لو ذهب بشار فسيأتون بأحد أعوانه، كما فعلوا في اليمن؛
– عن التحالف الإيراني-الأميركي قال الجولاني إن هذا التحالف كان مكشوفاً لدى التيار الجهادي منذ زمن، وكنا ننتظره لتكشف الحقيقة للناس، وهذا التحالف جاء على حساب الخليج وعلى حساب اليهود لتضغط أميركا على كليهما، فالشيعة أقدر على تنفيذ مصالح أميركا في المنطقة «لأن هناك عداءً عقدياً غير مكشوف معهم بينما العداء العقدي مع اليهود مكشوف»؛
– يسأل علّوني: ماذا يفعل أهل السنّة من أجلكم؟ فيقول الجولاني إن الغرب نجح في العقد السابق في الفصل بين الجهاد وحاضنته الشعبية لكنهم فوّتوا ذلك في الشام، فالناس اليوم يرون ما يقدمه المجاهدون ويتبنّون الحكم الإسلامي… المزاج العام تغير؛
– نحن كنا ننتظر إعلان ’حزب الله‘ عن تدخله لمساعدة النظام وهذه حماقة سياسية كبيرة، وهو كان يتدخل قبل الإعلان، كنا ننتظر الإعلان حتى نستطيع أن نتدخل في لبنان ويصبح المجال واسعاً لرفع الظلم عن أهل السنّة في لبنان؛
– سأل علوني عن الأنظمة السنية ودعمها، وأجاب الجولاني بأن هذه الأنظمة بدأت تستشعر الخطر بعد التقارب الأميركي-الإيراني لذا تحاول أن تظهر أنها تدعم الثورة حفاظا على كراسيها، كما يحدث في «الجزيرة» أو ما يسمى بالسعودية؛
– عن العلاقة مع داعش وما حدث بين ’الدولة‘ و’النصرة‘ قال الجولاني بأن هذا «خلاف داخل البيت الواحد» وقد هوّله الإعلام وأنه خلاف أخذ أكبر من حجمه، فالموضوع انتهى إلى ما حكم الشيخ الظواهري. – نعلم اليوم أن الخلاف لم ينتهِ إلى ذلك.
– وفي سؤال عن دور الظواهري قال الجولاني إن الأمر محصور غالباً بتوجيهات عامة بالتعاون مع الفصائل ونحن ملتزمون بهذا، ونحن لا يهمنا أن نعين حاكماً، نريد حكم الشريعة، والشيخ الظواهري يعلم بأن أهل الشام أدرى بالحال والأرض.

قبل حوالي شهرين من بثّ المقابلة السابقة، كانت ’مؤسسة المنارة البيضاء‘ قد عقدت لقاءً مع الشيخ سامي العريدي (الذي ذكره الجولاني) بعنوان «منهجنا وعقيدتنا» للحديث عن منهج ’النصرة‘، ويبدو اللقاء مُعدّاً بروبوتية شديدة وهو أشبه بالمحاضرة، غير أن الجولاني قد ارتضاه ممثلّاً لمنهج جبهته. وكان أهم ما جاء في اللقاء:

– ابتدأ بالقول بأن ’النصرة‘ من أهل السنّة التي لا تكفر المسلمين، ثم ذكر عدداً من المسائل السلفية التقليدية كالتشبيه والإرجاء والجبرية؛
– عن الموقف من الفصائل: معظم الكتائب تريد تحكيم شرع الله ونحن نعمل معهم في غرف مشتركة، أما القلة من الكتائب التي تريد دولة مدنية أو علمانية فندعوهم [إلى الدين] أولاً. – لا يخبرنا العريدي ما الذي سيحدث إن لم يستجيبوا لدعوته؛
– لا ننخرط في سياسة العالم اليوم ومؤسساته الدولية فهي تقوم على النظام الديمقراطي الذي يخالف النظام الإسلامي الذي يستمد أحكامه من الله؛
– دعوة لقراءة كتاب معالم في الطريق للمفكّر الإسلامي المصري سيّد قطب ولا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة لمحمّد قطب وسلسلة «نصرةً للشريعة» للناشط الإسلامي الأردني إياد القنيبي، مع استشهاد بمحمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي السعودية القديم؛
– أما عن مراجع النصرة فيذكر العريدي قديماً الأئمة الأربعة (المالكي وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل) وحديثاً حمود الشعيبي وعمر عبد الرحمن؛
– وفي سؤال عن حكم جنود النظام يقول الشيخ بأن حكمهم كجنود فرعون – لا يصرّح العريدي بكفرهم؛
– وعن البيعة يقول العريدي إن هناك بيعة عامة للإمام الأعظم وبيعة خاصة، أما البيعة في ’النصرة‘ فهي لمن ولّاه الله أمر الجهاد على الطاعة «حتى نقيم دولة الإسلام»، ثم استشهد بأقوال لأبي مصعب السوري (مصطفى ست مريم نصار) وعبد الله عزام وابن تيمية في هذا الشأن؛
– ختم بالحديث عن أسباب النصر ونصيحة للمجاهدين.

يبدو كلا اللقاءين محاولة من ’النصرة‘ لتحسين صورتها الإعلامية والظهور بمظهر الوسطية والوضوح.

في الشهر الأخير من 2013 قامت ’النصرة‘ بدخول بلدة معلولا الأثرية المسيحية (ريف دمشق) وقامت بنقل عدد من الراهبات من دير المنطقة واحتجزتهنّ في مزرعة مجاورة. استمرت قضية الراهبات حوالي 3 شهور حتى 3\2014 كانت ’النصرة‘ تصدر خلالها كل فترة مقطعاً عن سلامة الراهبات وأنهن يُعاملن بشكل حسن، ليتم في في النهاية وبوساطة قطرية الإفراج عن الراهبات مقابل صفقة تبادل إشكالية مع 147 أسيرة من سجون النظام، وكان بينهنّ زوجة البغدادي على ما سيخبرنا لاحقاً أبو مالك الشامي (جمال زينيّة) وهو مسؤول ’النصرة‘ في جبال القلمون، والذي ينقل أيضاً ثناء الجولاني على البغدادي.

التقلّص الأول

في اليوم الأول من العام 2014 أعلنت ’الجبهة الإسلامية‘ المشكّلة حديثاً مقتل أبو ريان (حسين السليمان) أحد قياديي ’حركة أحرار الشام‘ وذلك تحت التعذيب على يد ’الدولة الإسلامية‘. الطريقة البشعة التي قتل بها أبو ريان ورفْض ’الدولة‘ تسليم العناصر التي قامت بقتله على ما طالبت ’الجبهة الإسلامية‘ أوصلا الأمور إلى مداها الأقصى بين ’الدولة‘ وبقية الفصائل، ليُعلن جمال معروف (قائد ’جبهة ثوار سوريا‘) الحرب على جماعة ’الدولة‘ في 3\1\2014 ويمهلهم 24 ساعة للرحيل، كما تم تشكيل ’جيش المجاهدين‘ من 7 فصائل مسلّحة في حلب بهدف المشاركة في هذه الحرب. ربط كثيرون في حينها لاحقاً بين اقتراب موعد جنيف2 (الذي بدأ في 22\1\2014) وبين هذه التداعيات.

في بدايتها كانت المعارك سريعة الإيقاع، فتوالت الأخبار عن طرد عناصر ’الدولة‘ وتراجعها في كثير من مناطق حلب وإدلب، وعن قتل عدد من عناصرها. شاع فيما بعد أن ’جبهة ثوار سوريا‘ تستهدف «المهاجرين» بشكل خاص، الأمر الذي نفاه جمال معروف في لقائه مع الجزيرة لاحقاً، كما تردّد عناصر كتائب ’الجبهة الإسلامية‘ في تلك الحرب، بل وصدرت تنبيهات وتحذيرات من قياداتها، بالإضافة إلى ’جبهة النصرة‘ التي لم تشارك في تلك المعارك وأبي عمر الشيشاني (طرخان باتيرشفيلي، ضابط سابق في الجيش الجورجي وقائد ’جيش المهاجرين والأنصار‘ سابقاً، انضم إلى «داعش» في نوفمبر 2013) وكثيراً ما قام هؤلاء بحماية جنود ’الدولة‘ (المهاجرين خاصة) في مناطق استهدافهم.

استوعبت ’الدولة‘ هذه الحملة لاحقاً وردّت بعدد من العمليات الانتحارية والتفجيرات، أسبقتها ببيان في 4\1\2014 للتحذير من هذه الحملة والتوعّد بالردّ عليها والتهديد بأنها إن اشتد الضغط عليها على جبهة حلب فستترك بعض الجبهات ليسيطر النظام عليها. تبنّت داعش في البيان ذاته تفجيراً في الضاحية الجنوبية «معقل حزب الشيطان الرافضي» في بيروت.

في 7\1\2014 أصدر الجولاني كلمة بعنوان «الله الله في ساحة الشام» متناولاً الأحداث الأخيرة ومقدّماً مبادرته لحلها، جاء فيها ما يلي:

– نعتقد بإسلام الفصائل المتصارعة رغم استغلال القتال من قبل البعض لمصلحة غربية أو شخصية، لذا فالقتال الحاصل قتال فتنة بين المسلمين دون أن يمنع هذا من ردّ الاعتداء بقدره؛
– لام عدداً من الفصائل بشكل عام على التجاوزات لكنه أشار بشكل خاص إلى أن سياسة ’الدولة‘ كان لها دور بارز في تأجيج الصراع، ثم أشار إلى قضية أمير ’النصرة‘ في الرقة «أبي سعد الحضرمي» (إبراهيم العبد الله) والذي كان مصيره مجهولاً قبل أن يكشف الجولاني عن اختطاف ’الدولة‘ له بتهمة الردّة؛
– هذا القتال ستدفع ثمنه ساحة الشام وإذا استمرّ سينتعش النظام بعد قرب زوال؛
– لا ينبغي السماح لفتنة التفرقة بين المهاجرين والأنصار، فالمهاجرون عنصر أساسي لإظهار تلاحم الإسلام؛
– أن هذا الحال المؤسف دفعه لإعلان مبادرة لإنقاذ ساحة الشام تتمثل بـ: (1) تشكيل لجنة شرعية من جميعِ الفصائلِ المعتبرة، وبمرجّح مستقل، مع وقف إطلاق النار والقضاء في الدماء وفي الأموال المغتصبة، وتنصّ الجماعات على الوقوف صفاً واحداً وبالقوة أمام كل من لا يلتزم بقضاء اللجنة الشرعية بعد إقرارهم بها حتى يفيء إلى أمر الله؛ (2) الحفاظ على خطوط الرباط مع النظام؛ (3) ردّ العدوان من أي طرف كان؛ (4) وجوب حماية أي مهاجر يلجأ لأهل الجبهة (المقصود ’جبهة النصرة‘) وهذا واجب شرعي.

في نفس اليوم أيضاً، 7\1\2014، العدناني الناطق باسم ’الدولة‘ أصدر كلمة يتناول فيها الأمر ذاته ويذكر فيها:

– ما يحدث في الشام فتن لمنع ’الدولة الإسلامية‘ من الظهور وإنشاء الخلافة التي «دون الوصول إليها الأشلاء والجماجم والدماء»؛
– ثم تحدث عن أهل العراق وأن دعوى السلمية التي حذرهم منها قبل عام حين خرجوا في مظاهراتهم لم تنفعهم، وها هم أولاء الآن يحملون السلاح؛
– تحذير من «الروافض»؛
– دعوة للعشائر لمبايعة الدولة والابتعاد عن الانخراط في مؤسسات الدولة الصفوية؛
– دعوة للهجرة للدولة؛
– دعوة لأهل الشام للتعلم من العراق «ومن الصحوات التي عادت لتطل برأسها اليوم في الشام»؛
– مهاجمة ’جيش المجاهدين‘ و’جبهة ثوار سوريا‘ وأنهم وقّعوا على قتال ’الدولة‘ وعلى قتال المهاجرين الذين جاءوا لنصرة أهل الشام؛
– نداء للمهاجرين الذين ليسوا مع ’الدولة‘ للالتحاق بها وترك «الصحوات» (في تلك الفترة نشرت ’الجبهة الإسلامية‘ العديد من المقاطع عن وجود مجاهدين مهاجرين معها، في صراع مع ’الدولة الإسلامية‘ على استحقاق المهاجرين والالتزام بالشريعة وأممية الإسلام)؛
التحذير من «الصحوات» كثيراً والدعوة لقتالهم وقتلهم: «اعلموا أن لنا جيوشاً في العراق وجيشاً في الشام من الأسود الجياع، شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء، ولم يجدوا فيما شربوا أشهى من دماء الصحوات»؛- ’الدولة الإسلامية في العراق والشام‘ تعلن أن ’الائتلاف‘ و’المجلس الوطني‘ مع ’هيئة الأركان‘ و’المجلس العسكري‘ طائفة ردّة وكفر: «واعلموا يا جنود ’الدولة الإسلامية‘ أننا قد رصدنا مكافأة لكل من يقطف رؤوساً من رؤوسهم وقادتهم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم ولا كرامة».

كان الجولاني الذي لم يشتبك حتى الآن مع ’الدولة‘ قد أشار في كلمته إلى قضية اختطاف أبي سعد الحضرميعلى يد ’الدولة‘. الحضرمي هو من أبناء الرقة وكان أميراً من ’النصرة‘ عليها، حتى جاء إعلان تمدّد الدولة واستملاكها لمقرّات ’النصرة‘ فصار الحضرمي أميراً في داعش وبايع البغدادي، وما حصل لاحقاً أن الحضرمي امتثل لقرار الظواهري بفكّ الارتباط فعاد لينضم لـ’النصرة‘ لتقوم ’الدولة‘ باختطافه في 27\12\2013 ومن ثم نفي المسؤولية عن ذلك والمماطلة في الإقرار بوجوده عندها حتى أعلنت ردّته وقتلته يوم 13\1\2014. وقد ردّت ’النصرة‘ في بيان رسمي في 16\1\2014 جاء فيه أن على ’الدولة‘ تسليم القتلة وإلا فالقصاص، وأن قتال ’النصرة‘ لـ’الدولة‘ اليوم ما هو إلا ردّ للاعتداء وليس ابتداء بالقتال. وهكذا ابتدأت أول معركة رسمية بين فرعي ’القاعدة‘ في سوريا.

في 14\1\2014 دخلت ’الدولة‘ مدينة الباب (ريف حلب) لتعلن السيطرة عليها، وكانت قد خرجت من عدة مناطق أخرى، لينتهي الأمر تقريباً بإعادة توزيع لمناطق النفوذ بين الفصائل المتحاربة.

في 19\1\2014 أطلق أبو بكر البغدادي كلمة جديدة له بعنوان «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، عدّها أتباعه مبادرة لوقف القتال. كانت المبادرة عبارة عن عرض بإيقاف القتال من قبل ’الدولة‘ إن أوقف الآخرون أولاً قتالهم الذي ابتدأوه، مبتدئاً بالقول بأن المستفيد من هذا القتال «هم الروافض والنصيرية»، وجاء في الكلمة أيضاً:

– دعوة لأهل الشام ألا ينخدعوا بما يقوله الإعلام عن ’الدولة‘، فهي «أرحم الناس بهم»؛
– أن الاتهام للدولة بأنها توغل في دماء أهل الشام ما هو إلا كذب وأنهم لا يهاجمون إلا قطاع الطرق واللصوص؛
– أن الدولة كانت تستعد لعمليات على كل الجبهات منها تحرير «ولاية الخير» (وهو اسم مدينة دير الزور لدى ’الدولة‘) وأن الخطة قد وُضعت ليلة الغدر بأهل ’الدولة‘ (سيطر تنظيم ’الدولة‘ على دير الزور بعد ستة شهور من هذا الخطاب)؛
– دعوة لأهل العراق ألا يُنزلوا السلاح بعد أن رفعوه؛
– رسالة لأميركا بأن حرب الوكالة لن تغني عنهم شيئاً.

وفي بيان ’لواء التوحيد‘ المتعلق بأحداث تلك الفترة 21\1\2014 تم تأكيد انسحاب ’الدولة‘ من على الجبهات التي كانت تقاتل فيها النظام، على ما هدّدت في بداية الأحداث، ويطالب بإرسال التعزيزات لسدّ تلك الجبهات.

ومن مبادرات تلك الفترة أيضاً مبادرة قام بها الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، وهو مرجع ثقيل عند الحركات السلفية الجهادية، وقد أطلق في 23/1/2014 ما سمّاه مبادرة الأمة، وقد لاقت صدىً إعلامياً واسعاً وأيدها العديد من المراجع والمتابعين. تلا المحيسني مبادرته بعد عشرة أيام ببيان يعلن فيه رفض ’الدولة الإسلامية‘ لمبادرته ويحمّلها مسؤولية القتال الحاصل.

في 26\1\2014 تأكد مقتل «حجي بكر» (سمير عبد محمد الحلفاوي) في جرابلس، وهو ضابط بعثي سابقاً وقيل إنه الرجل الثاني في تنظيم ’الدولة‘ والعقل المدبّر لتمدّده العسكري في سوريا.

مقتل أشهر قيادي قاعدي في سوريا

بعد حوالي شهر وفي 24\2\2014 اغتيل على يد قوات ’الدولة الإسلامية‘ أبو خالد السوري (محمد بهايا) القيادي في ’حركة أحرار الشام‘ ورجل ’القاعدة‘ القديم الذي انتدبه الظواهري ليكون حكماً بين ’الدولة‘ و’النصرة‘ في خطابه الذي ذكرناه سابقاً. ولا يعلم إن كان هذا الاغتيال رداً على مقتل حجي بكر في اشتباكات مع قوات ’الجبهة الإسلامية‘(وقد ألمح بيان استنكار الدولة قتله لذلك فعلا) أم لرفضه تأسيس ’الدولة‘ ووقوفه ضدها.

اغتيال أبو خالد السوري (كان يكنّى قديماً بأبو عمير الشامي) عاد ليشعل النار من جديد، فالرجل الذي شارك في قتال النظام السوري في أحداث الثمانينات له تاريخ جهادي طويل ومنزلة عالية بين الجهاديين، وقد شارك في حروب الشيشان والبوسنة وفي أفغانستان والعراق ورافق عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبا مصعب السوري لفترات من الزمن، أي إنه من جهاديي الصف الأول، وقد أفرج النظام السوري عنه في 17\12\2011 بعد إفراجه عن الكثير من قادة العمل العسكري الذين يقاتلونه اليوم، غير أن الرجل لم يختر بعد خروجه الانضمام لتنظيمات ’القاعدة‘ (كانت ’النصرة‘ موجودة حينذاك) بل اختار المشاركة في تأسيس ’حركة أحرار الشام‘ على أن يكون صلة وصل دوماً بين المجاهدين.

الجولاني الذي يبدو أنه كان قريباً من الشهيد الجديد أصدر كلمة بعنوان «ليتك رثيتني» راثياً فيها وبحزن شديد أبا خالد ، ومهدّداً ’الدولة‘، وقد جاء في كلمته ما يلي:

– التعزية بالرجل وبيان فضله ومكانته؛
– ذمّ قَتَلَته (’الدولة‘) والقول بأن الصحوات كان من المستحيل أن تحدث في الشام لولا القتال الداخلي الذي تسببوا به، وأننا اليوم بتنا نسمع عن الجيش الوطني الذي يراد تشكيله، وقد حَكَم الجولاني عرَضاً بكفر ’الائتلاف الوطني‘ والمجلس العسكري التابع له، الأمر الذي أثار عاصفة في الإعلام الاجتماعي السوري وقتها: «نحن لا ننكر أن هناك جماعات ممن تقاتلكم قد وقعت بردّة وكفر، كحال ’الأركان‘ و’الائتلاف‘ ومن يقوم على مشروع الجيش الوطني الذي يُسعى من خلاله لتثبيت حكومة علمانية والقضاء على مشروع إسلامي راشد، ولكن الأغلب من الجماعات التي تقاتلكم لم يثبت أنها وقعت بردّة أو كفر، وأن كل ما تطرحونه تجاههم مجرد شُبُهات وبعض المحرّمات التي وقعوا بها التي لا ترقى أن يسقط عليها حكم الردّة وينسحب على الحكم قتالهم»؛
– عاد الجولاني لطرح مبادرة جديدة لوقف القتال كالتالي: (1) اللجوء لمحكمة شرعية؛ (2) وقف كل العمليات العسكرية بيننا؛ (3) سحب فتاوى ’الدولة‘ بتكفير الجماعات الجهادية؛ (4) رفع الشبه والآراء في هذه الجماعات للعلماء المعتبرين كالشيخ أبي محمد المقدسي (عاصم البرقاوي) وأبي قتادة الفلسطيني (عمر عثمان) وسليمان العلوان «فنستجيب جميعاً لفتاواهم» (هؤلاء الشيوخ جميعاً وقفوا لاحقاً ضد ’الدولة‘ حين إعلان الخلافة)؛ (5) إمهال ’الدولة‘ خمسة أيام من تاريخ إعلان هذا التسجيل للردّ بشكل رسمي «وإلا لتحملنّ الأمة على الفكر الجاهل المتعدي وتنفيه حتى من العراق»؛
– ذكرهم الجولاني أيضا بأنه صبر على تجاوزاتهم بحق ’النصرة‘ عاماً كاملاً وأنهم تنازلوا عن حقوقهم ولم يتركوا الجبهات كما فعلوا، وأن مئات من الإخوة ينتظرون في العراق إشارة منه.

بعد حوالي الأسبوع على اغتيال أبي خالد أصدرت ’الدولة‘ بياناً تتبرأ فيه من قتل أبي خالد السوري، رغم أن ’الجبهة الإسلامية‘، وقد كان أبو خالد أحد قياداتها، هي من اغتالت حجّي بكر (المكنّى بأبو بكر العراقي) على ما يقول البيان، مما دعا ’الجبهة الإسلامية ‘ لإعلان أن ’الدولة‘ هي من اغتالت السوري وأصدرت شريطاً لاعترافات منسِّق عملية اغتياله على ما قالت.

تنظيم ’القاعدة‘ يتشقّق

على المستوى العسكري، ما تزال حالة القتال المعلن مع ’الدولة‘ مستمرة حتى اليوم، مع أحداث ومناوشات واغتيالات سنمرّ عليها في حينها، لكن على المستوى السياسي والإعلامي كانت هناك معركة جديدة بين ’الدولة الإسلامية‘ والقيادة المركزية لتنظيم ’القاعدة‘، معركة تكاد تعلن فيها ’الدولة‘ الانقلاب على ’القاعدة‘ واستلامها لمكانتها في قيادة الجهاد العالمي. ففي 25\3\2014 قام هاني السباعي، الشيخ المصري المقيم في لندن والمحسوب على ’القاعدة‘، بنشر مجموعة من الأسئلة تتعلق بالخلاف بين ’الدولة‘ و’القاعدة‘ وعن بيعة الأولى لها، وقد وجّه السباعي أسئلته للظواهري على أن يجيبه عليها في كلمة تخصّه.

غير أن العدناني، وفي كلمة يبدو أنها استباق لردّ الظواهري، قام في 17\4\2014 بإصدار كلمة بعنوان «ما كان هذا منهجنا ولن يكون»، كان أهم ما جاء فيها ما يلي:

– المرور أولاً على تاريخ ’دولة العراق الإسلامية‘ وتشكّلها؛
– أكمل العدناني الهجوم على الظواهري واتهمه بالوقوف مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي والدعاء له كما عرّض بجلوسه بعيداً عن ساحات القتال وهاجمه لقبوله بيعة «المنشق الخائن الغادر الجولاني»؛
– إن ’القاعدة‘ اليوم لم تعد «قاعدة الجهاد» بل «باتت قيادتها مِعولاً لهدم مشروع الدولة الإسلامية، والخلافة القادمة بإذن الله»؛
– ثم، بعد هجوم طويل على منهج ’القاعدة‘ وثناء قبلها على منهج ’الدولة‘، أعلن العدناني الانقلاب على ’القاعدة‘ وقيادتها للجهاد العالمي، على أن تستلم ’الدولة الإسلامية‘ مكانتها تلك: «فاختاروا أيها المجاهدون على يدِ من تأخذون وفي صف أيّ منهج تكونون»؛
– يذكر العدناني أن الرسائل بين الظواهري وبينهم استمرت إلى الشهر الأول من العام بغرض إرجاع ’الدولة‘ للعراق، غير أن رفض الدولة لذلك هو ما تسبّب بإعلان الحرب عليهم، وأن تهمة قتل رجل ما كانت إلا بابا لذلك (لعله يقصد أبو ريان)؛

في 2\5\2014 قام الظواهري بالإجابة على أسئلة السباعي بما سماه «شهادة لحقن دماء المجاهدين» أراد فيها إثبات بيعة ’دولة العراق الإسلامية‘ لقيادة ’القاعدة‘ وأنها بمخالفتها لأمره قد نكثت البيعة. وعرض في شهادته عددا من الرسائل بين الدولة وبينه لإثبات بيعتهم، وكانت الشهادة على ما يلي:

– بيّن الظواهري ابتداءً أن إجابة أسئلة السباعي، رغم أنه قد اختار التوقف عن الحديث في الخلاف في بلاد الشام، هي محاولة لوقف القتال هناك ووقف سيل الدماء؛
– أن ’دولة العراق الإسلامية‘ ما هي إلا تابعة للقاعدة ومبايِعة لها، واستشهد بعدد من الرسائل بين قادتها سابقاً حتى البغدادي وبين قادة ’القاعدة‘ (بن لادن والظواهري)، ومن ذلك قوله:

«بعد أن توليتُ الإمارة خلفاً للشيخ أسامة [بن لادن] رحمه الله كان الشيخ أبو بكر البغدادي الحسيني يخاطبني بصفتي أميره حتى آخر رسالة لي منه حفظه الله في 29 جمادى الأولى 1434 [الموافق لـ10\4\2013] والتي بدأها بقوله ’فإلى أميرنا الشيخ المفضال‘ وأنهاها بقوله ’وصلني الآن أن الجولاني أخرج كلمة صوتية يعلن فيها البيعة لجنابكم مباشرة، وهذا ما كان يخطط له ليحصن نفسه ومن معه من تبعات ما اقترفه من خطايا ومصائب، ويرى العبد الفقير ومن معه من إخوانه هنا في الشام أن على مشايخنا في خراسان أن يعلنوا موقفاً واضحاً لا لبس فيه لوأد هذه المؤامرة قبل أن تسيل الدماء ونكون سبباً في فجيعة جديدة للأمة، ونرى أن أي تأييد لما قام به هذا الخائن ولو تلميحاً سيفضي لفتنة عظيمة يضيع بها المشروع الذي سُكبت لأجله دماء المسلمين، وأن التأخير عن بيان الموقف الصحيح سيؤدي لترسيخ الأمر الواقع وشق صف المسلمين وسقوط هيبة الجماعة بما لا علاج ناجعاً بعده إلا بسكب المزيد من الدماء‘. أما بالنسبة للسؤال حول طبيعة الحكم في المشكلة: هل هو أمر من أمير لجنوده أم حكم في منازعة خاصّة بين طرفين ترافعا فيها لقاضٍ، فقد بيّنت هذا الأمر تفصيلاً في رسالة مطولة للإخوة في ’الدولة‘ بتاريخ 28 شوّال 1434 [4\8\2013] والتي أكدت فيها على أن هذا الحكم حكم صادر من أمير بشأن مشكلة نشأت بين جنوده، وليس حكماً لقاضٍ بين خصمين ترافعا له في مشكلة خاصة بهما».

– تسبّب إعلان ’الدولة الإسلامية في العراق والشام‘ بمخالفة واضحة لأوامر قيادة جماعة ’قاعدة الجهاد‘ لجنودها في العراق والشام بألا يعلنوا عن أي وجود رسمي لنا في الشام، بل التوجه العام لقيادة جماعة ’قاعدة الجهاد‘ هو عدم إعلان أية إمارات في هذه المرحلة. ذكر الظواهري أن الناس بعد أن خرجوا في جمعة سمّوها «كلّنا جبهة النصرة» (كان هذا الجمعة 14\12\2012) باتوا يتوجّسون منها بعد الإعلان؛
– ذكر الظواهري أن شلال الدماء هو ما هدّد البغدادي به، مُلقيا باللوم عليه فيما يحدث؛
– ختم الظواهري بأمر للجولاني بالكفّ عن الدماء واللجوء للمحاكم الشرعية، ثم قدّم نصيحة عامة للمجاهدين ونصيحة خاصة للبغدادي بأن يكون كجدّه الحسن في التنازل لحفظ دماء المسلمين.

ورغم تلطف الظواهري مع البغدادي (ذكر كثيراً «الشيخ البغدادي» و«المكرّم» و«حفظه الله») إلا أن الكلمة تبدو إعلاناً بوجوب السمع والطاعة، وتذكير للقائد الصاعد بأنه جندي عنده وبأنه يتحمل مسؤولية ما يحدث، كما تبدو الكلمة أيضاً يأساً من استجابة البغدادي حيث ختمها الظواهري بتوجيه الأمر للجولاني فقط.

وكردّ على هذه الرسالة، أصدر العدناني كلمته الشهيرة «عذراً أمير القاعدة» في 11\5\2014 للردّ على تلك الرسالة، وجاء فيها:

– بدء الرسالة باستشهادات طويلة لأمراء سابقين لـ’الدولة‘ وفي ’القاعدة‘؛
– أن ’الدولة الإسلامية‘ إنما تلتزم بنهج ’القاعدة‘ الذي عرفته لا الذي غيّره الظواهري؛
– أن في كل الرسائل التي نشرها الظواهري، الرجوع فيها من قبل ’الدولة الإسلامية‘ لقيادة ’القاعدة‘ ما كان إلا احتراماً منهم وحفظاً لمكانة قادة الجهاد في العالم كله، لا بسبب بيعة، وأن بيعة التنظيم انتهت منذ إنشاء ’الدولة‘؛
– أنه للتدليل على ما سبق فـ’الدولة‘ التزمت أوامر ’القاعدة‘ في شؤون الجهاد خارج حدود الدولة، دون الالتزام بقراراتها داخلياً كأوامرها بعدم التعرض للروافض، إذ لم تستجب لتلك الأوامر في حدود دولتها والتزمت بها في إيران حفاظاً على مصالح ’القاعدة‘ وخطوط إمدادها، رغم ما جلبه ذلك عليها من ادّعاءات بالعمالة وغضب من قبل أفرادها، وأنه لولا هذه الأوامر لكانت الدماء في إيران بركاً، ولإيران دين في عنق ’الدولة‘ لم تستوفه بعد. – بالطبع يبدو ذكر هذا الأمر لمهاجمة ’القاعدة‘ بطريقة أخرى؛
– وأن ’الدولة‘ أيضاً لم تتعرض لبلاد الحرمين وليبيا وتونس ومصر بسبب أوامر ’القاعدة‘؛
– أن كل ما بين ’الدولة‘ و’القاعدة‘ من ألفاظ الجندية والإمارة إنما هو التواضع والودّ والحرص على جمع الكلمة، لا البيعة أو الإلزام والخضوع، وأن إظهار ’الدولة‘ كناكثة للبيعة وشاقّة للصف ومتسبّبة بسيل دماء المسلمين إنما يتحمل إثمه الظواهري؛
– دليل على عدم وجود بيعة بين ’الدولة‘ و’القاعدة‘ أن ’القاعدة‘ لا تسأل ’الدولة‘ عن ميزانيتها وسلاحها وجنودها وعما ينقصها أو تحتاجه؛
– أنك «لم تأمرنا يوما بشيء ولم تحمل إلينا شيئاً بصيغة الأمر، إلا حين جاءت بيعة الخائن الغادر [الجولاني] لك»؛
– وأن على الظواهري ردّ بيعة الخائن الغادر والتصريح بكفر الروافض والجيوش العربية دون استخدام «الألفاظ العامة» التي يستخدمها كالمتأمركين والعملاء؛
– دعا العدناني الظواهري ليدعو صريحاً إلى حمل السلاح ونبذ السلمية، خاصة لقتال السيسي وجيشه، والتصريح بردّة مرسي الطاغوت «الذي قاد عمليات عسكرية ضد المجاهدين في سيناء وأمر بإعدام بعضهم وعيّن قاضياً صليبياً فيهم» بدلاً من الدعاء له وتصويره بأنه مظلوم رغم حكمه بالدستور الكفري؛
– وصف الجولاني بأنه صبي غرّ خائن ناكث للبيعة؛
– ردّ على نقطة الظواهري بأن مقوّمات الدولة لم تتوفر بعد لإعلانها ودعاه لتبيان المقومات اللازمة لذلك؛
– في مرور على الفصائل المسلحة، وصف العدناني ’النصرة‘ بأنها «جبهة الجولاني» و’الجبهة الإسلامية‘ بـ«جبهة الضرار» (من الضرر، والضرار في القرآن يحمل معنى النفاق والفتنة) و’المجلس العسكري‘ بـ«المجلس العسكري الكفري»، ثم زاد في مكان آخر بأن قال عن ’النصرة‘ «جبهة الخائن الغادر ولصوصها وضباعها» كما قال عن ’الجبهة الإسلامية‘ «الجبهة السلولية وسروريّها» – السلولية تشير إلى الارتباط بالمملكة السعودية التي يطلق الجهاديون على حكّامها اسم «آل سلول»، وسلول هو جدّ عبد الله بن أبيّ زعيم المنافقين أيام الإسلام الأولى، أما السرورية فنسبةً للشيخ السوري محمد سرور وهو مؤسس التيار السروري الذي يناهضه الجهاديون، ولعل السروري المقصود زهران علوش زعيم ’جيش الإسلام‘، وفي كل هذه ألفاظ تكفير ضمني لكل هؤلاء لا ينكره أتباع ’الدولة‘، وقد أكّد العدناني أن كلهم صحوات تقاتلهم ’الدولة‘؛
– رداً على طلب الظواهري بالرجوع لمحكمة شرعية، قال إن ’الدولة‘ لم تقاتل إلا دفاعاً ولا يمكن الرجوع لمحكمة مستقلة لعدم وجود هيئة على الأرض يرضى بها الطرفان؛
– يقدم العدناني حلّه بإعلان مبكر للخلافة: «ثم الا أدلّكم على [ما هو] خير وأيسر؟ أمر لو يفعله المسلمون أفلحوا كل الفلاح، أليس في المسلمين رجل صالح؟ أليس في المسلمين رجل مؤهّل؟ أليس في المسلمين على وجه الأرض رجل رشيد يختاره المسلمون فيعلن على الملأ كفره بالطاغوت والبراءة من الكفر والشرك وأهله، ويعلن بغضاءه لهم وحربه عليه، فنبايعه على ذلك وننصّبه خليفة، فنقاتل من عصاه بمن أطاعه، في العراق والشام والجزيرة ومصر وخراسان والأرض جميعاً؟ فننهي هذا التشرذم وهذا الاختلاف ونفرح ونُفرح المؤمنين ونغيظ الكافرين، فلا تبقى إمارة شرعية غيره. هذا هو الحل، ولا حلّ سواه، فيكون أول واجب لذلك الخليفة تشكيل تلك المحكمة التي تدعونا لها، هذا هو الحل الوحيد، وهذا حل يسير لا يوجد أي مانع شرعي يحول دونه، بل هو واجب العصر الذي يتخلف عنه المسلمون، هذا داؤنا ودواؤنا»؛
– أما عن الدعوة للعودة للعراق والتي كرّرها الظواهري فردّ العدناني بأن هذا أمر غير ممكن، ذاكراً مثلاً أن المناطق التي تسيطر عليها ’الدولة‘ أكبر من كل المناطق التي تسيطر عليها كل الفصائل الأخرى وأن شرع الله يطبق فيها وأنها لا يمكن أن تسلَّم للجربا وصناديق اقتراعه ولا لـ«الجبهة السلولية»؛
– الرد على الدعوة للاقتداء بالحسن بأنه «لا معاوية على الطرف الآخر»؛
– يقول العدناني أيضاً: «وعذراً عذراً أمير القاعدة، فإن جنود جبهة الجولاني وجنود جبهة أبي خالد السوري [أي ’الجبهة الإسلامية‘] باتوا يقولون بعد تصريحاتكم الأخيرة ’خرّف الشيخ!‘، وعذراً على هذا النقل الصريح فإنه من أوساطهم». – يبدو وصف ’الجبهة الإسلامية‘ بجبهة أبي خالد السوري نوعاً غريباً من الانتقاص، فالرجل قاعدي وله وزنه في تاريخهم، ولم تعلن داعش يوماً أنها من اغتالته، فلم استخدام اسمه كانتقاص هنا؟
– «عذراً أمير القاعدة، ’الدولة‘ ليست فرعاً تابعاً لـ’القاعدة‘، ولم تكن يوماً كذلك، بل لو قدّر الله لكم أن تطأوا ’الدولة الإسلامية‘ لما وسعكم إلا أن تبايعوها وتكونوا جنوداً لأميرها القرشيّ حفيد الحسين، كما أنتم اليوم جنود تحت سلطان الملّا عمر [زعيم تنظيم طالبان و«خليفة» سابق، كان رئيس أفغانستان الفعلي إلى أن أطاحت به الولايات المتحدة عام 2001] فلا يصحّ لإمارة أو دولة أن تبايع تنظيماً»؛
– ختم العدناني كلمته بالخروج عن الظواهري مطلقاً، وإخبار المجاهدين بأن الخلاف مع ’القاعدة‘ خلاف منهجي، ثم دعاهم ليقرروا من الذي على خطأ أو على صواب. وتبدو الصيغة دعوة للانقلاب على احتكار ’القاعدة‘ لقيادة الجهاد العالمي والقول بأن الظواهري أظهر منهجها الكامن بعد خلوّ الساحة له: «نطالب جميع أفرع ’القاعدة‘ في كلّ الأقاليم ببيان رسمي وموقف واضح وصريح: ما هو اعتقادكم في منهج ’الدولة الإسلامية‘؟ وما هو حكمكم عليها؟».

لغة العدناني في هذه الكلمة كانت أقسى كثيراً على الظواهري، بل كان فيها التخوين المضمر في أكثر من موضع:

«لقد وضعت نفسك اليوم وقاعدتك أمام خيارين لا مناص عنهما، إما أن تستمر على خطئك وتكابر عليه وتعاند، ويستمر الانشقاق والاقتتال بين المجاهدين في العالم، وإما أن تعترف بزلّتك وخطئك فتصحّح وتستدرك … وها نحن نمدّ لك أيدينا من جديد لتكون خير خلف لخير سلف، فقد جمع الشيخ أسامة المجاهدين على كلمة واحدة، وفقد فرّقتَها وشققتَها ومزّقتَها كل ممزّق … وندعوك … تطفئ الفتنة التي كنت سببها، نعم أنت سببها، إذ جعلت من نفسك وقاعدتك أضحوكة ولعبة بيد صبيّ غرّ خائن ناكث للبيعة [أي الجولاني] وتركته يلعب بكم لعب الطفل بالكرة، فأذهبتَ هيبتك، وأضعت تاريخك ومجدك، فبادر واحذر من خاتمة السوء».

أما عن الخلاف الذي بلغ غايته بين الدولة و’القاعدة‘ بهذه الكلمة فهو ليس وليد اليوم، فالخلافات قديمة بين تنظيم الدولة وقيادة ’القاعدة‘ منذ زمن، حتى أن البغدادي نفسه لم يعيَّن بموافقة قيادة ’القاعدة‘، وسلفه «أبو عمر البغدادي» (حامد الزاوي) إنما قبل تعيينه بتوصية، وإلا فقد جرى دون انتظار القبول أو الرفض.

هذا الابتعاد من قبل ’الدولة‘ تمّ تدريجياً لكنه يتعلق بشقين رئيسيين:

الشق الأول: أن تنظيم ’القاعدة‘ نفسه لم يعد تنظيماً هرمياً ذا تراتبية واضحة ومركزية شديدة، منذ فقد أرضاً ثابتة يستطيع فيها تنظيم أموره واستقبال قيادات الخارج والتنسيق معها، فـ’الدولة‘ التي يقول العدناني بأن الظواهري لا يعلم شيئاً عنها ولا عن مقاتليها وحاجاتها وأموالها ينسحب على كل جماعات ’القاعدة‘ في العالم، فالقاعدة باتت حركة ايديولوجية ورمزية قادرة على دعم جماعات الجهاد وإضفاء الشرعية عليها، دون التدخل في شؤونها ودون القدرة على ذلك؛

الشق الثاني يتعلق بتنظيم ’دولة العراق الإسلامية‘ نفسه، وبطبيعته الاستقلالية المتعلقة بمؤسسه الأصلي «أبي مصعب الزرقاوي» (أحمد الخلايلة)، فالرجل أسّس معسكره الخاص في أفغانستان بعد خروجه من الأردن، وأسّس تنظيمه الخاص في العراق قبل أن يبايع ’القاعدة‘، وهو لم يلتزم بأوامرها بالابتعاد عن سفك الدماء وعن قتل مدنيي الشيعة حتى قبل تأسيس ’الدولة‘، كما أن إعلان ’دولة العراق‘ نفسه لم يكن موضع رضا من قبل قيادة ’القاعدة‘ إلا على مضض، كما بيّنت مذكرات بن لادن التي كشفها الأميركيون بعد قتله.

ضربات جديدة لداعش

في 17\5\2014 أعلنت عدد من القوى المسلحة في سوريا ميثاق الشرف الثوري والذي لقي معارضة من طرف ’جبهة النصرة‘، وذلك لتركيزه على الجانب «السوري» وذكره الالتزام بالقوانين والمواثيق. داعش من جهتها لم تهتمّ لهذا الميثاق ولم تردّ بصفة رسمية، لكن التوقيع على الميثاق ما زال حتى اليوم وصمة كفر يلاحِق الجهاديون بسببها كل من وقّع عليه، لذا ابتدأ زهران علوش بالقول بأن لديه ملاحظات على الميثاق فيما يبدو أنه تبرؤ منه في لحظة أخيرة.

في 3\6\2014، وبعد أربعة أشهر من دعوة الرئيس التركي عبد الله غل للتعاون مع إيران لحل الأزمة في سوريا وتشكيل خلية مشتركة للتشاور بشأن الإرهاب، وضعت تركيا ’جبهة النصرة‘ على قائمة الإرهاب.

وفي 13\6\2014 أفرجت السلطات الأردنية عن أبي محمد المقدسي (عاصم البرقاوي)، السلفي الأردني صاحب الرمزية الروحية العالية في أوساط الجهاديين، وقبل إعلان موقفه اختار المقدسي التوقف مبدئياً ليستقرئ الأوضاع، إلى أن أعلنت جماعة ’الدولة‘ «قيام الخلافة» (على ما سنذكر لاحقاً) ليرفضها المقدسي ويقف ضدها في بيان شهير بعنوان «ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها».

المقدسي هو شيخ الزرقاوي وشيخ السلفية الجهادية الأردنية، والتي تعتبر العمق الفكري والمؤسّس لـ’قاعدة‘ العراق، وفي تاريخ العلاقة بين الرجلين، الزرقاوي والمقدسي، شَبَه غريب بينهما وبين ما سيحدث بعد سنوات بين ’الدولة الإسلامية‘ و’جبهة النصرة‘. الرجلان اللذان كانا معا في «تنظيم بيعة الإمام» في الأردن جرى افتراقهما فيما بعد بسبب تطرّف الزرقاوي واستئثاره بالإمارة على حساب المقدسي، الأجلّ قدراً والأكبر سنّاً؛ كما اختلف الرجلان أيضاً في خياراتهما، فركّز المقدسي على الدعوة وتحرير القدس مقابل ميل الزرقاوي للسفر (أفغانستان ثم العراق) لإنشاء التنظيمات وقتال «الأنظمة الكفرية»…

لذا تبدو ’الدولة الإسلامية‘ وريثة فكر ومنهج الزرقاوي بينما لا تخفي ’النصرة‘ ميلها وإجلالها للمقدسي.

في 20\6\2014 أعلن ’جيش الإسلام‘ بقيادة زهران علوش عن خطة في غوطة دمشق، التي تقع تحت حصار النظام وسيطرة تنظيمه السلفي المسلّح، لـ«تطهيرها من الخوارج»، أي من قوات داعش المتواجدة بها. و«الخوارج» هي الشتيمة الرسمية المعتمدة لدى السلفيين المعادين لتنظيم البغدادي، وهي فرقة ظهرت في أعقاب الحرب الأهلية الإسلامية (منتصف 600ات) كفّرت بعض الصحابة وتبنّت الحرب شرطاً من شروط الإمامة. أما قوات داعش الموجودة في الغوطة فليست أقوى قواتها، وداعش لا يزيد اختراقها لمجتمع الغوطة الدمشقية عن ألف مقاتل في أقصى التقديرات، وهم ينقسمون لمجموعات صغيرة ويغلب عليهم الطابع المحلي (كأغلب مقاتلي الغوطة). وكانت شرارة الإعلان هذا، على ما قال علوش، هو انشقاق «أبي همام الشامي» أحد شرعيي ’الدولة‘ وانضمامه لـ’النصرة‘ محتمياً بزهران علوش، وسرعان ما قامت ’الدولة‘ بقتله مع أمه في غضون أيام، لتبدأ معركة استمرت حوالي شهر، وقد أعلن علوش انتهاء «عملية تطهير الغوطة» من الخوارج في 24\7\2014 وبدء خطة جديدة لتطهير الغوطة من المفسدين واللصوص.

اجتياح العراق: بوابة الخلافة

نعود قليلا إلى الوراء…

في 10\6\2014 حدثت نقطة تحول هائلة في مسار أحداث المنطقة بأكملها: ’الدولة الإسلامية‘ تبدأ باجتياح العراق وتدخل الموصل ثاني أكبر المدن العراقية وتسيطر عليها، مع تمدّدها ودخولها لعدد من المدن والبلدات وسيطرتها على حقول النفط الواقعة في الشمال العراقي. لم يكن حدث دخول العمق العراقي أمراً هيّناً، فقد منح جماعة ’الدولة‘ دفعاً معنوياً هائلاً وتمدّداً مكانياً ومكانة فضل طالما احتاجوها، كما أنه وفّر لهم دخلاً مادّياً ومدداً عسكرياً لم يتسن لهم من قبل ولا لأحد من قبلهم، خصوصاً بعد استيلائهم على بنوك الموصل ومخازن الأسلحة الواقعة حديثاً تحت سيطرتهم، وهكذا صارت ’الدولة الإسلامية‘ أغنى تنظيم إرهابي في العالم وبثروة قدّرتها ’الغارديان‘ بـ2 مليار دولار!

لم يزل اجتياح ’الدولة‘ للعراق غامضاً إلى اليوم، ولم يزل حلفاء ذلك الاجتياح، سواءً في حكومة المالكي أو عشائر شمال العراق، غير واضحين، والأمر برمّته بحاجة للمزيد من الوقت والبحث لتتكشّف ملامحه كاملة، بيد أن العدناني أصدر كلمته في 11\6\2014 بعنوان «ما أصابك من حسنة فمن الله» متناولاً دخول الموصل وذاكراً ما يلي:

– مديح ’الدولة‘ وجهادها ودعوة المجاهدين للتواضع وشكر الله؛
– دعوة المقاتلين للعفو عن أهل السنّة؛
– إعلان استشهاد أبي عبد الرحمن الأنباري (عدنان البيلاوي، ضابط بعثي سابق أيضاً) الذي كما يقول العدناني رافق الزرقاوي ثلاث سنوات قبل أن يؤسرليخرج من السجن قبل عامين، وقد كان العقل المدبر والقائد العسكري وراء العمليات الأخيرة؛
– دعا الجنود للسير إلى بغداد وتوعّد بالوصول إلى النجف وكربلاء (المدن المقدّسة لدى شيعة العراق)؛
– ثم توجّه إلى «الهالكي» (نوري المالكي) وقال «حقاً إن بيننا تصفية للحساب، صدقتَ وأنت الكذوب، حساب ثقيل طويل، ولكن تصفية الحساب لن تكون في سامرّاء أو بغداد، وإنما في كربلاء المنجّسة، والنجف الأشرك».

لكن ما معنى أن تفرج الحكومة العراقية عن البيلاوي من سجنه، هكذا وقبل عامين وهو الضابط البعثي السابق، بينما ’دولة العراق والشام‘ في توسع مستمر؟ لا يمكن تفسير ذلك الأمر الآن، لكن السؤال مطروح، ويرتبط بسؤال «أصدقاء صيدنايا» الذين أفرج عنهم النظام قبل ثلاث سنوات وهم يقودون العمليات العسكرية ضده اليوم.

بعد أيام أصدرت ’مؤسسة الاعتصام‘ التابعة للتنظيم شريط فيديو عالي الدقة بعنوان «كسر الحدود» ظهرت فيه جرّافات ’الدولة الإسلامية‘ تهدم الحواجز المنصوبة بين العراق وسوريا، مع تنديد باتفاقية سايكس-بيكو التي وزّعت الأرض بين البلدين (يُذكر، على سبيل المفارقة، أن سايكس-بيكو 1917 لم تفصل ولاية الموصل عن ولاية حلب اللتين كانتا ضمن المنطقة العربية A)، كما يظهر في فيديو «كسر الحدود» عدد من قادة ’الدولة‘ والناس الذين يباركون إزالة الحدود، ثم يخرج العدناني (مع تمويه وجهه) ليندّد بـ«حدود الذلّ» و«صنم الوطنية» ويبشّر بوعد النبي بـ«خلافة على منهاج النبوة»، وإلى جانبه «أبو عمر الشيشاني» الذي يتكلم بالشيشانية (مع ترجمة عربية في الأسفل) عن إنجاز ’الدولة‘ الجديد، وينتهي الفيديو بصور بشعة لإعدام «حراس حدود سايكس-بيكو» وأسر بعضهم الذين يقال لهم «دولة الإسلام…» فيصرخون «باقية»…

في 29\6\2014، في اليوم الأول من رمضان 1435، أعلنت ’الدولة الإسلامية في العراق والشام‘ إقامة الخلافة الإسلامية على لسان متحدثها العدناني، وسنطيل هنا في نقل ما جاء في ذلك الإعلان لأهميته، ومنه:

– أن حقيقة الاستخلاف الذي من أجله خلقنا الله هو حمل الكافّة (أي إجبار الناس) على ما يقتضيه الشرع؛
– أن العرب كانوا في ذلّ حتى أكرمهم الله بالإسلام؛
– ثم صار العدناني يعدّد تطبيق ’الدولة الإسلامية‘ للدين في حدودها ومناطق سلطتها، كالأمن ودفع الجزية وجباية أموال الفيء والزكاة إلى غير ذلك مما ذكر، منتهياً إلى القول بوجود واجب كفائي تأثم الأمة بتركه ولم تذق طعم العزّة منذ فُقد، ألا وهو الخلافة، فقد اجتمع «أهل الشورى» في ’الدولة‘ وقرّروا أن ’الدولة‘ باتت تمتلك مقوّمات الخلافة وأنها آثمة إلّم تعلنها، ولذا فهي بأهل الحل والعقد فيها قامت بـ«إعلان قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب خليفة للمسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد، العالم العامل العابد، الإمام الهمام المجدّد، سليل بيت النبوّة، عبد الله إبراهيم بن عوّاد بن إبراهيم بن علي بن محمد، البدري القرشي الهاشمي، الحسيني نسباً، السامرّائي مولداً ومنشأً، البغدادي طلباً للعلم وسكناً، وقد قبل البيعة، فصار بذلك إماماً وخليفةً للمسلمين في كل مكان، وعليه: يلغى اسم ’العراق والشام‘ مِن مسمّى الدولة في التداولات والمعاملات الرسمية، ويُقتصر على اسم ’الدولة الإسلامية‘ ابتداءً من صدور هذا البيان»؛
– «وننبّه المسلمين أنه بإعلان الخلافة، صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة إبراهيم حفظه الله، وتبطل شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات التي يتمدّد إليها سلطانه ويصلها جنده …قال الإمام أحمد رحمه الله، في رواية عبدوس بن مالك العطّار: ’ومَن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمّي أمير المؤمنين، فلا يحلّ لأحد يؤمن بالله أن يبيت ولا يراه إماماً، برّاً كان أو فاجراً، وإن الخليفة إبراهيم حفظه الله تتوفر فيه جميع شروط الخلافة التي ذكرها أهل العلم»؛
– أضاف العدناني أنه لا يجد عذراً شرعياً للمجاهدين ومن يرفعون رايات الجهاد أن يتخلفوا عن ركب الدولة: «وآن لكم أن تُنهوا هذا التشرذم والتشتّت والتفرّق المقيت، الذي ليس من دين الله في شيء، وإن خذلتموها أو عاديتموها فلن تضرّوها! لن تضرّوا إلا أنفسكم! وإنها الدولة! دولة المسلمين، وحسبكم بما روى البخاري رحمه الله، عن معاوية رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ’إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين»؛
– وجّه كلامه لجنود الفصائل والتنظيمات قائلاً بأنه، بعد التمكين وقيام الخلافة، «بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم ووجب ولاؤكم للدولة»، وأنه «ما أخّر النصر إلا وجود هذه التنظيمات لأنها سبب الفرقة»؛ «يقولون: لا طاقة لنا بجهاد النخبة ونريد أن نقود الأمة في جهاد الأمة! ألا تبّاً لأولئك الأمراء! وتبّاً لتلك الأمة التي يريدون جمعها، أمة العلمانيين والديمقراطيين والوطنيين، أمة المُرجئة والإخوان والسرورية؛
– مديح لجنود الدولة ودعوتهم للتمسك بدولتهم: «فلتحملوا هذه الراية بقوة، اسقوها بدمائكم، وارفعوها على أشلائكم، وموتوا تحتها، حتى تُسلموها إن شاء الله لعيسى بن مريم عليه السلام … واعلموا أن من أعظم أسباب هذا النصر الذي منّ الله تبارك وتعالى به عليكم تكاتُفكم وعدم اختلافكم، وسمعكم وطاعتكم لأمرائكم، وصبركم عليهم، ألا فتذكروا هذا السبب، وحافظوا عليه، ائتلفوا ولا تختلفوا، تطاوعوا ولا تنازعوا، إياكم إياكم وشقّ الصف، ولْتتخطفنّ أحدكم الطير ولا يشق الصف أو يساهم في شقّه، ومن أراد شق الصف فافلقوا رأسه بالرصاص، وأخرجوا ما فيه، كائناً من كان ولا كرامة»؛
– أنه لا أحد يستحق المشورة بين من خذل ومن خان ومن حرّض ومن عادى ومن حارب؛
– وإن قالوا لكم لا نقبل بكم فقولوا لهم: لقد قدرنا بفضل الله على إقامتها، فوجب علينا ذلك، فسارعنا امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، وقولوا لهم: لقد سكبنا لأجلها أنهاراً من دمائنا، نسقي غرسها، وأسّسنا قواعدها من جماجمنا، وبنينا صرحها على أشلائنا، وصبرنا سنين على القتل والأسر والكسر والبتر، وتجرّعنا المرار نحلم بهذا اليوم، أفنتأخّر لحظة وقد بلغناها؟
– ثم أنهى الكلمة بالمباركة للمسلمين بشهر رمضان.

وفي 1\7\2014 نشرت ’مؤسسة الفرقان‘، المؤسسة الإعلامية لـ’الدولة الإسلامية‘ رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية في شهر رمضان، «لأبي بكر البغدادي، مولانا أمير المؤمنين»:

– قدّم فيها لرمضان وبيان فضله؛
– نصائح للمقاتلين لترك الدنيا والتذكير بالجهاد؛ «يا أمة الإسلام، لقد بات العالم اليوم في فسطاطين اثنين، وخندَقَين اثنين، ليس لهما ثالث؛ فسطاط إسلام وإيمان، وفسطاط كفر ونفاق، فسطاط المسلمين والمجاهدين في كل مكان وفسطاط اليهود والصليبيين وحلفائهم ومعهم باقي أمم الكفر ومِلَلِه، تقودهم أميركا وروسيا وتحرّكهم اليهود»؛
– التعرض لمآسي المسلمين والمرور عليها، وأن دولة الخلافة التي قامت هي من سترفع عنهم ذلك؛
– دعوة المسلمين للهجرة لدولة الخلافة: «فهلمّوا إلى دولتكم أيها المسلمون، نعم دولتكم، هلمّوا، فليست سوريا للسوريين، وليس العراق للعراقيين، {إِنَّ الْأَرْضَ لِلهِ يُوْرِثُهَاْ مَنْ يَشَاْءُ مِنْ عِبَاْدِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ}، الدولة دولة المسلمين، والأرض أرض المسلمين، كل المسلمين.فيا أيها المسلمون في كل مكان، من استطاع الهجرة إلى ’الدولة الإسلامية‘ فليهاجر؛ فإن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة»؛
– والتأكيد على أصحاب الاختصاصات والشرعيين: «ونخصّ بندائنا طلبة العلم والفقهاء والدعاة، وعلى رأسهم القضاة وأصحاب الكفاءات، العسكرية والإدارية والخدَمية، والأطباء والمهندسين في كافة الاختصاصات والمجالات، ونستنفرهم، ونذكّرهم بتقوى الله، فإن النفير واجب عليهم وجوباً عينياً، لحاجة المسلمين الماسّة إليهم؛ فإن الناس يجهلون دينهم، ومتعطّشون لمن يعلّمهم ويفقّههم»؛
– ختم بمجموعة من النصائح للمجاهدين ومعاملة المسلمين وعشائر أهل السنّة خيراً وتغليب العفو والصفح: «هذه وصيتي لكم، إن التزمتموها لتفتحُنّ روما، ولتملكنّ الأرض إن شاء الله».

ثم عاد البغدادي في الجمعة الأولى من رمضان ليظهر للمرة الأولى علناً وبوجهه في مسجد الموصل الكبير، فيما يبدو أنه الهدف الوحيد من الخطبة للردّ على مجهوليّة الخليفة للمسلمين والتي لامه عليها شرعيون أثناء ردّهم على إعلان الخلافة، إذ لم تحتوِ الخطبة على شيء ذي أهمية سياسية، وتنوّعت بين تذكير بفضل رمضان ومدح للمجاهدين ودعوة للهجرة لدولة الخلافة، قبل أن يستخدم البغدادي كلمات أبي بكر الصديق الشهيرة حين توليه الخلافة: «إني قد وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم».

هذا وقد كشفت ’الأمم المتحدة‘ عن إعدام ’الدولة‘ لإمام المسجد الذي خطب منه البغدادي مع 12 إماماً آخرين.

’النصرة‘ تحضّر إمارتها

نعود لـ’جبهة لنصرة‘ ومتابعة شأنها… لم تُصدر الأخيرة أي ردة فعل رسمية تجاه إعلان الخلافة، لكنها عادت لنشاطها الإعلامي الذي كان خاملاً منذ حوالي شهر من قبل، كما أصدر أبو مالك أمير ’النصرة‘ في القلمون كلمة مختصرة في 2\7\2014 تحدّث فيها أن «أهل السنّة في لبنان ينتظرون إعلان سياسة ’النصرة‘ الجديدة تجاه ’حزب الله‘ بشكل خاص والرافضة بشكل عامّ، خاصة بعد جرائمهم بحق أهل السنّة في سوريا وأيضاً في لبنان وإخراجهم من أرضهم كما حدث في قرية الطفيل».

لكن أهم ما جاء في الكلمة إعلان ’النصرة‘ بدء معركتها داخل لبنان وامتداد نطاق عملياتها إلى هناك: «إلى هؤلاء المجرمين، ما يسمّى زوراً ’حزب الله‘، نقول لهم: أيها الأنجاس، إن معركتنا معكم لم تعد مقتصرة على الحدود وفي الجبال، فلقد استطعنا بفضل الله اختراق اﻷطواق اﻷمنية في كل مناطق لبنان، وأصبح لدينا مجاهدون بالآلاف بفضل الله، وهم ينتظرون الإذن ليبدأوا المعركة في داخل لبنان وعلى قرى الروافض حصراً، وها هي نذور الحرب لاحت في الأفق، فانتظروا غضبة أهل السنّة».

لكن الإعلان الأهم كان بتاريخ 11\7\2014 في كلمة قيل إنها «مسرّبة» عن الجولاني، وقد تمّ حذفها من المواقع الجهادية خلال أيام فيما ذهب محلّلون إلى أن هذه الأمور محسوبة بدقّة، وقد نصّت الكلمة على إعلان ’النصرة‘ نيّتها تشكيل إمارة إسلامية. الكلمة مهمة في تأريخ شأن ’النصرة‘ فهي تغيير في سياستها المعلنة ولها تداعياتها التي تتوالى في هذه الأيام. جاء في الكلمة ما يلي:

– مدح جنوده والثناء عليهم وأنه مستعدّ لتقبيل أقدامهم التي اغبرّت في سبيل الله؛
– أن ’النصرة‘ مرّت بأطوار متعدّدة من ضعف ثم قوة ثم بعض النكبات التي أصابتها ولم تزدها إلا إصراراً على الحق؛
– إعلان النية لتشكيل الإمارة الإسلامية: «وبعد كل التضحيات التي قدّمتموها في سبيل الله عزّ وجلّ لتحكيم شرعه ونشر نهجه، قد حان الوقت لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات على أرض الشام، وأكثر من أربعين سنة من جهاد تنظيم ’القاعدة‘ في بلاد الأرض شتّى، لقد جئتكم ببشرى أيها الإخوة، بملفّ نقيم به شرع الله عزّ وجلّ (تكبيرات)، قد حان الأوان أيها الاحبة لنقيم إمارة إسلامية على أرض الشام، تطبّق حدود الله عزّ وجلّ وتطبّق شرعه بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى، دون تهاون أو استهانة أو مواربة أو مداراة، قد آن الأوان أيها الأحبة أن نقيم إمارة إسلامية على أرض الشام تحفظ حقوق المسلمين، تصون حرماتهم وتصون مقدساتهم وتجبي الزكاة وتقيم الحدود، وتفعل كل ما يأمرنا به الله عزّ وجلّ من الصغيرة إلى الكبيرة (تكبيرات) لن نسمح لأحد كائناً من كان أن يقطف ثمار جهادكم مهما بلغ بنا الحال، ولو لم يبق منا قطرة دم واحدة (تكبيرات) فلا مجال لمشاريع علمانية ولا لمشاريع انبطاحية ولا لمشاريع خارجية غالية» – يقصد بالمشاريع الخارجية (نسبة إلى «الخوارج») داعش؛
– «أيها الإخوة، مفتاح هذه الإمارة في أيديكم، أنتم من تملكون إقامتها في غضون عشرة أيام، لو أنكم سمعتم وأطعتم وأصررتم وامتلكتم الإرادة التامة لتنفيذ هذا الأمر، بيدكم هذا المفتاح لا ينازعكم فيه أحد لا في أرض الشام ولا غيرها، أنتم من تملكون هذا الأمر، أنتم من اختاركم الله عزّ وجلّ لتكونوا في محطة صراع تاريخية ينتظرها المسلمون منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام … اليوم أيها الأحبة، سنبدأ العمل بجدّ لأن نقيم هذه الإمارة، مهما كلّفنا من طاقة، يجب أن نتساعد جميعاً ونبذل كل طاقتنا جميعاً، صغيرنا وكبيرنا، ومن يأبى هذا فلا حاجة لنا عنده أن يكون بين صفوفنا… حان وقت الحزم وآن الاوان ألا تضيع دماؤنا سُدى، يسرقها هذا أو ذاك، بعض اللصوص والحرامية وبعض المتسلقين على أكتاف المجاهدين»؛
– كما أكّد الجولاني كثيراً في كلمته لأتباعه على صعوبة المهمة التي تنتظرهم، ووجوب الطاعة والاتّباع والعمل الجادّ منهم: «أريد أن أسمع أنكم ستعينوننا جميعاً، وأنكم ستكونون جنوداً في هذا الأمر الذي أشرنا إليه، هل أنتم جادّون فعلاً في أن تقيموا إمارة إسلامية على أرض الشام؟»؛
– أما عن صعوبة المهمة التي تنتظرهم فيقول الجولاني: «هذه الإمارة أيها الإخوة سيكون لها خطوط تماسّ مع كل من يريد أن يتربّص بالمسلمين، وهذه الحدود تمتدّ بطريقة واسعة، منها مع النظام [السوري] ومنها مع الغُلاة [داعش] ومنها مع المفسدين ومنها مع البككة [أي البي كي كي PKK، وهو ’حزب الاتحاد الديمقراطي‘ الكوردي] وعلى كل من يتربص بهذه الأمة، فعلى كل جندي من ’جبهة النصرة‘ أن يكون على أهبة الاستعداد لأن يخوض القتال على كل أحد يريد أن يؤذي هذا المشروع الذي ندعوا إليه، هل أنتم جادّون بهذا؟»؛
-يقول الجولاني إن النصرة هي من بدأت الجهاد في أرض الشام: «كفانا تشتّتاً من القوى التي نحملها، ’الجبهة‘ تملك قوة هائلة بفضل الله عزّ وجلّ، يندر أن ينافسها فيها أحد في أرض الشام، من القوة الإيمانية والقوة النوعية والإصرار على الحق، أنتم صاعقُ هذا الجهاد الذي حدث في أرض الشام، أنتم من أشعل شرارته وأنتم في المكان الذي تثبتون فيه تثبّتون الناس معكم وفي المكان الذي تهتزون به تهتزّ كل الشام معكم»؛
– ثم أعلن الجولاني عن تقسيم قواته لكتائب وسرايا، وقسم آخر يكون جيشاً يتحرك بينها، بالإضافة إلى نظام شرطة وقوات للحواجز وقوات للتدخل السريع؛
– إعلان تشكيل محاكم شرعية: «وستقام محاكم شرعية بأمر الله عزّ وجلّ بغضون هذا الأسبوع، وستقام محاكم شرعية في بعض المناطق المحرّرة، ويجب أن تكونوا جميعا لها سمعاً وطاعة، أيما جندي من جنود ’الجبهة‘ يسيء لأحد أو يسيء لصاحبه عليه أن يتحاكم لهذه المحكمة، كائناً من كان، أميراً كبيراً أو صغيراً، حتى العبد الفقير [يقصد نفسه] لو أساء لأحد منكم فاشتكى لهذه المحكمة فرقبتي تُداس أمامكم جميعاً، وأيما قاضٍ من القضاة يعمل في هذه المحكمة يَثبت عليه أنه ارتشى أو أنه قد خالف شرع الله عزّ وجلّ في أدنى جزء من أجزائه فإنه يقدَّم لهذه المحكمة، ولو حكمت بقتله لقتلناه»؛
– «نسعى لإقامة إمارة إسلامية شرعية على منهاج النبوة، لا نريد فيها أي مداراة لأي مشاعر أو سياسة شرعية خاطئة، نراعي فيها السياسة الشرعية ضمن الضوابط التي وضعها الله عزّ وجلّ لنا، وما دون ذلك فنحن لا نسأل عن رأي شرق ولا غرب أو داخل أو خارج أو أي من هؤلاء المنبطحين»؛
– ينبّه الجولاني إلى أنه لن يهادن بعد اليوم أحداً من المفسدين، وأنه سيحاربهم جميعاً؛
– «إن الجيش الذي سيقوم على صيانة هذه الإمارة يجب أن يكون جيشاً قوياً متيناً، قلوب أصحابه مفعمة بالإيمان، ما عندنا كلمة انسحاب بعد اليوم، إذا ما اخترنا قتالاً سنقاتل حتى الموت (تكبيرات ثم يكرّر الجملة) ضدّ أي كان: ضدّ النظام ضد الغُلاة ضد المفسدين ضد البككة ضد أي كان، لن نتهاون مع أحد بعد اليوم أبداً، من أراد أن يشاركنا هذا المشروع فليبيّن موقفه من الآن، لا نريد أحداً أن يتركنا في منتصف… [ينقطع التسجيل]».

وفي تسجيل آخر (يبدو أنه سُحب من الشبكة حيث لم نتمكّن من العثور على أي نسخة له) يذكر الجولاني خطته بقيام أربع إمارات كجزء من إمارة واحدة، اثنتين في المنطقة الشمالية (إدلب وحلب) وواحدة في المنطقة الجنوبية (درعا) وواحدة في المنطقة الغربية (الغوطة)، دون الاقتراب من المنطقة الشرقية – في إعلان يبدو أنه تسليم للمنطقة لـ’الدولة الإسلامية‘ التي كانت تقاتل ’النصرة‘ في دير الزور حينها ولم ترسل الأخيرة مدداً لقواتها هناك، كما أنها سلّمت مناطق سيطرتها في حلب لقية الفصائل المتواجدة هناك.

إعلان الجولاني للإمارة تغيير معلن في سياستها، فالرجل الذي كثيراً ما ذكر سابقاً أن ’النصرة‘ لا تريد أن تحكم، وإنما تريد أن تحكّم الشرع وتريد التعاون مع بقية الفصائل، اختار مفرداً إعلان إمارة تحكم فيها ’النصرة‘ بمنهجها، بل اقترب من تنظيمه الأم بكلامه عن الآخرين كغُلاة ومنبطحين. كما يبدو الإعلان، وإن لم يتطرق لمسألة الخلافة، محاولة لتجاذب السلطة مع ’دولة العراق‘ ومنعاً لجنود ’النصرة‘ من الانشقاق عنها، خصوصاً بعد الانشقاقات الكثيرة التي حصلت منذ بداية اجتياح ’الدولة‘ في أوائل العام الماضي، ويبدو أن ذلك كان ذا جدوى، فقد بايعت ’صقور العز‘ في حلب ’النصرة‘ في إمارتها، ويُنتظر أن تحدث مبايعات جديدة قريباً.ويترافق كل ذلك مع تنازع أيديولوجي مع ’الدولة‘ تتزعمه ’النصرة‘ في محاولة للحصول على الدعم من رموز لهم ثقلهم، كأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وأيمن الظواهري وأمراء طالبان في أفغانستان.

بعد أيام أصدرت ’النصرة‘ بياناً توضيحياً أكّد صحّة الكلمة المسربة وذُكر فيه:

– أن مشروع النصرة ما كان إلا تحكيم الشرع منذ نشأتها: «إنّ مشروع ’جبهة النصرة‘ من أول يوم أُسّست فيه هو إعادة سلطان الله إلى أرضه وتحكيم شريعته»؛
– أن الإعلان لم يحدث بعد: «إننا نسعى لإقامة إمارة إسلامية وفق السنن الشرعية المعتبرة، ولم نعلن عن إقامتها بعد، وفي اليوم الذي يوافقنا فيه المجاهدون الصادقون والعلماء الربّانيون سنعلن عنها بإذن الله»؛
– أن الهيئات التي ستنشئها ’النصرة‘ ستكون بديلاً عن الهيئات السابقة وستلغيها: «إننا نسعى لتحكيم الشريعة من خلال إقامة دور للقضاء ومراكز حفظ الأمن وتقديم الخدمات العامة للمسلمين في غضون عشرة أيام، بديلاً عن الهيئات الشرعية السابقة»؛
– أن إعلان الإمارة كان لمنع الآخرين من قطف ثمار المجاهدين، وكان هذا مما ذكره الجولاني في كلمته: «لن نسمح لأحد أن يقطف ثمار الجهاد ويقيم مشاريع علمانية أو غيرها من المشاريع التي تقام على دماء وتضحيات المجاهدين»؛
– أعلنت ’الجبهة‘ حملتها ضد المفسدين والتي ستترافق مع هذا البيان في قتال عدد من الكتائب: «لن تتهاون ’جبهة النصرة‘ مع المجموعات المفسدة في المناطق المحررة بالاتفاق مع الفصائل الصادقة»؛
– أشار البيان للخطر الذي تستشعره ’النصرة‘ بعد إعلان الخلافة بالدعوة لـ«رصّ الصفوف ضد الأخطار التي تهدد الساحة، سواء من قبل النظام النصيري أو جماعة الخوارج الغلاة».

هذا وقد ابتدأت ’النصرة‘ حملة لتطهير مناطق سلطة إمارتها المتوقعة ممن تصفهم بـ«المفسدين»، فبدأت في درعا مناوشات مع تشكيلات ’الجيش الحرّ‘ وهاجمت في إدلب ’قبضة الشمال‘ و’ذئاب الغاب‘ وغيرهم، وهي الحملة التي تسببت بتعليق ’حركة حزم‘ و’جبهة ثوار سوريا‘ التعاون مع ’النصرة‘، كما أنها تهدّد ببدء حرب بينهم بدأت بوادرها تلوح في هذه الأيام.

خاتمة أولى

لا نعلم ما الذي سيؤول إليه حال تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ وحال ’جبهة النصرة‘ مستقبلاً.

تبدو ’الدولة‘ في سوريا سريعة الحركة حالياً، مع أنباء عن قرب سيطرتها على حلب خاصة بعد انسحاب ’النصرة‘ منها، وهي إن سيطرت عليها فهذا يعني ضمناً انتهاء معظم كتائب ’الجبهة الإسلامية‘ التي تقاتلها هناك، كما أنها تقاتل ’حزب الاتحاد الديمقراطي‘ (الكوردي) في الحسكة، وقد سيطرت مؤخراً، أثناء كتابة هذه الكلمات، على الفرقة 17 التي طالما هادنت النظام السوري في الرقة من خلال تركها، وقبلها سيطرت مدينة السخنة شرق تدمر في محافظة حمص، وحقل الشاعر للنفط، وهي تفعل ذلك مدعومةً بتمويل وتسليح لم يتوفّرا لها من قبل، فقد أمدّها اجتياح العراق بالكثير من لوازم ذلك.

لكن يُنتظر أن تواجه ’الدولة‘ عقبات حكمها الجديد، فهي لم تسيطر على هذا القدر من المساحات سابقاً، ويبدو أنها مستمرة في للمزيد من التعامل الدموي والبشع مع مناهضيها ومعارضيها الذين يواجهونها وحدهم دون سند… كما أن إعلان الخلافة الإسلامية سيفرض عليها نوعاً جديداً من الواجبات لقيادة الجهاد العالمي والذي سيكون عبء التنافس عليه شاقاً لوحده، ونتوقع بدء دولة الخلافة مواجهة واجباتها الجهادية التي اعتذرت مسبقاً بأن تنظيم ’القاعدة‘ منعها عنها، وقد ألمح البغدادي إلى ذلك مسبقاً: «… للمسلمين في الصين والهند وفلسطين والصومال، وفي جزيرة العرب والقوقاز والشام ومصر والعراق، في إندونيسيا وأفغانستان والفلبين، في الأحواز وإيران، في باكستان وتونس وليبيا والجزائر والمغرب، في الشرق والغرب؛ فالهمة الهمة يا جنود الدولة الإسلامية! فإن إخوانكم في كل بقاع الأرض ينتظرون نجدتكم، ويرقبون طلائعكم» (البغدادي من «رسالة إلى المجاهدين»).

على الجانب الآخر، تقترب ’النصرة‘ من إنشاء إمارتها، ولا شكّ أنها ستحارب كثيراً لتحصل على استقرارها، بما قد يعني الصراع مستقبلاً مع حلفاء الأمس، كما أن أميرها في القلمون أعلن نيتها لفتح جبهة لبنان فيما يبدو أن ’النصرة‘ تعتبره جزءاً من امتدادها الطبيعي في بلاد الشام، غير أن أحداث عرسال لا تقول شيئاً مثل ذلك بعد.

ننهي روايتنا لهذه الأحداث هنا، على أن نستكملها فيما بعد متّبعين النهج ذاته في توثيق متابعات شأن ’القاعدة‘ في سوريا ومآلاتها التي لا نعلم مصيرها إلى اليوم، غير أننا سنختم هذه الدراسة أيضاً بملاحظات وملخّصات ومشاهدات اجتمعت خلال تجميع مادة هذه الدراسة ومتابعة الأدبيات التي تتحدث عما تتحدث عنه، وسننشرها تلك الخاتمة في مادّة مستقلة.