«قطع الرؤوس والأفعال الشنيعة المتطرفة الأخرى تعتبر أفعالاً غير واردة أو لا يمكن تصورها وتصديقها، ولكن يمكن لخليط متماسك ومناسب من العوامل أن يساهم في تحول أي شخص إلى متطرف».

على الرغم من أن مقاتلي ’الدولة الإسلامية في العراق والشام‘ قاموا بذبح الآلاف وسبي النساء والأطفال، فإن الكثير من الغربيين يميلون لرؤية هذه الظاهرة كنُتوء فريد من نوعه في سياق الأصولية الإسلامية. فقد حصل أيضاً مجازر متعدّدة، منها اجتياح مدينة البوسنة في 11 تموز 1995 على أيدي القوات الصربية –المسيحية ظاهرياً– والتي ذبحت بدم بارد ثمانية آلاف مسلم فيما يعرف بمذبحة سربرنيتشا، والإبادة الجماعية التي قامت بها قبيلة هوتو ضد قبيلة توتسي في رواندا، والجريمة الجماعية التي قام بها الخمير الحمر ضد السكان الكمبوديين، والإبادة النازية لليهود والغجر والمعاقين، وقائمة الوحشية بقدر ما هي طويلة بقدر ما هي محبطة ومحزنة للغاية.

ولكن يبقى السؤال، ما هي جذور الوحشية إذا لم يكن بإمكاننا عزوها أو ربطها بدين واحد أو أيولوجيا واحدة معينة؟

1) الوحشية تستدعي الوحشية: ربما يكون الجزء الأول من الجواب بسيطاً بقدر ما هو مرعب، وهو أن نقول إن الوحشية تستدعي الوحشية. فثلاثية القسوة والعدوانية وانعدام التعاطف تُعدّ ردود فعل مشتركة من قبل الناس الذي عوملوا بشكل قاسٍ لمعرفة المزيد عن هذه الثلاثية (بالإنكليزية): http://labs.uno.edu/developmental-psychopathology/ICU/Kimonis,%20Frick,%20Boris,%20Smike,_et_al.,_2006,_CU_high-risk_preschool_sample.pdf.. على سبيل المثال، كثير من السجانين القساة في المعتقلات النازية كانوا في السابق معتقلين في معتقلات كابوس Kapos السيء السمعة، وكذلك فإن الأطفال –وخاصة الذكور– الذين تعرّضوا لاعتداء جنسي يصبحون على الأرجح بدورهم معتدين جنسياً عندما يصلون سنّ البلوغ، هذا مع ملاحظة أن الغالبية ليست كذلك للمزيد حول هذا الموضوع (بالإنكليزية): http://bjp.rcpsych.org/content/179/6/482.full.pdf+html.. بتعبير آخر، فإن الضحايا غالباً ما يستجيبون للصدمة بأن يصبحوا هم أنفسهم جناةً معتدين.

2) الانغماس في الجماعة: لكن صيرورة الضحية مجرماً أو معتدياً لا تكفي أن تكون تفسيراً وحيداً للوحشية. فعندما تنهار الدولة بقانونها ونظامها ومجتمعها المدني، لن يكون هنالك إلا مصدر واحد للبقاء هو الجماعة، سواء كانت هذه الجماعة دينية أو عرقية أو سياسية أو قبلية أو عشائرية أو كانت –في هذا السياق– هيمنة بهيمية من قبل زعيم عصابة يستمدّ بقاءه من الأمن المتبادل الذي توفره الجماعة.

الحرب توثق علاقة الناس بجماعاتهم، وهذه العلاقة التوثيقية التي تقوم بها الحرب تسكِّن الخوف الجنوني وحجم المصيبة التي يشعر بها الفرد عندما تنهار الدولة. كما أنها توفّر تقديراً للذات لبعض الناس الذي يشعرون بالمهانة نتيجة فقدهم المكان والمكانة التي كانوا يتمتعون بها في مجتمع منظم نسبياً. وحينها فإن الهويات الجماعية والفردية تبدأ بالاندماج جزئياً، كما أن تصرفات الشخص تبدأ بالتماهي مع الجماعة لدرجة أن تصبح تعبيراً عن إرادة الجماعة بقدر ما هي تعبير عن إرادة الفرد. وعندما يحدث هذا، فإن بإمكان الناس أن يقوموا بأشياء مرعبة لم يكونوا ليتخيلوا أنفسهم سابقاً أن يقوموا بها لولا ما حدث، فبسبب اتحاد الفرد والجماعة طيلة استمرار التهديد الخارجي فإن الضمير الفردي لا يحتل إلا جزءاً صغيراً في الجماعة المنغمسة في الحرب. إنها الجماعات التي تكون مؤهَّلة للوحشية أكثر بكثير من أي فرد لوحده.

يمكن مشاهدة هذه الوحشية في وجوه مقاتلي ’الدولة الإسلامية‘ الشباب عندما يتسابقون على شاحناتهم، والتلويح بالرايات السوداء، والابتسامات العريضة على وجوههم، وقبضات الأيدي المرتفعة المشدودة، والابتهاج الناتج عن ذبح «الكفار» الذين لم يعتنقوا الإسلام، والذي نراه تقريباً عبارة عن خليط بيوكيميائي عالٍ ناتج عن خلط هرمون أوكسيتوسين oxytocin مع عينة أكبر من هرمون تِستوستِرون testosterone. هذه الخلطات الطبيعية تفعل فعلها أكثر بكثير من الكوكايين والكحول في قسم كبير من الجماعة، فهي تشحن المزاج الشامل للحالة التفاؤلية والتصرفات العدوانية الممتلئة بالطاقة. ولأن الهوية الفردية تنغمس بصورة عامة في هوية الجماعة، فإن الفرد سيكون على استعداد أكبر للتضحية بنفسه في المعركة أو التفجير الانتحاري لأجل ذلك. وما هذا إلا لأن انغماس الفرد في الجماعة يعطيه شعوراً باستمرار الحياة حتى لو مات هو كفرد.

عندما يندمج الناس ببعض، فإن مستويات الأوكسيتوسين ترتفع في الدم، وفي المقابل ستكون تداعيات هذا الارتفاع نزوعاً وقابلية أكبر لشيطنة وإذلال الجماعة المخالفة لمعرفة المزيد عن وظيفة هذه الهرمونا، مراجعة المقال التالي (بالإنكليزية): http://www.pnas.org/content/early/2011/01/06/1015316108.abstract.. هذه المفارقة التي تقوم على نكران الذات الممنوحة للجماعة الموافقة تسهّل للفرد بشكل كبير تخدير تعاطفه وإحساسه بالجماعة المخالِفة التي يراها بناء على ذلك أشياء أو مجموعة من الأجسام المستهدفة. وعليه، فإن القيام بأفعال وحشية تجاه هذه الأشياء سيكون أمراً مستحسناً كونهم حيوانات أو غير بشر.

3) الجماعة المخالفة بوصفها أشياء: وهنا حقيقة مرعبة عندما نتأمل الصراع السنّي الشيعي في العراق والشام والذي يمكن تحليله بأنه تثبيت لقبلية الجماعة الموافِقة مقابل الكراهية التي تزداد ضدّ الجماعة المخالِفة، وذلك كله في سياق تحديد وتعريف ديني لكلا الطرفين المتنافرَين. حتى عندما يكون العنف تجاه المجموعات الأخرى تدميراً ذاتياً كما نشاهد بشكل مأساوي في الشرق الأوسط فإن الجماعات الدينية تؤيد وتدعم درجة من العدوان تجاه الجماعات المخالفة التي كانت غائبة في جماعات غير محددة دينياً للمزيد (بالإنكليزية أيضاً): http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/24264940..

4) الثأر: ربما يلعب الثأر الذي يحتل قيمة كبرى في الثقافة العربية دوراً في إدامة الوحشية. وبالطبع فإن الثأر والانتقام للوحشية يجلب مزيداً من الوحشية في دوامة عنف غير متناهية. لكن في المقابل فإن هذا الثأر، على الرغم من أنه يشكل محفزاً قوياً، فإنه أيضاً مضلِّل ومخادع، لأن الدليل على تحقق الغاية من الثأر ضد أحدهم بعيد عن إزالة وتخفيف الحزن والغضب الذي ولَّده. إن الثأر في النهاية يديم الثأر ويمجده للاطلاع أكثر عن التداعيات المتناقضة للثأر، هنا: http://www.colgate.edu/portaldata/imagegallerywww/184416d4-5863-4a3e-a73b-b2b6b86e7b60/ImageGallery/Carlsmith.Wilson.Gilbert2008.pdf..

5) القادة: ختاماً، سيقوم الناس بأفعال وحشية إذا أخبرهم قادتهم بأنها أفعال مقبولة ولا سيما إذا وهب هؤلاء الناس أنفسهم للجماعة نفسها. إن الإبادة الجماعية في رواندا بدأت شرارتها بسبب سلسلة من البرامج الإذاعية من قبل مجموعة صغيرة من القادة توجهوا بها إلى السكان، الذين شُحِنوا بدورهم بهذه البرامج وانخرطوا في جرائم وحشية ضد أصدقائهم وجيرانهم السابقين الذين كانوا من الجماعة المخالِفة. وكذلك الأمر في الاتحاد السوفييتي، نجد جنود جيش الاتحاد قاموا باغتصاب جماعي عندما غزوا ألمانيا سنة 1945 بناء على أوامر تلقَّوها من كبار القادة العسكريين. وفي سياق داعش، فإن مقاتلي ’الدولة الإسلامية‘ كذلك قاموا بذبح المسيحيين والإيزيديين غير المسلحين بناءً على توجيهات من قادتهم بأن ما يفعلونه أمر شرعي ومستحسن.

القادة، على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم بدءاً من القبيلة إلى الوطن، مسؤولون عن هذه الوحشية، وهم القادرون بالتالي على وقفها، وهذا ما شاهدناه في رواندا، فقد اختار القادة وضع حدّ لهذه الوحشية بعد الضغط الذي قام به المجتمع الدولي. لكن المعضلة كما رأينا تبقى قائمة عندما يمضي القادة بإثارة وتشجيع الوحشية وليس إزالتها أو تخفيفها. وحينها لا يمكن للبشرية التدخل أو الوقوف ضدها.