قبل عامٍ من اليوم، عاشت الثورة السورية إحدى أفدح انتكاساتها رمزيةّ، حين أقدم ملثمون على اختطاف رزان زيتونة ووائل حمادة وسميرة الخليل وناظم حمادي في دوما. في وضح النهار، علانية، دون رغبة بالاختباء، اقتاد الخاطفون الناشطين الأربعة إلى جهة مجهولة، وإلى اليوم..

لكلّ واحد من مخطوفي دوما سيرة مشرّفة في العمل المُعارض ضد نظام الطغيان الإجرامي في سوريا، ولكلّ واحد منهم سجلّ بارز في النشاط الثوري من أجل حرية وكرامة ومساواة السوريين. لم يُخطفوا على يد نظام بشار الأسد، بل خُطفوا على يد أشباه بشار الأسد، أولئك الذين استغلوا انتفاض السوريين ضد القاتل الأكبر كي يكونوا قتلة صغار، ولينشئوا لأنفسهم إمارات أمر واقع هنا وهناك، يقهرون الناس ويستغلونهم، تماماً كما فعل نظام الأسد ويفعل.

لقد غيّب النظام السوري عشرات الآلاف من السوريين والسوريات في معتقلاته خلال عقود حكمه الأربعة، وارتفعت وتيرة الاعتقال والتغييب بالتوازي مع تشغيل ماكينة القتل الأعمى لإخماد الثورة الشعبية التي اندلعت ضد الإجرام الأسدي المديد. ظهر الطغاة الصغار، الذين استخدموا ذريعة مقاتلة النظام، واستفادوا من علاقات ذيلية مع جهات إقليمية ودولية، لإقامة كياناتهم الطغيانية الخاصة، واشتغلوا خطفاً وتغييباً وتصفية بالثوار الذين رفضوا الرضوخ لهذا المنطق، أولئك الذين لم يثوروا ضد طغيان كي يسكتوا على طغيان آخر، أياً يكن نوعه، وأياً تكن شعاراته. هذا ما فعلته داعش في مناطق عديدة من الشمال السوري، وتفعله تنظيمات طغيانية في مناطق عديدة من الجغرافيا السورية، من بينها تنظيم زهران علوش، المتهم باختطاف ناشطي دوما الأربعة.

لقد حملت الأشهر التالية على اختطاف رزان ووائل وسميرة وناظم وقائع تُشير إلى مسؤولية «جيش الإسلام»، بقيادة زهران علوش، عن اختطاف الناشطين، ليس فقط لأن «جيش الإسلام»، وهو القوة العسكرية المهيمنة على منطقة دوما، لم يقم بأي جهد أو تحقيق لكشف ملابسات الاختطاف حتى هذه اللحظة، أو لأن قائده عمد في تصريح عام على الدوران برياء حول المسألة بالحديث عن «نساء المسلمين» المعتقلات في سجون نظام الأسد، بل أيضاً لأن العديد من القرائن والأدلة الثابتة، والتي فصّلها أسامة نصار في مقال صدر قبل أسابيع، تشير إلى مسؤولية «جيش الإسلام» المباشرة عن خطف الناشطين الأربعة وتغييبهم طوال عام كامل.

إن استهداف العاملين من أجل حرية الناس وكرامتهم ومساواتهم يضع النظام السوري من جهة، وداعش وأخواتها من جهة أخرى، في حلفٍ موضوعي لا يغيب وضوحه خلف عراك الجانبين. لكلا الطرفين تضاد وجودي مع الحرية والكرامة والمساواة، ولكلا الطرفين تكوين طغياني وإجرامي بنيوي. لهذا يُغيّب النظام عشرات الآلاف من رافضي إجرامه وطغيانه، وتعمل داعش بهوس جنوني على استهداف أي صوت معارض لإجرامها.

لهذا أيضاً خُطف الناشطون الأربعة.

إن المطالبة بالإفراج عن سميرة وناظم ورزان ووائل هو انحياز لمقاومة الطغيان، ووقوف مع أصحاب الهمّ التحرري في سوريا في قضيتهم الباحثة عن مستقبل حرّ وكريم للسوريين. هو رفضٌ لتغييب من قاوم الطاغية الأكبر من قبل طغاة صغار طارئين. الوقوف مع أهالي وأصدقاء مخطوفي دوما الأربعة، وأهالي وأصدقاء جميع المعتقلين والمخطوفين والمُغيّبين في سوريا، هو واجبٌ إنساني وأخلاقي، وهو موقف تحرري مطلوب، ليس فقط في سوريا، وانما في العالم أجمع.

لقد نظّم أهالي وأصدقاء مخطوفي دوما، بالتعاون مع ناشطين متضامنين مع قضيتهم في سوريا وخارجها، حملة إعلامية للتعريف بقضية المخطوفين الأربعة والمطالبة بالإفراج عنهم. اليوم، عند مرور عام كامل على اختطاف رزان وسميرة وناظم ووائل، تصل هذه الحملة إلى ذروة نشاطها في الشبكات الاجتماعية، وفي وسائل الإعلام، وفي ساحات وشوارع مدن كثيرة حول العالم، وعلى الأرض السورية. ينوي أهالي وأصدقاء المخطوفين الاستمرار بالحملة إلى ما بعد ذكرى الاختطاف، كي تبقى قضية مخطوفي دوما حاضرة أمام العالم، وكي لا ينسى الخاطفون أن هناك من لم ينسَ جريمتهم، ولن يتوقف قبل إطلاق سراح المخطوفين ومحاسبة الخاطفين. إنها حملة تستحق التضامن والتعاون معها، لأنها قضية عادلة مغدورة تحت طغيان الأقوياء، كما هي قضية كل معتقل ومخطوف ومُغيّب، وكل شهيد وجريح ومهجّر. إن توثيق كل هذه القضايا والعمل إعلامياً على تعريف العالم بها هو واجب إنساني رفيع وقضية سياسية نبيلة، فمجموع قصص هذه القضايا هي قصة بلد منكوب، عانى تحطيماً مديداً من قبل نظام مجرم لم يتخلص منه السوريون بعد، ويتعاون معه طغاة صغار لا مشروع لهم إلا تكوين «سوريا الأسد» الخاصة بهم.

كل هذا والعالم ينظر في اتجاه آخر. قد لا يتحول العالم للنظر إلى سوريا بعيون عادلة نتيجة الحملات الإعلامية، لكنه على الأقل لن يستطيع القول أنه لم يكن يعلم.