لم يكد زهران علوش ينفي مسؤولية جماعته عن خطف سميرة الخليل ورزان ويتونة ووائل حمادة وناظم حمادي حين سئل عن القضية في آب 2014، عوضاً عن نفي مباشر وبسيط فضّلَ إجابةً تشبه إجابات بشار الأسد، وتساءل عن السبب وراء بذل اهتمام خاص بهذه القضية، بينما هناك الكثير من «نساء المسلمين»، حسب تعبيره، في سجون النظام، لا يحظين باهتمام مماثل. على نهج النظام الأسدي، يريد قائد «جيش الإسلام» التشويش على القضية التي سئل عنها والمزايدة على السؤال، ويحاول وضع قضية مخطوفي دوما الأربعة في مواجهة قضايا النساء المخطوفات والمعتقلات عند النظام، كأن الاهتمام بقضية رزان وسميرة ووائل وناظم يأتي حتماً على حساب الاهتمام بأي معتقلات ومخطوفات ومعتقلين ومخطوفين عند النظام وعنده وعند داعش وما شابه. وكأن ما حظيت به هذه القضية من اهتمام خاص هو السبب في محدودية الاهتمام بقضايا المعتقلات الأخريات، وكأن التوقف عن الاهتمام بقضية الأربعة سينعكس فورياً ارتفاعاً في الاهتمام بقضية «نساء المسلمين» المعتقلات والمعذبات عند النظام.
لكن مرواغة الرجل تبلغ حد الصفاقة حين نتذكر أن «مركز توثيق الانتهاكات» الذي كانت رزان أبرز مؤسسيه كان يوثق جرائم النظام من اعتقال وخطف وقتل، وأن خطفها بالتالي ضربة قوية لتوثيق تلك الجرائم ضد «نساء المسلمين»، وضد عموم النساء والرجال في سورية. خطف رزان، وسميرة ووائل وناظم، هو ما أضعف الاهتمام بقضايا المعتقلين والمخطوفين الآخرين، وهو ما قدم خدمة كبيرة للنظام.
والواقع أن قضية سميرة ورزان ووائل وناظم نالت اهتماماً خاصاً بالفعل، وذلك نتيجة تلاقي عدد من الاعتبارات. أولها أنه صادف أن للأربعة أحباب وأصدقاء يستطيعون إبقاء الاهتمام بالقضية حياً ومستمراً، وهذا بدوره مرتبط بحقيقة أن المرأتين والرجلين أشخاص محترمون جداً، معارضون للنظام منذ وقت بعيد، وسجلهم أثناء الثورة وقبلها لا تشوبه شائبة، ولم يجنِ أي منهم مكسباً شخصياً من أي نوع من كفاحه. ثم إن الأربعة اختطفوا من «منطقة محررة»، ليس من مناطق سيطرة النظام التي اختطف منها كثيرون، ولا من مناطق سيطرة داعش التي اختطف منها كثيرون أيضاً، بل من منطقة يسيطر عليها زهران علوش وتشكيله. وأنه وتشكيله بالتالي في موقع المسؤولية السياسية القطعية عن الجريمة، بحكم كونهم سلطة الأمر الواقع الأولى في المنطقة. وما يعزز مسؤوليتهم السياسية أنه لم يجرِ تحقيق في الجريمة من قبلهم طوال شهور، وحين زايد زهران بالكلام عن «نساء المسلمين» بعد ثمانية أشهر من جريمة الخطف، تكلم على لجنة تحقيق بالأمر، ولم يُعلَم شيء حتى اليوم، بعد ثمانية أشهر أخرى، عن «رأس الخيط» الذي أشار إليه في المقابلة. أرجح أن كلامه على «اللجنة» و«رأس الخيط» هو من باب المراوغة الذي اشتهر به النظام وخريجو مدرسته.
لكن زهران هو المشتبه به الأول والوحيد حتى اليوم لأننا نعلم أن أحد رجاله هو من كتب تهديداً بالقتل لرزان، وهذا الرجل، واسمه حسين الشاذلي، اعترف بالمسؤولية عن كتابة التهديد أمام جهاز قضاء محلي في دوما. ونعرف أن زهران زار الشاذلي في سجنه، وطلب أن يكون اللقاء على انفراد، وحين رُفِض طلبه أرغى وأزبد، وهدد بأنه سيحرر رجله، وهو ما جرى فعلاً بعد حين، حيث تدبر زهران أمر تهريب الشاذلي من مكان توقيفه. كان الشاذلي اعترف أيضاً أن سمير الكعكة، المشهور بلقب أبو عبد الرحمن الكعكة، نائب رئيس مجلس الشورى التابع لجيش الإسلام في دوما، والرجل الثاني في جيش الإسلام بعد زهران، هو من كلفه بكتابة التهديد.
وبعد تهريبه شوهد الشاذلي علناً في شوارع دوما، وفقاً لأسوأ التقاليد التشبيحية للنظام الأسدي في تحدي العدالة واحتقارها وتحكيم منطق القوة، وكان له دور كبير في حرب زهران ضد «جيش الأمة»، التي يبدو أن أحد دوافعها قضية المخطوفين الأربعة.
وليس صحيحاً أنه ليس لدى جيش الإسلام غير قوات ترابط على جبهات مواجهة النظام، على ما قال لي في اتصال عبر سكايب ناطق باسم جيش الإسلام بعد أيام من جريمة خطف الأربعة، وعلى ما قال زهران نفسه في حديث تلفزيوني مع خالد أبو صلاح. فسجن التوبة هو سجن معروف لعلوش وجماعته في دوما، ولديهم، وفق تقاليد النظام الأسدي أيضاً، مقرات اعتقال أخرى سرية في أكثر من مكان في دوما والغوطة.
وكانت أطلقت النار ترهيباً أمام مكتب «مركز توثيق الانتهاكات» الذي كانت تديره رزان في دوما، من قبل عناصر من جيش الإسلام، حسب ما أكدت رزان نفسها في حينه، وحسب إجماع من يعرفون الوضع في دوما.
وقبل الخطف كان بعض أقارب لزهران، مثل ابن عمه محمد علوش، وبعض إعلاميي جيشه، يشنون حملة بذاءة وتسفيه ضد رزان، ويتساءل بعضهم بلهجة ترهيبية: «ماذا تفعل هذه في دوما؟» كأن دوما ملك شخصي للجماعة!
وحين وُوجه زهران بأن بعض رجاله دخلوا على كمبيوترات الأربعة بعد الخطف، لم يجد ما يقول غير أنه: يمكن أن يكون خطأً معيناً قد حصل!
ومقابل هذه القرائن، ليس هناك أية قرينة تشير إلى مسؤولية جهات أخرى.
فهل يحتمل أن يكون زهران وجماعته هم من قاموا بكل أفعال التشبيح والزعرنة (أو «الزهرنة») هذه، ثم يرتكب جريمة الخطف أحد غيرهم؟
ومن معرفتي الشخصية بواقع الحال في دوما أقطع بأن يكون الفاعل هو زهران وجماعته. لدى الرجل طموح تسلطي مفرط، وغرور شديد، مع معرفة محدودة جداً بتكوين البلد وتاريخه ومجتمعه، وبمفاهيم الدولة والسياسة والحق والعدالة والمسؤولية. ولم يؤثر عنه يوما انفتاح على رأي مخالف أو مروءة وسماحة خلق أو تجرد في التعامل مع خصم.
هذه الاعتبارات توجه بأن زهران هو المشتبه به الأول والوحيد، وهو من عليه أن يوفر كل الدلائل عن مصير الأربعة، ويضمن تحريرهم. الشيء الوحيد المطلوب من الرجل ليس مزيداً من المراوغة والأكاذيب، بل فقط التحرير الفوري للأربعة. لا شيء آخر، ولا شيء أقل.