مبادرة من أجل إطلاق عملية قضائية في شأن قضية مخطوفي دوما الأربعة

التقى أناس متنوعون بزهران علوش أثناء زيارته المستمرة لاسطنبول منذ شهر ونيف. وهو نفى أمام كل من من سألوه عن خطف سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي مسؤوليته عن الجريمة، دون أن يقدم معلومات إضافية عن هذه الواقعة الخطيرة التي وقعت في كنفه، والتي تتوفر لدينا قرائن متعددة ترجح مسؤوليته عنها، بصفته العامة كقائد لتشكيل «جيش الإسلام». ما تيسر لنا من معلومات وضعناه تباعاً بين يدي الرأي العام، ومن المؤسف أن معظم من فاتحوا المشتبه به بالأمر إما كانوا غير مطلعين على هذه المعلومات، أو هم لم يستفيدوا منها، واكتفوا بسؤاله: هل أنت خاطف الأربعة؟ فأجاب: لا! فانتهى الأمر! لم يسألوه لماذا يبدو أنه المشتبه به الأول والوحيد، وكيف يفسر اعتقاد كثيرين أنه الجاني؛ لم يسألوه عما إذا كان جيشه المسيطر على دوما قد حقق بالجريمة وقت ارتكابها، وهو لديه سجن ومقرات اعتقال ومقرات أمنية في المدينة، وكان يُستدعى ناشطون محليون أو زوارٌ للتحقيق أمامها؛ لم يسألوه عن طرف الخيط الذي قال في شهر آب 2014 إن لجنة تحقيق من طرفه اهتدت إليه، وأن تحقيقها يشير إلى «توجهات خارجية»؛ ولم يسألوه عن معلوماته عن القضية وملابساتها وما يعلمه عنها، وما يمكن أن يهدئ به خواطر الملهوفين على أحبابهم المخطوفين أو عموم التواقين إلى العدالة. ويبدو أن زهران قال لبعض من قابلوه إنه كان يمكن أن يكون أكثر تعاوناً لو لم يجر اتهامه بالمسؤولية عن الجريمة! لكن أما كان أوْلى أن يساعد في كشف ملابسات الجريمة التي يقول إنه لم يرتكبها، وذلك كي ينفي عن نفسه المسؤولية، وكي يَمُنّ على المخطوفين وأهاليهم بفعل خير؟ أليس هذا أهدى، ديناً وخلقاً وسياسة، من معاندة لا تليق بعامل في قضية عامة؟

لدينا اليوم الوضع التالي: أولاً، أربعة ثائرين مشهود لهم، امرأتان ورجلان، مخطوفون من دوما منذ ما يقترب من عام ونصف، دون أن يعلم أحبابهم عن مصيرهم شيئاً؛ وثانياً، اتهامات متواترة، مسندة بقرائن قوية، إن لم نقل قاطعة، بحق زهران علوش، الذي يقود تشكيلاً عسكرياً معروفاً في المنطقة وفي سورية؛ وثالثاً إنكار متكرر من قبل قائد هذا التشكيل لضلوعه في الجريمة. نحن نقول زهران هو الخاطف، وزهران يقول لا، لست الخاطف. فما العمل؟

للخروج من هذا المأزق، نرى أنه ليس هناك غير سبيل واحد: عملية قضائية علنية، متفق عليها من قبل الطرفين، بغرض كشف الحقيقة وتحقيق العدالة. وبما أنه ليس هناك قضاء سوري مستقل ومجرب يمكن التحاكم إليه، لا يبقى غير تحكيم علني بيننا وبين زهران وتشكيله، في تركيا أو في بلد نستطيع الوصول إليه، نورد فيه ما لدينا ضده، ونقدم شهودنا وقرائننا ومعلوماتنا، ويدافع هو عن نفسه كيفما يشاء. فإذا جرى التوافق على مبدأ التحكيم، شكل المشتبه به فريقاً يرضى به، ونشكل نحن، أهالي المخطوفين وشركائهم في القضية العامة، فريقنا، ونتوافق معاً على محكّمين عادلين مستقلين. وكي نضمن الجدية في الإجراءات، ندعو للحضور سوريين مشهود لهم، ومراقبين مستقلين من المنظمات الحقوقية الدولية، ووسائل الإعلام المهتمة.

وفي هذه العملية القضائية المتوافق عليها، يعرض كل منا ما لديه من وقائع وقرائن وأدلة وشهود. فإذا أخذ المُحكِّمون بكلامنا، وجب تحقيق العدالة بإطلاق سراح المخطوفين واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمعاقبة المجرمين. وإن ظهر أننا مخطئون، نعتذر من السيد زهران، ونتحمل اللوم على الافتراء عليه، وسيكون من حقه أن يدعي علينا بتشويه سمعته. وسيكون ذلك فوزاً سياسياً وأخلاقياً مهماً له، يمكنه أن يستند إليه لتعزيز طموحاته السياسية.

وما نجنيه نحن، حتى لوخسرنا، هو أن نكون دفعنا قضية أحبابنا خطوة إلى الأمام، وأخرجناها من دائرة الظلام الحالية.

ومن شأن ذلك أن يكون تمريناً على العدالة في سورية وللسوريين، يعطي فكرة عن عزمنا على طي صفحة زمن إفلات المجرمين من العقاب، مما كان ثابتة مترسخة من ثوابت النظام الأسدي. وهو فضلاً عن ذلك يضمن حق أهالي المخطوفتين والمخطوفين في معرفة الحقيقة، وحق المخطوفتين والمخطوفين في إجراءات قضائية كريمة، وفي الحرية.

إن عموم السوريين المهتمين بالإنصاف والحقيقة، وعموم المشتغلين بالشؤون العامة، والمجموعات المقاتلة ضد النظام الأسدي، وهيئات المعارضة، مدعوون إلى تبني هذه المبادرة وتعميمها والضغط من أجل تنفيذها. فمن شأن إطلاق عملية قضائية تتولى قضية مخطوفي دوما الأربعة أن يكون مفصلاً تاريخياً للعدالة والحقيقة، وبشرى خير لسورية الجديدة. ما ليس مقبولاً بحال، وما يهين الثورة والثائرين جميعاً، هو أن يختطف أربعة ثائرين مسالمين عزل، ولا يبادر أحدً غير ذويهم إلى تحريك ساكن في شأنهم.