«قُل: بسم الله الرحمن الرحيم

أُبايع أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي الحسيني القرشي- على السمع والطاعة – في المنشط والمكره- وفي العسر واليسر- وعلى إثرة عليه – وعلى إقامة دين الله – وتحكيم شرع الله وإعلاء أمر الله – وجهاد عدو الله – وعلى إقامة الدولة الإسلامية – والذب عنها – ونصرتها- ما استطعت إلى ذلك سبيلاً – والله على ما أقول شهيد».

بهذه الكلمات التي رددوها خلف الرجل الملتحي، المزنر بحزام ناسف، بايع شيوخ ووجهاء عشائر الرقة «أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي الحسيني القرشي»، يوم الجمعة 1/11/2013.

كان هؤلاء أنفسهم في التاريخ نفسه تقريباً قبل عامين، وتحديداً في 6/11/2011، وبكلمات قريبة من هذه، قد بايعوا بشار الأسد في جامع باسل بمدينة الرقة. فهل هي محض مصادفة تاريخية، ومحض مصادفة بيعة أيضاً؟

منذ عهد الرئيس أديب الشيشكلي، لم يزر رئيس جمهورية هذه المحافظة المنسية من الجغرافية السورية، وبذلك يكون بشار الأسد معتقداً أنه قد كافأها بزيارته، ومن مسجد فيها، كعرفان بالجميل على عدم دخولها الحراك الثوري بكثافة. كذلك يعتقد جماعة التنظيم بضرورة استخدام الورقة العشائرية والتقرب من رموز العشائر، على نحو مقارب جداً لاستخدام بشار الأسد وقبله والده حافظ للورقة العشائرية. ومؤدى استخدام الأسديين والدواعش لهذه الورقة هو دفع العشيرة لأن تكون القاعدة الأولى للتكوين الاجتماعي لمحافظة الرقة وتثبيتها في هذا الموقع. كان النظام يشجع «انتخاب» شيوخ عشائر إلى «مجلس الشعب»، وتقوم داعش اليوم بتعيين عددٍ من شخصيات هذه العشائر في مواقع ذات حساسية، دون أن يكون لهم دراية أو علم أو خبرة في هذه المواقع. وأوضح مثال على ذلك هو فواز الحسن، أبو علي، الشرعي الأول للتنظيم بالرقة والرجل الأكثر دموية. أبو علي الشرعي هذا من عشيرة «البرْيَج»، وكان يعمل حداد باطون، ولا يملك أي معرفة شرعية، ولا تتجاوز مؤهلاته الميزة التي يتفاخر بها قياديو التنظيم، وهي فترة سجن في «صيدنايا».

وليس آخر استخدام لورقة العشيرة منح الرقة امتياز «شرف تنظيم بيعة العشائر»، سبقه امتياز نظام بشار الأسد للمدينة نفسها «شرف» تنظيم المؤتمر العاشر للقبائل والعشائر السورية 30/12/2012، تحت شعار: «ماضون للتصدي للمؤامرة على سورية ومستنكرون للأعمال الإرهابية التي استهدفت أرواح السوريين الأبرياء، ورافضون للحصار الاقتصادي»، وكان هذا المؤتمر بمثابة بيعة علنية بشار، وجرى نقل وقائعه على وسائل إعلام النظام وفضائياته.

أوغل التنظيم في مشابهاته لنظام الأسد، وذلك بأن جمع مثل الأسديين بين استخدام ورقة العشيرة، وبين عدم الثقة بعموم المحسوبين عليها. تنظيم داعش يستخدم منتسبيه من أبناء العشائر «للمقابحة» فقط، ويحولهم إلى كتبة تقارير بالنشطاء وعناصر الجيش الحر وأغنياء المدينة. وأكثر من ذلك يمنعون عن أبناء العشائر السلاح الثقيل، ولا يتعدى تسليحهم البندقية الآلية والرشاش الخفيف، بل ويطلق عليهم المهاجرون الجزراويون (نسبة للجزيرة العربية) لقب «الشويان»، وهذا لقب تحقيري كان يطلقه البدو على الشوايا. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن أحد ضباط أمن النظام هدد معتصمين في ساحة عرنوس في دمشق، تضامنا مع الثورة الليبية بالتفرق وإلا «أفلت عليكم هالشوايا ياكلوكم»! كان هذا في شباط 2011، أسابيع قليلة قبل الثورة السورية.

أثناء زيارة بشار الأسد «التاريخية» للرقة قام بتوزيع مكرمة على المشايخ ووجهاء العشائر تراوحت بين 3 و5 مليون ليرة، حسب الرأس، وذلك كرشوة لهم لمنع أفراد عشائرهم من الانخراط في الحراك الثوري، ومع المال مسدس «مُنكل» حفر عليه إهداء باسم «السيد الرئيس». وهو ما أفتى به تنظيم الدولة الذي قدم للمشايخ رشوة تراوحت بين 5 و10 آلاف دولار، حسب الرأس أيضاً، ومع المال بارودة روسية «إدعشاوية أم السواجي»، وقسائم بنزين، ووهب بعضهم من البيوت المصادرة من الناشطين وعناصر الجيش الحر.

ومن أوجه التماثل الأسدية الداعشية أيضاً استخدام النظام التفرقة بين العرب والكرد في الريف الشمالي للرقة، مصوراً للسكان العرب أن الكرد انفصاليون، ويريدون قضم القرى العربية، ومصوراً للأكراد أنه حاميهم من العرب، مع استخدام بعض العشائر بالرقة لقمع انتفاضة الكرد 2004 عبر التشبيح بنهب أموالهم ومحالهم مثلما حدث بتل أبيض عام 2004، وهو ما تكرر عام 2013 عندما قام التنظيم في شهر تموز 2013 بنهب بيوت وتجارة الكرد عبر تشجيع منتسبيه من أبناء العشائر بزرع فكرة الخطر الكردي، معززاً فكرته عبر بث أشرطة فيديو تقوم فيها قوات الـPYD  بحرق قرى عربية.

تتشابه واجبات الشيوخ والوجهاء عند الطرفين، فعند تنظيم البغدادي يجب عليهم أن يبلغوا عن منتسبي الجيش الحر من أبناء عشائرهم، واستقبال من يريد التوبة من فصائل الحر قبل القدرة عليه، وتسليمه إلى مكتب العشائر الذي يديره شخص سعودي اسمه «ضيغم»، يعاونه شخص يدعى «توباد البرْيَج»، وهو ابن الشيخ «بريج العبد الهادي»، الذي فر إلى العراق في ثمانينات القرن الماضي، لكونه أحد منتسبي حزب البعث الموالي لصدام حسين. توباد هذا ولد هناك، في عراق صدام.

من واجبات الوجهاء والشيوخ تجاه التنظيم أيضاً الإبلاغ عن المفسدين في الأرض وقطاع الطرق، وجمع أسماء مستحقي الزكاة ودافعيها، والتعاون مع جهاز الحسبة للمساعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمساعدة في زواج المهاجرين من عشائر المنطقة لتعزيز الروابط بين «المهاجرين» و«الأنصار».

هذا الدور يتشابه كثيراً مع الدور الذي كان يعطيه بشار الأسد ومن قبله حافظ للمشايخ والوجهاء: استخدامهم لمراقبة عموم المحسوبين عليهم، وتقوية موقعهم حيال هؤلاء بوصفهم ركيزة للحاكم وحكمه. فهل قدم هؤلاء الشيوخ والوجهاء البيعة لحافظ وبشار، ومن ثم للبغدادي،  مجبرين، أم أنهم انتهازيون يختارون الطرف الأقوى للوقوف معه؟