* الكناعيص: اسم مستعار لعائلة تقطن في قرى ريف حلب الشرقي.

صديقٌ واحدٌ مشترك فقط بيني وبينه، أدخلُ إلى حسابه الشخصي في موقع الفيسبوك للتأكد منه قبل قبول الإضافة. إنه الحاج محمد صديق والدي منذ طفولته!، لكنني لم أعرفه في البداية وهو يرتدي البنطال الفضي الغامق والكنزة بنيّة الألوان، ولا يضع الشماخ على رأسه, ويحمل في يده كيساً ويبتسم ابتسامة لأجل الصورة فقط من ساحة إحدى المدن الألمانية.

لم أعرفه إلا بعد أن تخيلته بأناقته القديمة مرتدياً الكلابيات والشماخ والعقال، ركّزت أكثر: «والله هو!»، قبلتُ الإضافة وأرسلتُ له رسالةً على الفور بالأسلوب نفسه الذي كنت أحدثه به عندما كنت طفلاً: «عمي أبو حسّين!!.. شلونك.. أني ابن الحاج علي، عرفتني؟؟».

يُرسِلُ «سمايل الانزعاج» ويتبعها برسالة: «عَجَل ما عرفتك، مو أنت يلي چنت تخاف تنام عَ اللباد، تحسّب يريد يأكلك».

الحاج محمد، صديق ولدي الذي هوايته معرفة الأنساب وأبيات الشعر البدوية التي لا أفقه منها أي معنى. استغربتُ من وجوده في ألمانيا، فعبارته التي قالها في عرس واحدٍ من أقاربي أواخر 2013 لا زلت ترنّ في أذني، وكانت قوات النظام تنوي التقدم نحو مطار كويريس عن طريق «الزكية»: «هي الأرض لينا، وما نطلع منها إلا للمقبرة»، توجهَ حينها إلى الجالسين في خيمة الفرح: «يا عرب، تراني لما اطلع برا الچرية أدوخ، وما عرف حالي شلون أرجع».

– «عمي.. أشوفك بألمانيا، إيمتى وصلت؟!».

– «آخر عمرنا نصير لاجئين، ونوقف ع الدور.. شايف يا ابن اخوي!»، مع ضحكة مصطنعة، ويواصل: «كلو من ورا الگناعيص… الله لا يوفقهم».

– «أنّوب ضروك أنت، ما يكفي كل فترة يبعتون تهديد للمهندس!».

– ما يضر ولا ينفع إلا الله «بس كلو من وراهم»، نحن والله مسلمون، ونعرف الله ونعلم أين اتجاه القبلة، وليس فقط في عهدهم عرفنا الله، اسأل أقاربك عن طفولتنا.

يكمل الحاج محمد سرد حكايته:

أتذكرُ جيداً الأيام الرمضانية التي كان جدي يطلب مني فيها أن أصعد قُبيل غروب الشمس إلى أعلى تلة القرية، وأن أحمل بيدي عصا طويلة جداً من القصب، تعلوها نارٌ من القطن والزيت. يتبادل جدي وجدتي ترقبَ سماع صوت المدفع عن طريق وضع رأسهم بالتناوب في  البئر، وانتظارِ سماع صوت مدفع صلاة المغرب القادم من مدينة السفيرة. يأتي صوت المدفع متقطعاً كصوت الصدى الذي تسمعه عند التحدث في خابية ماء «هكذا وصفهُ لي أخي إبراهيم». يصرخُ جدي بصوت عالٍ ويلوح بيده: «دوّر… دورّ، صار الإفطار، خلي الصايم يفطر»، فأبدأُ بتحريك العصا والدوران حول نفسي مبتهجاً أكادُ أطير، وأشاهدُ كيف يختفي سرب الأطفال إلى بيوتهم في القرية، بعدما عرفوا توقيت البدء بالإفطار بعد صيام يومٍ صيفيٍ شاق. أنزلُ مهرولاً من التلة ليمسح جدي على رأسي ويقول: «سبع يا محمدنا سبع.. الحز كل لقمة يأكلها  الصايم بالچريات يلي حوالينا لك أجرها».

أفرحُ وأشبع، ننتظر الليل وحكاياته، نوقدُ النار ننتظر قدوم الحاجة فطيم من أطراف القرية، ترمي «زبونها» على رأسها وتحمل على ظهرها أولادَ ابنها الذي هجرها بحجة الدراسة والتعليم في حلب، وتركَ خلفه أولاده. وكلّ ذلك كما تخبرنا الحاجة فطيم في بداية كل سهرة بسبب تلك الفرنسية الشقراء التي زارت المناطق الأثرية في القرية، وقالت لابنها الذي كانت مهمته جلب الماء على ظهر الحمار لأفراد البعثة الفرنسية: تعلم وادرس لكي تسافر إلى فرنسا.

أشعلُ مع أخوتي النار، وتضع هي أبناء ابنها في حضنها وتسألنا نحن الصغار:«وين چنا يا عجيان؟».

نجيبُ بصوتٍ واحد ونحن ننظر إلى بعضنا مبتهجين: «عبت أم سلة العجيان يلي ما يسمعون كلمة أبوهم وما ينامون بكير بالسلة، وراحت لتطبخهم وتأكلهم».

وتكمل قصتها لنا: «أم سلة النجسة تشبه زوجة أبي بانعكاس النار على وجهها، وتجاعيد هذا الوجه الذي يملأه الوشم». تنهي الحاجة فطيم القصة، نخافُ ونحشرُ أجسادنا الصغيرة بين المخاد واللباد.

هذه حياتنا منذ الصغر، لم يتحكم بِنَا لا عدوٌ ولا محتل، ولم يقصفنا أي نوعٍ من الطائرات. كما يقول جدي: نحن مسالمون للعدو وللصديق، ولعدو العدو ولصديق الصديق، ليس من المعقول أن تحمَّل فكرك على ظهرنا برغم أنفنا، نريد جنة بسيطة من رحمة الله كما حياتنا البسيطة.
تربينا على دينٍ يحبه الله ونحن نحبه، دين بسيط يعلمنا أن الله سيدخلنا الجنة التي يوجد فيها حنفيات مياه حديدية كما في جب القبة بحلب، ولا يوجد فيها عناء ملئ المياه من البئر، ويوجد شموعٌ لا تنطفئ، وأن الله يغضب من الذي يعصي والده ولا يستيقظ عندما توقظه أمه، ولا يذهب
لرعي الغنم ، ولكنه سرعان ما يرضى بشرط طاعة الوالدين وتقبيل أيديهم صباح مساء.

لا علمَ لنا بمنهج ديانة وسلوكِ هؤلاء الكَناعيص.

أتذكرُ أنه في تسعينات القرن الماضي دخل إلى القرية خبز الطحين، الذي أراح نسائنا من عناء العجن والخبز على التنور. كان غالي الثمن ولكنه أطيب ونشبع منه أكثر من خبز التنور. بدأنا بأكله لكن الكناعيص رفضوا الفكرة قطعاً. جدّهم يحدق بالرغيف ويقلبه بيده ويقول: «الله أعلم شلون صار، يا خيو والله قلبي مو مطمن، عجب شنو حاطين بيو».

أمرَ نساء عائلته بالاستمرار في الخبز على التنور، وباءت كل محاولات نسائنا بإقناع نسائهم بأكل خبز الطحين بالفشل، وفي النهاية جربوه بعد لفه برغيف خبز التنور وأكلوه، اقتنعوا أن طعم خبز الطحين حلو!.

بدأت هذه الثورة، وكنا نشاهد على التلفاز مظاهرات تدعوا لإسقاط الأسد، كنا نخاف من ذكر اسمه، ففي مطلع الألفية قام أحد أقربائي برفع الأذان والتكبير فوق التلة، وقرر بناء غرفة في القرية لتكون مسجداً بعد دراسته الشريعة في مدرسة الخزروفية بحلب.

بعد رفعه الأذان لمدة يومين جاءت سيارة رمادية مقلمة بلون زيتي وأخذته، ولا نعلم عنه شيئاً إلى يومنا هذا. خفنا من بعضنا، وخفنا من كل متعلم يمسك بيده قلماً. أتذكرُ جيداً دعوات الأهالي إلى ترك أبنائهم الدراسة لسببين: الأول خوفاً من أن يكون مصير من يتابع الدراسة كمصير «ابن العايد»، الشاب الذي رفع الآذان. والثاني أننا خفنا من التقارير التي تُكتب، حتى أنني طلبتُ من أولادي البقاء في حلب، وعدم العودة للقرية حتى لا يشك الأهالي بأنهم هم من كتبوا التقارير.

شاهدتُ دموعَ التماسيح على وجوه نساء ورجال الكَناعيص بعد اعتقال «ابن العايد»، وهم من روجوا لفكرة إغلاق المدارس، كانوا يقولون: «الرعي بغنمة واحدة أفضل من قراءة ألف كتاب»، وبين الجملة والجملة في المناحة يصرخون: «كلو من ورا الفرنسية، كلو من ورا ابن فطيم، كلو من ورا الأقلام والمدراس… چنا مبسوطين…. من  وين جابم الدراسة ما ندري».

كسرَ ظهرنا «ابن العايد» الشاب الخلوق، ذهبَ بشربة ماء ولا ندري من فسدَ عليه.

مرّت الأيام الأولى من الثورة ونحن بعيدون عن الحراك والمظاهرات، وفي صيف عام 2012 دخل الجيش الحر إلى القرية من قرىً أخرى، لم يأمرنا بشي ولم يفرض علينا قوانينه. فقط  أنزل علم النظام «الأحمر» من فوق مدرسة القرية، ومزّق صورة لحافظ الأسد وبشار الأسد، ورفع «علم الثورة»، وطلبَ منا الاجتماع معه وإعادة ترسيم الأراضي وزراعة تلكَ التي كان النظام
يحظر علينا زراعتها بحجة أنها غير صالحة للزراعة، والتي تسمى أرض بور بموجب قرارات
ذات أرقام رباعية، حيث اتبعها النظام إدارياً للبادية السورية.

بعد دخول الجيش الحر طلب منا إعادة زراعتها، وبالفعل لم تكن أرضاً غير صالحة للزراعة، فقد جربنا زراعة الحنطة والشعير، ومن اقترح علينا الفكرة هو «ابن الحاجة فطيم»، بعد أن فرّق لنا بين أنواع الأراضي، وما تحتاجه أراضينا من مواد أفضل من تلك التي كان يجبرنا النظام على شرائها من مراكزه الزراعية. في البداية لم نصدقه، ولكن بعد أن جرّب زراعة أرضه، تشجعنا في زراعة أراضينا.

ابن الحجة فطيم كان يدرس في كلية الهندسة الزراعية، وأثناء دراسته كانت أحداث الثمانينات، ولمّا عَلِم من أحد أصدقاءه الحزبيين أن اسمه مطلوب، هربَ بهويةٍ مزورة إلى الأردن، وكان ممنوعاً من دخول سورية. وعندما بدأت الثورة سافرَ من الأردن إلى تركيا، وعادَ مع  دخول الجيش الحر إلى القرية.

الحجة فطيم ماتت دون أن يودعها ابنها، ماتت وهي تنتظر عند مفرق القرية، وتسألُ كل شخصٍ قادم من حلب عن ابنها الذي تركها وهو يرتدي «جاكيت» جلد بني اللون. ماتت الحاجة فطيم، ولم تشاهد ابنها المهندس الذي أعاد الأراضي الزراعية بعد تسليم الجيش الحر له مهمة ترسيمها وتوزيعها، ماتت ولم تشاهد أحفادها يركبون السيارة بدل «زبونها» المتهرئ الذي كانت تخرج قدم أحدهم من ثقوبه.

صدّق أعيان القرية قصة ابن الحاجة فطيم بعد أن جمعهم في مضافة والده على مأدبة غداء، وأعاد القصة أكثر من مرة. بأذني سمعتها أكثر من عشر مرات، فهجرة الأهل دون مبررٍ أو رسائل ذنبٌ لا يغتفر. يعيدُ السامعون عليه العبارة التي يقولون فيها: «والله عيلتك عيلتنا، ويلّي ناكلو بالبيت ياكلوه ولدك.. چنا راح نعوّفك البنيّة ونزوجها، بس جيت الحمد لله».

الجميعُ صدّقوا قصته إلا الكَناعيص، ينظرون إلى بعضهم وفي ختام كل جملةٍ يقولون: «الفقيرة أمك ماتت وهي تستناك، الشمس حرقت وجهها الله يرحمها بس». ويتمتمون مع بعضهم بعضاً: «شوف وين كان يعرص، من كل عقلكم درس وصار مهدز… لقطع أيدي من هين إذا ما كان يشتغل بشي صيدلية زراعية، ولهط مصاري حتى قال حاج، وبعد ما ماتت أمو جانا».

عاشت قريتنا ازدهاراً في عامي 2012 و2013، موقعُ القرية البعيد عن الأسواق والتجمعات السكنية أدى إلى تجنيبها قصف الطيران، وتم تركيب أجهزة إنترنت فضائي، وبناء مسجد كبير في القرية أطلقنا عليه اسم «ابن العايد» وفاءاً لروحه، وتم وضع اسمه في عمليات تبادل الأسرى مقابل الضباط المأسورين عند الجيش الحر. تمّ توسيع المدرسة وتوزيع مواد غذائية بالمجان. المضحك في هاتين السنتين أن نساء القرية بتنَ يستخدمنَ مصطلحات جديدة سمعنها من ابن الحاجة فطيم، ويمكن أن تسمع امراةً تقول لأخرى: «خراي بمنطقچ.. إذا عندچ أسلوب بالحچي».

مرّت السنتان كشربة ماء، ومع دخول عام 2014 اختفى الجيش الحر عن الوجود، لم نعد نشاهد أي سيارةٍ لهم، وابن الحاجة فطيم يأتي إلى القرية ليلاً متوارياً ويذهب قبل شروق الشمس. طلبَ من زوجته السفرَ مع أولاده إلى حلب قائلاً إنه سينتظرها هناك. ابني أخبرني أن تنظيم الدولة قتلَ الطبيب الذي كان يداوي أطفال القرية لأنه كافر، وكان صديقاً مقرباً لابن الحاجة فطيم. سافرت زوجته وأبنائه إلى حلب، واختفى كل الخير عن القرية، لا يوجد حصص غذائية، ومقابل سيارةٍ للجيش الحر أسبوعياً كانت تدخل قريتنا نحو طريق الزكية، تدخل اليوم أكثر من ثلاث سيارات للتنظيم يومياً بحجة البحث عن عناصر الجيش الحر.

في البداية لم ينضم إليهم أحدٌ من أبناء القرية، وفي إحدى الدوريات شاهد أحد عناصرهم شاباً من الكَناعيص يدخن، فتمّ اعتقاله وإخضاعه لدورة شرعية رجع بعدها إلى القرية يكفّر الكبير والصغير، ويكتب للتنظيم تقارير عن محلات بيع الدخان، وعن أقارب عناصر الجيش الحر مقابل إكراميات مالية. وبعدها انضم الكَناعيص كلهم إلى التنظيم، وفرحوا عندما طلب منهم إعادة ترسيم الأراضي، وأن يطلبوا الإيجار السنوي عن أي أرض كان النظام يحجزها وتمت زراعتها من جديد لصالح بيت مال المسلمين، وأن يحصوا عدد رؤوس الغنم ويطلبوا الزكاة عنها. أول مرة في حياتي أرى فيها الكَناعيص يضحكون من قلبهم كانت أثناء جمعهم للأموال، الكناعيص هم الوحيدون من بايعوا التنظيم في القرية، وادعوا أن لهم أقرباء في العراق بعد نظرات أهالي القرية الغريبة لهم عندما زوجوا  إحدى بناتهم لمقاتلٍ سعودي وقالوا: ليس سعودياً بل هو من كَناعيص العراق!

خيّم السواد علينا، تم تغيير اسم مسجد القرية الذي بنيناه وفاءاً لروح ابن العايد إلى اسم أحد مقاتلي التنظيم، بعد أن  أخبرنا أحد الكَناعيص أن ابن العايد كانت عقيدته فاسدة، ولا تصح تسمية المسجد باسمه، لأنه ذو فكرٍ منحرف!

مرّت الأيام، ونزلتُ إلى السوق يوم الجمعة لشراء بعض المستلزمات المنزلية، صلينا الجمعة بخطبة مليئة بالشتائم على الجيش الحر، ليطلب مِنا الخطيب الانتظار في السوق لرؤية شعيرةٍ من شعائر الله، كانت معلقة عن التنفيذ منذ سنيين طويلة بسبب حكم الطواغيت، والحمد لله ستكون الدولة أول من يعيد أحياء هذه الشعيرة.

اجتمعَ عناصر التنظيم في ساحة السوق بعد الخطبة، ووضعوا رجلاً وعلى عينه عصبةٌ وأمامه طاولةٌ  على الأرض. حملَ أحد عناصر التنظيم السيفَ وكبّر، وبضربةٍ واحدة قطع يد الرجل لأنه سارق «موتورات» وهو ليس بحاجة. عدتُ إلى القرية خوفاً على نفسي، فطفولتي مليئةٌ بسرقات البيض من تحت الدجاج. كم يداً سيقطعون لي.. لا أدري؟

تحوّل الكناعيص إلى دوريات الحسبة بسيارتهم الجديدة رباعية الدفع، منعوا النساء من الجلوس في الشارع ولبس الألوان الفاتحة وخصوصاً الأحمر. أعادوا علينا ألف مرة عبارة  «خصوصاً اللون الأحمر». خرجت زوجتي التي أكل العمرُ جسدها في صباح أحد الأيام لترمي القمامة في الشارع، وكانت قد نسيت أن تسدل الثوب عن يديها ليراها أحد  أطفال الكَناعيص ويركض مهرولاً تجاهها، وعلى ظهره  بندقيةٌ أطول منه، ويضع في فمه سواكاً مثل السيجارة، ويقودني إلى  المحكمة فيحكمني القاضي وفقاً لشهادة الطفل بالجلد لأَنَّنِي شخصٌ قليل شرف وناموس!، إذ كيف لي أن اسمح لزوجتي بالخروج إلى الشارع «سافرة».

جلدوني، والجلادُ كان الطفل نفسه.

عدتُ إلى منزلي لأرى كل شيء يتحول إلى سوادًٍ في عيني، حتى بهجة القرية وأخضرها رأيته أسوداً، لم تعد هناك بهجة لا للقرية ولا لتلتها التي أكلت خاصرتها جرافات التنظيم بحثاً عن قطع أثرية.

دهنتُ ظهري بالزيت الحلو لتخفيف الوجع، وبعتُ أرضي ومنزلي بنصف ثمنها لأحد الكَناعيص الذي عرض عليّ شرائها بعد معرفته بأنني أنوي الهجرة. بعتها غير متأسفٍ عليها، فكل جلدة من ذالك الطفل تعادلُ الأرض وما تحمله من ثمار. هاجرتُ مع أولادي وزوجتي العجوز «السافرة» مخاطراً بثمن أرضي في مياه البحر المتوسط، ليحطّ بي الرحال في بيوتٍ كعلب الكرتون، وغرفٍ أصغر من مساحة المرحاض.

بيتي اليوم في بلدٍ حتى غنمه يختلف عن غنمنا، و لغته ليست كلغتنا، وعاداته ليس كعاداتنا، وأنا فيه لست أنا، لكن ما يميزه عن القرية خلوه من الكَناعيص.