عشت أولى صداماتي مع صور الذاكرة حين زرت مدرستي الابتدائية وأنا في المرحلة الثانوية واكتشفت أنها، في الواقع، أصغر بكثير من صورتها في ذاكرتي. ليس هذا بالأمر الغريب، بل أن التباين في الأبعاد والأحجام بين ذاكرة الطفولة والواقع هو سمة شبه عامة بين الناس. وحين دُهشت لفارق الحجم بين الواقع والذاكرة، لم أكن أتصوّر أنني سأعيش بعد سنواتٍ أزمة طاحنة بين ذاكرتي ومشاعري وذاتي، تراكبَ فيها تتابعُ المراحل الحياتية الشخصية، وواقعٌ قياميٌّ مؤلم على المستوى العام.

هذا النص، وهو مسار ذاكرة ثلاثة شوارع في الرقّة، هي الطريق بين بيتي ومدرستي الإعدادية والثانوية، هو محاولة ذاتيّة، غير خالية من الأنانيّة، لتلمّس الصراع بين الذاكرة والواقع، والمسافة بينهما ومعهما.

شارع المنصور

بقيت الرقة غير مأهولة طوال القرون التي مرّت بين الغزو المغولي للمنطقة في القرن الثالث عشر، الذي دمّر المدينة وأخلاها من سكّانها، تاركاً وراءه حطام بيوت وبقايا مسجدين وسوراً أثرياً، ومنتصف القرن التاسع عشر، حين أشاد العثمانيون مخفراً  في القسم الجنوبي من المدينة الحالية (هو اليوم متحف المدينة). بعد تأسيس المخفر العثماني، استوطنت عشائر وعائلات، عربية ثم شركسيّة، المنطقة المحيطة به بشكل مباشر، وشكّلت النواة الأولى للمدينة. توسعت المدينة بعد ذلك بشكل كبير، ووفدت إليها موجات عديدة من السكان الجدد من أريافها القريبة في نهاية العهد العثماني وزمن الانتداب الفرنسي؛ ثم من مدن وبلدات ريف حلب الشرقي (تادف، الباب، السفيرة..) اعتباراً من أربعينات القرن العشرين؛ وأخيراً «الهجرة الحكومية» اعتباراً منذ منتصف الخمسينات، حين توسّع وجود الدولة الإداري والاقتصادي في المدينة وفي وادي الفرات، وجلب هذا التوسع معه آلاف الموظفين في كل القطاعات ومن مناطق مختلفة من سوريا. بدأت هذه الموجة الأخيرة مع مساعي سدّ الحاجة لموظفين للإدارة المحليّة والمحاكم، وهنا نجد ثقلاً كبيراً للوافدين من دير الزور. ثم تسارعت الموجة مع إنشاء المشاريع الزراعية الكبرى، مثل استصلاح الأراضي واستثمار حوض الفرات، وغيرها من الشركات والمؤسسات العامة مثل الخدمات الفنّية والإسكان العسكري وشركة الطرق، والتي جلبت معها آلاف العائلات من مختلف مناطق الجغرافيا السوريّة.

إذاً، وبسبب تتابع موجات الوفود الكبيرة في زمن قصير نسبياً إلى مدينة ناشئة بعد قرون من الموت، نجد أن الفرق بين «رقاوي» و«غربتلي» عائم جداً، فزمنياً قد لا يكون الفارق أكبر من عقد أو عقدين في أسبقية السكن في المدينة، كما هو الفرق بين عائلتي، الوافدة في عشرينات القرن الماضي من قريتي جزرة البوحميد والبويطية في «الخط الشرقي» بين الرقة ودير الزور، وأيّ من عوائل الوافدين الأوائل من الباب أو تادف. لكن هناك فرق، أوضح من أسبقية الزمن، نجده في العلاقة مع المكان: في الرقة عائلات تسكن المدينة منذ أربعة أجيال، لكنها ما زالت «حلبية» أو «ديريّة» في لهجتها وعلاقتها الاجتماعية مع وافدين آخرين من المنطقة نفسها، وعلاقتها مع بلد أصلها. هذا لا يخص أبناء المدن الأخرى فقط، فالتباين موجود أيضاً بين من تعود أصولهم إلى الأرياف القريبة، إذ هناك عائلات تحافظ على صلة قوية ببلدتها أو قريتها، خصوصاً إذا كانت تملك أراضٍ زراعية هناك، وعائلات أخرى ضعفت علاقتها ببلدات أصولها أو انقطعت، وهذا نجده بشكل خاص في الأوساط التي لم يعد لها نشاط زراعي، وصارت حياتها الاجتماعية-الاقتصادية تجارية أو خدمية أو مرتبطة بالعمل في الدوائر الحكومية.

عمرانياً، ليس هناك «منطقة قديمة» و«منطقة جديدة» في الرقة، فباستثناء مناطق الجمعيات السكنية الحديثة ومساكن موظفي المؤسسات والدوائر الحكومية ليس هناك فرق عمراني واضح بين المناطق التي سُكنت مبكراً بعد عودة الحياة للمدينة، وتلك التي توسّع السكن إليها لسدّ حاجة النمو السكاني للمناطق الأولى وإيواء الوافدين الجدد. لكن الفرق بين هذه المناطق الأقدم (سأسميها «الحارات») والمناطق الأحدث اجتماعي، نجده في نمط توزع السكان. فوافدو الرقة الأوائل كانوا كتلاً عشائرية كاملة أو عائلات كبيرة سكنوا بجوار بعضهم البعض، وجاورهم أقرباؤهم الذين قدِموا بعدهم بسنوات. بنى هؤلاء الوافدون الأوائل أحواشاً كبيرة غالباً -بالكاد بقي منها حوشان أو ثلاثة بالشكل الأول- ثم قسّموا هذه الأحواش على أبنائهم تباعاً، وقسّم الأبناء أجزاءهم بعدها، أو اتفقوا على هدمها وإنشاء بناء طابقي وتوازع شققه. أدت هذه الديناميكية إلى أمرين، أولهما أن شوارع وأزقة «الحارات» لها طابع عائلي غالباً، وفي كثير من الأحيان هناك أحياء كاملة مسكونة بغالبيتها من قبل عائلة واحدة أو عشيرة واحدة (مثل أحياء العجيلي والبجري والبياطرة)، وثانيها أن حركة الهدم والبناء والتقسيم المستمر أدّت إلى غياب أي طابع عمراني مختلف عن المناطق الجديدة، التي سكنها إما أبناء عائلات «الحارات» الذين انتقلوا للمنطقة الأحدث، أو وافدون جدد على المدينة.

شارع المنصور هو مقطع عرضي في منطقة «الحارات». خطّه هو الوحيد الذي يمكن أن يقطع فيه المرء المدينة بأكملها من شمالها إلى جنوبها، أي النهر، دون أن ينحرف أو يتفرّع، رغم أن اسم «المنصور» يخص المقطع الواصل بين سور الرقة الأثري والمتحف. وفي هذا النص سأتحدث عن نصف شارع المنصور الجنوبي فقط، أي من تقاطعه مع شارع 23 شباط وحتى المتحف.

المقطع الأخير المذكور من الشارع هو قسمه الأكثر تجاريّة، وقد نشأ حينها كأول دارة اقتصادية «مدينية»، متمايزة عن شارع القوتلي، الذي يُقاطعه عند المتحف. شارع القوتلي هو سوق العلاقة المباشرة مع الريف القريب: أهل المدينة يقصدونه لشراء ما يأتي من الريف من غذائيات، وأهل الريف يتسوقون منه احتياجاتهم من أدوات، في شارع المنصور وُجد الخياطون والصاغة ومحلات الألبسة الجاهزة والكهربائيات والالكترونيات الأولى في المدينة. ولأنه مقطع عرضي في الحارات فالمحلات التجارية المتجاورة فيما بينها كثيراً ما تكون مملوكة لإخوة أو أولاد عم، يعملون هم فيها أو يؤجرونها. والشارع يكاد يكون تجميع مقاطع متوالية من أسماء العائلات، التي تعيش بدورها في الشوارع والأزقة المتفرعة عنه. هذا هو حال عائلتي: البيت الذي كبرت فيه يقع في حارة تتفرع عن شارع المنصور باتجاه الشرق، ويمين ويسار مدخل الحارة يعيش أبناء عم والدي، وبيتنا يجاور بيت جدي وعمي، وعمي الآخر في الحارة المقابلة.. إلخ. وهذا الحال هو نفسه مع عائلات مثل السعدو والحاج عبو والخوجة والسيّد أحمد والرملة والعدّاد والعطبة وقصّ قروش، والعجيلي، الذين يُلامس جنوب شارع المنصور الطرف الشرقي من حيّهم.

ليس هذا الطابع العائلي لشارع المنصور استثناءً في تركيبة الرقة بطبيعة الحال، لكنه يقدّم اختلافات بسبب الطبيعة التجارية المبكّرة (والرائدة حينها) للشارع، كونه من أقدم شوارع المدينة، وبالتالي تعرّض وسكّانه لكل مراحل ومتغيرات القرن الأخير ككتلة واحدة -إلى حدّ ما- ما فرض نمطاً مختلفاً أيضاً في علاقات الجوار والشراكة والزمالة في المدرسة، ضربٌ من «القرابة الجديدة» ليست متعلقة بقربة الدم بل بإحساس بالجوار يتجاوز صلة القربى في أحيان كثيرة، أو يتراكب معها حين ترتبط الجيرة والشراكة والزمالة بالمصاهرات أيضاً، وهذا ما حصل بين أغلب عائلات الشارع.

لعائلتي محلات مطلّة على شارع المنصور، لكنها كانت دوماً مؤجرة، إذ أن العمل التجاري لجدّي، ثم أعمامي وأولاد عمي، كان في شارع القوتلي، قريباً من التقاطع مع شارع المنصور. بدايةً مع التجارة العامة، ثم التخصّص مع مكتبة قرطاسية كان اسمها «الاعتماد»، استُملكت حين تمت توسعة الساحة أمام المتحف، ثم فُتحت مكتبة «غرناطة» منتصف الستينات، وأدارها أعمامي، ثم أبناء عمّي.

بعيداً عن العائلة، شارع المنصور هو الدائرة التي أشعر تجاهها بانتماء عاطفي حقيقي في الرقة، بل أن الإحساس بالرقة يبدأ عندي من شارع المنصور. ليس فقط لأنه «الحارة» التي كبرت فيها، بل أن جزءاً كبيراً من هذا الشعور موروث من والدي. لدى والدي سلوك طقوسي تجاه هذا الشارع، لا أتذكر والدي في طفولتي إلا مشغولاً بعمله، وبالتالي قلّما يتمشّى في الأيام العادية، لكن «تمشاية» شارع المنصور في أول أيام العيد وبعض أيام الجمع في الربيع كانت طقساً أعتقد أنه، بدوره، تلمّس للمكان الذي كبر فيه، وغاب عنه أكثر من عقد ونصف في اسبانيا، ثم عاد إليه. يتمشى والدي في شارع المنصور مع وقفات لا تُحصى للسلام على الجيران، وأهل شارع المنصور وما حوله هم دائماً «ابن العم» و«بنت العم» -وكأنهم جميعاً أقرباء- وأيضاً للالتفات وتفحّص الناس، جيراناً وزملاء مدرسة، والمباني، وكأنه يتأكد أن كل شيء في مكانه، حيث يجب أن يكون. عمّي الأكبر، المرحوم حمد السويحة، كان له طقس مشابه وإن شبه يومي، إذ بقي مواظباً بعد تقاعده على فتح مكتبة غرناطة في السادسة صباح كل يوم حين كان ما يزال بصحّة جيدة، ويبقى فيها لمدة ساعة أو ساعتين حتى قدوم ابنه، ليبدأ بعدها رحلة صعود شارع المنصور والمرور على أصدقائه في محلاّتهم وكأنه يتفقّد وجودهم، هذه الرحلة، رغم أن المسافة بمئات الأمتار، كانت تسلّيه حتى الظهيرة.

بقي شارع المنصور أهم شارع تجاري في المدينة حتى نهاية الثمانينات، حين بدأ يخسر ثقله تدريجياً لصالح شوارع 23 شباط والمجمّع وتل أبيض. وبعد خروج النظام من المدينة أصبح شارع المنصور هو شارع مكاتب الصرافة والتحويلات المالية.

كان شارع المنصور دوماً طريق المدرسة، ففي البداية كنت أنزل فيه جنوباً باتجاه ابتدائية الرشيد، الواقعة غرب شارع القوتلي قرب دوّار الساعة. بعدها صرت أذهب شمالاً باتجاه شارع 23 شباط، ثم غرباً باتجاه ثانوية الرشيد.

شارع 23 شباط

هو محور أساسي في المدينة، إذ يمتد من السور الأثري و«كورنيشه» وبدايات المنطقة الصناعية شرقاً حتى حديقة الرشيد غرباً، ويتقاطع مع شوارع سيف الدولة والمنصور والوادي وتل أبيض والمجمّع، وهي بدورها محاور رئيسية أيضاً. النص سيبدأ هذا الشارع من تقاطعه مع شارع المنصور وحتى تقاطعه الأخير مع شارع المجمّع قبل أن يصبّ في حديقة الرشيد.

عند الخروج من شارع المنصور إلى شارع 23 شباط والانعطاف نحو اليسار (أي غرباً) سيجد المرء أمامه بناءً مثلثاً من أربع طوابق. أتذكره أحياناً بأربع طوابق وأحياناً أخرى بطابق واحد، أي كما كان حين كنت طفلاً. في هذه البناية نجد أحد أول المحلات المتخصصة بالجينزات، واسمه «دالاس»، وبجانب دالاس مدخل البناية، تعلوه لافتة معدنية سوداء كُتب عليها:«الدكتور محمد السويحة، أخصائي بأمراض القلب والأوعية الدموية»، وهي عيادة والدي (أو «رقم عشرة داونِنغ ستريت»، كما أسميها مازحاً معه). بالأحرى، كانت هذه عيادته بين منتصف الثمانينات، حين عاد من اسبانيا وأنهى خدمته الإلزامية، وعام 2009، حين انتقل إلى عيادة أخرى في شارع تل أبيض، تزامن إنهاء تجهيزها والنقل إليها مع آخر زيارة لي إلى الرقة.

بجانب عيادة والدي كان هناك ورشة ألمنيوم مملوكة لعائلة من أصل حلبي. بالصدفة، التقيت أحد أفراد العائلة في عنتاب قبل أشهر -واسمه عمّار- أثناء عملي على نص «سوق القمل». لم يعش عمّار كل عمره في الرقة، بل بقي فيها فترة قصيرة قبل أن يعود إلى حلب ويعمل في المجال نفسه في بستان القصر. لم أكن أعرفه قبلاً، بل هو من بادرني بالسؤال عن اسم عائلتي حين قابلته وسمع لهجتي الرقاويّة، ليسألني بعدها مباشرة «شو يقربلك الدكتور؟». كان هذا آخر سؤال أتوقع سماعه في جادة إينونو في عنتاب.

الدمار في 23 شباط بعد الهجوم الصاروخي في تشرين الثاني 2013

إلى الأمام باتجاه الغرب نجد ساحة ضخمة، وهي سوق الهال القديم، يحدها جنوباً، ومطلاً على شارع 23 شباط، فرن الخبز السياحي، يقابله إلى الأمام قليلاً فرن 23 شباط الاحتياطي، أكبر وأهم أفران المدينة. تلقّت هذه الساحة هجوماً صاروخياً شنيعاً (يُعتقد أنه صاروخ سكود)  فجر أحد أيام نهاية تشرين الثاني من عام 2013، وتسبب باستشهاد أكثر من أربعين شخصاً وجرح عشرات غيرهم، ملحقاً دماراً كبيراً في المنطقة.

بعد الأفران، يتقاطع شارع 23 شباط مع شارع الوادي، ثم مع شارع تل أبيض في تقاطع اشتُهر باسم «تقاطع الخضر»، نسبةً لصيدلية الخضر، المطلّة على التقاطع. هذا التقاطع بين شارعين محوريين في المدينة كان أهم نقطة لانطلاق التظاهرات خلال العامين الأولين للثورة، وبالقرب منه استُشهد علي البابنسي، أول شهداء الرقة. سقط البابنسي (وهو من مواليد 1996) برصاص الأمن أثناء تظاهرة مسائية في شارع تل أبيض في الذكرى الأولى للثورة، وقد أدّى استشهاده لانتفاضة في المدينة في اليوم التالي، إذ تحوّل التشييع الحاشد للشهيد بدوره إلى مظاهرة كبيرة جوبهت بالرصاص، واستُشهد فيها 18 شخصاً.

أشجار شارع 23 شباط قبل جرفها

ينتهي شارع 23  شباط غرباً، بالتقاطع مع شارع المجمّع، وفي صدر هذا التقاطع حديقة الرشيد.

من ميّزات 23 شباط أنه كان شارعاً مشجراً. فقد كان شارعاً باتجاهين، له منصّف عريض زُرعت فيه أشجار قبل نحو أربعة عقود، ونمت هذه الأشجار ووفرت، عدا الظل، كسراً للنمطية المغبرة في بيئة لا تتمتع إطلاقاً بوفرة اللون الأخضر فيها. جُرفت هذه الأشجار نهاية العقد الماضي، واستُعيض عن المنصف العريض بآخر أقل عرضاً، بُني بالحجر السوري المزخرف. أثار جرف المنصف استياءً في المدينة حينها، وحاولت مجموعة من المواطنين رفع عريضة شكوى تطالب بالحفاظ على الشجرة في مدينة تفتقر لها بشدّة. جوبه الاستياء بالتجاهل، ورد الفعل الوحيد كان مقالةً في إحدى المواقع الالكترونية المحلّية، وقد كان مكرّساً لمدح المسؤولين المحليين، هاجم كاتبها المُعترضين بوصفهم يقفون «حجر عثرة» في وجه تطوير المدينة وتحديثها، واستدل على أهمية المنصّف الفخم، ذو الحجر السوري، بأن «الحضارات الكبرى» مثل تدمر معروفة بأحجارها وليس بأشجارها، منهياً تعليقه بمدح جهود المحافظ لتحديث وتزيين شوارع وساحات المدينة. لم يعد هذا الموقع الالكتروني موجوداً للأسف، وكاتب المقال، وهو زميلي في المدرسة، صار في إحدى دول اللجوء الأوروبي منذ ثلاثة سنوات، ولا شك أنه مستاء من كثرة الشجر وقلّة الحضارة حوله.

شارع المجمّع

يصنع هذا الشارع حرف T  مع شارع 23 شباط، ويمتد من تقاطع «الأماسي» ودوّار النعيم شمالاً وحتى كنيسة الشهداء جنوباً. خلف كنيسة الشهداء يقع حيّا البياطرة والجراكسة.

يستقي الشارع اسمه من إطلال المجمّع الحكومي القديم عليه بجانب حديقة الرشيد. والمجمّع الحكومي هذا هو صنم من أصنام القباحة العمرانية السوفيتويّة. عبارة عن مكعّب عريض من ست أو سبع طوابق، كالح وكئيب، بُني في السبعينات ليحوي القسم الأكبر من إدارات الدولة، ومكتب المحافظ ومقرّ مجلس المحافظة، بالإضافة لمركز ثقافي.

في الواقع، بإمكاننا استخدام تغيرات العمران الحكومي للتمييز بين عهدين في الرقة (وربما في كل سوريا)، فمن جهة نجد الطراز السوفييتي من العمارات الكبيرة، مثل المجمّع هذا، أو إدارات استصلاح الأراضي وحوض الفرات غرب المدينة. أبنية قبيحة الشكل، غير متعايشة مع المدينة وغير مهتمة بأن تكون جزءاً منها، بل تبدو وكأنها «منهير» أو «دولمن» سقط فوق المدينة، ليس فقط كشكل عمارة، بل أيضاً كأسلوب تعايش بين الدولة والمجتمع الذي تديره. ليس هناك تعايش أو تفاعل، بل بُنية شاقولية ثقيلة وبيروقراطيّة-مملّة وخانقة لكل ما عداها.. تماماً كما يبدو المجمّع الحكومي مقارنةً بما حوله. هذا هو طراز سنوات البعث وحافظ الأسد.

أما في زمن بشار الأسد، أو بالأحرى زمن «التطوير والتحديث» الذي بدأ مع تسارع تجهيز الوريث، فهو زمن الفخامة غير العملية في البناء، أو البذخ للبذخ: استُعيض عن جزء من المجمع الحكومي القبيح ببناء «دار حكومة» باذخة وفخمة جنوب المدينة كلّفت -رسمياً- 332 مليون ليرة سوريّة (يوم كان الدولار بـ 46  ليرة)؛ وأُعيد بناء (أجل، أعيد بناء) قصر للضيافة (نعم، في الرقة!) كلّف عشرات الملايين؛ كما بُني سكن رسمي جديد لقائد الشرطة، ومقر جديد للأمن السياسي، على شكل فيلات بالحجر الحلبي، فيلات تبدو مرشّحة لأن تكون مكان تصوير مسلسل عن حياة تجار المخدرات في الريف المكسيكي النائي.

دار الحكومة في الرقة، والتي كلّف تشييدها 332 مليون ليرة.

عدا الأبنية، شهد زمن بشار الأسد إنفاقاً كبيراً على «تجميل» شوارع وساحات مركزية في المدينة. و«التجميل» هنا لا يعني تعبيد الطرق بشكل أفضل أو صيانة البُنى التحتية المتهالكة أو تشييدها حيث لا توجد، بل ملايين سُكبت على أنواع ترِفة من البلاط لبعض المنصّفات والأرصفة (مثل حالة منصّف شارع 23 شباط)، أو أنواع إنارة «ليزرية»، أو جرف أشجار معمّرة والاستعاضة عنها بنخيل كلّفت الواحدة منها حوالي مئتي ألف ليرة حينها (كما في محيط دوّار النعيم). كل هذا في مدينة لديها، مثلاً، مشكلة بنيوية في الصرف الصحّي، تُفاقم من مشكلة المياه الجوفية، أو عدد هائل من الشوارع غير المعبّدة أصلاً.

لكن الرقة عاشت زمناً وسيطاً بين زمني السوفيتويّة و«التطوير والتحديث»، وأعني فترة وجود محمد سلمان (وزير الإعلام لاحقاً) كمحافظ للمدينة. حصل ذلك في الثمانينات، وقد كانت فترة حكم محمد سلمان للرقة فترة رعب بكل معنى الكلمة، فعدا صلاحياته الإدارية كمحافظ، كان لمحمد سلمان صلاحيات أمنية إضافية، وكان شديد التدخّل في كل تفاصيل حياة المدينة بأسلوب أمني فظ، بما في ذلك تعيينات وتوظيفات أطباء مقيمين وممرضين في المشفى الحكومي. عدا ذكريات قراقوشيته، ترك محمد سلمان خلفه قصراً مهيباً، تستفزّ فخامته المارّ أمامه إلى اليوم. قصر ترِف وفخم، ولكنه مصمم بنفس الذوق التضليعي السوفييتي الذي ميّز مؤسسة الإسكان العسكري، فيه ملاعب تنس وكرة سلة، ومرآب سيارات فخم، ومسابح.

قصر المحافظ، الذي شُيّد في زمن محمد سلمان.

يقع هذا القصر مقابل ثانوية الرشيد، وسنعود إليه بعد قليل.

قيل في بداية هذا المقطع إن كنيسة الشهداء هي الطرف الجنوبي لشارع المجمّع، وبناؤها اليوم يُستخدم من قبل داعش كمكتب دعوي، وبجانب الكنيسة من جهة الغرب ملحق كان روضة أطفال، وهي التي أرسلني أهلي إليها حين كنت طفلاً. شهدت الساحة أمام الكنيسة استقبال مئات الرقاويين للأب باولو يوم وصوله إلى الرقة نهاية تموز عام 2013، وبعد تلك المظاهرة المسائية بيوم واحد خُطف باولو دالوليو أثناء محاولته التوسّط لكشف مصير ناشطين رقيين -منهم إبراهيم الغازي وفراس الحاج صالح- كانوا قد خُطفوا في الأسابيع السابقة. وما زال الجميع مُغيّباً إلى اليوم.

في إحدى أمسيات الرغبة -غير الإرادية ولا الواعية- بتعذيب الذات شاهدت أحد الإصدارات الدعوية التي تطلقها داعش بين الحين والآخر، وكان هذا الإصدار قد صُوّر في الكنيسة، وتضمّن حفل توزيع جوائز على أطفال ويافعين قد حفظوا أجزاءً من القرآن ونصوصاً أخرى تلقوها خلال فترة معيّنة. أقيم هذا الحفل في المسرح الصغير في قبو الكنيسة، وهو مسرحٌ دُستُ خشبته مرتين خلال طفولتي، حين كنت تلميذاً في روضة الشهداء، إذ كانت الروضة تقيم احتفالاً بعيد الأم كلّ عام، يدعون إليه أهالي الأطفال، ويقدّم الأطفال وصلات غنائية وأناشيد بالعربية والفرنسيّة، وأيضاً -طبعاً- فقرات «وطنيّة».

لم يبقَ لديّ من ذلك المشوار الفني إلا صورة واحدة، أحمل فيها علم البعث (أقصى يمين الصورة وغير واضح، لحسن الحظ)، ويحمل زملائي أعلاماً وصوراً لحافظ الأسد. وقد كانت تلك اللحظة قمّة عطائي في مجال الفنّ الملتزم.

بالمناسبة، حين شاهدت الإصدار الداعشي، لفت نظري -قبل سيل الـ«غروتسك» المتوالي- أن مسرح الكنيسة أصغر بكثير مما كنت أتذكره.

«الثانوية»

تقع مدرسة الرشيد الثانوية، أو «الثانوية» فقط، كما يسمّيها والدي وعدد كبير من مجايليه الرقيين، في الطرف الغربي من حديقة الرشيد والمجمّع الحكومي. كانت أول مدرسة إعدادية وثانوية في الرقة، وكانت سنة والدي في الأول الإعدادي أول دفعة تداوم فيها، وهي الدفعة التي زرعت أشجار حديقتها. من مميزات مدرسة الرشيد أن أشجارها جزء من باحتها، جزء مفتوح يعيش فيه الطلاب جزءاً من حصص فراغهم وأوقات الفرصة، وهذا أمر غير دارج في مدارس الرقة الثانية، فحدائقها، إن وُجدت، أصغر بكثير، وشبه ممنوعة على الطلاب.

لو نظرنا إلى المدرسة من السماء لوجدناها على شكل حرف E، أي صندوقان مفتوحان متجاوران، الشرقي هو الثانوية والغربي الإعدادية، يفصل بينهما كتلة بطابقين، طابقها الأرضي قاعة جمباز، وطابقها العلوي مسرح. ومقابل قاعة الجمباز مختبر علمي بقسمين، قسم لطاولات التجارب، وقسم آخر عبارة عن مدرّج يشبه مدرّجات الجامعات.

على عكس كل مدارس الرقة الباقية، ذات الهندسة الموحّدة على الشكل الصندوقي الكئيب، لمدرسة الرشيد تصميم فريد ومنشرح. باحتها واسعة، وكل صفوفها تطلّ على جانبين مفتوحين على الأقل. في بنيتها وتجهيزها، كانت أفضل من باقي المدارس الثانوية الأحدث حتى في التسعينات، وذلك يدعو للتفكير أنها كانت فعلاً مدرسة نموذجية حين تأسست في بداية الستينات.

بجانب المدرسة ملعب كرة قدم بقياسات نظاميّة، يحيط به مضمار ألعاب قوى. الملعب والمضمار ترابيّان، وقد كانا جزءاً من المدرسة حين بُنيت، قبل أن تُفصل المدرسة عن الملعب في الثمانينات بشارع ضيّق يؤدي إلى قيادة الشرطة والقصر العدلي، وقد كان هذا أول اقتطاع لامتداد المدرسة. الاقتطاع الآخر اقترفه محمد سلمان حين استخدم جزءاً من الحديقة الجنوبية للمدرسة كي يوسّع الشارع أمام المدخل الجانبي لقصر المحافظ.

صورة من ملعب ثانوية الرشيد في السبعينات، ويظهر المجمّع الحكومي خلف اللاعبين- موقع الرقة الرياضي

في الزاوية الجنوبية الشرقية للمدرسة هناك مولدّة كهرباء كبيرة، تعمل بالمازوت، وتصدر صوتاً عالياً ودخاناً كثيفاً حين يتم تشغيلها. هذه المولّدة لا تُخدّم المدرسة، بل قصر المحافظ. لا بأس أن يصمّ صوتها آذان تلاميذ قسم الصفوف الثانوية عند الحاجة إليها. هذا أفضل من أن تُزعج المحافظ وعائلته وزواره.

يبدو أنه كان هناك مكتبة في المدرسة حين كنت أدرس فيها، لكنني لم أزرها مطلقاً، ولا أذكر أن أحد زملائي قد استخدمها. ما أنا متأكدٌ منه هو وجود «أمينة مكتبة» رأيتها مرة واحدة حين اقتحمت علينا حصّة فيزياء في الصف الثاني الإعدادي كي تصفع أحد زملائنا لأنه كان قد تشاجر مع ابنها. وقد كانت زوجة مدير النفط آنذاك.

لم يكن لثانوية الرشيد أي موقع تفضيلي كمؤسسة، فهي مدرسة عامة كغيرها. لكن أسبقية تأسيسها، وعمل أكثر المدرسين قِدماً وخبرةً فيها، بالإضافة إلى كونها أول ثانوية لأجيال، أي أول ثانوية تعاقب عليها آباء وأبناء في المدينة، صنع لها «برستيجاً» كمدرسة يخرج منها أوائل المحافظة كل عام، قبل أن يتم إنشاء مدرسة المتفوقين في نهاية التسعينات. وكما كلّ الواقع التعليمي، شهدت المدرسة تردّياً في مستواها خلال العقود القليلة الأخيرة، حين أصبحت العملية التعليمية خارج المدرسة بشكل شبه كامل -في الدروس الخصوصية- خصوصاً في الصفوف الثانوية، وأصبحت المدرسة، تقريباً، مجرد هيكلية إدارية.

في الصراع مع الذاكرة

بإمكان القارئ أن يحذف كلام الفقرة السابقة بأكمله إن كان يريد أن يعرف واقع ثانوية الرشيد، ليس فقط خلال سنوات الثورة، بل حتى في السنوات التي سبقتها. ثانوية الرشيد لم تعد بهذا الشكل منذ منتصف العقد الماضي على الأقل. في البداية تم الاستغناء عن صالة الجمباز من أجل بناء صفوف إضافية، ثم تم الاستغناء عن المسرح المدرسي أيضاً للسبب نفسه. لاحقاً، وبعد أن أنهيتُ الثانوية وانتقلت إلى اسبانيا بعامين أو ثلاثة، تم فصل القسم الإعدادي عن الثانوي لبناء مدرستين منفصلتين، ثم دُمّرت الحديقة، نفسها التي زرعها طلاب الدفعة الأولى، دفعة والدي، من أجل بناء مدرسة المتفوقين الجديدة. من كل المساحات الشاسعة الخالية في المدينة، لم تجد مديرية التربية مكاناً للمدرسة الجديدة إلا في حديقة «الثانوية».

أيضاً، اقتُطع جزء من الملعب لبناء مقرّ جديد للبنك العقاري.

ينسحب هذا الواقع المتقادم في ذاكرتي عن الرقة على أغلب نواحي المدينة، ولم يبدأ هذا الأمر مع الثورة وما بعدها -وإن شهِد تحولات كبيرة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة- بل مع زياراتي الأخيرة للمدينة، حين أحسست بوحشة وغرابة عن تحولاتها، وفقدان الكثير من الألفة معها كمدينة، خارج إطار لقاء الأقرباء والأصدقاء. لم أكوّن يوماً أي نوعٍ من أنواع النوستالجيا الرومانسية للرقة، بل كانت مشاعري معها شديدة الواقعية: أنتمي لهذه المدينة، عشت فيها طفولتي ويفاعتي، لي فيها عائلة، لي فيها أصدقاء وأقرباء، ولكن ليس أكثر من ذلك بكثير.

في الواقع، بدأتُ أشعر بتعقيد علاقتي مع الرقة مع ثبات أن أقوى إحساس لديّ تجاهها هو الحزن العاجز عليها وعلى أهلها، أهلي، هذا الحزن الذي سيُغطي على أي نوع آخر من الأحاسيس، ويشلّ القدرة على استكشاف هذه الأحاسيس. يُغطي هذا الحزن أيضاً على المقدرة على أن تكون الرقة مادة تفكير أو عمل بالنسبة لي. لم أكتب أي مقالٍ تحليلي عن أوضاع الرقة أو استقراء مستقبلها خلال السنوات الثلاث الماضية، وليست قليلة المرات التي رددت فيها بضيق صدر على تعبيرات الدهشة أو الفضول التي يبديها من ألتقيهم من غير السوريين حين يعلمون أنني من الرقة، ولا أفخر أبداً بأن توتري بلغ حدّ التسافه المتعمّد مع أحد «الخبراء» الذي كان يحاول مناقشتي حول سلوك التحالف الدولي ضد داعش قبل بضعة أشهر.

أقصد بـ «صراع الذاكرة» عندي بخصوص الرقة أنني أتأرجح بين اعتبار التمسّك بذكريات الحياة في الرقة وكأنه فعل مقاومة، وبين رؤيته كسلوك أناني لا يخلو من رياء.أراه مقاومةً حين أفكّر أن محاولة الحفاظ على هذه الذكريات «طازجة» و«حيّة» أكبر وقت ممكن هو الجهد الذي يجب أن يُبذل في مواجهة احتلال استيطاني داعشي تجاوز الهيمنة العسكرية نحو ضروبٍ أوريلية من إعادة إنتاج المكان وأهله على شاكلة طغاته الجدد ومزاجهم، وتشكيل واقعٍ جديد للمدينة منسلخ عن أهلها وماضيها على طريقة «وزارة الحقيقة» في رواية 1984، وهذا يُواجَه -أُقنع نفسي- بالتمسّك بالذاكرة. لكن، من جهة أخرى، أتهم نفسي أحياناً بالرياء، إذ أتمسّك بشكلٍ واعٍ بصورٍ، شخصية وعامة، عن الرقة مع علمي أنها لم تعد موجودة. لم تعد «الثانوية» كما كانت عليه حين كنت طالباً؛ عيادة والدي لم تعد «رقم عشرة داونِنغ ستريت» بل أصبحت في مكانٍ آخر؛ أغلب المحلات التجارية التي أتذكرها أُغلقت أو حوّلت عملها؛ بل أن أغلب الأبنية والشوارع التي أتذكرها من طفولتي لم تعد كما كانت عليه. الرقة في ذاكرتي هي رقّة ما قبل عام 2000، حين كان عمري 16 عاماً، لكنها ليست ذاكرة نوستالجيّة لمن يتمنى أن يعود يافعاً، بل هي كذلك مع معرفة وتصالح تامّين بأننا في عام 2016، وأن عمري 32 عاماً. لديّ وعي كامل لوجود هذه المسافة السريالية.

أفعل هنا كما يفعل مستخدمو البرامج الالكترونية النزقين، الذين يعتادون على بُنية وآلية عمل أولى للبرنامج، وينفرون من كل التحديثات التي قد تطرأ عليه. وقد أصل في دوامات تذنيب الذات إلى حد اعتبار سلوكي مع ذاكرة الرقة شكلاً من أشكال التواطؤ مع عزلها عن العالم الخارجي.

أساس هذا الصراع، ربما، هو الحرمان من العلاقة الطبيعية مع المدينة كجزء من حياتي. الحرمان من المقدرة على اكتشاف هل أشتاق لها أم لا، ما هو نمط العلاقة التي أريدها معها، ما هو تواتر زيارتها الذي أقرره، ما هو نمط المساهمة التي أود أن أقدمها (أو لا) في حياة المدينة. بطبيعة الحال، لستُ المحروم الوحيد، بل أنني -مقارنةً بأغلب الرقيين الآخرين- غير محروم، فلديّ عوالم أخرى وخيارات مختلفة، على عكس من اضطر لتركها نحو المجهول، أو ما زال يعيش في مدينةٍ لم تعد إلا أسمال كابوسِ ما كانته. تجاه هؤلاء أشعر بتضامن خجول، يصدر عمّن لا يجرؤ على الحديث عن وحدة حال، ويشعر بالتالي بالعجز والذنب، ويهرب من هذا العجز إلى ذكريات «البرنامج» الأول كي يجد هناك موطئ قدمٍ ثابتة يراقب منه -بعجز، مجدداً- الرقة عام 2016.

لا أستطيع تبيّن حسمٍ لصراع الذاكرة الذاتيّ هذا. أستسخف هذه الأفكار أحياناً وألوم نفسي عليها، وأحياناً أخرى أضعها في مرتبة مركزيّة من تفكيري في كل الشأن العام. أياً يكن، ما لا شكّ لديّ به أن عودة أهل الرقة إليها، وعودة الرقة لأهلها، هو السبيل الوحيد كي أتذكر مدينة طفولتي كما أشاء، ودون أن أكترث لفروق الأحجام بين الذاكرة والواقع، وما هو أهم من كل شيء: دون إحساسٍ عاجز وعقيم وفارغ بالذنب.