تنتشر كثيرٌ من شبكات التهريب في محافظتي درعا والسويداء، وتنتقل السيارات المحملة بكافة أنواع السلاح والذخائر والمحروقات والمخدرات بشكل يومي، وعلى طرق مختلفة داخل محافظة السويداء، مروراً بعشرات الحواجز التابعة لنظام الأسد وميليشياته.

تعدُّ القرى التي تقطنها عشائر البدو بين محافظتي السويداء ودرعا نقطة البداية لعمليات تهريب السلاح لصالح تنظيم الدولة في جنوب البادية السورية، وهي قرى ينتشر فيها أصلاً عشرات المهربين من البدو، من أبرزها قريتي جدل والشياح. ويقوم مهربون هناك بشراء السلاح من المناطق المحررة في ريف درعا، ثم بيعه بطرق مختلفة لمهربين في ريف السويداء الغربي المتاخم لهذه القرى، وهي العمليات التي حدّثنا عن بعض تفاصيلها عددٌ من أبناء قرية جدل، رافضين الكشف عن أسمائهم بشكلٍ قاطعٍ.

تتم هذه الصفقات بطريقتين: الأولى بيعٌ وشراء، أي أن المهرب في السويداء يتوجه إلى مناطق قريبة من قرى جدل والشياح، ويشتري السلاح ويدفع ثمنه بنفسه ويتكفل بنقله عبر المحافظة إلى المهربين البدو في معاقل سيطرة تنظيم الدولة في البادية. أما الطريقة الثانية فهي ما يسمى «حمولة التأمين»، حيث يقوم المهرب في مناطق البدو بتسليم سيارة للمهرب في السويداء دون أي مبلغ مالي، على أن يقوم الأخير بتأمين نقلها عبر المحافظة إلى البادية، ويتلقى مقابل ذلك مبالغ ماليةً معينة.

أبرز الطرق التي يسلكها المهربون، هي تلك التي تبدأ من قرى جدل والشياح، لتنتقل إلى السويداء عبر قرى: داما، حران، ولبين. ثم تنتقل إلى ناحية عريقة لتمر بقرى مجادل ثم أم الزيتون، حتى تدخل مدينة شهبا لتتوجه بعدها باتجاه الشرق عن طريق بلدة نمرة ثم قرية أم ضبيب، لتدخل بعدها إلى قرية طربا المحاذية لبادية السويداء. وتكون قد قطعت بذلك أكثر من 4 حواجز للجيش السوري والفصائل الرديفة له، لتتوجه عقب ذلك إلى مناطق سيطرة التنظيم في البادية.

ليس هذا هو الطريق الوحيد الذي يمر عبره المهربون، لكن هذا الطريق يعتبر من أكثر الطرق أهمية، وذلك حسب شبكة السويداء 24 التي نشرت تقريراً موسعاً مرفقاً بخارطة لتهريب السلاح، استندت فيه إلى مصادرها من أهالي الريف الغربي في السويداء، الذين يشاهدون عمليات التهريب بشكل يومي.

تبدأ معظم هذه الشبكات عملها من منطقة اللجاة في ريف درعا، عن طريق عدد من المهربين البدو، ينحدر معظمهم من قرى اﻷصفر والقصر في ريف السويداء الشمالي الشرقي، ولكنهم غادروا قراهم منذ نهاية العام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، ليتوجهوا إلى اللجاة ويبدأ عملهم بعد التواصل مع أحد المهربين في مناطق سيطرة التنظيم في بادية السويداء، للاتفاق على الأسعار والكمية المطلوبة، ثم شراء الذخيرة والسلاح من معظم قرى وبلدات درعا التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة.

يتم نقل السلاح إلى قرية جدل المحاذية لقرى الريف الغربي في محافظة السويداء، ليدخل إلى ريف السويداء الغربي عن طريق عدد من المهربين من بينهم عناصر يتبعون للدفاع الوطني ومليشيات أخرى، أبرزهم المدعو «رياض أبو سرحان»، وهو من قرية لبين، وقد ورد أسمه في قوائم التهريب على عشرات مواقع التواصل الاجتماعي في السويداء، سواء المواقع الموالية منها أو المعارضة.

يعمل «أبو سرحان» مع العديد من الجهات المخابراتية، أبرزها فرع المخابرات الجوية بالتنسيق مع العقيد محمد برو المتواجد في مدينة شهبا، الذي وردَ اسمه في منشورٍ لإحدى الشبكات الموالية للنظام على فيسبوك، باعتباره مسؤولاً عن عمليات التهريب.

يقوم المهربون من قرى السويداء باستلام السيارة المحملة بالذخيرة والسلاح عبر الطرق الزراعية الواصلة بين قرية جدل والقرى التي يتواجدون فيها، ومسؤوليتهم هي تأمين الحمولة حتى تصل إلى بادية السويداء، أي أنهم لا يدفعون ثمن الحمولة بل يتقاضون مليون ليرة سورية لتأمينها، أو ما يسمى بين شبكات المهربين «حمولة التأمين».

يتم تسليم الحمولة في عريقة لعدد من المهربين، بينهم المدعو «فادي العبد الله» و«ريان أبو زين الدين»، وهما من عناصر الدفاع الوطني من بلدة عريقة، وقد ورد اسماهما وأسماءٌ أخرى في منشورات لصفحة أخبار السويداء مباشر الموالية للنظام السوري.

تفيد المعلومات بأن الذي يتكفل بنقل الحمولة من بلدة عريقة إلى مدينة شهبا يتقاضى مبلغ 100 ألف ليرة، وبعد نقلها إلى مدينة شهبا يتم تسليمها لإحدى المجموعات التابعة للمخابرات الجوية بإدارة العقيد محمد برو الذي سبق ذكره، حيث تتولى هذه المجموعة نقل الحمولة من مدينة شهبا إلى قرية طربا في الريف الشرقي للمحافظة مقابل 200 ألف ليرة.

يتم تسليمها في قرية طربا لمهربين من بينهم «رسلان الخطيب» وفق صفحات موالية وتأكيدات مصادر محلية أيضاً، ويحمل معظمهم بطاقات أمنية بحيث يتولى أحد المهربين من قرية طربا المتاخمة لمعاقل سيطرة التنظيم في البادية مسؤولية نقلها إلى المكان الذي يتم تحديده مسبقاً شرق قرية طربا، ليقوم بتسليمها هناك إلى أحد المهربين من بادية السويداء الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة.

بعدها يتم تسليم ثمن الحمولة الذي قد يصل أحياناً إلى 15 مليون ليرة سورية للمهرب القادم من قرية طربا، ليقوم بتسليمها عبر الشبكة نفسها حتى تصل للمهربين في اللجاة. أما المهرب في البادية فيقوم ببيعها بربح يحدده له تنظيم الدولة لأحد التجار، الذين يتولون نقلها إلى مدينة البوكمال أو مدينة الرقة شمال سوريا.

كانت هناك محاولات لمكافحة أعمال التهريب قامت بها فصائل المعارضة المسلحة في درعا، ومنها قيام محكمة دار العدل في 2/4/2016 بتوقيف «عناد البصيلي» الذي ينحدر من قرية شنوا، ومعه عدد آخر من المهربين، بتهمة تجارة السلاح لصالح تنظيم الدولة والاتجار بالممنوعات وغيرها، وتم إعدام عناد بتاريخ 10/4/2016، ما أدى لقيام المهربين بمهاجمة دار العدل بتاريخ 11/4/2016، حيث تم تطويقها واقتحامها وتخليص بقية الموقوفين من قبل مسلحي البدو الذين أخذوا جثة عناد. وقد تحدثت بعض أوساط المعارضة آنذاك عن الهجوم الذي تعرضت له دار العدل دون أي تفاصيل واضحة، في حين أكد لنا أهالي المنطقة تلك الحادثة بالأسماء والتواريخ.

أما في ريف السويداء، فتنتشر فصائل محلية في أغلب القرى، تهدف إلى حماية مناطقها في ظل الانفلات الأمني، ويستخدم عناصرها سلاحهم الشخصي ويرفضون القتال خارج قراهم أو تبني أي موقفٍ سياسي، ولا يعتمدون في تسليحهم على الأجهزة الأمنية ولا يتلقون الأوامر منها خلافاً لعناصر الدفاع الوطني، غير أنهم يعملون غالباً بالتنسيق مع الدفاع الوطني في قراهم، لأن عناصر الدفاع الوطني من أبناء القرى نفسها، وكان لبعض هذه الفصائل أيضاً محاولات لمكافحة التهريب.

تحدث لنا أحد أبناء قرية داما عن قيام الفصائل المحلية والأهالي في قريته الواقعة غرب محافظة السويداء صباح يوم الجمعة 29/4/2016 بإلقاء القبض على سيارة تحمل قذائف دبابات يقودها مهرب من قرية جرين المجاورة لقرية داما، يدعى نورس أبو حسون، وكان يحاول نقلها باتجاه الريف الشرقي من المحافظة، ثم قاموا بتسليمه لفرع المخابرات الجوية في مدينة السويداء، ليقوم العشرات من أقارب المهرب بمحاصرة الفرع في مدينة السويداء، ما أجبر قائد الفرع على إطلاق سراحه برفقة السيارة والحمولة التي كان ينقلها.

وليس بعيداً عن ذاك التاريخ أيضاً، في الشهر الرابع من عام 2016 قامت الفصائل المحلية في بلدة شقا بريف السويداء الشمالي الشرقي بالقبض على عناصر من المخابرات الجوية من مدينة شهبا، هم فراس العريضي، دانيال الطويل، وبيان شيب الدين، وقامت بمصادرة حمولة سلاح وذخيرة كانوا يحاولون نقلها إلى البادية، ثم قامت بتسليمهم مع الحمولة للمخابرات العسكرية، التي قامت بإطلاق سراحهم بعد أسابيع رغم القبض عليهم بالجرم المشهود وبحوزتهم عشرات القذائف والذخائر.

تحاول الأجهزة اﻷمنية في السويداء إظهار محاربتها للتهريب، عن طريق بثّ أخبار بشكل مستمر عبر وكالة سانا الرسمية عن قيامها بإلقاء القبض على مهربين وذخائر، وعرض صور لبعض من الذخائر دون الإفصاح عن هوية المهرب أو المكان الذي تم فيه إلقاء القبض عليه، لكن دائماً ما تكون هذه الأخبار مثيرة للسخرية بين الأهالي في محافظة السويداء، وهي ذات ترابط اجتماعي متين جداً بحيث أن كل الأحداث التي تحصل في المحافظة لا تخفى على أحد.

مع تسارع وتعدد الأحداث، بات تورط الأجهزة اﻷمنية في عمليات تهريب السلاح لتنظيم الدولة الإسلامية عبر محافظة السويداء واضحاً كعين الشمس، وكان من بين هذه الأحداث يوم الجمعة 27/5/2016، حيث تمكنت الفصائل المحلية والأهالي في قرية العفينة الواقعة جنوب المحافظة من إلقاء القبض على ضابط أمن القطاع الجنوبي في الدفاع الوطني رأفت السلامة برفقة عناصر آخرين من الدفاع الوطني من قرية عرى، وبحوزتهم كميات كبيرة من مادة TNT تزن 800 كيلو غرام، التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية في صناعة العبوات الناسفة و الألغام التي راح ضحيتها أكثر من عشرة مدنيين في قرى الريف الشرقي من السويداء، بالإضافة لذخيرة رشاش 14،5 وعدد من القذائف كانوا يحاولون نقلها باتجاه بادية السويداء.

قام أهالي قرية العفينة بتسليمهم برفقة الحمولة لأجهزة المخابرات، التي قامت بدورها بتحويلهم إلى مركز الدفاع الوطني في مدينة السويداء ليقوم قائد المركز رشيد سلوم، الذي يتهمه الأهالي بالفساد، باﻹفراج عنهم دون أي محاسبة، ما أثار غضباً شديداً واستنكاراً في أوساط المحافظة لهذه التصرفات تحت غطاء أجهزة المخابرات، وذلك حسب ما نشرت العديد من الشبكات الموالية أو المحلية في السويداء.

كذلك بتاريخ 24/10/2016 قام عناصر يتبعون للدفاع الوطني بمصادرة شاحنة تنقل صواريخ غراد من ريف السويداء الغربي إلى معاقل داعش في الريف الشرقي، وذلك حسب ما نشرت صفحة تابعة للدفاع الوطني.

لكن الصفحة تكتمت عن ذكر تفاصيل إضافية عن المهرب، واكتفت بعرض صور للصواريخ، وسيارة نوع «غريت ويل» كانت الصواريخ بداخلها، ولأسباب مجهولة!! وقالت مصادر خاصة من مدينة شهبا للسويداء 24 آنذاك إن السيارة تعود لأحد عناصر المخابرات الجوية من مدينة شهبا، المدعو شادي الخطيب، وهو أحد أبرز مهربي السلاح لتنظيم داعش.

اللافت في اﻷمر أن شادي الخطيب شوهد في مدينة شهبا وبحوزته سيارة «الغريت ويل» التي كانت تنقل الصواريخ، وذلك في اليوم نفسه الذي أعلن فيه الدفاع الوطني القبض على الشاحنة!! وقد قالت مصادر أخرى من المدينة إن شادي الخطيب قام بجلب الصواريخ من الريف الغربي وتسليمها للدفاع الوطني بعد اتفاق فيما بينهم، وذلك بهدف تلميع صورة عناصر الدفاع الوطني الذين يتهمهم الأهالي بشكل مباشر بعمليات التهريب.

استشهدَ أكثر من 30 معتقلاً سياسياً من أبناء محافظة السويداء تحت التعذيب في أقبية المخابرات خلال الثورة السورية، بينما لم تسجل المحافظة بقاء شخصٍ واحدٍ يقوم بتهريب السلاح إلى داعش في السجن، وهي الحوادث التي لا تزال تتكرر، وتعدُّ في حدّ ذاتها دليلاً على مسؤولية النظام السوري الرئيسية عن تهريب السلاح إلى تنظيم الدولة، وهو ما بات معروفاً بشكلٍ لا لبس فيه لأبناء ريف السويداء.