مراسل سانا في حمص: تفجيران إرهابيان انتحاريان في مركزين أمنيين بمدينة حمص يسفران عن ارتقاء عدد من الشهداء ووقوع جرحى.
سانا: الخارجية الروسية: ندين الهجوم الإرهابي في مدينة حمص وندعو إلى معاقبة من يقف وراءه.
25/02/2017
لمعت الفكرة -البسيطة- في رأس أبي همام وهو يلّف سيجارته «العربي»:
في بداية العام 2013 وصل عدد سكان حي الوعر إلى 800 ألف نسمة حسب إحصاءات الهلال الأحمر العربي السوري وبعضِ الجمعيات الإغاثية في حمص. جُمِعَ هذا الرقم الضخم الذي يشكل أكثر من نصف سكان المدينة في حيٍّ واحد بعد موجات النزوح من أحياء حمص القديمة، والأحياء المحاصرة أو المهدّمة كبابا عمرو والخالدية والبياضة ودير بعلبة؛ في حي واحد هو الوعر، تحت أعين النظام ورضاه.
عمل النظام بعد فترة وجيزة على توتير الأمور في الحي من خلال عدة قذائف هاون كل عدّة أيام، سبقتها حملات اعتقال ودوريات أمنية تتجول ضمن الحي، إلى أن انسحب نهائياً منه مع نهاية العام 2014، لتكون الوعر «الحصار الجديد» بديلاً من حمص القديمة التي انسحب ثوارها منها في منتصف ذلك العام، مع ثلاثة فوارق جوهرية: الأول هو عدد العائلات الكبير جداً في حيٍّ واحد هو الوعر مقارنة بأحياء حمص القديمة وما يجاورها من أحياء محاصرة، والتي كان يصل عددها إلى أربعة عشر حيّاً. الفارق الثاني هو أن النظام دفع بشكل غير مباشر إلى جمع هذا الحشد الكبير من الناس في منطقة الوعر لتفريغ وسط المدينة الثائر من سكانه خلال حصاره لأحياء حمص القديمة. والفارق الثالث أن حي الوعر منفصل جغرافياً عن أحياء مدينة حمص وحتى عن ريف المدينة، ما يُسهّل السيطرة عليه.
بعد أن أتم النظام إخضاع وسط المدينة وتدميره وتفريغه تماماً من الحاضنة الشعبية للثورة بعد الخروج الشهير لثوار حمص القديمة، عمل لاحقاً على تفريغ الوعر أيضاً، باعتباره آخر الأحياء المتمردة عليه في مدينة حمص، عبر تهجير سكان الحي بواسطة القصف المتكرر إلى مناطق سورية أخرى أو إلى بلدان الجوار، أو إلى الأحياء القليلة الباقية في المدينة، التي كان النظام قد أحكم سيطرته عليها كليَّاً من خلال الجدران الاسمنتية التي طوقتها كحي الإنشاءات، أو الحواجز الأمنية التي طوَّقت مداخلها ومخارجها كحي الغوطة، في محاولة للقضاء على الثورة نهائياً في حمص.
مع هذا بقي عدد العائلات كبيراً في الحي إذا ما قورن بحمص القديمة، وبينهم عدد كبير من الشباب الذين وجدوا في الحي المحرر/المحاصر ملجأً لهم من معتقلات النظام، الملجأ الذي تحول مع الوقت هو الآخر إلى معتقل.
معتقلٌ تبلغ مساحته أربعة كيلومترات مربعة، وفي الهواء الطلق هذه المرة، والأهم من كل هذا أن «كلفته أرخص بكثير من السجون ذات الجدران»، كما قال أبو همام وهو ينفث دخان السيجارة، والسوخوي 22 تحلق في الأجواء.
***
المركز الإعلامي السوري SMC: حصيلة التصعيد العسكري على حي الوعر اليوم: 48 غارة جوية/11 اسطوانة متفجرة/ 57 قذيفة هاون /30 قذيفة دبابة / وقنص مستمر من كل نقاط النظام في محيط الحي.
25/02/2017
اعتادَ على الأمر، ليس هذا هو الحصار الأول ولن يكون الأخير، وليست هذه هي الحملة العسكرية الأولى على الحي وقد لا تكون الأخيرة؛ وبالتأكيد ليست المرة الأولى التي يسقط فيها شهداء ولن تكون الأخيرة. كيف لا والنظام يخيرهم بين أمرين لا ثالث لهما، إما الموت هنا أو الموت في إدلب، البيت الجديد للمحاصرين والمهجرين من أرضهم.
لا ينسى أحمد يوم خروجه من حي الخالدية الذي اختاره الأب مكاناً لبيته الجديد الذي تزوج فيه وأنجب أبناءه الأربعة، وهو أكبرهم. كان ذلك في يوم الخميس 15 آذار 2012، الذكرى الأولى لانطلاق الثورة السوريّة، عندما قرر والده الخروج من الخالدية التي شهدت قصفاً غير مسبوق وقتها بقذائف الهاون.
كانت الفكرة هي زيارةٌ لأيام قليلة إلى منزل العمة الفارغ في الوعر الهادئة آنذاك، «لترتاح أعصابنا» كما قال، ثم العودة إلى الخالدية بعد أيام قليلة، إلا أن قصف أحياء الخالدية والقصور وحمص القديمة، ومن ثم الحصار الشهير لأحياء حمص القديمة وما جاورها، حوَّلَ الزيارة إلى إقامة، والإقامة بدورها إلى حصارٍ للابن الذي بقي في الوعر هرباً من الخدمة العسكرية، وإلى شتاتٍ للعائلة التي قررت الخروج إلى مناطق أخرى هرباً من الحصار الجديد.
لم يكن أحمد صاحب الـ 26 عاماً يعرف أن مجيئه إلى الوعر سيدوم خمس سنوات، وأنه سيشهد حصارات متعددة وحملات عسكرية كثيرة بين فترات تهدئة تختلف مدتها حسب الوضع السياسي. أما الحملات فإنها تزداد عنفاً حملة إثر حملة، حتى أنه اضطر أن يغير سكنه من منزل العمة الذي أصبح جبهة بين الثوار والميلشيات الشيعية المحيطة بالحي إلى منزل آخر. لكنّ أحداً لم يكن يتوقع عنف الحملة الأخيرة، خصوصاً في يومي 25 و26 شباط اللذين شهدا ما يقارب مئة غارة جوية، اضطرته إلى تغيير منزله مرتين في يومين، ولا يعرف إن كان سيغير منزله من جديد أم لا.
***
مركز حمص الإعلامي: شنّ الطيران الحربي أكثر من 21 غارة جوية على الحي المحاصر، 10 غارات بالصواريخ الفراغية و12 غارة بالصواريخ المظلية، ما أدى لارتقاء شهيدين وإصابة العشرات من المدنيين بعضها إصابات خطيرة، مع دمار بالمرافق السكنية ومباني الحي.
26/2/2017
«وإننا حين ندرك شاعرية الحجر، فإننا نحرره من تحجّره»، من رواية أفونسو كروش، هيا نشترِ شاعراً.
تذكّرَ عامر هذه الجملة كثيراً خلال طريقه صباحاً في شوارع الوعر الفارغة إلا من الرصاص والصواريخ، وهو يمشي فوق الحجر المتطاير من البيوت بسبب الغارات الجوية أمس، انتقاماً من العملية التي استهدفت فرعي أمن الدولة والأمن العسكري في حمص. فتاتُ الحجر يغطي كل مكان، أبنيةٌ بأكملها سوّيت بالأرض؛ كانت قبل عام 2011 حلماً لمعظم «الحمامصة»، وأخرى فقدت واجهاتها الجميلة، وما بقي من بيوت ترك القصف عليه ندبات من الصعب أن تمحى، معظمها قد تركها أصحابها مفتوحة للهواء البارد، هرباً من الموت.
فكرّ في الأمر كثيراً، رغم الفرق بين ما قصده هو وما كان يقصده شاعر كروش في روايته: هل تجعل كرامة من بقي وصمد في هذا الحي من هذا الحجر شاعرياً على الرغم من الكارثة التي حلّت؟ لا بالطبع. هذه المرة لم يكن الحجر شاعرياً، ضحكاتُ الناس الذين صادفهم في مشواره الصباحي السريع خوفاً من القصف، ورغم الحزن الذي يلّف هذه الضحكات، كانت أكثر شاعريّة.
***
مركز حمص الإعلامي: قوات النظام تحاول استغلال تفجيرات الأفرع الأمنية التي حدثت في مناطقه لقتل وتدمير وتهجير سكان الحي، مع حملة مستمرة من التصعيد العسكري ممتدة منذ 17 يوماً وما تزال مستمرة.
26/2/2017
لا تعرف أم محمد بعد إن كان الأمر سيطول أكثر أم لا، تخرجُ من طلوع الفجر الذي يتناساه القصف، ولا يبقى مستيقظاً من أجله إلا مناظير القناصين المحيطين بالحي من كل حدبٍ وصوب. تداري نفسها في الطرقات حرصاً من رصاصاتهم، وتجري عند كلِّ لوحة كرتون عُلِّقَت على زاوية عمود كهرباء كُتِبَ عليها «انتبه قناص»، حتى تصل إلى منزلها وتجهز طعام أطفالها الذين أصبحت لهم أمّاً وأباً بعد مقتل زوجها تحت التعذيب، بُعيد اعتقاله على حاجز دوار القاهرة في حمص منذ عام 2011.
«طبخة على السريع عالببور» كما تقول، لتأخذَ بعدها بعض الحاجيات الشخصية ثم تعود. لم أسألها عن الطبخة التي يشترك بها كل من هو متواجد في الوعر، إما الأرز أو البرغل، وفي أحسن الحالات مجدرة بلا بصل طبعاً بسبب ظروف الحصار في الحي الذي يعيش أهله على القوافل الأممية التي تدخل شهرياً إلى الحي، لكنها هذه المرة تأخرت أربعة أشهر، وعندما اقتربت من حاجز الشؤون الفنية على مدخل حي الوعر في العشرين من شباط، سُرِقَت معظم شاحناتها من قبل ميليشيا الرضا الشيعية في وضح النهار وأمام أعين موظفي الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
في فترات الهدوء تعمل أم محمد في تنظيف البيوت لتأمين قوت يوم أطفالها، وهي الأم والأب لثلاث بنات وصبي، وهم اليوم كجميع من يقطن الملاجئ خلال هذه الفترة؛ أصابتهم الأمراض الموسمية، فالعدوى سهلة هنا و18 يوماً في الملجأ «ليست هيّنة» كما تقول أم محمد، لكنها أصبحت أهون مع نبأ مقتل حسن دعبول رئيس فرع الأمن العسكري في حمص، كيف لا وقد يكون هو من أمر بقتل زوجها؟!