ولدَ المسار التفاوضي السوري دون حضور أي سوريين، وخلافاً لما قد توحي به الأرقام المتتالية التي توضع إلى جانب كلمة جنيف عند الحديث عن المفاوضات بين النظام والمعارضة في سوريا، فإن مؤتمر جنيف1 لم يكن محطة المفاوضات الأولى بين الطرفين، لأنه لم يكن للنظام السوري ولا لأطياف المعارضة بما في ذلك مكونها الأبرز آن ذاك، المجلس الوطني السوري، أي تمثيلٍ فيه:
– جنيف 1 هو اجتماعٌ لمجموعة العمل الدولية من أجل سوريا، عُقدَ في الثلاثين من حزيران/يونيو 2012 في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، بدعوة من كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، وأسفر عن إصدار بيان جنيف 1، الذي تضمن نقاطاً لحل المسألة السورية أبرزها ضرورة العمل على تأسيس «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة».
– لا تزال وثيقة جنيف 1 هي الأساس النظري المتفق عليه لحل الأزمة السورية، وخاصة أنه تمت الإشارة إليها وتبنيها لاحقاً في عدة قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي، إلا أن ثمة خلافاً مستمراً حول تفسير معنى عبارة «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة».
– جاء مؤتمر جنيف2 في 22 كانون الثاني/يناير 2014، بناء على دعوة من الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، الذي كان قد اختير لهذه المهمة صيف 2012 خلفاً لكوفي عنان. وكان المؤتمر واحداً من نتائج التعاون الروسي الأميركي، الذي أفضى إلى نزع سلاح النظام الكيميائي في أعقاب المذبحة الكيماوية التي ارتكبها في غوطة دمشق الشرقية.
– رفضت المعارضة في البداية حضور المؤتمر دون ضمانات، لكنها عادت ووافقت بعد ضغوطٍ من حلفائها الغربيين والعرب، وأدى حضور المؤتمر إلى خلافات عميقة في صفوفها، إذ رفضته الفصائل العسكرية المعارضة، كما رفضه ممثلو المجلس الوطني السوري الذين انسحبوا من الائتلاف مؤقتاً احتجاجاً على المشاركة.
– وجّه الأخضر الإبراهيمي دعوةً لإيران لحضور المؤتمر، لكن تم سحبها لاحقاً بضغط من الولايات المتحدة، ورغم أن روسيا رأت في سحب الدعوة الموجهة لإيران خطأً كبيراً، إلا أنها وافقت على حضور المؤتمر، بعد أن بدا أن الإصرار على حضور إيران سيطيح به.
– في جنيف 2 كان أول لقاء بين ممثلين عن النظام السوري وممثلين عن المعارضة السورية ممثلةً بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وبدأ المؤتمر بجلسة افتتاحية علنية، ألقى كلمة النظام فيها وزير خارجيته وليد المعلم، في حين ألقى كلمة المعارضة رئيس الائتلاف آن ذاك، أحمد عاصي الجربا.
– في جنيف 2 كان هناك جولتان من المفاوضات المباشرة بين النظام والمعارضة، شغلَ فيهما هادي البحرة موقع كبير مفاوضي الائتلاف، وأعلنَ الأخضر الإبراهيمي في 15 شباط/فبراير 2014 فشل المفاوضات بسبب رفض النظام مناقشة الانتقال السياسي، واستقالَ من منصبه في إيار/مايو من العام نفسه.
– تم تعيين ستيفان ديمستورا مبعوثاً دولياً إلى سوريا في 10 تموز/ يوليو 2014، وعقدَ عشرات اللقاءات مع مسؤولي العواصم المؤثرة في الصراع السوري، ومع مسؤولي النظام السوري وهيئات وشخصيات المعارضة المختلفة، محاولاً تهيئة الأجواء لجولات جديدة من المفاوضات، ولكن دون نتائج تذكر طيلة عامٍ ونصف.
– عملَ ديمستورا على تمثيلٍ أوسع للمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني في المفاوضات المرتقبة، وتزامن عمله هذا مع تأسيس تكتلات معارضة أخرى مقابلة للائتلاف، إذ قامت أطيافٌ أخرى من المعارضة بإعلان منصات موسكو وأستانة والقاهرة بناء على اجتماعات في تلك العواصم، وضمت تلك المنصات شخصيات مقربة من موسكو، وشخصيات تشارك النظام السوري رؤيته حول أولوية الحرب على الإرهاب.
– تلاقى عمل ديمستورا أيضاً مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية، وتشكيل التحالف الدولي للحرب على الإرهاب الذي بدأ غاراته في سوريا أيلول/سبتمبر 2014، وبعدها التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2015.
– تم تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض في 10 كانون الأول/ديسمبر 2015، وضمت ممثلين عن الائتلاف وهيئة التنسيق الوطنية والفصائل العسكرية وشخصيات مستقلة، وترأسها رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق، رياض حجاب.
– مؤتمر جنيف 3 هو جلسات مفاوضات غير مباشرة، كان من المفترض أن تبدأ في 25 كانون الثاني/يناير 2016، لكن انطلاقتها تأخرت بسبب عدم حضور وفد الهيئة العليا للمفاوضات، الذي ذهب إلى جنيف في اليوم الثالث بعد ضغوط دولية وضمانات غربية وخليجية.
– ترأسَ وفد الهيئة العليا للمفاوضات الضابطُ المنشق أسعد الزعبي، وتم تعيين محمد علوش ممثل جيش الإسلام كبيراً للمفاوضين، وحضر في المؤتمر ممثلون عن منصات المعارضة الأخرى بوصفهم استشاريين.
– لم تتم دعوة ممثلين عن القوة الكردية الأكبر في سوريا، حزب الاتحاد الديموقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديموقراطية. ولا يزال ممثلو هذا التيار يطالبون بالمشاركة في المفاوضات حتى الآن، دون أن تتم تلبية مطلبهم.
– أعلن ديمستورا تجميد المفاوضات مؤقتاً في 3 شباط/ فبراير جراء تصعيد النظام وروسيا قصفهما على أحياء حلب الشرقية، قائلاً إن المعارضة طلبت وقف إطلاق النار بالتزامن مع المحادثات، لكن النظام رفض ذلك.
– بعد إخلاء أحياء حلب الشرقية بضمانة روسية-تركية في أواسط كانون الأول/ ديسمبر 2016، بدأ مسار تفاوضي موازٍ في العاصمة الكازخية أستانة، وحضره ممثلون عن النظام وعدد من أبرز الفصائل العسكرية التي تقاتله، ويهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة.
– عقدت أولى جولات أستانة في 23 و24 كانون الثاني/يناير 2017 برعاية تركيا وروسيا وإيران، وتضمن بيانها الختامي ضرورة وضع آلية لمراقبة تثبيت وقف إطلاق النار، الذي يستثني داعش وجبهة النصرة، ودعمَ المباحثات السياسية في جنيف برعاية الأمم المتحدة.
– استمرت المعارك متفاوتة العنف على مختلف جبهات القتال في سوريا، ورغم ذلك لا تزال الدول الفاعلة في الملف السوري تعتبرُ وقف إطلاق النار سارياً. وعُقدت جولة أستانة 2 في 16 شباط/فبراير، وأستانة 3 في 15 آذار/مارس، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، غير أن المعارك لا تزال مستمرة، وبلغت سويات عالية من العنف في محطات متتالية، أبرزها معارك وادي بردى وغوطة دمشق الشرقية وأحياء دمشق الشرقية التي بدأتها قوات النظام السوري، ونجحت عبرها في إخلاء وادي بردى عبر اتفاق تهجير. ومعارك حي المنشية في درعا وحيي جوبر والعباسيين في دمشق وريف حماة الشمالي، التي بدأتها فصائل المعارضة.
– بالتوازي مع مسار أستانة، عُقدَت محادثات جنيف 4 في 23 شباط/ فبراير 2017 واستمرت حتى 3 آذار/مارس، وترأس فيها بشار الجعفري وفدَ النظام، في حين ترأس نصر الحريري وفدَ الهيئة العليا للمفاوضات، وشغل محمد صبرا موقع كبير المفاوضين. وكان من المفترض أن يتم إشراك ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو في وفد الهيئة، إلا أن المنصتان اعترضتا على عدم توازن التمثيل، ما دفع ديمستورا إلى دعوة ممثلين عنهما بشكل مستقل.
– بعد الجلسة الافتتاحية بدأت جلسات المفاوضات غير المباشرة، وأسفرت عن ورقة تضمنت جدول أعمال للمفاوضات المقبلة، ووافقت المعارضة على مناقشة مسألة الحرب على الإرهاب، في حين وافق النظام السوري للمرة الأولى على مناقشة مسألة الانتقال السياسي.
– بدأت محادثات جنيف 5 في 23 آذار/مارس 2017، وانتهت في 31 من الشهر نفسه، وناقش فيها ديمستورا في جلسات متتالية مع الوفدين المسائل الأربعة المتفق على نقاشها، وهي الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، وأعلن ديمستورا أن هناك «تقدماً في المحادثات رغم أن المفاوضات الفعلية لم تبدأ بعد».
– تبدو الهيئة العليا للمفاوضات على وشك خسارة مكونها الكردي في نهاية جنيف 5، بعد انسحاب ممثلي المجلس الوطني الكردي، نتيجة رفض الهيئة طلب إدراج مسألة الحقوق القومية للأكراد في الورقة الأساسية التي أعدها ديمستورا.
– لا يزال النظام السوري يقول إن أولويته هي الحرب على الإرهاب، في حين لا تزال الهيئة العليا للمفاوضات تقول إن أولويتها هي الانتقال السياسي، مؤكدة على رفضها بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، وهو المطلب الذي تراجع أغلب حلفاء المعارضة عن دعمه، أو اعتباره الشرط الأساسي اللازم لإنهاء الصراع في سوريا.